سبوت لايت».. وهل رجال الدين فوق القانون؟!

خالد منتصر في الأحد ٢١ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

عالم الصحافة عالم جذاب ومغرٍ للسينما، فهو يمنحها كل خيوط الجاذبية وعوامل النجاح، إيقاع لاهث وإثارة مشوقة وخيوط متشابكة وصراعات خفية، ولذلك نجد فى كل فترة فيلماً يثير الجدل ويحصد الجوائز مقتبساً من كواليس عالم الصحافة، وكما فعل فيلم «كل رجال الرئيس» حينما اقتحم منطقة ملغومة وهى البيت الأبيض، فعل فيلم «سبوت لايت» حينما اقتحم حقل ألغام أكثر خطورة، بل نستطيع أن نقول إنه اقتحم محطة نووية، وهى الكنيسة!!، والأخطر هو أن الفيلم لم يناقش أموراً كنسية وظيفية أو صراعات داخلية ما بين قساوسة.. إلخ، بل ناقش وعرَّى وكشف الغطاء عن قضية رهيبة ومرعبة، وللأسف واقعية، وهى قضية «البيدوفيليا» أو اغتصاب بعض القساوسة للأطفال فى إبارشية بوسطن!، فريق تحقيق صحفى استقصائى من ستة أفراد فى جريدة «بوسطن جلوب» يطالبهم رئيس التحرير الجديد بأن يتركوا ما فى أيديهم من قضايا ويهتموا بإشارة عابرة وردت فى مقال رأى عن قسيس اغتصب طفلاً فى الكنيسة، بالطبع الفيلم درس خصوصى لكل صحفى تحقيقات فى مصر، كيف يكون التحقيق الصحفى، كيفية تجميع خيوط القضية، الصبر والنفس الطويل، الجهد والتوثيق والدأب فى البحث وشحن بطارية الفضول والبحث عن الحقيقة، حتى ولو كانت إبرة فى كومة قش، فريق البحث بدأ بقس واحد، اتسعت الدائرة إلى 13 ثم إلى 90 ثم اتسعت أكثر وأكثر حتى تجاوزت 300، أنت لا تبحث فى قضية مشاجرة أو شيك بدون رصيد، ولكنك تبحث عن جرائم تمت فى مؤسسة دينية تتحكم من خلف الستار فى مقاليد أمريكا، علاقات متشعبة وجيش من المحامين المرتشين وتوغل فى الأحزاب وسيطرة على الإعلام ومشاريع خيرية بالمليارات وإخفاء لوثائق مهمة وتنويم مغناطيسى لعشرات الملايين من البشر غير مستعدين إطلاقاً لتصديق أى حرف يشين عقيدتهم الكاثوليكية والتى يمثل رجل الدين تجسيدها الحى والفعال والمؤثر، الخيوط تتجمع والضوء الكاشف «سبوت لايت» يزداد لمعاناً وفضحاً وإزاحة للستار وتذويباً للغموض وخيوط الظلمة، محامى الضحايا يتهرب، والضحايا أنفسهم يخجلون من كشف الفضيحة ويخافون على أسرهم والبعض تصالح مع الكنيسة فعلاً، فريق «سبوت لايت» كشف عن قاع جبل الجليد ولكنه قابع فى قاع المحيط معرض للغرق والدفن فى مقبرة الثلج والتجاهل، الكاردينال واثق من نفسه، الكنيسة تتعالى على الصحافة، ردود الفعل الباردة تنم عن ثقة فى أن هذا الفريق الصحفى يبحث عن سراب، ينتهى الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية باستقالة الكاردينال وفضح كل مغتصبى الأطفال من القساوسة، وتكريم كتيبة «سبوت لايت» الصحفية، وانهيار كل الدعاوى الزائفة التى ترسخ القهر والقمع الدينى وتزييف الوعى خلف مسميات مراوغة مثل «لا تنشروا غسيلنا القذر أمام العالم، اكفى ع الخبر ماجور فنحن شعب متدين بالفطرة لا تأمن ردود فعله»، لا يحق للسينما أن تقتحم عالم رجال الدين، إنها مجرد تفاحات فاسدة عطنة لا تسلطوا الضوء عليها وانظروا إلى باقى صندوق التفاح النضر.. إلخ، فالفنان حر فى اختيار قضيته التى تمثل همه، لديه بوصلته الحساسة، لا يزايد عليه أحد بأنه أكثر تديناً منه أو أخلاقاً، اتركوه حراً محلقاً حتى ولو أخطأ التشخيص وتعثر فى العرض وتلعثم فى التحليل، فهو على الأقل لا يقتل باسم الدين بل يفضح القتلة، ولا يرتدى حزاماً ناسفاً يصل بتفجيره إلى الحور العين عبر جثث وأشلاء من اعتبرهم كفرة، بل هو يمارس فنه ويبدع عمله عارى الصدر بلا درع تحميه إلا شريطه السينمائى أو أبيات شعره أو ألوان لوحته، اقرأوا الفيلم جيداً لتعرفوا أن من يحتكر السماء يحتقر البشر.

اجمالي القراءات 6831