معارضة شعرية لنونية ابن زيدون

لطفية سعيد في الأحد ٠٣ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 
نونية ابن زيدون هي قصيدة شعرية كتبها الشاعر الأندلسي أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، المكنى بأبي الوليد والمشهور بابن زيدون، وتعد هذه القصيدة من أشهر قصائده، بل ومن أشهر قصائد الفراق التي قيلت في تاريخ الشعر العربي، وقد نسج الشعراء اللاحقون على منوالها، وفيها يذوب ابن زيدون آسى وألما على فراق ولادة بنت المستكفي ، وهي  أميرة أندلسية وشاعرة عربية من بيت الخلافة الأموية في الأندلس، . اشتهرت بالفصاحة والشعر، وكان لها مجلس مشهود في قرطبة يؤمه الأعيان والشعراء ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس.
  تم سجن الأمير ابن زيدون الأندلسي، إثر وشاية وهذا كان يحدث غالبا لمشاهير القوم ،  وحين هرب من سجنه  كتب هذه القصيدة النونية لحبيبته التي كان يحترق شوقا إليها ، وإلى الأوقات الصافية والممتعة التي أتيحت له معها ، :.
نص القصيدة
أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْـلاً مِـنْ تَدانِيْنـا وَنَابَ عَـنْ طِيْـبِ لُقْيَانَـا تَجَافِيْنَـا
ألا وقد حانَ صُبـح البَيْـنِ صَبَّحنـا حِيـنٌ فقـام بنـا للحِيـن ناعِينـا
مَـن مُبلـغ المُبْلِسينـا بانتزاحِهـم حُزنًا مـع الدهـر لا يَبلـى ويُبلينـا
أن الزمان الـذي مـا زال يُضحكنـا أنسًـا بقربهـم قـد عـاد يُبكيـنـا
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا بـأن نَغُـصَّ فقـال الدهـر آمينـا
فانحلَّ مـا كـان معقـودًا بأنفسنـا وانبتَّ مـا كـان موصـولاً بأيدينـا
لم نعتقـد بعدكـم إلا الوفـاءَ لكـم رأيًـا ولـم نتقلـد غـيـرَه ديـنـا
ما حقنا أن تُقـروا عيـنَ ذي حسـد بنـا، ولا أن تسـروا كاشحًـا فينـا
كنا نرى اليـأس تُسلينـا عوارضُـه وقـد يئسنـا فمـا لليـأس يُغرينـا
بِنتـم وبنـا فمـا ابتلـت جوانحُنـا شوقًـا إليكـم ولا جفـت مآقيـنـا
نكـاد حيـن تُناجيكـم ضمائـرُنـا يَقضي علينا الأسـى لـولا تأسِّينـا
حالـت لفقدكـم أيامـنـا فَـغَـدَتْ سُودًا وكانـت بكـم بيضًـا ليالينـا
إذ جانب العيش طَلْـقٌ مـن تألُّفنـا وموردُ اللهو صـافٍ مـن تصافينـا
وإذ هَصَرْنا غُصون الوصـل دانيـة قطوفُهـا فجنينـا منـه مـا شِينـا
ليسقِ عهدكم عهـد السـرور فمـا كنـتـم لأرواحـنـا إلا رياحيـنـا
لا تحسبـوا نَأْيكـم عنـا يُغيِّـرنـا أن طالمـا غيَّـر النـأي المحبينـا
والله مـا طلبـت أهواؤنـا بــدلاً منكم ولا انصرفـت عنكـم أمانينـا
عرفنا ابن زيدون العاشق الذي يحسن التحدث عن مآسي القلوب ، ويكاد يعرف أسرار النفوس ..
