مع مفهوم -أمن الدولة-‏

كمال غبريال في الجمعة ٠٦ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

تتجمع وتتداخل في مصطلح "أمن الدولة" الشائع لدينا مفاهيم عديدة متباينة ومتباعدة أو حتى متضادة. يظهر هذا ‏وينعكس على استخداماتنا للمصطلح، ما بين التوقير الشديد والحرص على مضمونه، كأن ننعت أمراً نراه خطراً بأنه ‏‏"يهدد أمن الدولة"، وبين الاستخدام الدارج بين النشطاء السياسيين والحقوقيين، بأن يصموا بعضاً من زملائهم بأنهم ‏‏"أمنجية"، بمعنى أنهم عملاء لجهاز "أمن الدولة"، مهمتهم تخريب الحزب السياسي أو العمل النقابي والأهلي، والإبلاغ ‏عن زملائهم في النشاط لجهاز "أمن الدولة"، ليتم فيما بعد إرسالهم إلى "ما وراء الشمس". يستخدم تعبير "أمن الدولة" ‏هكذا، وكأن هذا الجهاز ليس أحد المؤسسات الوطنية، التي يعمل فيها بعض منا، لإنجاز مهام أسندناها نحن إليهم، ‏وندفع لهم مقابلها مرتبات من ضرائبنا. حالة الالتباس والاختلاط هذه لا تقتصر فقط على مستوى التنظيرات والمهاترات ‏السياسية، لكنها تمتد إلى التباسات وانحرافات لمؤسسات وطنية عديدة عن جادة وظيفتها، ومن بينها جهاز "أمن الدولة" ‏ذاته.‏
قد يعني "أمن الدولة" بالنسبة لنا حماية الدولة والمجتمع من أي أخطار خارجية أو داخلية تهدد الاستقرار وانتظام الحياة ‏في عموم الوطن.‏
وقد يعني حماية رموز الدولة وشخصياتها أو حماية مقراتها من أي أعمال إرهابية تستهدف حياة الأشخاص وسلامة ‏المنشآت.‏
فيما يعني عند البعض إسكات الأصوات المعارضة للحاكم، لأنها تزعجه وهو مسترخ على كرسيه الوثير.‏
قد يعني "تهديد أمن الدولة" أيضاً أي محاولة قانونية دستورية للأحزاب السياسية لتداول السلطة، عبر سعيها لحشد ‏الجماهير، وتركيزها على ما تراه أخطاء يرتكبها الجالسون على سدة الحكم.‏
بالمجمل في الدول الديموقراطية يكون جهاز "أمن الدولة" هو عين الدولة الساهرة على ضمان أمان الحياة واستقرارها في ‏ربوع الوطن، والفلتر الذي يضمن نقاء الأجواء من الملوثات باختلاف أنواعها. ولقد اختبرنا وعايشنا في مصر نوعية ‏الحياة وحجم الأخطار الحالة، حين كسر الإخوان والسلفيون جهاز "أمن الدولة" أثناء فعالياتهم في 25 يناير، فانتشر ‏الإرهابيون في سائر أركان البلاد، وليس فقط في سيناء، ومازلنا حتى الآن نعاني من آثار تلك الحقبة.‏
أما في الدولة الديكتاتورية البوليسية، فيكون "أمن الدولة" جهاز قمع وإخصاء للحياة السياسية، لصالح هؤلاء الذين ينتوون ‏البقاء على كراسي السلطة إلى يوم يبعثون. وتدلنا التجارب التي مازلنا نعيشها، أن هذا التوجه في الأداء لجهاز خطير، ‏لا يحمي في الحقيقة "أمن الدولة"، وإنما العكس هو الصحيح، إذ يذهب بالدولة والوطن بمجمله إلى مصير أقل ما يقال ‏عنه أنه مصير مجهول.‏ . مع الفقدان التدريجي للشعبية الجماهيرية، يكون الاعتماد على الأجهزة الأمنية هو الحل المؤدي للجحيم!!
هي حالة غير صحية وبيلة النتائج، أن يترسخ في ذهن عامة الناس ونخبتهم معان ومشاعر سلبية تجاه جهاز "أمن ‏الدولة"، إلى حد أن يرتبط بمنتسبيه في المخيلة العامة شخصية "فرج" في فيلم "الكرنك"، ما لا نرى مثيله لدى الأمريكيين ‏مثلاً تجاه جهاز الـ ‏FBI‏.‏

اجمالي القراءات 7701