تسمح لي أخدعك؟..اتفضل

سامح عسكر في الثلاثاء ٠٧ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

تابعت حوار السيسي مع الإعلامي أسامة كمال، وقد تطرق فيه لمسائل متعددة روعي فيها كالعادة (التعميم والعواطف) وعدم حل القضايا الملغزة أو الاقتراب من المناطق الشائكة، بما يعني أن الحوار مرتب له مسبقا والأسئلة مختارة بعناية، بل أزعم أن هذه النوعية من الأسئلة صيغت في جهاز المخابرات وليس من إعلامي مفترض أنه يخاطب ضمير الشعب لا الحكومة..

وتعززت هذه الرؤية بتقديم الخطاب إعلاميا تحت عنوان (إنجازات السيسي في عامين) كدعاية إعلامية يقضي بها على آثار أزمة تيران وصنافير التي لولاها ما لجأ لهذه الحيل المكشوفة، لكن يظل هذا العنوان (الدعائي) في حد ذاته أزمة قد تدفع للسؤال عن جدوى الحديث عن إنجازات في غياب تقارير دولية ومحلية تنصف الوضع الاقتصادي، أو حتى تقارير من متخصصين ينجحوا في مخاطبة الشعب الذي يئن من ارتفاع الأسعار ومن نقص شديد في السيولة ..لكن هذه أسئلة أزعم أنها لا تشغل بال (المنتشين) من خطابه، فحالة الانتشاء النفسي ورفع الأمل والتفاؤل للدرجة القصوى تُعمي القلوب والأبصار، وتنزع من العقل ميزته النقدية، وتجعل من الشك هدما أو مؤامرة ضد الدولة..

وبانطباعي كمصري سأعترف لأول مرة:

أن السيسي لو ظل على هذه الطريقة من الخداع في السلطة والتحدث للعواطف سيظل رئيسا للأبد..

الناس تنسى الخدعة الأولى لو قُدمت لها (الخدعة الثانية) بطريقة جيدة، وهو ماهر جدا في ذلك، ويبدو أن لديه مستشارين إعلاميين مميزين أو هو نفسه لديه مَلَكة خطاب الإعلام

في السابق راهنت على سقوطه إذا استمر بنفس طريقته في الخداع وثورة المثقفين ضده، فقط على أمل أن يراجع ضميره أو يغير من طريقته، ولكن الاستمرار بنفس الأسلوب صحيح يعزله عن فئة المثقفين لكن يجلب إليه العوام والجهلة، وهذه فئة لو ضمنها الحاكم سيضمن بها السلطة للأبد..

وهذا يعني إمكانية حدوث فراغ كبير بين (القول والعمل) أو (الثقافة والشارع) أو بين (العاطفة والسياسة) وفي كل الأحوال هذه أزمة كبيرة تصيب أي شعب يعتمد فقط على عواطفه في الاستنتاج..مؤداها في الأخير دولة وشعب معزول عن واقعه لحد الموت..

المثقفون وحدهم من يملكون ميزة التفكير المنطقي والرياضي، وهم من بيدهم التمييز بين المخادع والصادق، وخسارتهم يعني السير في هذا الطريق المجهول والملبد بالمخاطر، أما كسب عواطف بعضهم فلن يغير من الأمر شئ..لأن ضعف المثقف غالبا يبدأ من ضعف عواطفه قبل عقله، وهي صفة تخرج المثقف من فئة الثقافة بالكلية وإن انتسب إليها شكليا..

في كل الأحوال: هذه الطريقة في الحكم ربما يخسر بها السيسي المثقفين ويجلب إليه ذوي الأهواء والمنافع..وربما هو يعلم ذلك جيدا ويرغبه..لكن في نفس الوقت هو يضمن بها ولاء شريحة مهمة في المجتمع وهم الجهلاء والأميون..وقد ظهروا في الدفاع عنه ضد الصحفيين من قبل وسيستخدمهم ضد كل معارضيه إذا لزم الأمر..وضمان هذه الفئة مع ولاء الجيش والشرطة يعني بقاءه حاكما

هذا لا يعني الحديث عن حُسن وسوء الأحوال

سياسة الخداع علميا كما تهدم هي تبني، مجرد عالَم من الكذب يعيش فيه الحاكم والمحكوم، المؤيد والمعارض..تهدم لأن الرجل اعترف بخداعه للشعب في مشروع قناة السويس بجملة واحدة وهي أن الغرض من المشروع هو (رفع الروح المعنوية) لم يتحدث عن مقايسات أو دراسة جدوى لأنها لم تكن موجودة بالفعل، ولو وجدت لتحدث بها أي فرد في مؤسسة الرئاسة..ومع ذلك نسي هذه الخدعة مؤيدوه وأملوا في مشروع آخر لا يكون بنفس المصير..وليكن مشروع الفرافرة أو النصف مليون وحدة سكنية..

وما الضامن على أن هذه المشاريع لا تكن خدعة هي الأخرى؟..لماذا لا يكن دافعها مجرد رفع الروح المعنوية في خضم أزمة بيع الجزر التي هددت عرشه عمليا؟..سؤال لمؤيديه..لكن لماذا نسألهم وقد علمنا طبيعتهم فهم إما جهلاء أو عاطفيون أو ذوي الأحقاد ضد كل ما يؤدي للديمقراطية وما يتبعها من تمكين رأي الجمهور على اختلاف مشاربه وألوانه..

