علاقة اليتامى بمن حولهم
في البحث عن الإسلام – علاقة اليتامى بمن حولهم - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء الرابع عشر

غالب غنيم في الثلاثاء ٠٩ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام – علاقة اليتامى بمن حولهم - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء الرابع عشر

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر – 36

______________

مقدمة:

هذا هو البحث السابع من مجموعة أبحاث اضطررت لأن اتعرّض إليها أثناء بحثي عن ملكت اليمين لما لها من علاقة وثيقة بهذا الموضوع، وهو السابع ترتيبا في قضية النكاح والزواج، والرابع عشر ترتيبا في قضية ملكت اليمين، وفيه سأستكمل عملية تقسيم وشرح وتفصيل ما بدأته في مقدمة هذا الموضوع في البحث التاسع، فعلى من يريد فهم الموضوع أن يقرا ما سبق من أبحاث بدءا من الجزء التاسع.

وفي هذا البحث سيتبين لنا طبيعة علاقتنا باليتامى ونساء اليتامى وهذه القضية المثيرة للجدل التي استغلها التراث في تحريفه للكلم من بعد مواضعه.

ولسوف أضع الآيات موضوع النقاش والبحث هنا حتى نرجع إليها خلال بحثنا فيها وتدبرنا لها، حيث قال تعالى :
( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَ‌ ٰحِدَةٍۢ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًۭا كَثِيرًۭا وَنِسَآءًۭ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًۭا * وَءَاتُوا۟ ٱلْيَتَـٰمَىٰٓ أَمْوَ‌ ٰلَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَ‌ ٰلَهُمْ إِلَىٰٓ أَمْوَ‌ ٰلِكُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبًۭا كَبِيرًۭا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَ‌ ٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا۟) النساء – 1:3


______________

الآيات تخاطب الناس عامّة:


بداية، ومن مبدأ أنه لا يوجد ترادف في القرءان الكريم، فالآية هنا تخاطب الناس جميعا، ولا تخاطب فئة منهم، فالله تعالى لو أراد أن يخاطب المؤمنين أو المسلمين أو الذين آمنوا أو أهل الكتاب لخاطبهم كما في كثير من الآيات، ولكنه سبحانه يخاطب الناس جميعا، فدينه الذي ارتضى، هو للناس جميعا، ومنه، هنا أول نقطة تنفي فكرة التشريع التي خصوا بها فقههم الأرضي في قضية تعدد الزوجات!
فالآية التي تتلوها تتابع الحديث بمفردة (
وَءَاتُوا۟) المتممة للحديث بالواو، فهي ليست آية منفصلة عما سبقها لنأخذها لوحدها، وهذا أمر مهم جدا يجب أن لا نغفل عنه، حيث يكون الخطاب موجها للناس عامة، ومنه هو خطاب يتم فيه وضع مبدأ يصلح للبشرية جمعاء، وليس كما جعلوه، للأعراب فقط.

في الآية الآولى يبدأ الخطاب بالعظة والتذكرة للناس أنهم من اصل واحد، لكي لا يكون هنالك بينهم تكبّر ولا ظلم فهم من نفس واحدة، تم بثّ منها رجالا ونساءا كثيرا عبر أجلٍ غير مسمّى وأجلٍ مسمى من بعده كما فصّل الله تعالى في آيات كثيرة، وأن نتقي الله في كل الأمور وفي أرحامنا والتعامل مع من نصلهم بما أمر الله به أن يوصل، ولهذه المقدمة أهمية كبيرة في خطابها الأخلاقي للبشر كافة، في تجهيزهم لما بعدها من خبر سيأتي، في معاملاتهم مع اليتامى، ولهذا تم تذكيرهم بأن يتقوا الله وبأن الله هو الرقيب على ما نفعل.

