أتباع الشيطان
أتباع الشيطان

أسامة قفيشة في الخميس ٠٥ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

أتباع الشيطان

في هذا الاختبار الذي نحن فيه , هناك طريقان لا ثالث لهما , يعيش الانسان فترة وجيزة جدا ليجتاز بها ذاك الطريق ليصل نهايته , هو سباق اجباري يشارك به الجميع دون خيار بالمشاركة , فما ان ينتهي مضمار السباق الذي سلكوه , وجدوا الجزاء الذي يستحقون عند خط النهاية .

الطريق الاول يسلكه اتباع الرحمن , و الطريق الثاني يسلكه اتباع الشيطان .

جميع السالكين يعيشون , يأكلون و يشربون , يضحكون و يبكون , ينجحون و يفشلون , يمرضون و يتعثرون , و لهم الحرية الكامله في اختيار المسلك الذي يريدون , الفارق الوحيد بينهما هو الجزاء عند انتهاء هذا السباق .

مقالنا هذا تتبعا و تعقبا لأتباع الشيطان لنرى ما هم عليه , هؤلاء الاتباع ثلاثة :

 النوع الاول ظالم لنفسه لا أثر له على الغير :

يتبع الشيطان و ينحرف عن فطرته السليمة , فيتيه في دربه و مسلكه , فيسقط في اختباره خاسرا الفوز و الجزاء بالجنه , و يعاقب على تفريطه و اسرافه و انحرافه بالعذاب في نار جهنم , هذا النوع لا يشكل خطرا عاما على غيره , لأنه يكتفي برغبات و شهوات نفسه دون الخوض في اسقاط و اضلال الآخرين , فهو غالبا ما يكون من عامة الناس فيظلم نفسه , قال تعالى ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) 31 الانعام .

النوع الثاني  ظالم لنفسه تابع لغيره :

و هذا النوع من الناس يشكل الاغلبيه منهم , كسول في غالب الاحيان , لا يجهد فكره بالبحث او السؤال , يكتفي بما وصل له من العلم , فيتبع ما اتبع الناس , عاملا بمقولة ( حط راسك بين هالروس و قول يا قطاع الروس ) فحق عليهم قوله سبحانه ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ) 21 لقمان .

النوع الثالث ظالم لنفسه , مضلا لمن اتبعه من الناس :

و يكون من خاصة الناس , له نفوذ و مال و منصب , يستغل ما يملك من اجل السيطرة على الناس , فيكون جيشا من الاتباع , يخدعهم بزيف ما يدعي او بزيف ما يعتقد , يظلم نفسه و يضل من اتبعه , هذا الصنف من الناس هو الاخطر بسبب اثره و تأثيره على الغير , و أخطرهم أثرا أولئك الذين يمارسون الهيمنة و السيطرة الدينية على اتباعهم اعتقادا آثما بامتلاكهم لتلك الجائزه في نهاية المطاف , فيتراكم الناس من حولهم و يسلكون دربهم دون علم او معرفه , جهلا و طمعا , ظلما و زورا , فسادا و علوا , قال تعالى ( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ) 3 ابراهيم .

ان من ينصب نفسه خليفة لله جل و علا و يضع ما يضع من اقوال و افعال يحاكم فيها الناس و هم لا يزالون تحت الاختبار و من قبل انتهاء السباق , فيفرز الناس هذا كافر ضال و هذا مؤمن بار فهو بلا ريب مضل آثم معتد , ظالم لنفسه , سالك لدرب الشيطان و متتبع لخطاه , قال تعالى ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) 99 يونس .

فمن تبعهم و سار على دربهم حق عليه الظلم و الضلال , فكل درب يدفع نحو الفتنة و الظلم و القهر و القتل و العدوان هو درب للشيطان و نهجه , و كي يسيطر اصحاب الهيمنة الدينية من متحدثين و مدعين انهم وحدهم من يعلم و يلقبون بالعلماء و اهل الدين , كان عليهم العمل على افراز علما خاصا لهم يوافق ما يدعو له الشيطان كي يسيروا على دربه في اضلال الناس , و ذاك هو الهدف المنشود و الغاية التي يبتغيها الشيطان , فما كان لهم الا ان يقولوا :

حتى يعتقد الناس بانهم طوق النجاه لهم , وجب عليهم ان يتمثلوا لهم بهيئة خاصه يستدل بها عليهم , فيتبعونهم و يؤمنوا بهم و لهم .

و يجب عليهم ان يوهموا الناس الاعتقاد بأن كتاب الله جل و علا غير واضح و لا بالمفهوم و يحتاج لتفسر له , و هم فقط المخولين القادرين على ذلك , كي يقولوا ما يحلو لهم من القول , قال تعالى ( وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ ) 16 الحج .

وجب عليهم وضع الكثير من الكتب و جعلها مصدرا لشرعهم و تشريعهم كي يشتتوا بها الاتباع فلا يستطيعون ادراك المطلب و الغاية , قال تعالى ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) 79 البقرة .

وجب عليهم اقصاء من لا يسير بركبهم كي يخلوا لهم الجو فينفردوا بما جمعوا من الناس من خلفهم , فلا يسمع الا صوتهم , قال تعالى ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) 8 الصف .

وجب عليهم السيطرة على كل وسائل الاعلام ليحتكروا بها أي رأي مخالف , فلا يصل للعامة الا كلامهم و مرادهم , قال تعالى ( نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) 45 ق .

وجب عليهم السيطرة و الوصول للحكم كي يتمكنوا من رقاب الناس , قال تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ) 41 الزمر .

وجب عليهم القتال في سبيل افكارهم و معتقداتهم و اللجوء للقوة , ذلك كون معتقدهم هو الباطل , و اما الحق فلا يحتاج للقوة لانه هو القوة بحد ذاته , قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) 76 النساء .

يطل علينا اولئك العلماء الجهله و الكبار الصغار من فوق المنابر و شاشات التلفاز بطلتهم البهية ,  و يغردون بلحن صوتهم المعسول لحن السم عبر الاذاعات المسموعة قال تعالى ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) 30 محمد, فيحرمون ما يبتغون و يفتون بما يشتهون استنادا لما كتبته ايديهم و قالوا هذا من عند الله جل و علا , قال تعالى ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 21 الشورى .

يقول احدهم في قوله تعالى ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) بان الله جل و علا هو المسؤول عن ذلك و العياذ بالله , لأن المسؤول عن الشيء يسأل عنه , الم يسمع قوله جل و علا (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) .

ان من اتبع غير كتاب الله جل و علا انما يتبع الشيطان , ذلك بان الشيطان يزين له عمله , فيظن و يعتقد انه على الحق , و لكن الله سبحانه و تعالى يقول ان أي دعوه غير دعوته و أي كلام غير كلامه هو باطل و ان زينه الشيطان ليحسبه الناس حسنا , فالله جل و علا وحده المشرع الآمر الناهي حيث قال ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) 62 الحج .

و قال جل و علا ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ) 3 محمد .

و قال سبحانه (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) 42 فصلت , فكان حتما ما سواه باطل و ذلك لكثرة الاختلاف في غيره .

سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا

سبحانك اني كنت من الظالمين

اجمالي القراءات 8257