شريط الأحداث (حلة الضغط)

شريف هادي في الإثنين ٢٦ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أعرف لماذا يحضرني الآن شريط الذكريات ، وتمر أمام عيني الأحداث التي عشتها بمرها الكثير وحلوها القليل قد تكون الأزمة الأخيرة التي حدثت هي السبب أو بعض الأسبب الخاصة ولكن في النهاية أجدني تذكرت أحداث كانت على هامش الشعور لزمن طويل فإنتقلت لبؤرة الشعور ، فقررت أن أكتبها مسلسلة لعلكم تشاركوني هذه الأحداث الحقيقية وكأنكم كنتم طرف فيها ، سأحاول جاهدا أن أنقل لكم الصورة بالكلمات ، والحدث قد مر بما له وما عليه وليس لنا منه إلا العبرة وبما أنني سأحاول تصوير الحدث سأطلق على هذه السلسلة عنوان رئيسي هو شريط الأحداث وسيكون لكل حدث عنوان فرعي
الحدث الأول:
كلنا نعرف الأخوان المسلمين هذه الجماعة التي تحاول جاهدة منذ نشأتها سنة 1928 على يد مؤسسها حسن البنا أن تحكم مصر أو على أقل تقدير تشارك في حكم مصر ، المهم أن هذه الجماعة تنقسم إلي قسمين كبيرين لا ثالث لهما القسم الأول هم قادة الجماعة أو قمة الهرم وهم مجموعة من الوصوليين الميكيافليين ونطلق عليهم لفظ المضلين (بضم أوله وكسر ما قبل آخره) وهو أسم الفاعل المشتق من الضلال ، والقسم الثاني وهم القاعدة العريضة المغرر بها والتي تعرضتت لعملية غسيل مخ ونطلق عليهم لفظ المضللين (بضم أوله وفتح ما قبل آخره) وهو أسم المفعول من الضلال .
القسم الأول له حساباته المعقدة وأجندته الخاصة وفي السبعينات قام القسم الأول من الجماعة بعقد صفقة مع النظام المصري وعلى رأسه الرئيس السادات ، كانت بنود الصفقة هو أن يقوم السادات بالأفراج عن أعضاء الجماعة من السجون والمعتقلات وأن يسمح لها بالعمل العام مقابل أن ترد الجماعة الجميل للسادات بالقضاء على الجماعات التقدمية داخل الجماعات والتي لم ينسى السادات لها أبدا موقفها في جامعة عين شمس عندما وقفت الطلبة ومنعت الرئيس من دخول الجامعة وحملت له يافطة كبيرة مكتوب عليها المعادلة التالية ( عام الحسم + ضباب = نكسة أخرى) ، والشرط الثاني أن تكون الجماعة أداة التنفيث حتى لا يحدث إنفجار من كثرة الضغط.
ولكي نقرب لذهن القارئ كيف يحدث ذلك؟ سأضرب هذا المثال – كلنا يعرف حلة الضغط التي تستخدمها أمهاتنا وزوجاتنا في المطبخ أو ما يطلق عليها الحلة البرستو الفكرة بسيطة وهي تتمثل في حبس البخار داخل الحلة حتى يساعد على سرعة الطهي ولكن المشكلة لو زاد الضغط فحتما ستنفجر الحلة فتفتق ذهن صانع الحلة عن عمل ثقب في غضاء الحلة ووضع ثقل عليه فإذا وصل البخار لحد الخطر دفع الثقل لأعلى وخرج البخار من الثقب – وهذه الفكرة بالضبط التي أرادها السادات لتكون الدور الذي تلعبه قيادات الجماعة المضلة مع القاعدة العريضة المضللة ، وسأحكي لكم قصة ستجعلكم تعرفون كيف كان يحدث ذلك.
في آواخر السبعينات من القرن الماضي إنتشر فجأة خبر زيارة الرئيس الأمريكي كارتر لمصر وخبر حضور مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجينسكي للترتيب للزيارة ، وكان من بين برنامج الزيارة أن يأتي الرئيسين للأسكندرية ، ويتم عمل موكب لهما من محطة قطار سيدي جابر وحتى قصر رأس التين مرورا بشارع أبو قير ثم قناة السويس ثم الكورنيش ، وبدأت قيادة الجماعة تلقن القاعدة بأن وقت الجهاد قد حان وأن هذا الموكب سيمر حتما من أمام ملاعب جامعة الاسكندرية بالشاطبي فسنجتمع في هذه الملاعب ولن يمر كارتر والسادات إلا على جثثنا ، وطلبوا من جميع الطلبة أن يحضروا لإستاد ملاعب الجامعة فرادى وجماعات في اليوم المحدد على أن يحضر كل واحد منا معه أي أداة تصلح للحرب والقتال كالعصي والمدى ولا ينسى كل منا أن يكتب وصيته ويتركها في بيت أبيه لأن لا يعلم أحدنا من سيموت ومن سيعيش فالموضوع موضوع جهاد.
