مصر على خطى كوريا الشمالية

سامح عسكر في الجمعة ٢٧ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا: في كوريا الشمالية معسكرات اعتقال تحت إسم.."معسكرات عمل"..لا تتوافر في هذه المعسكرات معيشة مناسبة ولا معاملة حسنة ، ولا يوجد سكن ملائم ولا رعاية صحية، والمبدأ في هذه المعسكرات الغاية تبرر الوسيلة، هم يريدون البناء بأي ثمن حتى ولو على أرواح وكرامة المواطنين..

وهذا عين ما يفعله السيسي ولكن تحت إسم.."التجنيد"..أصبح التجنيد في مصر فرصة لتكرار معسكرات العمل، بحيث يتم تكليف الجنود بالعمل وإنشاء البنية التحتية في ظروف غير ملائمة سواء من الرعاية الصحية ولا المعاملة الحسنة ولا السكن والمعيشة المناسبة، ولماذا يوفر هذه الأشياء التي قد تكلفه في العمل القانوني أضعاف أضعاف ما يدفعه للجنود..!

ثانيا: في كوريا الشمالية قمع ممنهج لحقوق الإنسان، اختفاء قسري ومنع التجمعات واعتقال لمجرد الرأي وقمع الحريات في مقدمتها حرية التعبير وسجن الإصلاحيين..

وهذا عين ما يفعله السيسي حيث لا حرية رأي ولا تعبير، وبكلمة واحدة منك قد تدخلك إلى السجن ومنع التجمعات وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان من أول الاعتقال إلى التعذيب ، لكن أضاف السيسي أنه يسمح بتجمعات مؤيديه..بينما في كوريا الشمالية ممنوع التجمع نهائيا للجميع..

ثالثا: في كوريا الشمالية نظام طبقي-رغم شيوعيتها-فالأغنياء لهم حق المعاملة الحسنة والوساطة والتعليم الجيد والعلاج المناسب..بينما الفقراء ربما توجد هذه الخدمات ولكن ليس بشكل جيد..

وهذا ما يحدث في مصر، فالأغنياء لهم كل شئ من التعليم إلى الصحة إلى الغذاء حتى الترفيه، ولهم نفوذ قد يعادل أو يفوق عناصر الأمن حتى وصل الغني في مصر إلى مرحلة استعباده لكل من هو دونه

رابعا: في كوريا الشمالية منع لوسائل التواصل وتحريم الاتصال بالعالم الخارجي وإلا فالمتواصل قد يعرض نفسه للاتهام بالعمالة والتآمر ضد الدولة..

وهذا ما يحدث في مصر حيث الدولة في طريقها لمنع وسائل التواصل طبقا لتحذيرات السيسي منها مؤخرا خصوصا بعد أزمتي ريجيني وجزر تيران وصنافير.. وفي شهر إبريل الماضي صرح بعض نواب البرلمان بنية المجلس فرض قيود على وسائل التواصل، كما يتم اتهام أي شخص على هذه الوسائل بالعمالة إذا ثبت اتصاله بجهة أخرى أجنبية سواء كانت شخصية أو اعتبارية..

خامسا: تسعى كوريا الشمالية لتعزيز ترسانتها العسكرية في حين معدل الفقر لديها 60% وتنفق مليارات الدولارات على برامج التسليح والذرة، بينما لا تخصص نسبة مناسبة للتعليم والصحة والترفيه والسكن..

وهذا ما يحدث في مصر، حيث أنفق السيسي على التسليح أكثر من 10 مليار دولار أي بما يعادل 100 مليار جنيه مصر في ظرف عامين فقط منذ توليته المسئولية، في حين معدل الفقر في مصر كما في كوريا الشمالية 60% ونسبة الفقر المدقع أيضا متساوية، بينما الصحة والتعليم والسكن والترفيه يمثل أقل من 20% من الميزانية العامة..

سادسا: الجيش الكوري الشمالي ضخم العدد حيث تجاوز المليون جندي، بما يمثل إرهاق لطبقة الشباب في المجتمع وعزلها عن الحياه المدنية، فينشأ الشباب على مبدأ السمع والطاعة، وهي سمة لكل الأنظمة العسكرية والدكتاتورية..