وكما ذكرت في الأبحاث السابقة، بأن النكاح والزواج دخلا في باب التواتر العملي غصبا وارهابا، فوصلنا من المعاجم والقواميس التي وضعها الداخلين من اقاصي الشرق على أنهما مفردة واحدة، تخلط بينهما، فبفضل معاجم اللغو، جعلوا منهما فعلا واحدا، ولكن هذا التواتر اختلّ بسبب عدم قدرة من سبقنا على تغيير عادات وتقاليد " كل الشعوب"، فمثلا في مصر، بقيت عاداتهم مختلفة عما هي في بلاد الشام، من حيث المهر وطبيعة العقد بين الزوجين. ولهذا لم يستطيعوا تحريف عملية النكاح والزواج كاملا، حيث بقي هناك فراغات اجتماعية اختلفت من بلد الى بلد، وكان من أشهر التحريف هو " التيس المحلل" الذي أسهب في تفصيله الكثير من الباحثين.

ناهيك عن تحريف "عملية الطلاق" التي تحتاج لشهود وفترة طويلة من الزمن حتى تتم، فاختزلوها بثلاث كلمات يمكن الآن قولها على الهاتف أو في رسالة نصية، تتضمن قول الزوج ثلاث مرات "أنتِ طالق طالق طالق" فينتهي ميثاق غليظ بين الزوج والزوجة في لحظات ..!


______________

قضية اليتامى وأموالهم:

قبل أن أتحدث عن الآية الثانية موضوع بحثنا هنا، أريد أن أورد بعض الآيات المهمة جدا، والتي لا بدّ أن نرتلها مع هذه الآية حتى نفقه خطورة الموضوع عند الله جلّ وعلا، حيث قال :

(
وَلَا تَقْرَبُوا۟ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُۥ ۖ وَأَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُوا۟ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُوا۟ ۚ ذَ‌ ٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  *  وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَ‌ ٰطِى مُسْتَقِيمًۭا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَ‌ ٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام – 152:153

( وَلَا تَقْرَبُوا۟ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُۥ ۚ وَأَوْفُوا۟ بِٱلْعَهْدِ ۖ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْـُٔولًۭا) الإسراء - 34


( كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ  *  وَلَا تَحَـٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ) الفجر – 17:18
( وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًۭا وَيَتِيمًۭا وَأَسِيرًا  *  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءًۭ وَلَا شُكُورًا) الإنسان – 8:9

( فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) الضحى - 9



( أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ  *  فَذَ‌ ٰلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ  *  وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ) الماعون – 1:3


فاليتيم وماله عند الله جلّ وعلا، من الآيات التي رتلناها هنا، موضوع خطير جدا قد يوصل الإنسان الى درجة الكفر بكونه من المكذبين بدين الله تعالى، فمن أول صفات الذي يكذب بدين الله جلّ وعلا هو أنه يدعّ اليتيم، أي يبعد اليتيم عنه وعن أمواله وعن حقوقه في أمواله، ونهى عن أن نقهرهم, وان نقرب أموالهم إلا بالتي هي أحسن، وعابَ من لا يكرمهم، فمن لا يكرم اليتيم هو ذاته الذي يدعّه بعيدا عنه، بل ووصل الحدّ أن الله جلّ وعلا بشّر من يسرق أموال اليتامى ظلما بالنار :

( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ‌ ٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًۭا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًۭا) النساء - 10

وجعل هذا السلوك الظالم، إجمالا، موازيا تماما لمن يكتم آياته وكتبه التي أرسلها للناس :

(
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَيَشْتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنًۭا قَلِيلًا ۙ أُو۟لَـٰٓئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة - 174



فهم الذين اشتروا الضلالة بالهدى، وكذّبوا بدين الله جلّ وعلا، وصدّوا اليتامى عن حقوقهم بل وأكلوا حقوقهم وأموالهم، ومنه نستشعر خطورة الموضوع الذي نحن مقدمون على التعرّض له هنا في هذه الآيات الثلاث التي نتدبرها الآن، فالموضوع ليس مفردة او آية مقطوعة بل هو موضوع خطير جدا يمسّ طبقة من المجتمع لا يحميها ولا يحمي حقوقها غير دين الله، أي الله هو وكيلهم المباشر، فنحن نتعامل مع الله مباشرة حين نعامل اليتامى ونتعامل بأموالهم.

