كيفية الدعاء
وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً

لطفية سعيد في الجمعة ٢٩ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6)مريم 
بعض الأمثلة التي ساقها القرآن الكريم ، لأخذ العبرة والتدليل على أن قدرة الله سبحانه غير محدودة قص القرآن بعض القصص التي حدثت مع بعض الأنبياء لأخذ العبرة من موقف عملي ،والتعليم بهذه الطريقة أقوى تاثيرا من الوعظ المباشر وما حكاه لنا القرآن من أمثلة بالمنطق البشري يستحيل تحقيقها ، على سبيل المثال : زكريا وإبراهيم عليهما السلام  :  معا لنقرأ بداية سورة مريم، وبعد قراءة  الحروف المتقطعة التي في بدايتها ندخل سريعا لملخص القصة بـ (ذكر رحمة ربك ) مقترنا بـ (عبده زكريا ) ،لا يخفى على القراء  لم تم ذكر الرحمة مقترنا مع ذكر عبد الله زكريا ، لأن قصته  تعد مثالا على رحمة الله سبحانه ، و (عبده ) إضافة كلمة العبد للضمير الذي يعود على  (ربك ) هذه شهادة من الله سبحانه في حق زكريا بأنه عبد الله ،وهذا يدل على  استحقاقه لهذه الصفة ، نظرا لخلوص عبادته لله ، وينقل لنا وقائع الدعاء الذي قام به زكريا بكل دقة ، من درجة الصوت ( المستوى الصوتي ) عندما نادى ربه  نداء (خفيا) ، ولماذا كان خفيا ،ربما لأن زكريا يرى أن ما يطلبه في دعائه  بعيد المنال بالمنطق البشري  ؟ هل طلب زكريا مباشرة من ربه ما أراده ؟  لا  ،  فقد قدم زكريا وصف حالته وصفا دقيقا ، فقد تحدث عن نفسه ،أنه قد وهن عظمه ، والشيب قد أصاب معظم  شعره ، وهاتان العلامتان دليل على تقدمه في العمر، ولكن هو يعرف جيدا من يدعو، ولذلك هو يذكر حقيقة  أنه ،(وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ) لم يكن ليشقى طالما أنه يدعو ربه ،فهو بدعاء ربه دائما سعيد ،  والشقاء  نقيض السعادة  وسعادة الدعاء ان يكون مستجابا عند الله سبحانه ، والشقاء قد ورد في القرآن الكريم  ، ونكتفي بذكر هذه الآية حيث تحدد الفرق بين الشقي والسعيد ، مع ذكر أمثلة : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108هود)
 
ثم يوالي  وصف حالته فهو يخاف على الموالي من ورائه ،وهم من يحيطون به، ويحتاجون للرعاية والاهتمام ، لاحظ  :(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ )عليهم وليس منهم  ،لأنه من غير المنطقي ان يخاف من الموالي ! (رأي خاص بي ) وطلب من ربه أن يهب له وليا ، ليرعى الموالي  من ورائه ، واستخدم حرف الفاء التي تدل على السرعة، إذ لا وقت للانتظار، هو يلتمس من ربه سرعة الاستجابة : ( فهب لي من لدنك وليا) نتأمل كلمة هب : فعل قد حُذف أول حروفه  لأن أصله ( وهب )، والفعل وهب يستخدم استخداما خاصا، فهو يعني عطاءا غير محدود فهو عطاء لا يقدر عليه إلا خالق البشر ، وقد استخدم إبراهيم عليه السلام  نفس الفعل في نفس الموقف ،إذ رزقه الله سبحانه اسماعيل واسحق على الكبر ، بعد دعائه أيضا  :  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)إبراهيم ،
 ففي هذا الموقف يطلب زكريا  الهبة من ربه تماما مثل ما حدث مع  إبراهيم عليهما السلام، وقد ذكر زكريا  سبب آخر ( غير رعاية الموالي ) وهو أن  هذا الولي  يرثه  ، وكذلك يرث من آل يعقوب،  والحقيقة أن الآيات قد ذكرت نوعي ميراث الميراث العادي (يرثني) وميراث آل يعقوب  ولا ادري  أهو ميراث مادي ، ام ميراث معنوي )  وقد ورد الميراث في القرآن في آيات كثيرة  منها : 
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل 
 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون
كما طلب من ربه أن يجعل هذا الولي( رضيا  )وهي صيغة مبالغة تدل على شدة الرضا والتي تتناسب مع ما ينتظره من مهام ومسئوليات .. وهذه  هي المرة الثانية التي استخدمت فيها الآيات صيغة مبالغة ،فقد استخدمت شقيا قبل ذلك .
ثم تأت الاستجابة الفورية من رب العالمين :     
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7
ولكن زكريا نفسه  يتعجب ويستغرب هذه الاستجابة المستحيلة بمنطق البشر  : (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8))
فيأتي الرد من رب العزة و لفت النظر على أن هذا الوعد ، وهذه الاستجابة من قبل رب العباد ، فلذلك هو هين عليه إذ كان الخلق الأول من لا شيء :
(قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)
ولأن زكريا عبد شاكر لأنعم الله يطلب من ربه أن يجعل له آية  :
( قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (11)مريم  
ودائما صدق الله العظيم 
اجمالي القراءات 10381