( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٩ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )

 مقدمة

1 ـ الأخ ( سالم جاد ) مدرس ، قيل له إن مدير الادارة التعليمية تكلم عنه بالاسم وذكره بالاسم ، وقال ( سالم جاد )، الأخ ( سالم جاد ) شعر بالفخر لأن مدير الادارة التعليمية تكلم عنه بالاسم وذكره بالاسم وقال ( سالم جاد ). ماذا إذا قيل للأخ ( سالم جاد ) إن وزير التعليم نفسه تكلم عنه بالاسم وذكره بالاسم فقال ( سالم جاد )؟. ماذا إذا قيل للأخ ( سالم جاد ) إن رئيس الوزارة نفسه تكلم عنه بالاسم وذكره بالاسم  فقال ( سالم جاد ).؟  ماذا إذا قيل للأخ ( سالم جاد ) إن رئيس الجمهورية نفسه تكلم عنه بالاسم وذكره بالاسم  فقال ( سالم جاد )؟ . فماذا إذا (عرف ) الأخ ( سالم جاد ) إن ربّ العزة جل وعلا ذكره بالاسم : ( سالم جاد )؟

هل هذا ممكن ؟ نعم . لأنك ايها المخلوق إذا ذكرت الخالق جل وعلا فإن الخالق جل وعلا يذكرك ، فقد قال الخالق جل وعلا : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ).!!

2 ـ من هو ( أنا )  حتى أستحق أن يذكرنى خالق السماوات والأرض العزيز القهّار ؟ .  (أنا ) مجرد مخلوق لم أكن من قبل شيئا مذكورا ، ثم خلقتى رب العزة من ( ماء مهين ) وعشت عالة على رزقه جل وعلا وفضله ، أموت لو إنقطع عنى رزقه جل وعلا من الهواء بضع دقائق ، أتقلب صارخا لو تسللت الى جوفى جرثومة حقيرة، مهما أوتيت من قوة وبطش فإن هذه الجرثومة تبطش بى وتقتلنى. مهما أوتيت من قوة وبطش فلن أخرق الأرض ولن أبلغ الجبال طولا : ( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا(37) الاسراء )..! . هذا هو (انا ) فمن (هو ) رب العزة جل وعلا ؟

3 ـ رب العزة جل وعلا لا يستطيع عقلى تخيله ، بل لا يستطيع لسانى التعبير عن عظمته ، ولا التعبير عن عظمة إبداعه فى خلقه ، لا فارق بين الابداع داخل الذرة ، أو المجرّة . نرى الآن الكرة الأرضية معلقة سابحة لا يمسكها الا رب العزة جل وعلا ، يدور حولها قمر لها وهى تدور حول نفسها وتدور فى نفس الوقت حول الشمس ، وهى ليست أكبر كواكب المجموعة الشمسية ، وكل المجموعة الشمسة مجرد نقطة تسبح حول مركز مجرة درب التبانة ، ومجرة درب التبانه بما فيها آلاف البلايين من النجوم والكواكب تنطلق فى فضاء الكون ،  ضمن ألاف البلايين من المجرات . وتلك النجوم فى مجرة درب التبانة منها ما هو فى طور الطفولة من بضع سنوات ضوئية ، ومنها ما وصل مرحلة التوهج والشباب ، ومنها ما وصل الى الشيخوخة فإنفجر وتحول الى ما يشبه الشبح ، نسميه الثقب الأسود ، ومن هذه الثقوب السوداء ما يبتلع النجوم .!

