الصلاة الوسطى
في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – الصلوة الوسطى والمحافظة على الصلوة - جزء 11

غالب غنيم في الجمعة ٢٧ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – الصلوة الوسطى والمحافظة على الصلوة - جزء 11

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر - 36

______________

مقدمه :


نظرا لإستمرار التساؤل عن الصلاة الوسطى، وقضية الذين هم على صلواتهم يحافظون، اضطررت أن أعود لأكمل بعض القضايا المتعلقة بالصلوة مثل هذه، كما لاحقا بإذن الله تفصيل مدلول الصلاة من يوم الجمعه.
وفي هذا البحث ساقوم بتدبّر قضيتين، وهما الصلاة الوسطى وكيف نفقهها من القرءان؟ وهل هي كما اتى التراث به تكون ترتيبا وسطا بين اعداد، بالرغم من اختلاف التراث حتى في هذه المسألة، أم لها مدلول آخر تم تفصيله لنا في القرءان حتى لا نحرف عن الحق! كما سأقوم بمحاولة طرح قضية الذين هم على صلواتهم يحافظون كي نفقه كيف يتم ذلك ؟  

______________

مفردة وسط :

لقد تم تفصيل هذه المفردة في القرءان الكريم في أكثر من مكان بكل وضوح وبيان، فمفردة وسط في القرءان الكريم لم تأت أبدا لتدل على ترتيب عددي أو رقمي، نعم، لقد تم استخدامها لغة لهذا الغرض، ولكنها في القرءان أتت لتدل على الإعتدال وعدم الغلوّ في الأمر أو الشيء، سواءٌ باتجاه سلبيّ أو إيجابيّ!
ولنرتل معا الآيات التالية في قوله تعالى :

( لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىٓ أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلْأَيْمَـٰنَ ۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍۢ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَٱحْفَظُوٓا۟ أَيْمَـٰنَكُمْ ۚ كَذَ‌ ٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة – 89

حيث هنا يحدد لنا نوعية ما سنطعم المساكين، وليس الكمية، ولا التعدد، بل يبين لنا الله أن نطعمهم من الطعام الطبيعي الذي نطعم منه اهلنا، فلم يقل لحما ولم يقل خبزا، فجعل الأمر بأن يكون طعاما معتدلا لا غلوّ فيه لا سلبا ولا إيجابا! أي مما نأكله يوميا عادة في بيوتنا !

( وَكَذَ‌ ٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةًۭ وَسَطًۭا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًۭا ۗ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌۭ رَّحِيمٌۭ) البقرة – 143

وهنا من يتبع القرءان لا بد أن يكون من الأمة الوسط، من الأمة المعتدلة التي تبتغي بين ذلك سبيلا، لا تجهر ولا تخافت، لا تسرف ولا تقتّر فتبخل، تبتغي السبيل المعتدل غير الظالم والجائر وغير الخانع المستهلك غير المنتج، فهي أمة الاعتدال في كل شيء!

ولكي نثبت أن القضية قضية اعتدال في اتخاذ القرارات والاعمال لابد من مورد آخر وهو ما حدث مع أصحاب الجنة اذ اقسموا جورا وبخلا ليصرمُنّ جنتهم مصبحين ولا يُدخِلوا عليهم مسكينا في ذلك اليوم، أي لن ينفقوا، فلما رأوها قد هلكت ولا خير فيها انتبهوا الى غلوّهم في البخل والبعد عن الله :

( فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوٓا۟ إِنَّا لَضَآلُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا۟ سُبْحَـٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ ) القلم – 26:29

حيث قال لهم أكثرهم اعتدالا، وهو كما يبدو من الأمة الوسط، فنبههم الى ان يتذكروا ربهم حين يغدون الى حرثهم ولا يبخلون، فالتسبيح كما ذكرنا في بحث سابق هو علاقة لطيفة مستمرة بين العبد وربه، أي لولا تذكرتم ربكم الذي خلقكم ووهبكم هذه الجنة فأنفقتم منها !