كانت القيادة الروحية للأخوان المسلمين في الاسكندرية يتقاسمها كل من الشيخ أحمد المحلاوي إمام مسجد القائد أبراهيم في محطة الرمل والشيخ محمود عيد إمام مسجد الفتح في بولكلى والقيادة التنظيمية لكل من ساني إسماعيل ، وابراهيم الزعفراني.
المهم توجهنا جمبعا لملاعب الجامعة فوجدناها وقد نصبت فيها منصة وميكروفونات وسماعات ، والأرض مغمورة بالمياه لمستوى يزيد عن خمسة عشر سنتيميتر وأحدهم يصيح المطافي بإيعاز من أمن الدولة قامت بغمر الملعب بالماء ليمنعونا من الجهاد ولكن هيهات فنحن قد حملنا أرواحنا على أكفنا فهل تمنعنا قطرات ماء – المهم لم يسأل أحدنا نفسه إذا كانت أمن الدولة والمطافي يريدون منعنا من الجهاد فلماذا أبقوا على المنصة والميكروفونات؟- فقمنا بالتكبير والغوض في الماء وكأننا نجتاز خط بارليف وبدأ الشيخ محمود عيد خطبته العصماء في الجهاد لا يقطعها سوى أحد الطلبه يقول بصوت جهوري (في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء لالحزب قد عملنا نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو تراق فيه الدماء) ونحن نردد جميعا وراءه وهو يركز على كلمة دماء وبين الحين والحين يقطع الأخ ابراهيم الزعفراني حديث الشيخ محمود ليلقي علينا بلاغ رقم واحد قامت قوات الشرطة التابعة لقسم باب شرقي بالقبض على أربعة من الأخوة ومصادرة ما معهم من عصى ومدى حال مرورهم من أمام القسم وسوف نفك أسرهم بعد الواقعة ، بلاغر قم اثنين بينما يستقل ثلاثة من الأخوة سيارة أجرة وأثنا مرورهم في دائرة قسم الرمل قام ضابط مباحث القسم بالقبض عليهم ومصادرة الاسلحة ولكن لا يهم فسوف نحررهم ، ثم صوت الأخ ساني إسماعيل يخبرنا وصول القطار محطة بنها ثم تحركه وهكذا ثم خطبة محمود عيد ثم الهتاف ثم بلاغ ثم بيان والقطار وصل طنطا والحكومة تحاول التفاوض معنا ولم نقبل التفاوض قبل الإفراج عن الإخوة وبعد عشرة دقائق طابور الإخوة يدخل ويعتلي المنصة والكل يكبر ويهلل ( وخيبر خيبر يا ياهود جيش محمد سوف يعود) ثم وصل القطار لدمنهور والمحادثات مستمرة والحكومة تريد أن تسمعنا وقد أظهرت حسن النية بالإفراج عن الإخوة والحقيقة أننا قوة لا يستهان بها ، وفجأة يأتي صوت الشيخ المحلاوي أن قيادة فيلق الجهاد وحفاظا منها على أرواحنا الطاهرة ودمائنا الذكية قررت تأجيل المعركة ليوم الفصل الذي ليس هو بالهذل وعلى كل منكم أن يترك سلاحة هنا ويخرج بدونه حتى لا يعطي فرصة لجحافل الأمن بالخارج لتحتك به وعودوا بيوتكم في آمان الله وأمنه وقد جاهد كل منا بحنجرته ، ولكي تستمر فصول المهزلة يسمحوا لنا بالخروج بعد وصول الموكب لمحطة سيدي جابر فنضطر للوقوف عند الحاجز حتى يمر الموكب فيظن العالم كله أن شعب مصر خرج عن بكرة أبيه للترحيب بالضيف الكبير.
هذه هي جماعة الاخوان وبين المضل (بضم أوله وكسر ماقبل آخره) والمضل (بضم أوله وفتح ماقبل آخره) ياقلب مصر المحروسة لاتحزن
وإلي حدث جديد من شريط الأحداث أترك لكم التعليق
شريف هادي

اجمالي القراءات 20611