( مسلمو اليوم : شرُّ أمة أُخرجت للناس ).!!

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٤ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

هذه رسالة من سيدة فاضلة ، تقول :

( السلام عليكم يا دكتور احمد ..علمتنا ان نشارك بهذا الموقع إما متعلمين او معلمين وانك تتقبل النقاش ومدارسة هذا القران العظيم . . وﻻ ادعي انني ساعلم احدا ولكن اردت ان القي الضوء على هذه اﻻية واترك لكم مدارستها لتخرجوها لنا من قالب الحقيقة . . كما عودتونا . . معنى اية :( (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ  ) . .انت ذكرت ان معناها يخص اﻻنعام وفصلت ذلك المعنى . .لكن لم ﻻ ننظر الى سياق الاية قبلها وبعدها . . وان هذه اﻻيه تنهى عن اتباع ما دون القران كأمثال البخاري واﻻئمة اﻻربع وغيرهم ممن . . تبحروا وحاموا ووصلوا القران بغيره من سنة زعموا انها وحي ثاني لاحتياج القران بزعمهم انه ناقص ويحتاج لمن يكمله ويفسره . . والدليل ان الله اكمل اﻻيه بقوله:( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم ﻻ يعقلون ، ) وقال الله بعدها مباشرة :( واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا ، اولو كان آبآئهم ﻻ يعلمون ). . هنا في نهاية اﻻية لم يقل الله لهم اولو كان ابائهم ﻻ يعقلون . . ﻻن الله ﻻ يحكم عليهم بانهم ﻻ يعقلون قبل ان يعلمهم بتشريعاته واوامره ) ففي سياق هذه اﻻية قبلها وبعدها يتحدث الله عن محور التشريع والرجوع واﻻحتكام للقران وحده . . ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ، اي غطوا هذه الحقيقة وارادوا تشعيب المرجع ليشاركوا الله في حكمه وتشريعه ، فكان منهم ما كان . الله يجزيك كل خير عن كل كلمة كتبتها وقلتها بل وقبلتها مني ومن امثالي الباحثون عن الحق والحقيقة . )

شكرا على سؤالك ،  وأقول :

أولا :

المصطلحات القرآنية : ( يعلمون ) ( يعقلون ) ( يبصرون ) ( يفقهون ) تأتى فى سياق الدعوة بمعنى الايمان والهداية ، أى هى مترادفات . وعكسها فالذين كفروا : لا يعقلون ولا يعلمون ولا يبصرون ولا يفقهون ولا يهتدون . والدليل فى الآيات الخاصة بموضوعنا هو ترادف وصف الكافرين فى موضوع الطعام بأنهم لا يعقلون ولا يهتدون مثل :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة ) وأيضا : (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104) المائدة )

ثانيا :

1 ـ المتوارث أو المتواتر ـ أو ما وجدنا عليه آباءنا ـ ليس كله صحيحا ، وليس كله باطلا . لذا فالاحتكام فيه للقرآن الكريم . ولقد توارث العرب واهل الكتاب ملة ابراهيم ومنها العبادات من صلاة وحج وصيام و زكاة مال ، وبمرور الزمن حدث تحريف وتخريف. والتخريف هو تقديس البشر والحجر ، والتحريف يكون فى التشريعات المختلفة . ونزل القرآن الكريم لاصلاح هذا الفساد.  دعاهم رب العزة الى الاحتكام الى ( الفرقان ) أو ( الميزان ) وهما من صفات القرآن الكريم .

2 ــ وهنا الفيصل فى الهداية أو الكفر ، فالمؤمن الذى يحتكم الى القرآن فيرى فيما توارثه مخالفا للقرآن يسارع برفض هذا الموروث وإتباع القرآن الكريم وحده. أما الذى يرفض ما أنزل الله جل وعلا فى كتابه الكريم تمسكا منه بهذه ( الثوابت ) وما كان عليه السلف وما وجدنا عليه آباءنا فقد حكم على نفسه بالكفر. وبهذا فالقرآن الكريم هو ( الميزان ) الذى نحتكم اليه ، وهو أيضا ( الميزان ) الذى يتضح منه  المهتدى والضال . وليس الأمر عسيرا ، فكل من ينادى بالتمسك بالثوابت ويرفعها فوق القرآن الكريم فهو ضال بما يفعل . وهناك فى عصرنا من يعلن بكل بجاحة إلغاء تشريعات الرحمن فى القرآن الكريم بكلام بشرى مزور منسوب إفتراءا للنبى عليه السلام ، ومنهم من يعلن أن الحديث المنسوب كذبا للرسول عليه السلام هو فوق القرآن الكريم ، وأنه الأولى بالاتباع من القرآن الكريم إذا تعارضا .