وقد عارض هذه القصيدة  كثير من الشعراء ،ولكن أقواها معارضة كان أمير الشعراء أحمد شوقي ـ وهو غني عن التعريف ـ ونلاحظ مدى تأثير أمير الشعراء بإنتاج الشعراء القدامى ،مترجما ذلك التاثير وموظفا مقدرته اللغوية إلى شعر يعارض فيه قصائدا ، تعد عيون الشعر العربي ، ولكن وبكل أمانة عند قراءتك لما أبدع امير الشعراء  ، (وأنت خالي الذهن  ) لا تدرك من كان الأسبق زمنيا !! وهذا يدل على أن شوقي عاد بنا  لقوة الشعر القديم فهو قد احياه بعد موته ، وثباته في عصور التخلف .. بيد أننا نذكر معدن شاعرنا  الأصيل، فالبرغم من أنه نشأ في البيت المالك ،وعاش عيشة مرفهة ،إلا أن هذا لم يقلص دوره السياسي المناهض للاستعمار، فقد اختار الدفاع عن مصلحة بلاده ،وحقوق مواطنيها ،  وتم نفيه عقابا له على ذلك  ،وكتب وهو في منفاه هذه القصيدة التي يعارض فيها ابن زيدون ، ويشعر بنفس معاناته إلا أن معاناته كانت أقوى في بعده عن  بلده وموطنه،  عندما قال :
يا نائح الطلح أشباه عوادينا ,,, نشجي لواديك أم تشجي لوادينا 
ماذا تقص علينا غير ان يدا,,,قصت جناحك قد جالت في حواشينا
والطلح : اسم واد في الأندلس ملتف الأشجار كثير ترنم الأطيار وكان المعتمد بن عباد الأمير الأندلسي مفتون به فشوقي يخاطبه بأن مصائبنا ، وعوادينا متشابهة فهل أحزن لزوال واديك عن المسلمين ، ام أحزن لما فيه وادينا بمصر من احتلال وغصب !!ورأيي الشخصي أن شوقي لو كان معاصرا لنا اليوم ورأي بعين عقله وخبرته ما فيه مصر الآن لأدرك انه كان في نعمة لم يدرك مداها ، مقارنة لما نراه اليوم من أحوال ! ولو قارن مقارنة موضوعية  ،لا مكان فيها للعاطفة والتحيزأيضا ، لادرك ان أسباننا بزوال المسلمين عنها أحسن حالا من وجود مسلمي التطرف والتعصب في أرضها،  وبين أهلها ، فالمسالم هو مسلم مهما كان دينه .. ويواصل  شوقي تعداد  ما يجمع بينه وبين ابن زيدون من أحزان ومصائب فكلاهما  يشكو بعدا عمن يحب:      
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا ,,,أخا الغريب وظلا غير نادينا
كل رمته النوى ريش الفراق لنا ,,,سهما وسل عليك البين سكينا
هذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع,,,من الجناحين عي لا يلبينا 
وإن يك الجنس يا ابن الطلح فرقنا,,,إن المصائب يجمعن المصابينا
لم تأل ماءك تحنانا ولا ظمأ,,,ولا ادكارا ولا شجوا أفانينا 
تجرمن فنن ذيلا إلى فنن ,,, وتسحب الذيل ترتاد المؤاسينا 
أساة جسمك شتى حين تطلبهم ,,,فمن لروحك بالنطس المداوينا
والشاعر هنا حيران يحمل الطائر في حالين  ، حال المغترب ، وحال المقيم فمن تدرون أيبكي من الغربة ، أم ينوح من فقد الأليف ! ومع حيرة الشاعرفي معرفة ما يريد !! نقف إعجابا وتقديرا له في تقمصه  لشخصية الطائر وإحساسه بأحاسيسه :
تجر من فنن ذيلا إلى فنن ,, وتسحب الذي ترتاد المؤاسينا .. وكأن ترى الطائر الحزين يتنقل على غير هدى من أيك إلى أيك فنعرف أنه يبحث عمن يواسيه ولكن من يواسيه ؟!ولذا فهو يقول مخاطبا نفسه
أساة جسمك شتى حين تطلبهم ,,فمن لروحك بالنطس المداوينا 
فإن الطائر وإن وجد من يأسو جسمه ، فكيف يأت بالطبيب الماهر ليداوي روحه ؟! أيها الطائر الجريح لك الله !!           
اجمالي القراءات 49548