حالة الاحتقان المصرية

كمال غبريال في الخميس ١٤ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

واضح أن حكامنا الأجلاء قد فوجئوا بأن الشعب المصري "المتطفل" يدس أنفه في مسألة تتعلق بحدود بلاده، رغم أن ‏‏"أسيادنا" يرددون بينهم وبين أنفسهم ليل نهار أغنية "شعبي وأنا حرة فيه، شعبي أغسله واكويه". لكن "العقل زينة"، فهناك ‏فرق بين تعرض جزء من أرض الوطن للاحتلال والاقتطاع من السيادة المصرية، وبين مشاكل وخلافات على ترسيم أو ‏تعيين الحدود البرية أو البحرية. دافعوا عن حدود بلادكم يا سادة، لكن دون العبارات الضخمة الجوفاء والشعارات ‏الحماسية الهزلية. . العقل زينة يا جدعان!!. . السيسي محق في أن موقف دولة من مطالبة دولة أخرى بحق لها يختلف عن موقف الأفراد. الدولة عليها احترام نفسها واحترام القانون الدولي، بينما الأفراد يمكن أن يذهبوا إن أرادوا خلف رغباتهم الشخصية أو الوطنية كيفما يشاؤون.

كل الاحترام للشباب المصري الغيور والحريص على أرض وحدود بلاده، وبالغ الاحتقار للذين يريدون جزيرتي صنافير ‏وتيران، لأهميتهما كما يقولون في صراعهم "اللعين" مع من يسمونه "العدو الصهيوني". . اللعنة على مدمني الكوارث ‏والخيبات "يتامى وأرامل الزعيم الخالد"!!‏. . كلما تحدث حمدين صباحي أُصاب بالرعب، لمجرد تخيل أن مثل هذا ‏الشخص كان من الممكن أن يكون رئيساً لجمهورية مصر. . طالما هناك أمثال محمد مرسي وحمدين صباحي يتربصون ‏للقفز على كرسي السلطة، أنا مضطر للقبول بأمثال مبارك والسيسي. . الزعيم العروبجي الهتيفة حمدين صباحي يرى ‏أن قضية جزيرتي تيران وصنافير مسألة أمن قومي مصري، رغم أن سيده عبد الناصر بدأ من مضيق تيران مرتين، ‏ليأتي بالإسرائيليين جرياً خلفه إلى قناة السويس. حسناً فعل الشعب المصري، أن جعل ترتيبه الثالث في انتخابات شارك ‏فيها مرشحان!!. . خصصوا لهذا الرجل إحدى درجات سلم نقابة الصحفيين، ليهتف عليه "لغاية ما يتقطع نفسه"!!

أغلب ظني أنه لكي تضع السعودية عقالاً أو بعيراً على جزيرتي تيران وصنافير، لابد أن تكون قد ذهبت أولاً صاغرة ‏لإسرائيل، لتوقع لها على تعهد بالتزام الأدب!!

القوات المسلحة في كل الدول واحدة من مؤسسات الدولة، مكلفة بمهام الدفاع عن الوطن، ولا تختص برسم السياسات، ‏ولا الوصاية على الوطن، والسيادة حق حصري للشعب، وليس لما نسميه مؤسسات سيادية. . ‏"الوطنية" التي أعترف بها ‏تعني انتماء الوطن للمواطن، وليس انتماء المواطن للوطن. الإنسان الفرد هو الأساس، وهو القيمة العظمي في الوجود.‏ ‏‏. إلى الجحيم بسيادة الوطن، ما لم ترتبط بسيادة الإنسان على أرض الوطن!!

