تكملة سلسلة مقالات : لكل نفس بشرية جسدان
لا إستنابة فى العبادات فى الاسلام : لا تصلى عن أحد ، ولا تصوم عن أحد ، ولا تحج عن أحد

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٤ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

لا إستنابة فى العبادات فى الاسلام : لا تصلى عن أحد ، ولا تصوم عن أحد ، ولا تحج عن أحد

تكملة سلسلة مقالات : لكل نفس بشرية جسدان

( رجاء : بمراجعة المقالات السابقة فى نفس الموضوع )

أولا :لمحة عن حقائق الاسلام التى تنفى الاستنابة فى العبادة

1 ـ فى تأكيد الحرية الدينية المطلقة لكل نفس بشرية ومسئوليتها يوم القيامة على إختيارها يقول جل وعلا : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف  ) وعن حرية البشر فى الايمان أو عدم الايمان بالقرآن الكريم ، يقول جل وعلا : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107):الاسراء  ) ، وعن حرية البشر فى الالحاد فى القرآن وعلم الرحمن بذلك وتهديده لهم بعذاب يوم القيامة يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت  ) 

2 ـ لا تتحمل نفس وزر أخرى، ومصيرنا الى الله جل وعلا يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون يقول جل وعلا : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) فاطر )(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)الأنعام:194 ) (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (15)  الاسراء ) (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) ( الزمر ) (أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) ) ( النجم )

3 ـ الهداية والضلال إختيار شخصى ، وكل فرد مسئول عن نفسه ، إن إهتدى فلنفسه وإن ضلّ فعلى نفسه : ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء: 15 . ) ، و ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)الجاثية:15 ) ، ولذا فلا ظلم يوم القيامة : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت:46 )  وكل نفس مؤاخذة بما كسبت بالحق كما خلق الله جل وعلا السماوات والأرض بالحق : (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)الجاثية:22 ) والتكليف على قدر الطاقة والاستطاعة: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ  ) البقرة:286 ).  والكافر عليه كفره والمؤمن يمهّد لنفسه مستقرا فى الجنة : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)الروم:44 ) لذا فإن من يشكر الله جل وعلا مؤمنا به خاشعا له إنما يفعل ذلك خيرا لنفسه وستلقى نفسه ثواب ذلك فى الجنة ونجاة من النار ، ومن يكفر فإنّ الله جل وعلا غنى عنه وعن العالمين:( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لقمان:12 )،( وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)النمل:40 ). وثواب الحج هو لمن أدّى المناسك متقيا ربه جل وعلا، وليس الله جل وعلا محتاجا لحجّه لأنه جل وعلا غنى عن العالمين:( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران ).

ولأنها مسئولية شخصية ذاتية فقد قال جل وعلا لبنى إسرائيل : (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )الإسراء:7 )، وقال نفس المعنى للصحابة فى عصر الرسول عليه السلام : (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ )محمد:38)(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) الفتح:10 ).

ولأن الهداية اختيار شخصى ومسئولية شخصية فليست مسئولية النبى أن يهدى أحدا : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )البقرة:272 ) ، بل لا يستطيع أن يهدى من يحبّ من الناس لأن الهداية مسئولية كل نفس ، فمن شاء الايمان والهدى شاء الله هدايته ، ومن شاء الضلالة شاء الله ضلاله:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)( القصص ).

ولأن الهداية اختيار شخصى ومسئولية شخصية فليس على النبى سوى التبليغ بقراءة القرآن:(وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ)النمل:92 ) ، وهو عليه السلام ليس وكيلا عن أحد (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر) ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)يونس:108 ) وليس حفيظا على أحد : (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)الأنعام:104 ).

4 ـ وتزكية النفس أيضا مسئولية شخصية .

خلق الله جل وعلا النفس البشرية وقد الهمها الفجور والتقوى، والفجور فيها مقدم على التقوى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس) ، لذا يكون سهلا الاستسلام للشهوات والغرائز والفساد بينما يكون صعبا الاصلاح وإلزام النفس بالتقوى ، أو تزكيتها ، وكما قفال جل وعلا : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ). والفلاح هنا يعنى الدرجات العلا يوم القيامة : (   وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) طه ) .