أما كيف تبني هذه السياسة فالدكتاتور مع ظلمه إلا أنه يتميز (بخفة الحركة وسرعة القرار ونفاذه) فإذا كان قراره في الأخير فرديا فهذا يعني أنه سيطبق وجهة نظره كاملة، والإنسان ليس شريرا بالمطلق، وهو يعني أن جانب الخير في السيسي يجبره على اتخاذ مواقف بناءه حتى لو تعارضت مع مصالح حلفائه، فالرجل دكتاتور لا يميز بين رأي الحلفاء والمعارضين..كلها لديه آراء ممتهنة.

والتاريخ ملئ بهذه النماذج..منها ما يحكم نظام ديمقراطي ولكن بروحه الدكتاتورية يغير من الواقع وينقل مجتمعه لرؤية جديدة (كآريئيل شارون) في إسرائيل مثلا، الرجل دكتاتور في مجتمع ونظام ديمقراطي، وبروحه الدكتاتورية نقل إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين إلى صورة أخرى ظهر منها الصراع الفلسطيني الفلسطيني موازٍ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا لم يكن يتحقق سوى بانسحابه من قطاع غزة..وهو قرار يمس الهوية الإسرائيلية وعقيدتها الدينية أي ليس بالسهولة أن يفعل حاكم إسرائيلي نفس ما فعله شارون..ولدينا نموذج إسحاق رابين من قبل..مجرد اتفاق سلام كلفه حياته..فما بالك بانسحاب عملي من أرض يعتقدون أن ملكيتها بقرار إلهي..

ومنها ما يحكم نظام وشعب غير ديمقراطي كنموذج جمال عبدالناصر في مصر، الرجل دكتاتور يحكم نظام دكتاتوري وشعب مختلف ومحتار، لكن بدكتاتوريته ووضوحه نزع الحيرة والشك، وأجبر المختلفين على التوحد خلفه، وحظى بشعبية أزعم أنه لم يحصل عليها أي حاكم مصري في التاريخ، ومع ذلك نجح عبدالناصر في البناء وخلق شخصية مستقلة لمصر ومشروع نهضوي يحقق قيم العدالة الإنسانية، لكن الجانب السئ في الدكتاتور هو الذي نعاني منه الآن، فقد أرسى عبدالناصر قواعد للحكم والتفكير لا ترى سوى الانفراد بالرأي، وسن سنة سيئة بتدخل الجيش في السياسة، قد يصلح ذلك قديما، أما في مجتمع التكنولوجيا فتدخل الجيش يعني انحطاط ثقافي وعزلة عن الكون

لكن مع ذلك لا يجوز التشبيه بين شارون وعبدالناصر من جهة..وبين السيسي من جهة أخرى، فارق بين السماء والأرض..

شارون كان واضحا لم تسجل له خدعة واحدة لشعبه، حتى بعد موته ظل رمزا لدولة إسرائيل، وكذلك عبدالناصر..أما السيسي فهو يخدع ويصر على التمادي، ويعتمد فقط على سلاحي (الإرهاب والعاطفة)

الرجل يمارس الإرهاب عمليا بتخويف الشعب من معارضيه، وقديما قال إينشتاين أن أسهل الطرق للحكم هو تخويف الشعب، وقتها يظن الجمهور أن لا ملجأ له إلا للحاكم، ويقبلونه بكل عيوبه أسوة بمبدأ.."اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش"..أو.."الأمن قبل الغذاء والثقافة"..وفي تقديري ان هذه الآفة تصيب حتى المجتمعات الديمقراطية، ولدي نموذج .."جورج بوش الإبن"..كان خطابه للداخل (تخويف) فنجح في البقاء في السلطة لدورتين رغم أن الرجل على مستوى السياسة ضعيف وفقير وورط أمريكا ورطة لم تخرج منها إلى الآن سياسيا واقتصاديا..

كذلك فعبدالناصر مع عيوبه لكن استقل بمصر وبمشروع اقتصادي قوي نقل الدولة نقلة نوعية أصبحت مصر عبدالناصر زعيمة عربيا وإفريقيا وإسلاميا، وهذا يختلف (كليا) عن السيسي، الرجل غير مستقل وضعيف جدا أمام المال، وليس لديه مشروع اقتصادي..فقط يعتمد على المعونة الخليجية والقوات المسلحة خصوصا في البنية التحتية، ولديه حلم تكرار نموذج عبدالناصر ولا يفطن أن أولى وسائل إنجاز هذا الحلم هو التخلص من الهيمنة السعودية والأمريكية على مصر، وبسياساته يرسخ هذه الهيمنة، حتى أنه تمادى فيها لحد أن يبيع أرضه للسعودية مقابل المال..وهذه مفارقة لم تحدث مع أي رئيس مصري..بما يعني أن الرجل بسياساته أثبت أنه ليس مصريا بل سعودي الهوى ، وبسعوديته ساهم في تمكن آل سعود من رقاب العرب والمسلمين، وهي أسرة تاريخيا لديها مشاكل مع الأشقاء في الدين واللغة أكثر من غيرهم..

اجمالي القراءات 6280