أنا شخصياً أغار على السيادة المصرية، وتندفع الدماء ساخنة في شرايين رأسي، عندما تهتز هذه السيادة أو تترنح أو ‏تنهار. . تنهار السيادة المصرية بالفقر الذي يمسك بصعيد مصر كما السرطان. . تنهار بتوحش السلفيين في الريف ‏والبوادي، وفرضهم أحكامهم العرفية. . تنهار السيادة المصرية في قلب القاهرة والإسكندرية وسائر المدن الكبرى، عندما ‏تتحول المراكز الحضارية إلى كتل من الفوضى والعشوائية. . تنقلب السيادة المصرية رأساً على عقب، عندما تتحول ‏الأجهزة العاملة في خدمة الشعب صاحب السيادة إلى سيدة على الشعب. . تنعدم السيادة المصرية عندما يتحول ‏المصريون حراس السيادة إلى مطبلين ومزمرين وراقصين في موكب القائد الملهم والزعيم الملم وحده بجميع الحقائق، ‏ويعرف وحده الطريق الصحيح. . الشعب الذي قبل من عبد الناصر أن يقول له "أنا الذي علمتكم الكرامة"، ليس مستغرباً ‏منه قبول ما يقوله السيسي ‏ عن نفسه وعن قدراته الخارقة.‏ . من غير الواضح إن كان حديثه بهذا الشكل وبتلك التعبيرات من قبيل "التبسط المفرط" أم "البساطة المفرطة". . كلام السيسي المتكرر عن "أهل الشر" ذكرني بطرفة كتبها جيمي كارتر عن نفسه أيام طفولته، أنه كان يسير بضعة أميال على خط السكة الحديد، إلى حيث يبيع بضع حبات من الفول السوداني، وأنه تعلم حينئذ كيف يتعرف على الناس "الأخيار" من "الأشرار"، حيث أن "الأخيار" هم من يشترون منه الفول السوداني، و"الأشرار" هم من لا يشترون!!

وصل الضعف والخوف، إلى حد قطع البث المباشر عندما يهم بعض من يجتمع بهم الرئيس بالحديث، وأن يطلب ‏الرئيس الاجتماع برموز من المجتمع المدني تحت مسمى طريف هو "الأسرة المصرية"، ليتحدث هو وحده إليهم، رافضاً ‏أن يعطي فرصة لأي منهم أن يفتح فمه. . جريدة الوطن عاجل| السيسي في لقاء ممثلي المجتمع: "أنا هنا عشان أقولكم ‏أنا مين". . أفعالك يا عزيزي وليس أقوالك هي ما تقول لنا من أنت حقيقة!!‏

يلح السيسي باستمرار طلباً لأن "يثق" الناس به وبقدراته، التي يتصورها أو يصورها لنا فائقة وغير اعتيادية. الحقيقة أن ‏الشعب عندما ينتخب أحداً لرئاسة الجمهورية، فإن هذا يعني "الثقة" فيه من حيث القدرات والأمانة، لكن تلك الثقة لا ‏تعني بالتأكيد تسليمه حياتنا تسليماً تاماً شاملاً، نمتنع فيه عن النقد والمراجعة والرفض لبعض قليل أو كثير مما يقدم ‏عليه أو يقدمه لنا. ما يطلبه السيسي هكذا ليس "ثقة"، وإنما يطلب "تسليماً"، كذلك التسليم الذي تتحدث عنه الخطابات ‏الدينية للإله. يدل هذا الإلحاح من السيسي على ما يسميه "الثقة" على أمرين، أولهما استشعار العظمة والمقدرة، ما ‏يخشى أن يصل إلى حدود سيكولوجية غير سوية، والثاني استشعاره أن ملايين المصريين الذين وضعوا فيه ثقتهم قد ‏بدأوا يتشككون ويتذمرون ويرتدون عنه. . الحالة مقلقة بالفعل، من حيث فهم الرجل لمدى سلطاته ومسئوليته، ومن حيث ‏تصوره لذاته، الذي ربما يتعاظم بفعل نفاق الجوقة الملتفة حوله، والتي عرفنا أمثالها على مر التاريخ المصري، تظل ‏تنفخ تعظيماً في الممسك بصولجان الملك حتى ينفجر!!‏

اجمالي القراءات 6614