______________

مفردة حفظ :


دائما وأبدا مفردة حفظ في القرءان الكريم لها مدلول يدل على عدم إضاعة الشيء، وهي مسؤولية شخصية لمن يقوم بها، ولا يمكن أن يتم اسقاطها على أحد آخر غير من تولى مسؤولية الحفظ ! فكيف توصلت الى هذا المدلول؟

من ترتيل آيات كثيرة في القرءان الكريم، سأتعرض لأكثر الآيات تفصيلا لمفردة الحفظ وهي التي أتت في يوسف وأخوته :

(  قَالُوا۟ يَـٰٓأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَ۫نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَـٰصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًۭا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ * قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِىٓ أَن تَذْهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَـٰفِلُونَ * قَالُوا۟ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذًۭا لَّخَـٰسِرُونَ  ) يوسف – 11:14
حيث نرى بكل وضوح وبيان ان اخوة يوسف تعهدوا شخصيا بحفظه طالما هو معهم يلعب وأن لا يغفلوا عنه أبدا ما دام معهم، وسنلاحظ في آيات أخرى في قصة يوسف كيف يتم تفصيل مفردة الحفظ حين قال يوسف للملك أن يجعله على خزائن الأرض محافظا على ما فيها دوما، فيكون حفيظا لها ولما فيها بعلم :

( قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌۭ) يوسف – 50

كما هذه الآيات التي تتحدث عن النساء الصالحات اللاتي يحفظن الغيب في بيوتهن بما حفظه الله وستره عن المحيطين بهم فلا يبُحن ولا يتكلمن عما يحدث في بيوتهن من أسرار الحياة الزوجية، كما لا يقمن بخيانة أزواجهن كذلك:

( ٱلرِّجَالُ قَوَّ‌ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ وَبِمَآ أَنفَقُوا۟ مِنْ أَمْوَ‌ ٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتٌۭ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ۚ وَٱلَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا۟ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّۭا كَبِيرًۭا ) النساء - 34

وأخيرا وليس آخرا ولكن نختصر الترتيل لكي نفقه تفصيل القرءان للمفردة بقوله تعالى عن المؤمنين :

( وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ) المؤمنون – 5

والتي من خلالها نستطيع بكل سهولة التوصل الى أن الحفظ فعلا أمر شخصي لحامله، لمن تكفّل به، وأنه أمر دائم مستمر حسب الفترة التي يطرحها حامل المسؤولية للحفظ، فالمؤمن يحفظ فرجه طالما هو حيّ أثناء زواجه، وإخوة يوسف كان المفروض أن يحفظوا أخاهم يوسف طالما هو معهم يلعب ويرتع، ويوسف يحفظ خزائن الأرض طالما هو موكّل بها من الملك، وكلٌّ مسؤولٌ عن تبعات قراره بالحفظ.
 
ومنه، مفردة حفظ، هي مفردة تدل على عدم إضاعة الشيء، كما حدث مع الذين تلوا إبراهيم، فمن بعد ابراهيم حتى عيسى، حدث بعدهم أن أتى قوم أضاعوا الصلوة، وهذا بحدّ ذاته ينقض ويهدم فكرة التواتر في تبليغ الصلوة، بتبليغ الله تعالى لنا أنهم أضاعوها، أي لم يحفظوها، فلم تعد هناك صلوة لهم، بل مكاءا وتصدية ( فَخَلَفَ مِنۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ‌ ٰتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ، فالذين هم يحافظون على صلواتهم  ( وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَ‌ ٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون – 9 ، هم المؤمنين حقا، فحفظ الشيء يعني عدم إضاعته بشكل شخصيّ، كما تعهد الله تعالى وملائكته بنفسهم أن يحفظوا الذكر، وإضاعة الشيء تعني فقدانه، كما حصل مع يوسف وأخوته، فقدوه ولم يعد معهم، فلم يحافظوا عليه، وكذلك الصلوة، فقدوها من بعد الأنبياء، وكذلك برايي الشخصي اليوم، فقدنا الصلوة، واتبعنا الشهوات ودين الآباء والأجداد، فأصبحت صلواتنا مكاءا وتصدية، لأنها لم تعد تفي بغايتها، أو الهدف المنشود منها، وهو التقوى، فلم تعد تنهانا عن الفحشاء أو المنكر أو البغي.