وطبيعي أن نفقه من الآيات أعلاه أن اليتامى نوعين، أو قسمين، الأول من لا مال عنده، وهم من يجب أن نكرمهم ولا ندعّهم وهم من لهم في أموالنا حق معلوم، فهم يقعون في دائرة الفقراء إن لم يكن عندهم مالا، بل هم يكونون الفقراء، كما نلاحظ في آية الأنفال التالية أن الله استبدل مفردة الفقراء باليتامى الذين بالطبع لا مال عندهم، تماما كما قال تعالى
 (
وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ) الأنفال – 41  .

والقسم الثاني من عنده مال، ولكن لا يوجد من يدير هذا المال لهم بحكم أعمارهم، حيث أنهم لم يبلغوا الرشد بعد، وهذا نستشفه من مورد (
الأنعام: ١٥٢ - ١٥٣) و (الإسراء: ٣٤  )، وهؤلاء هم موضوع آيات تدبرنا هنا بالذات .

فالآية الثانية من مورد النساء تحذرنا بأن لا نأكل اموالهم بالباطل الى أموالنا وأن نؤتيهم إياها وبأن لا نعطيهم البقايا أو ما قلّ أو نستبدل اموالهم بأشياء لا قيمة لها عدوانا فنستبدل الخبيث بالطيب.


______________

خصوصية الموضوع :

إن أي إنسان رشيد، لن يفقه من هذه الآيات الثلاث أي تعميم في الحديث، فالحديث هنا لا يقول لنا عن نفسه أنه عامّ بل هو يخصص كل ما يطرحه في قضايا خاصة، إجتماعية بحتة، كلها تتعلق باليتامى، وخاصة قضية القسط في اليتامى، وقد قمت بتفصيل وفرز بحث منفصل لمفردتي القسط والعدل قبل هذا لكي لا يتشعب الحديث هنا كثيرا ( أنظر موضوع العدل والقسط )، فلا يمكننا بعد ذلك أن نفتري على الله الكذب بتعميم هذه الآية عى كل الناس وكل الحالات التي لا علاقة لها باليتامى وبالذات خوفهم من ان لا يقسطوا فيهم (
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَـٰمَى) كما يتضح من الشرط الخاص الموجود في الآيات. 


______________

علاقتنا باليتامى:

قبل أن نصل الى نهاية البحث، وندخل في قضية تعدد الزوجات التي ستكون ثمرة لكل هذه الأبحاث السابقة عليها، سنستعرض بعض الآيات التي تتحدث عن اليتامى لنرتلها، ومن بعد ذلك سيكون من السهل جدا علينا أن نصل الى فهم جميل عالميّ لكل هذا الموضوع بسلاسة ويسر.

(
فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌۭ لَّهُمْ خَيْرٌۭ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَ‌ ٰنُكُمْ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ) البقرة - 220

(وَءَاتُوا۟ ٱلْيَتَـٰمَىٰٓ أَمْوَ‌ ٰلَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَ‌ ٰلَهُمْ إِلَىٰٓ أَمْوَ‌ ٰلِكُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبًۭا كَبِيرًۭا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَ‌ ٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا۟) النساء – 2:3

(
وَٱبْتَلُوا۟ ٱلْيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُوا۟ ٱلنِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًۭا فَٱدْفَعُوٓا۟ إِلَيْهِمْ أَمْوَ‌ ٰلَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًۭا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا۟ ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّۭا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًۭا فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَ‌ ٰلَهُمْ فَأَشْهِدُوا۟ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًۭا) النساء – 6

(
وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا۟ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةًۭ ضِعَـٰفًا خَافُوا۟ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُوا۟ قَوْلًۭا سَدِيدًا * إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ‌ ٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًۭا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًۭا) النساء – 9:10