وعملية التزكية هى إرادة ذاتية يتم بها تحكم الفرد فى نفسه وأن يلزمها بالتقوى إبتغاء مرضاة الله جل وعلا القائل عن المتقين المنفقين : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)البقرة :265 ) . الشاهد هنا قوله جل وعلا (ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ )،أى رغبة ذاتية وتثبيتا للنفس على أن تتطوّع بالانفاق فى سبيل الله . هنا نتحدث عن ( الأنا العليا ) أو الضمير اليقظ فى داخل كل إنسان الذى ينهى النفس عن الهوى:(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَىفَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)النازعات :40 )، وهو عكس الذى يكون عبدا لهواه وغرائزه ونزواته:( فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)  النازعات ).

وهناك وسائل كثيرة للتزكى ، أو السمو بالنفس حتى تكون متقية لله جل وعلا ، منها ذكر الله جل وعلا : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)آل عمران:135 ) (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ) الأعراف :205 )،ومنها الصلاة :(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)(الأعلى). وأهمها الزكاة المالية حيث ترتبط (الزكاة) بالنفس والمال وبالتقوى، ونقرأ هذا موجزا فى قوله جل وعلا:( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) الليل ).

التزكية بمحاربة شحّ النفس : وحتى يصل الانسان الى هذه الدرجة لا بد أن يتم شفاؤه من مرض الشّح . فالشح أصيل داخل النفس ، ولو تحكّم فى النفس فإنه يدمّر الحياة الزوجية : ( وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) النساء )، أى لا بد من مقاومة الشح بالاحسان والتقوى وبالعلم بأن الله جل وعلا يعلم ما نفعل وهو رقيب علينا فيما نفعل .

ولأن الشّح مرض داخل النفس فقد قال جل وعلا عن الأنصار الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر ). ويقول يأمر بالتقوى والانفاق فى سبيل الله جل وعلا  عالم الغيب والشهادة: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) التغابن ). تعبير (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ )، أى الذى يقى نفسه من مرض الشح يفلح ، أى يفلح فى تزكية نفسه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ).

والمتقى يعلم بأن الله جل وعلا يراه ، ويؤمن بأن الله جل وعلا قائم على كل نفس بما كسبت :(أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )الرعد:33 )( يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ )الرعد:42)،)نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ (45) ق)، لذا فإن المؤمن يخشى ربه جل وعلا فى سرّه قبل علانيته، يخشاه فى خلوته أو يخشاه بالغيب: ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك  ). أولئك هم المتقون : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50) الأنبياء )، وهم من يقومون بتزكية أنفسهم ويحتاجون للوعظ المستمر حتى تستمر عملية التزكية والاصلاح :( إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) فاطر )( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) يس ). هذه التزكية عملية ذاتية شخصية ، هى تعامل شديد الخصوصية بين الفرد وربّه جل وعلا ، بمحض إرادة المتقى دون فرض خارجى عليه من سلطة سياسية أو إجتماعية ، وبالتالى فلا مجال هنا لأن يقوم بها أو بوسائلها من الصلاة والحج شخص آخر .

5 ـ  وظلم الإنسان لنفسه عكس التزكية ، أى إن الانسان الضلال ولا يزكّى نفسه بعمل الصالحات والايمان الحق ولا يسمو بها هو الذى يظلم نفسه ، وليس الله جل وعلا ظالما له . وقد تكرّر هذا المعنى فى القرآن الكريم: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)يونس:44 ) (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ  )هود:101 )( وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)النحل:33 ) ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)النحل:118 ).