______________

قضية المفاضلة في الصلوات :

مما أتى به التراث، كما قلت سابقا، واختلفوا فيما أتوا به، أنهم ادّعوا ان الصلوة الوسطى هي ترتيب عددي بين الصلوات ذاتها، وبالرغم من ذلك اختلفوا فيما بينهم إن كانت – كما يدّعون – هي صلوة الفجر من العصر من غيرها ! وهذا الإختلاف ألفناه في التراث كثيرا في كل صغيرة وكبيرة، وهدفه تقسيم الناس الى شِيَعٍ ومِلَلٍ ونٍحَل، ولكن قبل أن ننهي فقهنا وتدبرنا للصلوة الوسطى، لا بد من التعرض لهذه القضية منطقيا وعلميا بما لا يخالف الحق في القرءان !

فليس من المنطق ولا العقل أن يدعونا الله عزّوعلا إلى أن نحافظ على تلك الصلاة من دون البقية ! كائنا ما كان عدد الصلوات، أقول، ليس منطقيا بل وأراه من الهَزْل - تعالى سبحانه عما حاولوا اتهامه به – بأن يفرّق بين صلوة وصلوة، وكل الصلوة عند الله كانت على المؤمنين كتابا موقوتا !

وهذا ما حاولوا أن يفعلوه بجهد كبير، نراه حين نقرأ في التراث عن الصلوة الوسطى، حيث سنجد كل أنواع الأحاديث المفتراة التي تتناقض مع بعضها البعض، فتارة هي صلوة الفجر، وأخرى الظهر ثم تارة العصر وأخرى المغرب وهكذا يضيع الحابل بالنابل!
 
بينما دين الحق بيّنٌ مُبيّنٌ لا غبار عليه ولا ظنّ فيه، فتم تفصيل المفردة من داخل الكتاب الكريم، بما لا يقبل الجدل وكل هذه الترّهات!

______________

الحفاظ على الصلوات :

لقد ورد مصطلح الصلوة الوسطى الذي يثير جدلا كثيرا وكبيرا لمن اتبع الظن، واتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، أقول، ورد مرة واحدة في القرءان الكريم، بينما الحفاظ على الصلوات ورد في كثير من المواقع التي اغلبها مرتبط بالأخلاق والمعاملات بين الناس بشكل أساسيّ، أي في الآيات التي تتحدث عن الصلة الأفقية بين الناس – الصلاة الإجتماعية - وليس عن الصلة العامودية – الصلوة الموقوتة – ومنه، لو نظرنا للآيتين التاليتين، سنجدهما في موقع كل مساقه يتحدث عن الطلاق، فكأنما هذه الآيات أتت – حسب المفهوم التراثي – حشوا ليس في مكانهما!
فكل المساق السابق واللاحق لهما يتحدث عن الطلاق ومعاملات الطلاق والعلاقات بين الزوجين والتعامل بينهما أثناء ذلك :

( حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ‌ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا ۖ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ ) البقرة – 238:239

بالطبع سأعود لاحقا للتعرض للصلوة الوسطى لكن علينا ترتيل الآيات التي تحثنا على الحفاظ على الصلوات كي نفهم هذه المسألة كيف تتم ؟!

(قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَـٰشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَ‌ ٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَ‌ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَ‌ ٰعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَ‌ ٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون – 1:9

نلاحظ هنا عدة أمور، أن هذه الآيات تتحدث عن أخلاق وصفات وتعامل المؤمنين مع من حولهم أولا، وأنه تم ذكر صفة الخشوع في صلاتهم، أي تم ذكر كونهم خاشعين في الصلوة، فلِمَ يتم ذكر حفظهم للصلوات مرة أخرى إن كان المقصود هي الصلاة الموقوتة؟ فلو كان الحديث عن انهم للصلوات الموقوتة حافظين، لكان حشوا بعد ذكرهم بكونهم خاشعين في صلاتهم !

فالذي يخشع في صلاته لا بد أنه لن يسهى عنها !  ولكن هنا أمر آخر تماما، ألا وهو أن الحفاظ على الصلوات هو أمر بالحفاظ على الصلة الأفقية، فكما بينت في بحث الصلوة الموقوتة – الجزء العاشر – أن هناك ثلاثة أنواع صلوات، وبالذات، هنا ما تتحدث عنه الآيات في أكثر من مورد، سواء في سورة البقرة حيث الحديث عن علاقات الأزواج، أوهنا في سورة المؤمنين حيث الحديث عن علاقة المؤمنين بمن حولهم، وكذلك في السور التالية التي ستضع النقاط على الحروف :

( إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ * وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَ‌ ٰلِهِمْ حَقٌّۭ مَّعْلُومٌۭ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ * وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ * وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍۢ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَ‌ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَ‌ ٰعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَـٰدَ‌ ٰتِهِمْ قَآئِمُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) المعارج – 22:34

حيث نفهم منها ارتباط المصلين بأخلاق ومعاملات، وعمل خيرات وصالحات، وليس كما قيل لنا فقط بالصلوة الموقوتة !
كما أصبح عندنا هنا مصطلح جديد يدعم فكرة الحفاظ الشخصي على الصلوات الأفقية، وهو الدوام على الصلوات، فهم على صلاتهم دائمون لا ينقطعون عنها لحظة، وهذا أمر بديهيّ لمن أثّرت فيه الصلوة الموقوتة على سبيل المثال، حيث أنها وسيلة غايتها النهائية التقوى، وغايتها الصغرى أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي!
فمن نهته صلاته الفردية وعلمته بالإيمان والتقوى أن لا يَبغي ولا يعتدي ويبتعد عن المنكر من الفعل والقول والفحشاء، سيكون من ضمن دائرة المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين أمرهم الله أن يحافظوا على هذه الصلوات طالما هم أحياء!
فلو نظرنا جيدا في سورة المعارج، سنجد أنها تتحدث عن صفات المصلين قريبا مع صفات المؤمنين في سورة المؤمنين، وكل السور والموارد تتحدث عن أخلاق ومعاملات بين الناس وليس عن صلوات موقوتة أبدا، كما قال تعالى في آخر مورد نتدبره هنا وهو سورة الماعون التي فيها الحكم الفصل  :

( أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ * فَذَ‌ ٰلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌۭ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُون  ) الماعون

فكيف يكون الحديث عن صلاة موقوتة هنا؟ والله من سماهم مصلين؟!
نعم هم مصلين، ولكنهم مرائين في صلاتهم الإجتماعية، وإن قاموا بالصلوة الموقوتة فلن يخشعوا فيها أبدا، حيث لا يطبقون أخلاق القرءان ولا يصلون ما أمر الله به أن يوصل! ومنه، هم لم يحافظوا على صلواتهم أبدا، بل صلاتهم كما في مكان آخر وصفها الله تعالى بمكاء وتصدية، ليست هي إلا لإبعاد من حولهم عن الحق وإزاغتهم عنه، فهم يبتعدون عن الإنفاق على اليتامى والمساكين بل ويمنعون إطعامهم والانفاق عليهم.

من سورة الماعون نعود لسورة يوسف أعلاه حيث تم وصف من لا يحفظ الشيء بأن يغفل عنه، وليس السهو عنه، حيث قال لهم أبيهم :
(  قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِىٓ أَن تَذْهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَـٰفِلُونَ)  يوسف – 13
ولن أتعرض كثيرا في ترتيل مفردة الغفلة من السهو، ولكن السهو ملتصق بما يتم العلم به وجوبا، أي هم لذلك تم تسميتهم بالمصلين، لكونهم يعلمون تماما ما هي الصلاة الإجتماعية – الأفقيه بين الناس – فسهوا عنها متعمدين، والدليل أنهم مرائين، بينما الغفلة قد تحدث عفوا بانشغال الشخص في شيء آخر.


فكيف نحافظ على صلواتنا ؟
بما أن عملية الحفظ عملية مرتبطة بشيء وفترة زمنيه، فالذين هم على صلواتهم يحافظون، كما تم وصف صفات كثيرة لهم في الآيات أعلاه، هم الذين تنهاهم الصلوة عن الفحشاء والمنكر والبغي دوما في كل وقت من أوقات حياتهم، وهم الذين دوما يتصفون بالأخلاق الحميدة العالية ويبتعدون عن القبيح منها ويعملون الصالحات والخيرات دوما، وأهمها الإنفاق على المساكين واليتامى وغيرهم من المحتاجين.

فالصلوة الموقوتة بحد ذاتها ليست الهدف، بل هي أداة تربوية للنضوج والإستواء لكي نتقي ونتهذب نفسيا واخلاقيا، وإلا فلا فائدة منها إن كانت هي الغاية بحد ذاتها!
والحفاظ على الصلوات يكون بأن تؤتي أكلها فينا بأن نقيمها في كل وقت في حياتنا وشؤوننا الخاصة والعامه.