(
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَآءِ ۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِى لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَ‌ ٰنِ وَأَن تَقُومُوا۟ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا۟ مِنْ خَيْرٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيمًۭا) النساء – 127


من كل هذه الايات نرى بوضوح أنها تتحدث عن قضيتين أساسيتين، اليتامى الضّعاف، وأموالهم وحقوقهم، ليس أكثر!
فكل هذه الآيات لا تتحدث عن نكاحهن – يتامى النساء – إلا بربط الأمر بأموالهن، فمن المعروف في ملّة الإصر والأغلال، في ملّة اليهود، أن اليتيمة إن ورثت لا يحقّ لها أن تأخذ أموالها إلا إن تزوجت من نفس العشيرة، للمحافظة على رؤوس الأموال بينهم، وهذا بالذات ما أتى الله ينهى عنه، فهو ينهى عن عملية  ربط نكاح الفتيات اليتامى المستضعفات بأموالهن، بل شدد على أن يتم إعطائهن أموالهن، إن بلغن الرشد، كاملة، وعدم ربط رغبتهم بنكاحهن وهن مستضعفات لكي يأكلوا حقوقهن وأموالهن! وبالطبع هذا ينطبق على الولدان أيضا، كأن أزوّج يتيما من بنتي لكي أخذ أمواله الى أموالي.

فالقاعدة الذهبية هنا تقول أمرا لنا بأن نبتلي اليتامى في فكرهم وعقلهم، بأن تتم تجربتهم بالتصرف ببعض المال مثلا، فإن آنسنا منهم رشدا ولم يكونوا سفهاء، أي مرضى في عقولهم، مثلا لا يعلمون قيمة هذه الإموال، أقول، فإن وجدناهم راشدين يقدّرون ويفهمون ما هي قيمة أموالهم، فلا بدّ أن نعطيهم إياها كاملة (
فَٱدْفَعُوٓا۟ إِلَيْهِمْ أَمْوَ‌ ٰلَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًۭا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا۟  )، وهذا هو بيت القصيد، وهذا ما تم كتمه في ملّة الإصر والأغلال.

فاليتامى من الآيات أعلاه، أخوتنا ونخالطهم ونتعامل معهم بإصلاح ونحافظ على أموالهم، ولا نأكل أموالهم، ولا نستبدل أموالهم بالخبيث أو القليل، وإن كنا فقراء حين تولينا أمورهم، وأمور أموالهم فلا يجب ان نسرف في أموالهم على أنفسنا، فنحن هنا بمرتبة – العاملين عليها – فنأكل منها بالمعروف فقط، ومن كان منا غنيّا فليستعفف، أي هي مرحلة إشراف على اليتامى حتى يكبروا ويبلغوا الرشد فندفع لهم أموالهم، وخلال إدارتنا لأموالهم، لا يجب أن نأخذ منها الا حسب تقوانا لله جلّ وعلا (
وَمَن كَانَ غَنِيًّۭا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًۭا فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ)، وأخيرا، حين يبلغوا الرشد، يجب ولا بدّ أن ندفع لهم أموالهم كاملة، ونشهد على ذلك من حولنا كي نخرج من مسؤوليتهم.

_____________

خلاصة البحث:

- اليتامى نوعين الأول من عنده مال ورثه والثاني الفقير ممن لا يملك مالا.
- أكل أموال اليتامى بالباطل موازٍ لقضية كتم ما أنزل الله من رسالات.
- اليتامى مستضعفين ومن حولهم يجب أن يعتني بهم ويتقي الله خلال ذلك.
- جاء القرءان ليصحح ما تم تغييره وافتراؤه في ملّة الإصر والأغلال بالنسبة للتعامل مع أموال اليتامى.
- قضية التعامل مع اليتامى إنسانيه وعالميه بحته وأخلاقيه قبل أن تكون تشريعا أو رسالة من الله.

إنتهى.

والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.
مراجع:
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

اجمالي القراءات 8588