حين يصبح الدعاء شركاً بالله
حين يصبح الدعاء شركاً بالله

أسامة قفيشة في الخميس ٣١ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

حين يصبح الدعاء شركاً بالله

سورة غافر تتحدث عن الشرك بالله و عن مصير المشركين , تترك الباب مفتوحاً أمام من أشرك بكتاب الله و رسالته للاستغفار و التوبة و العودة لكتاب الله جل وعلا وحده مهيمناً على كل الكتب من دونه , من أجل الحصول على مغفرة الله رب العالمين ,

فيقول جل وعلا ( تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) 2 غافر , لافتاً ايانا للتمسك و العمل بكتابه المبين المنزل من عنده سبحانه العزيز العليم ,

هذا التمسك يتطلب ترك ما هو دونه من الكتب الأرضية كي يكون الدين كله لله , و لمن أشرك بهذا الكتاب المنزل من الله بكتب أخرى يتوجب عليه العودة لكتاب الله مستغفراً ربه عن ذاك الذنب و الاشراك , و يبين لنا الله جل و علا بأنه قابل لتلك التوبة مع التحذير من العودة لما فات فهو جل و علا شديد العقاب ذي الطول , و بأنه جل و علا لا اله الا هو و اليه مصير الجميع , ( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) 3 غافر ,

و في الآية التي تليها يبين لنا الحق عز وجل بأن من يجادل في حقيقة و ووضوح و بيان و تفصيل آيات الله جل وعلا ما هو الا كافرٌ بما تبينه تلك الآيات ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلاد ) 4 غافر , فيجب على الجميع أن لا يغتروا بهم و بدعوتهم , فهم يدعون الى الباطل حتى لو بلغوا أعلى المناصب و لو اعتلوا المنابر في كل مكان و زمان , فتلك من صفاتهم بأن جعلوا الناس تغتر بهم و بشكلهم و بمراكزهم , و يتقلبون في كل مكان و زمان ,

ثم تتحدث عن تكذيب و جدال الأمم السابقة برسالة الحق , و تتحدث عن دعاء الملائكة و استغفارهم للذين آمنوا و للذين تابوا و اتبعوا سبيل الحق ,

و يأتي الحديث عن الكافرين المشركين يوم الحساب حين يعترفون بذنوبهم و يطلبون فرصه أخرى فيأتيهم رده جل وعلا ( ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) 12 غافر , و لا عودة لأحد بل هو يوم الوفاء و الجزاء ,

هؤلاء المشركين بالله جل وعلا هم ظالمون بشركهم و بتقديسهم لبعضهم البعض , أو بتقديسهم لأي نبي و اشراكه في حكم الله جل و علا , فلا حكم يومئذٍ الا حكمه , و لا شفاعة الا شفاعة الشفيع العليم فيقول ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) 18 غافر , ثم يأتي التأكيد بأن الله وحده صاحب الحكم و هو الذي يقضي بالحق ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) 20 غافر , و بأن جميع تلك الأسماء التي أشركوها بحكم الله و قضاءه , لا يقضون و لا يستطيعون فعل شيء أمام حكم الله جل وعلا و قضاءه ,

ثم يعود بنا الحديث عن الأمم السابقة مرة أخرى و عن اسرافهم و ريبتهم و تكبرهم و تجبرهم ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) 35 غافر ,

ثم يأتي الحديث عن ذلك الرجل المؤمن من قوم فرعون و الذي كان يخفي ايمانه ( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ) 41-42 غافر , و هنا تأكيداً لمن ترك الكفر و ترك الشرك و تاب فانه سيجد المغفرة من العزيز الغفار ,

و يأتي الكلام على من آمن من الناس و ابتعد عن الشرك بالله و لا يقدس أحداً سواه , يطالبهم بالصبر و الاستغفار و بأن وعد الله حق ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) 55 غافر ,

ثم يبين لنا المولى جل وعلا أهمية الدعاء و الطلب من الله و استغفاره و ربط ذلك بالعبادة كون ذلك هو اعتراف بالله و خضوع و تذلل له عز وجل ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) 60 غافر , فمن استكبر عن ذلك فله جهنم ,

ثم يأتي الحديث بشكل قاطعٍ بيّنٍّ و مُحكم بأن دعاء الله يجب أن يكون خالصاً له , فلا نتضرع أو نتوسل بغيره , و بما أن الدعاء جزءٌ مهم ٌ من العبادة فقد نهانا جل و علا من أن ندعو من دونه أحد , و بأنه لا اله الا هو رباً للعالمين ( هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) 65-66 غافر , فكان الدعاء و التوسل لغير الله جل وعلا هو بمثابةِ عباده لتلك الأسماء و المقامات و اشراكٌ بالله جل وعلا , و لهذا من توسل داعياً راجياً غيرَ الله  فذلك شركٌ و عبادةٌ لغيره عز و جل , بل يجب اخلاص الدين لله وحده ,

فهذا الشرك بالله هو نتاجُ الجدل في آيات الله البيّنات و تكذيباً بها , ومصير من يفعل هذا في قوله سبحانه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ * ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) 69-76 غافر ,

فهؤلاء المجادلون المشركون المتكبرون الذين لا يخضعون لله وحده و لا يستغفرونه و يتوبوا اليه من أجل أن يغفر لهم و يصرون على ما هم عليه قال عنهم جل وعلا في نهاية السورة ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) 84-85 غافر ,و صدق الله الواحد الأحد .

 

سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا

سبحانك اني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 7542