______________

الصلوة الوسطى :

بعد أن توصلنا أن الحفاظ على الصوات مرتبط ارتباطا وثيقا بالصلة الأفقية –الصلاة الإجتماعية - بين الناس، من السهل علينا بعد ترتيلنا لمفردة وسط أعلاه أن نفقه أن الصلوة الوسطى هي رمز الإعتدال والوسطية في كل شيء سواء!

فمن اتبع القرءان بتدبر ووعي وفكر هو من الأمة المعتدلة التي تبتغي بين ذلك سبيلا، لا يجهر ولا يخافت، لا يسرف ولا يقتّر فيبخل، وحتى في الصلوة الموقوتة، مطلوب فيها الاعتدال والوسطية، وكان النبي هو الاستثناء الوحيد من بيننا لكونه نبيا، وحامل رسالة، فبلغنا الله تعالى بأنه كان يقوم ثلثي الليل أو أدنى، وطائفة من الذين اتبعوه، فخفف عنهم، بأن قال لهم أن يقرأوا ما تيسر من القرءان بديلا عن التهجد الطويل لمن يُرهَق منه!
هذا هو دين الاعتدال والتخفيف والوسطية في الأمور!
وكذلك في الانفاق واطعام الفقراء والمساكين سواء صدقات وتزكية للنفس أو كفارة ما، مطلوب أن تكون هذه الصدقات من أوسط ما ننفق ونطعم أهلنا.

فالصلوة الوسطى بكل بيان هي الصلة المعتدلة عاموديا وأفقيا، أي في تأديتنا للمناسك وفي تعاملنا مع من حولنا من الناس والمجتمع ومن نتعامل معهم جميعا!

ولا يمكن – بل من السخف فعلا – تحويل هذا المبدأ العالمي الجميل الرائع في التعامل بين البشر مع بعضهم البعض ومع ربهم الى تفاضل بين صلاة وصلاة لا يقبلها منطق ولا عقل ولا دليل عليها في القرءان، وهذا لا بد واضح لمن يفقه نعت الله تعالى للصلوة على المؤمنين بكونها كتابا موقوتا!
 

______________

قضية - فإن خفتم :

( حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ‌ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا ۖ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ ) البقرة – 238:239

نعود لقوله تعالى مرة أخرى لنبحث في تتمة الآيات، حيث هناك شرطٌ يتلوه حكم خاص بالشرط، ولا أدري كيف اقول هذا الأمر، لكنني أرى من الآيات أن الشرط يعود للقنوت لسببين، ولا يعود للجملة الأولى التي يأمرنا الله فيها بأن نحافظ على الصلوات والصلوة الوسطى!

فقضية الخوف هنا هي حالة نفسية تنتاب الناس لسبب ما من خطر محدق بهم، مما يربك تركيزهم وقد يشتت انتباههم، وهذا بالذات سبب ذكر الله تعالى بعد أمر المحافظة بجملة جديدة ابتدأها بحرف الواو، وكأنها تعداد لأوامر، حيث تم عزلها عن الجملة الأولى لكونها حالة ثانية، وهذا هو السبب الأول، وحيث يقول تعالى ( وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ )، فالقنوت يكون في الصلوة الموقوتة، التي هي كما وضحنا في البحث العاشر، كتابا موقوتا له وقت محدد بسبب كونه لقاء بين الله وعبده، كالميقات تماما، وهنا بالطبع لا بد من القنوت الذي يعبر عن حالة صبر وخشوع من قوة داخلية هادئة مطمئنة تدفع هذا القائم الى ان يستشعر الخالق، ولكن بسبب عدم توفّر الأمان، فلن يكون هناك قنوت، وبالرغم من ذلك، الصلوة الموقوتة لا تنتفي ابدا، فيمكن أداؤها وأنت راكب أو تمشي راجلا على رجليك، وهذا السبب الثاني، حتى لو لم تقنت فيها، وهذا لا علاقة له بالحفاظ على الصلوة الوسطى ابدا، فهنا لا يمكن الاعتدال ولا الطمأنينة كما لا يوجد قنوت كافٍ، ولكن لم يتم نفي إقامة الصلوة لكونها كتابا موقوتا!

______________

خلاصه :

الصلوة الوسطى المطالبين بالحفاظ عليها هي التي ستجعلنا أمة وسطا.

إنتهى.

والله المستعان


ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

اجمالي القراءات 12689