بين العاطفة والعقلانية

كمال غبريال في الأحد ٢٤ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

سأظل أناشد الشباب ودعاة "الثورة المستمرة" التوقف عن أي أنشطة تؤدي لهدم الدولة. أما الممسكون بالسلطة، فقد ‏فقدت الأمل في أن يتوقفوا عما يؤدي لمثل هذا. . اعتقادي الشخصي أن "الفهلوة" و"الفتاكة" و"الفكاكة" هي الداء الوبيل ‏الذي يصعب على المصريين الخلاص منه، وهو الذي يضعنا في أسفل سافلين، بأكثر مما يفعل الفكر الديني ‏الظلامي.‏ . أتوق لليوم الذي يخلي فيه السيسي وكل من معه كراسي السلطة، لكن بالطرق الدستورية القانونية، وليس ‏بهدم مصر فوق رؤوسنا جميعاً.
أهم نتائج "الربيع العربي" تؤكد أن مشكلة الشعب المصري وسائر شعوب الشرق الأوسط مازالت قائمة بلا حل. هي ‏مشكلة "اليوم التالي" أو "ماذا بعد؟". . هي خطوة أولى أساسية أن نرفض الوضع القائم، ونكتشف الأهوال التي ستترتب ‏على استمراره، لكن ما لم يكن لدينا تصور واضح لقضية "اليوم التالي" أو "ماذا بعد؟"، فإننا عندها سنكون ذاهبين ‏بأرجلنا الى نهايتنا المأساوية!!
أيام 25 يناير 2011 كانت مصر قوية ومستقرة اقتصادياً وأمنياً إلى حد كبير، وكان الوضع يحتمل أن نهب ثائرين ‏على ما يغضبنا من حال بلادنا. الآن وبعد خمس سنوات من الفوضى والفشل في جميع النواحي مصر تترنح، وتحتاج ‏منا جميعاً أن نشمر عن سواعدنا لتستعيد توازنها. التفكير في الثورة الآن يقع في المنطقة ما بين البلاهة والهوس ‏والخيانة.‏ . لا أظنني أتجاوز الموضوعية كثيراً، إذا قلت أنها ليست الانتهازية السياسية، وإنما بداخل كل ناصرجي ‏ويسارجي داعشي رابض، يدفعه للالتحاق بإخوان الإرهاب، في محاولتهم هدم مصر في سبيل الاستيلاء عليها.
يرى البعض أن القضاء على الإرهاب في العالم يتطلب تفكيك "قنبلة الجراثيم" السعودية الضخمة، إلى عدة قنابل ‏صغيرة يسهل التعامل معها وإجبارها على الاستقامة بعيداً عن نشر الإرهاب.
رائع ما أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي من مشاركة الجميع في الاهتمام بالشأن العام، والإقدام بجرأة على إبداء الآراء ‏في كل ما يعرض من مواضيع وإشكاليات. يعد هذا شرخاً وتصدعاً في جدران الأبوية (البطريركية) المهيمنة على ‏ثقافتنا، والتي تجعل منا جميعاً رعية لراع أوحد وزعيم ملهم. فلا انتخاب الرئيس ولا التمثيل النيابي يعني تفويضاً لأن ‏يفعل من انتخبناهم ما يحلو لهم، ونحن قعود ننتظر النتائج عند محطة النهاية بعد أربع أو خمس سنوات.‏
المشكلة الراهنة في هذا ربما تكون مؤقتة، وهي أننا تعودنا أن نقارب الأمور بعواطفنا، التي غالباً ما تكون ملتهبة. لم ‏نتدرب على التفكير العلمي المنهجي. ولم نتعود على البحث في المراجع المتاحة الآن عما يخفى علينا، أو يخرج عن ‏دائرة تخصصنا. لتكون النتيجة هكذا عواصف ترابية من الآراء العشوائية، التي أقل ما يقال عنها أنها تفتقد إلى النضج ‏والموضوعية.‏
الحل ليس في مطالبة الناس بالصمت، ولا في مطالبتهم بالاستماع فقط إلى الزعيم الأوحد طبيب الفلاسفة. الحل هو ‏المراهنة على الزمن، الذي قد يأتي بالنضج لأفكارنا، وبالاعتماد على نور العقل بدلاً من نيران العاطفة.‏
دوام تكرار ظاهرة دخول أعداد كبيرة من الشباب في صدام مع الشرطة من أجل مشاهدة مباراة لكرة القدم أمر يستلفت ‏الانتباه، ويحتاج لدراسات اجتماعية وسيكولوجية. فالشباب هنا يعرض نفسه لمختلف أنواع الإصابات، مثل الدهس ‏وطلقات الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، علاوة على تعرضه للاعتقال والسجن. كل هذا من أجل حضور مباراة ‏يمكن له مشاهدتها في التليفزيون وهو في وضع استرخاء يحقق له متعة المشاهدة.
هل هي روح التحدي لدى الشباب، التي تجعلهم يهرولون نحو أي مناسبة يتحدون فيها الكبار؟
هل هو خواء حياتهم المقترنة بدماء الشباب المفعمة بالحيوية، فيذهبون لأي مناسبة يفرغون فيها طاقتهم؟
هل هو انقطاع الأمل وانسداد السبل في وجوههم لإثبات ذواتهم وتحقيق آمالهم، ما يدفعهم إلى صدام من قبيل الانتقام ‏أو حتى الانتحار؟
هل هو بحث الشباب عن انتماء في ظل حالة التيه وفقدان الهوية الراهنة؟
لا يجب أن نظل نعتمد على قوات الأمن المركزي لملاحقة أبنائنا، وعلينا أن نبحث بالعلم كيف ندير حياتنا ونربي ‏أولادنا، رغم أن فاقد الشيء لا يعطيه!!
‏******‏
في طفولتي تصورت إلهاً يحب كل ما خلق وعلى رأسهم البشر. بعد سنين قرأت الكتاب المقدس "العهد القديم"، وعرفت ‏منه أن "يهوه" يحب فقط شعبه المختار، ويحرق غيرهم بالنار والكبريت، وأنه أمر شعبه بذبحهم هم وأولادهم وبهائمهم. ‏وعندما تأملت ملياً في "العهد الجديد" عرفت أن الإله يمكن أن يحب جميع البشر، بشرط أن يؤمنوا به ويستمعوا ‏للوصايا المدونة في "العهد الجديد"، وإلا سوف يلقي بهم في بحيرة متقدة بالنار والكبريت، حيث الدود الذي لا يموت ‏والنار التي لا تطفأ.‏ . في مصر نلوم مبارك على استفحال التيارات الظلامية، وفي تونس يلومون زين العابدين بن ‏علي، وفي ليبيا يقع اللوم على القذافي، وفي سوريا بشار. . هي إرادة الشعوب يا سادة، التي لا يستطيع أحد الوقوف في ‏سبيلها. . إذا الشعب يوماً أراد الظلام، فلابد أن تستجيب الشمس بالكسوف!!‏. . على مر التاريخ الإنساني لعب ‏‏"الشيطان" أدوار: "اللهو الخفي" و"الطرف الثالث" و"الطابور الخامس" و"الماسونية" و"الأصابع اللي بتلعب في الحتة ‏الزنقة" والـ"CIA" و"الموساد" و"قطر" و"تركيا" و"السعودية" و"أهل الشر". . مسكين هذا "الشيطان" لما يلقاه من افتراءات ‏الفشلة والعجزة. . اطمئنوا يا سادة، فلا أحد يتآمر على الفاشلين المتسولين الجهلة!!

اجمالي القراءات 6474