كذلك كنتم من قبل

لطفية سعيد في السبت ١٩ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

(كذلك كنتم من قبل) ، جاءت في سياق نهي المؤمنين  عن اتهام الآخرين  بالكفر  ، على الرغم  من أن هذا الآخر  مسالما ، وليس في حالة حرب معهم !!
 ، و جملة  ، (كذلك كنتم من قبل ) أيضا دعوة ليتذكر كل منا ما كان عليه في الماضي ، قبل أن يمن الله عليه بالإيمان  ( فمن الله عليكم )  يعني هذا ان موضوع تكفير الآخر قديم ، قد ناقشته الآيات لخطورته ، وتكراره ..
س متى كان هذا  الاتهام للآخر بعدم الإيمان ؟ عندما كان المؤمنون يذهبون لرد العدوان والدفاع عن أنفسهم  : (إذا ضربتم في سبيل الله ) للجهاد ، وكما نعرف إن تشريع الجهاد كان لرد العداء فقط في الإسلام. 
ماالذي يجب على المؤمنين القيام به ؟ ضرورة التثيت والتحقق والتأكد (فتبينوا ) بأمر من الله سبحانه  ، قبل اتهام المسالمين بعدم الإيمان
س وكيف نعرف المسالم من المحارب  إذن ؟ هل للمسالم صفات محددة ؟ كيف نعرفه ؟ 
نعم  ببساطة  ، المسالم  هو ، لا يبدأ بالاعتداء ،ولا بالقتال ، بل يلقى إليهم السلام الكامل ، ودلالة ذلك بأن  يأمنك مسالم على نفسه ،وماله وعائلته ولا يحاربك، ولا تجد منه إلا كل سلام ( ألقى إليكم السلام ) فهو من بادربالسلام  وبدأ ،وعاهد ،إذن هو ليس محاربا ولا معتديا ، بل مسالما معاهدا يؤمن جانبه !! 
س :وهل ممارسة الحسبة ومحاسبة الاخر مرفوض إسلاميا  ؟  نعم قد نهتهم الآيات الكريمة عن اتهام المسالمين بعدم الإيمان   ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ) ، قطع صريح  ونهي (ولا تقولوا )  عن الخوض في معتقدات الآخر، والحكم عليها ، ماالسبب في هذا النهي ؟  أن هذا الحساب والحكم لله الواحد الأحد فقط ..ومن تدخل في الحكم  فقد وضع لنفسه حقوقا لا تنبغي لبشر، وإنما هي لخالق البشر ،بل إن  الله سبحانه قد أجل حسابه ، (وهو الخالق ) ليوم القيامة فيما يخص حق الله ،من إيمان واعتقاد كفر أو شرك علاقة العبد بخالقه ، فكيف يفعل ذلك بشر ؟! . 
وتشير إلى بداية  ظهور الحسبة ،والتسلط على الآخرين ، لغرض دنيوي ولفت النظر لعبارة تتكرر دائما :(لست مؤمنا ) نسمعها من المتزمتين في الأديان الأرضية ،وخاصة الوهابية وما أنتجته من حركات كان آخرها داعش، وما تحمله من فكر حنبلي وهابي متسلط ..
ما السبب في إلقاء تلك التهمة  (لست مؤمنا ) على الآخرين ؟ لغرض دنيوي ، ابتغاء مكاسب دنيوية    ( تبتغون عرض الحياة الدنيا ) على سبيل المثال ، للاستيلاء على  ممتلكاته أو عليه (هو  ) بغرض الفدية ،أو أسره !! ونلاحظ أن الآية واضحة فقد عبرت عن وجهة نظر بعض المؤمنين بأنه مجرد قول ، وتعدهم الآية بمغانم كثيرة عند الله ،  فلا داعي لأن يعتدوا على المسالمين من الناس من أجل المغانم ، وتذكرهم بما كانوا عليه قبل أن يمن الله عليهم بالإيمان كانوا مثلهم مسالمين، ولم تمتد إليهم يد بالأذى .. إذن لم يمدوا أيديهم بالأذى للمسالمين ؟ !!  وكما نعرف ان تشريع الجهاد كان لرد العداء فقط في الإسلام ،  وقد نبهت سورة  (النساء94) لخطورته، ولأنه مرض ابتُلي به البشر برعاية شيطانية مستمرة  : 
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94النساء) 
وقد ناقشت آيات سورة الحجرات 14، 15 ، 16 ، 17 ) الفارق الاساس بين المسلم المسالم ، وبين المؤمن الذي دخل الإيمان لقلبه حيث خشع قلبه لذكر الله ،وما نزل من الحق ،وصدع لأمر الله ،وظهر هذا الصدع واضحا جليا في سلوكه العملي ، ( مؤمن عمليا  وليس اسما  ولا صفته ولا وراثة  ) حيث ان المسالم نوعان  ، مسالم لحين ميسرة تظهر حقيقتة عند لحظة امتلاكه للقوة  ينقلب على عقبيه ، فيخسر الدنيا والاخرة .. والآخر يظل مسالما رغم امتلاكه للقوة .. هكذا كانت آيات القرآن فاصلة في تصحيح  المعلومة (حيث وصفتهم بأنهم أسلموا فقط  (مسالمين ) ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، وتستخدم أسلوب الشرط حيث انهم لو التزموا بطاعة الله ورسوله  فسوف يغفر لهم ذنوبهم ، ولا ينقص أعمالهم  :           
قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
والخالق هو وحده ، من يكشف غيب النفوس ، ولا يحق لبشر أن يصف بشر غيره بهذا  ،  وهذه الآيات توضح لنا صفات المؤمنين والتي تبدا بـ (إنما )أسلوب قصر تلك الصفات على المؤمنين وحدهم ، دون غيرهم ..
 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)
ولمن  أصر على وصف نفسه بالإيمان رغم بعده تماما عما ذكرته الآيات من أوصاف  !! تعنفهم الآيات بأسلوب استفهام إجابته معروفة سلفا، فمن منا يصدق أن الله سبحانه بواسع علمه ينتظر مزيدا من العلم من مخلوق ضعيف ضيق العقل والفكر .. تعالى الله عما يصفون :  
 قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
ويتم تلخيص ما سبق قوله من ادعاء الإسلام  والمن ، وهم لا يدرون أن الهداية من الله سبحانه هو من هداهم للإسلام برحمته .. واستخدمت اآيات الأسلوب الخبري   (يمنون ) ،والانشائي  في (قل لا تمنوا )  أمر ونهي   لتحريك الذهن     : 
 يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين  (17) الحجرات..
ودائما صدق الله العظيم 
اجمالي القراءات 11885