3 ــ ومن آيات القرآن وإعجازاته أن ما وقع فيه كفار قريش وقع فيه المسلمون فيما بعد ، وأن المسلمين فيما بعد ـ وحتى الآن ـ يكررون معظم عقائد ومقالات قريش ، ويتمسكون بها ويرفضون من أجلها كلام رب العزة فى القرآن الكريم .

ثالثا :

1 ـ مثلما يحدث الآن ، كانت قريش تقدس الأولياء وتقيم لهم الأعياد ( أو الموالد ) حيث يأتون الى  ( النُّصُب ) أو القبر المقدس من كل فج عميق ، وصوّر رب العزة جل وعلا بعثهم يوم البعث بصورة توافدهم هذا ، فقال: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) المعارج  ) . تقديس البشر والحجر يتناقض مع ملة ابراهيم الحنيفية ، ولكن العرب أدمنت تقديم النذور والقرابين الى الأولياء الأحياء و قبور الأولياء الموتى ، ونزل التشريع القرآنى يحرم من ضمن الطعام ما يُقدم لتلك الأولياء وما يُذبح على القبر المقدس . كما كانوا يحرمون من الطعام ما أحله الله جل وعلا ، أى يحرمون الحلال ، ويحلون الحرام ، وكانت لهم أحاديثهم الشيطانية التى تُشرّع هذا ، ومن أجلها كانوا ـ مثل معظم المسلمين ـ يرفضون إتباع ما أنزل الله جل وعلا فى كتابه الكريم .

2 ـ  لذا يقول جل وعلا ، يخاطب الناس جميعا ويجعلها قضية عامة : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169) البقرة ). فالأصل هو أن ما فى الأرض حلال ، وأن إتباع خطوات الشيطان  بتحريم الحلال تقوُّل وإفتراء على رب العزة ، أى أن يفتروا تشريعا ثم ينسبونه لرب العزة جل وعلا. فإذا وُوجهوا بكلام رب العزة فى القرآن الكريم يناقض ما وجدوا عليه آباءهم تمسكوا بتراث السلف وما وجدوا عليه آباءهم ، ويقول جل وعلا فى ألاية التالية : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) البقرة ). ثم يصفهم رب العزة جل وعلا بالحيوانات التى لا تعقل : ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة ) ثم يأتى الخطاب للمؤمنين بأكل الطيبات وشكر رب العزة على نعمائه :  (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) البقرة ) وينهاهم عن  أكل المحرمات ، ويذكرها رب العزة محددة بصيغة القصر والحصر (إنّما ) (  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة ).

2 ــ تكرر هذا مع الشرح والتفصيل لمعنى ( الميتة ) فى قوله جل وعلا : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) المائدة ).

3 ــ ونعيد القول بأن معظم المسلمين اليوم يعكفون على القبور المقدسة يقدمون لها النذور والذبائح ، ويقدمون الطعام للأولياء الأحياء ، فى الموالد خصوصا . هو نفس الحال ، وهو ما وجدوا عليه آباءهم .

رابعا :

1 ــ كانت العرب تقدم من الحيوانات الحية نذرا لتُذبح قربانا للأولياء الأحياء و للقبور المقدسة ، وكانوا يجعلون بعضا منها نذرا لرب العزة أيضا ، ولكن ما يقدمونه نذرا لرب العزة لا يقدمونه للفقراء والمساكين ومستحقى الصدقة ، بل يصل فى النهاية الى قبورهم المقدسة وسدنتها القائمين عليها  . يقول جل وعلا عنهم : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) الانعام ).

وكانت لهم تشريعاتهم التى تقسم حيوانات النذر الى أسماء إخترعوها ونسبوا ذلك التشريع لرب العزة ظلما وعدوانا . ونزل  القرآن الكريم ينفى هذه المسميات ويصفها بأنها مفتريات كاذبة من قوم لا يعقلون ، يقول جل وعلا : (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) المائدة ) بعدها يؤكد رب العزة تمسكهم بهذا الافتراء ، وأنهم فى سبيله يرفضون القرآن الكريم : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104) المائدة ). هى تشريعات شيطانية ولكنهم يتمسكون بها مع وضوح تناقضها مع القرآن الكريم .