وهذا ما يحدث في مصر، كان عدد الجيش المصري لا يتجاوز نصف مليون جندي، الآن تخطى المليون وربما أكثر من 2 مليون-لا توجد إحصائية رسمية- والسبب في ارتفاع العدد هو (منع التأجيل) وبالتالي تجنيد كل من هم في سن ال 20 عاما..وفي إحصائية على جريدة الوفد عام 2014 كشفت أن 23% من شباب مصر أقل من 29 عاما، أي ما يقرب من ربع السكان البالغ عددهم 90 مليون..أي رسميا أكثر من 20 مليون شاب مصري في هذا السن وهو سن التجنيد العامل والاحتياط..فإذا خرج الإناث بمعدل النصف أصبح لدينا شباب ذكور في سن التجنيد حوالي 10 مليون..

سابعا: في كوريا الشمالية لا يتحدث الإعلام عن إخفاقات ..بل عن إنجازات، وفي كل حدث صغير أو كبير..افتتاح مصنع أو ورشة يتم تصوير العمل كإنجاز للحكومة الشيوعية، وفي هذا التصرف احتقار لقيمة الإنسان التي ترى بأن الإنجاز الحقيقي هو في العدالة الاجتماعية والسياسية والتغير الجذري في طرق التفكير للأفضل، بحيث ينسب هذا الإنجاز للشعب والدولة وليس لشخص بعينه، فمن بنى المصنع وسهر عليه هم المحكومين وليس الحاكم، ومن هندس له وخطط هم المحكومين وليس الحاكم، والدولة هي التي احتوت ذلك بمظلتها في الأخير، أما الإنجاز الوحيد للحاكم هو في الرعاية والقرار..وإسمه لا يجب أن يسبق الشعب والدولة..

في مصر تمضي هذه السياسة على قدم وساق، ففي كل عمل صغير وكبير للسيسي يحسبوه إنجاز، حتى أنه صرح يوما بأنه قرر 2000 قرار واعتبر أن ذلك إنجاز، بينما الإنجاز الحقيقي هو في (حدوث التغيير) وصحة وسلامة المجتمع فكريا واقتصاديا وسياسيا، وهذا لم يتحقق في عهد السيسي فالأوضاع تسوء كل يوم .

ثامنا: في كوريا الشمالية شخص واحد يحكم بحزب واحد ،ولا وجود حقيقي لبرلمان أوسلطة تحاسب الرئيس، البرلمان موجود لكن شكلي لا يقرر خلاف ما قرره الرئيس، وأي معارض في البرلمان يجري اتهامه بالخيانة وربما يعدم..

في مصر نفس الأمر شخص واحد يحكم ومجموعة واحدة في البرلمان اسمها.."دعم مصر"..وأي معارض لهذا الشخص وتلك المجموعة يجري اتهامه فورا بالعمالة، حتى أن رئيس البرلمان المصري مؤخرا اتهم أعضاء بنقد ومعارضة الحكومة، وكأن النقد والمعارضة أصبحت (شتيمة) بل الأعظم من ذلك حذر بعض النواب من اعتمادهم على تقارير تدين السلطة وهدد بفضحهم وسجنهم إذا لزم الأمر، وكأنه يطالب النواب باعتماد تقارير الحكومة وعدم ممارستهم لوظيفتهم كنواب..!

الفارق الوحيد بين مصر وكوريا الشمالية أن الأولى ليست مستقلة وسياستها قائمة على التبعية لدول الخليج وهو ما أعطى لها حصانة دولية واعتراف أممي، بينما الثانية مستقلة وهو ما عرضها للعزلة الدولية والعقوبات في كل مناحي الحياه..

هذا يعني أن استقلال مصر الحقيقي سيجعلها كتفا بكتف مع كوريا الشمالية تحت هذه الظروف، ويصبح السيسي كيم جونج أون، وبدلا من أن يسخر العالم من أون سيسخر من السيسي الذي بسياساته يهبط بمصر إلى ما هو أحط وأوضع، حيث أن الكوريين -رغم استبدادهم وتخلفهم السياسي والاجتماعي- إلا أن لديهم طاقة عمل وعلم مزدوجة ساعدتهم على تحمل المشقات وظروف الحصار، بينما مصر أضعف بكثير..فلا عمل..ولا علم..حتى الأشياء الجيدة التي كنا نعتمد عليها في الأزمات كالزراعة والسياحة ضاعت..ولم يبق للشعب المصري سوى وعود السيسي التي تشبه إلى حد كبير وعود كيم جونج أون بالعدالة والتوبة..

اجمالي القراءات 6382