ثم ما نراه هو مابين السماوات والأرض فقط ، أما السماوات فهى مستويات برزخية تتداخل مع ذلك المستوى المادى للأرض والمجرات . وهذا المستوى المادى وما يتداخله من مستويات برزخية  ( السماوت والأرض وما بينهما ) تم خلقهما من لاشىء ،وبالانفجار الأول:( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا (30) الأنبياء )، ومن هذا الانفجار الأول تكون فى نفس اللحظة كون وكون آخر  له نقيض : أو بالتعبير القرآنى (وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) (12) الزخرف) (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يس) (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات )، وفى نفس اللحظة أخذ الكونان النقيضان يبتعدان عن بعضهما وهما يتمددان فى شكل قوس ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات ) ولا يلبث أن يلتقيا فى النهاية فيصلا الى نقطة الصفر الأولى: ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) الأنبياء ) ، فتكون النهاية أو القيامة ، ويدمر الكونان بعضهما بعضا ، وتكون العودة الى نقطة الصفر ، ثم يكون الانفجار التالى بالبعث والانفجار الثالث (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)الزمر) ، وتتكون سماوات وأرض أزلية خالدة بالجنة والنار فى اليوم ألاخر حيث لقاء الرحمن:( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ).

4 ـ هذا الخالق جل وعلا نحن لا نقدره حق قدره ، فنقدس معه بشرا من طين مثل محمد وعيسى والصحابة والأئمة . وصدق الله العظيم : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر ).

5 ــ هذا الخالق جل وعلا فاطر السماوات والأرض يذكرك أيها البشر حين تذكره جل وعلا: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ). ونطلب التدبر فى الآيات الكريمة الخاصة بها :

أولا :  معنى ( أذكرونى ):

أى ذكره وحده جل وعلا  بتعظيمه وتقديسه ، ولاشىء معه . وهذا يرفضه المشركون الذين يقدسون البشر ويذكرونهم مع الله جل وعلا كما يفعل المحمديون مع النبى محمد وغيره:( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) الزمر )( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46)الاسراء )( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن ) ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) غافر ).

ثانيا : كيفية الذكر :

بالتضرع والخوف والخفية وعدم الجهر بالقول  ، يقول جل وعلا :(  وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205) الاعراف )، ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) مريم ). وبالخشوع فى الصلاة:( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) المؤمنون )

 ثالثا : أنواع الذكر :

1 ـ الذكر العادى باللسان ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205) الاعراف )

2 ـ الدعاء : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف )( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) مريم )

3 ـ التفكر :( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران )

 4 ـ الاستماع الى ذكر الله جل وعلا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال )

5 ـ القرآن هو الذكر:( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص )( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)الحجر ). والاستماع اليه عبادة لها شرط هو الانصات طلبا للرحمة:(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) آلأعراف ).

 6 ـ الصلاة : هى ذكر لرب العزة جل وعلا وحده بطريقة معينة من القيام قنوتا والركوع  خشوعا والسجود  تذللا ، مع القراءة للفاتحة والتسبيح والتحميد والتمجيد للخالق جل وعلا فى اوقات الصلاة ، يقول جل وعلا : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) طه )

 رابعا : التقوى هى الهدف من ذكر الله جل وعلا

1 ـ  التقوى فى الصلاة  والذكر : ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت )  وفى كل العبادات : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)) البقرة )

 2 ـ فى غير أوقات الصلاة : بإقامة الصلاة ، أن تخشى الله جل وعلا بالابتعاد عن المعاصى ، وإذا وسوس اليك الشيطان تذكرت الرحمن ، هذا هو الذكر الذى ينقذ من الوقوع فى المعصية، يقول جل وعلا:( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الاعراف) ، ويقول جل وعلا عن صفات المتقين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران )

خامسا : معنى ( أذكركم ) العون فى الدنيا والجنة فى الآخرة

ما معنى أن يذكرك الله جل وعلا فى الدنيا :

 1 ـ العون فى الدنيا : بعد أن قال جل وعلا : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) جاء الأمر للمؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة على كل شىء فى الأزمات والمصائب ، مع التأكيد بأنه جل وعلا مع الصابرين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة )   

2 ـ الفوز بالجنة فى الآخرة ، فلا يدخل الجنة إلا المتقون  : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم ). فالمتقون يوم القيامة هم عكس الكافرين :( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )(71) الزمر)، ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً )(73) الزمر ) .

ودائما : صدق الله العظيم ..

اجمالي القراءات 9444