2 ـ وفى موضع آخر ينهاهم رب العزة عن إتّباع خطوات الشيطان كما سبق ذكره فى الآية 168 من سورة البقرة ، فيقول جل وعلا فى سورة الأنعام : ( وَمِنْ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ) ثم تتوالى الآيات بعدها تناقشهم فى تشريعاتهم الشيطانية التى تحرم الحلال : ( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنْ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)الانعام ) وفى النهاية يقرر رب العزة جل وعلا أنه حرّم فقط الميتة والدم المسفوح من الحيوان الحى ولحم الخنزير ومايقدم نذرا لغير الله جل وعلا : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الانعام  ).

3 ــ إذن هو القرآن الكريم يفسّر بعضه بعضا ، ويبيّن بعضه بعضا .

خامسا :

1 ـ خطورة الأمر فى التحريف فى تشريع الطعام أنه إعتداء على حق رب العزة جل وعلا فى التشريع . وعجيب أن رب العزة جل وعلا ينزل لنا رزقا متنوعا ، ولا يحرم منه سوى إستثناءات بسيطة محددة ، ثم نأتى نحن ونتوسع فى تحريم ما أحله الله جل وعلا إفتراءا عليه جل وعلا وبدون إذن وتصريح منه جل وعلا . يقول جل وعلا : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) يونس ).

2 ــ لذا يتوجه الخطاب للمؤمنين بالتحذير من تحريم الحلال فى الطعام لأنه (إعتداء ) على حق صاحب الشرع جل وعلا ، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) المائدة ).

3 ـ ويتكرر هذا فى سورة النحل بصورة أكثر تفصيلا :  أولا : الأمر بالأكل من الطيبات التى أحلها الله جل وعلا : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) . ثانيا :  توضيح المحرمات المستثناة ، مع أنه تكررذكرها : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) ثالثا : النهى عن تحريم الحلال ، لأنه إفتراء على رب العزة جل وعلا ، وتهديد لأولئك المفترين بعذاب أليم :( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117). رابعا : تذكير بعقاب أهل الكتاب حين إنتهكوا شرع الله جل وعلا فحرموا حلالا ، فظلموا أنفسهم : ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118). خامسا : منح من يتوب فرصة النجاة من العذاب الأليم : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) النحل )

4 ــ وتكرر أيضا هذا فى سورة الآنعام . وقد عرضنا لافتراءات العرب فى النذور من الحيوانات لآلهتهم وقبورهم المقدسة ، ورد رب العزة جل وعلا عليهم ، هذا الرد الذى ينتهى بقوله جل وعلا : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145). بعدها يأتى التذكير بألذين هادوا ، وكيف حرّم الله جل وعلا بعض الطيبات عقوبة لهم لأنهم إعتدوا و ( بغوا ) على حق الله جل وعلا فى التشريع ، يقول جل وعلا :  ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) الانعام ) . ثم حوار مع أولئك البُغاة المعتدين على حق الله جل وعلا فى التشريع ، والتحدى لهم إن كان معهم دليل على ما يقولون ، وتهديد لهم : ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) الانعام ). وبعدها يأتى تحديد المحرمات فى الوصايا العشر ( الانعام 151 : 153 ).

سادسا :

1 ــ الخطورة الأكبر، أنهم فقط لا يعتدون على حق الله جل وعلا فى التشريع فى موضوع الطعام ، بل يتسع الأمر من  ( تحريم الحلال ) الى إستباحة الحرام ، بل جعل الحرام والفواحش عبادة دينية ، ثم تتعاظم الخطورة حين ( يعتاد ) الناس على هذا ، ويصبح تشريعا دينيا ضمن ما وجدنا عليه آباءنا .

2 ـ  ونحن نعيش هذا الحضيض ، ففى المستنقع الذى إنحطّ اليه ( المسلمون ) يقتتلون ( جهادا دينيا ) وتصبح المساجد التى هى بيوت الله جل وعلا أهدافا حربية أو مراكز عسكرية ، ويتم قتل الأبرياء عشوائيا ، ويتعاظم هذا فى شهر رمضان ، وأولئك ( المجاهدون ) يقتلون الأبرياء ويقتلون أنفسهم شوقا للجنة والحور العين . يجرى هذا الجنون ( الدينى ) منذ عهد أبى بكر وعمر وعثمان وفتوحاتهم الظالمة الباغية التى جعلوها دينا منسوبا بالافتراء لرب العزة ودينه العظيم دين الاسلام والسلام .