ولأنّ التزكية عملية مستمرة لتنظيف النفس من شرورها ومواجهة وسوسة الشيطان فقد تحدث إنتكاسات ويقع الانسان فى خطأ وذنب ، أى يظلم نفسه بأن يتعدى حدود الله جل وعلا ، أو بالتعبير القرآنى : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )الطلاق:1 ) ، أى إن الانسان قد يقع فى ظلم نفسه بكلمة يقولها مثل الرجل صاحب الجنتين الذى إغتر بهما فأنكر البعث :( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً  قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36)الكهف ) وقد يظلم الانسان نفسه بفعل خاطىء يرتكبه ، وكلنا بشر غير معصومين من الوقوع فى الخطأ ، ولكن المتّقى يبادر بالتوبة حين ( يظلم نفسه ) وهكذا فعل آدم وحوّاء بعد أن أكلا من الشجرة المحرمة : (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23)( الأعراف )، وقالها موسى عليه السلام بعد ان تهوّر وقتل المصرى بلا تعمّد : (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ُ) القصص:16 )، وقالتها ملكة سبأ : ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل:44 ). ووصف موسى قومه بأنهم ظلموا أنفسهم وطلب منهم التوبة : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ) البقرة: 54 ). فالناس قسمان ، بعضهم يظلم نفسه ثم يتوب ويستغفر ويستأنف تزكية نفسه ، والبعض الآخر يظل يرتكب المعاصى دون توبة : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً  وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء:110 ، 111 )، ويسرى هذا على الجميع حتى من ذرية الأنبياء : (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ)الصافات:113 ) أى منهم من كان ظالما لنفسه ومنهم من تاب وتزكّى ، ونفس الحال معنا ـ أى الذين ورثوا القرآن الرسالة الخاتمة ، منّا من يموت وهو ظالم لنفسه ، ومنّا السابق بالخيرات،ومنّا من توسّط وإقتصد : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)فاطر:32 ).

ويموت العاصى وقد ( ظلم نفسه ) وعند الاحتضار يحاول ـ دون جدوى ـ  الاعتذار : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)النحل:28 ). والعادة أن أكابر المجرمين فى كل مجتمع من الحكام المستبدين ورجال الدين الأرضى ( الكهنوت ) هم أظلم الناس ، وهم أظلم الناس لأنفسهم ، لأنهم يدفعون ثم الظلم ، ولأنهم حين يمكرون فإنهم يمكرون بأنفسهم ولا يشعرون ، وهى قاعدة قر’نية تنطبق فى كل مجتمع ، يقول جل وعلا : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)الأنعام:123 )، وهذا ما حدث للأمم السابقة التى ظلمت نفسها فأهلكهم الله جل وعلا ، وصاروا مثلا سيئا لمن جاء بعدهم:(سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ) الأعراف:177 ) ، وقد تنوعت طرق إهلاكهم ، وكان إهلاكهم بسبب ذنوبهم ، إذ ظلموا أنفسهم : (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت:40 ).

وحتى ينجو الانسان من ( ظلم نفسه ، وحتى يتزكّى وينجو من الخلود فى النار فقد شرع الله جل وعلا العبادات وسيلة للتقوى وجعل منها الحج فرصة كبرى للتقوى ، وجعل الأشهر الحرم فرصة لمراجعة النفس والتوبة والامتناع عن ظلم النفس :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ  )التوبة:35 ، 36 ).

6 ـ آلية المساءلة تنفى الاستنابة فى العبادة :

فكل ما تفعله النفس يتم تسجيله عن طريق الملائكة الحافظين الذين يحفظون العمل ، يقول جل وعلا عن تسجيل العمل لكل نفس بذاتها : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)الطارق:4 )، وبالتالى تكون كل نفس فى الآخرة رهينة وأسيرة بما عملت فى الدنيا : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)المدثر:38 ). ويوم الحساب لا تنفع شفاعات البشر لبعضهم، ولا ينوب بعضهم عن بعض ولا تنفع نفس نفسا : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)الإنفطار:19 )، ( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ)البقرة  48) ، بل تأتى كل نفس تدافع عن نفسها : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)النحل:111 ) عندئذ لا تستطيع نفس بشرية ـ تقية أو عاصية ـ أن تتكلم إلا بإذن الرحمن:( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) هود:105 ) (رَبِّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)( النبأ ).

يوم الحساب تأخذ كل نفس حقها بالعدل وفق عملها المسجّل لها او عليها ، وتكرّر هذا فى القرآن الكريم بصيغ مختلفة منها : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ)الزمر:70 )(لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)إبراهيم:51 ) (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)آل عمران:25 ). لذا يقول جل وعلا يحذّرنا مقدما (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)البقرة:281 ).