3 ـ  عبر 14 قرنا ( إعتاد ) المسلمون تحويل القتل والسبى والزنا و ( ظلم أنفسهم ) بهذه الكبائر ـ دينا حمل إسم السُّنّة . كما إعتاد دينا التصوف والتشيع تحويل الموالد الى مناسبات للإنحلال الخلقى ، وإذا وعظتهم قالوا : هذا ما وجدنا عليه آباءهم .

4 ــ هى عبادات شيطانية وتشريعات شيطانية وموالاة للشيطان ، ثم ينسبون هذا للرحمن جل وعلا. وقالها رب العزة : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ) ويرد عليهم رب العزة : ( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)) الآعراف ).

5 ـ تأمل قوله جل وعلا (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ، وتفكر فيها وانت ترى شيوخ الإفك فى المساجد والقنوات الفضائية .!!

6 ــ يبدأ الأمر بشىء يحسبونه هينا وهو عند الله جل وعلا عظيم ، وهو تحريم الحلال فى الطعام ، ويتطور الى إستحلال الفواحش والكبائر وإعتبارها دينا.. وتتم ممارسة هذا الإفك الدينى عبر قرون ضمن ما وجدنا عليه آباءنا .

سابعا :

1 ـ لدين السّلف دُعاته وأئمته المنافحون عنه والمجادلون فى سبيله ، ولا يتورعون عن الجدال فى آيات الله جل وعلا القرآنية بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير ، وتراهم منتشرين فى المساجد والمراكز ووسائل الاعلام ووسائل المواصلات والقنوات الفضائية يتقيأون الإفك ، فإذا وعظتهم بإتّباع ما أنزل الله جل وععلا بدلا من إتباع البخارى وابن تيمية وابن عبد الوهاب تحججوا بالثوابت وما وجدوا عليه آباءهم . وحيث يوجد ( ناس ) وحيث يوجد ( مجتمع ) تجد بين ( الناس ) هذا الصنف من ( الناس ) يقولها جل وعلا حقيقة تدخل فى (علم الاجتماع ) : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان ).

2 ــ بل جعلها رب العزة جل وعلا قاعدة (إجتماعية ) ، فحيث يوجد ( المترفون ) محتكروا الثروة والسلطة ( كما فى السعودية ومصر وسائر بلاد الشرق الأوسط ) تجد أولئك المترفين يفرضون التمسك بالسلفية    وعبادة ما وجدوا عليه آباءهم حفاظا على أوضاعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، والتى ترسخت و ( ترعرعت ) فى ظل هذا التراث وتلك السلفية ، والخروج عليها ( دينيا وثقافيا ) يهدد بالخروج عليهم سياسيا والتحرر والعصف بالمستفيدين من الوضع القائم ، وهم المترفون وأئمة دينهم السلفى .

3 ــ  لذا تجدهم يتحدون ضد أى مُصلح فى الدين . هذا ما فعلته قريش بالمؤمنين فى مكة ، إضطهدوهم ورفضوا القرآن الكريم تمسكا بما وجدوا عليه آباءهم :  ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)  الزخرف ) . ويجعلها رب العزة عاة سيئة فى أى مجتمع تسيطر عليه أقلية مترفة ، يقول جل وعلا : (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ).

4 ـ  ينطبق هذا على عصرنا كما لو كانت ألايات الكريمة قد نزلت اليوم . يقول السلفيون ( أجمعت عليه الأمة ) ، وأنهم يقتدون بسلف هذه الأمة . والمترفون فى كل دولة من دول ( المسلمين ) أقلية الأقلية ( واحد من الألف فى المائة ) ولكنهم يحتكرون أكثر من 99% من الثروة ، ومعهم كلابهم للحراسة التى تعض ،وكلابهم فى الاعلام والدين التى تنبح .

أخيرا :

1 ـ ويتقدم العالم كله ، ويظل فى قاع التخلف أولئك ( المسلمون ) شرّ أمة أُخرجت للناس .!!

2 ـ ( مسلمو اليوم : شرُّ أمة أُخرجت للناس ) . عنوان هذا المقال .

اجمالي القراءات 12206