وبالتالى لا ظلم يوم الحساب فهو بميزان دقيق للأعمال :( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)الأنبياء )، وبهذا الميزان الدقيق لعمل كل نفس سيكون هناك نفس خاسرة ظلمت نفسها بأن تظل خالدة فى النار أبد الآبدين : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)المؤمنون:103 ). الخسارة فى الدنيا هيّنة لأن الدنيا نفسها زائلة ووقتية ، والأحوال تتقلب فيها بين ربح يأتى بعد خسارة وخسارة تأتى بعد ربح ، وفى النهاية يأتى الموت. أما الخسارة الحقيقية فهى للنفس ذاتها حين تقضى حياتها الأبدية فى جحيم خالد ، يقول جل وعلا عن هذه الخسارة الحقيقية لأصحاب الجحيم:( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)الزمر:15 )،( وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ)الشورى:45 ). والخاسرون فى النار نوعان حسب ظلمهم لأنفسهم ، فأكثرهم خسارة أو الأخسرون هم الذين يفترون على الله جل وعلا كذبا بأحاديثى وأقاويل وتشريعات ، ويشترون بآيات الله جل وعلا ثمنا قليلا ، ويستخدمون دين الله جل وعلا فى الوصول الى حطام الدنيا ، يقول جل وعلا عنهم وعن إفتراءتهم : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ  (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22)هود:21 ).هذا هو مصير الوهابيين والاخوان والسلفيين وكافة رجال الدين الأرضى إذا ماتوا دون توبة . عندها تكون خسارتهم الحقيقية ، خسروا أنفسهم لأنهم ظلموا أنفسهم ، فالخسران هو عكس التزكية للنفس بالتقوى .

ويوم القيامة سيلقى من ظلم نفسه العذاب بعمله السىء الذى عمله بنفسه . اى سيتحول العمل الظالم الى عذاب لصاحبه، وهذا ما نفهمه من قوله جل وعلا : (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)غافر:17 )، فالجزاء هو بنفس العمل السىء : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)يس:54 )، ويشرح هذا قوله جل وعلا عن تعذيب من يكنز الأموال ولا ينفقها فى سبيل الله ، إذ تتحول هذه الأموال الى نار تكويه : (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة  )( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)آل عمران ). هذا فيمن يبخل بماله .. فكيف بمن ينهب أموال الآخرين ويكتنزها لنفسه ؟ وكيف بمن ينهب موارد شعب بأكمله ويكتنزها لنفسه ؟ وكيف بمن يسرق موارد شعب بأكمله ويكتنزها لنفسه ثم يزعم أن ذلك هو الاسلام ؟ وكيف بمن يفرض ضريبة على حجاج بيت الله الحرام متحكّما فيهم وفى بيت الله الحرام ويكتنز الأموال السحت مما يأخذه من الحجاج ومعظمهم فقراء ؟ نتحدث عن الأسرة السعودية محور الشّر فى العالم ..ونبشرهم مقدما بالخسران العظيم طالما هم على هذا الشّر قائمون ..

إن الله جل وعلا قد أوجز فى سورة ( ق ) مراحل البشر بين الدنيا وألآخرة تأكيدا على المسئولية الفردية لكل نفس . فعن تسجيل عمل كل نفس يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وعن الموت لكل نفس والذى تتحاشاه وتتناساه كل نفس : ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وبعد موت الأنفس كلها يتم تدمير هذا العالم ويأتى اليوم الآخر ويكون البعث بعد إنفجار البعث ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)وفى الحشر يرى كل منا ( رقيب وعتيد ) اللذين كانا يسجلان أعماله فى الدنيا ، وقد تحولا الى سائق وشهيد ، أحدهما يقبض عليه ويسوقه والآخر يشهد عليه ( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لم يكن يراهما فى الدنيا وهى فى جسده الترابى ، ولكن فنى جسده الترابى وأصبح فى عالم جديد إنكشف فيه عنه الغطاء : ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق ) . ويرى الخاسر الشيطان الذى كان يلازمه فى الدنيا مقترنا به يزين له الباطل حقا والحق باطلا ، ويتنازع مع قرينه الشيطانى  يتبرأ كل منهما من الأخر : ( وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27)، وردا على هذا التخاصم يأتى ردّ رب العزّة بأنه لا تبديل لحكم اله جل وعلا فمن دخل النار لن يخرج منها (قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) ، وبعد أن تمتلىء جهنم بأهلها يظل فيها متسع : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30). هذا هو مصير الذين ظلموا أنفسهم .  أما المتقون فتأتى لهم الجنة : ( وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) ويقال لهم ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)أى إن الجنّة تنتظر كل أوّاب تائب توّاب ، وسيدخلونها بسلام حيث كانوا فى الدنيا منحازين للسلام ومنقادين للرحمن . وتنتهى السورة بقوله جل وعلا لخاتم النبييّن : ( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)

اجمالي القراءات 14829