وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا
عن ( كتاب الميراث) للدكتور أحمد صبحي.

ربيعي بوعقال في الإثنين ٠٨ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

عن ( كتاب الميراث) للدكتور أحمد صبحي.

تمهيد: للمؤلف فضل علي وعلى أهلي وإخوتي، وكلانا مع مبدأ "القرآن وكفى" ولا أذيع سرا حين أقول أنه أحب الناس إلي بعد أمي وأبي، لكني أختلف معه في عديد المسائل "الفرعية" وعلى رأسها: ما سأذكره من مسائل متعلقة بقسمة التركة.

وأبدا العرض بقوله أن (الأب والأم متساويان في الميراث) في جميع الحالات!!! ولم يذكر لنا  أخونا أحمد ـ في مصنفه هذا ـ أي  حجة قرآنية إلا تعليلات تبدوا منطقية، وهي ليست كذلك، كما سنرى في (الزمكان) المناسب.

 قال: ((ـ أخطأ الفقه السني فى ميراث الأب، إذ تناسى أنه له فريضة محددة كالأم، فجعله عصبا مثل الابن أو الأخ ، ينفرد بباقى التركة بعد أصحاب الفروض .  

ـ مثلا : ( أب + أم + أخ ) يجعلون الأب يحجب الأخ ويأخذ الباقي، أي للأم الثلث، وللأخ لا شيء، والباقي ( الثلثان ) للأب.

قال: (و)((هذا خطأ لأن الأب والأم متساويان في الميراث، وهما معا لا ينفرد أحدهما بالتركة كالابن والأخ، لأن للأب فريضة محددة بالثلث وبالسدس وكذلك الأم حسب وجود الابن والبنت والأخ والأخت. )).

قلت: ما جاء به الفقه السني ـ في هذا الباب ـ صحيح، برغم أنه أخطأ في الاستدلال إذ اعتمد على تلك الخطة الخرافية التي أطلقوا عليها اسم: '' التعصيب ''.

اقرأ : (( فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ)) تأمل عبارة :( وورثه أبواه) تجد أنها لم تجئ للتأكيد فحسب،بل جاءت بشرط أخر، بعد الشرط الأول (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ) :: ( وورثه أبواه) ، فالحديث هنا عن أبوين: انفرادا بالتركة دون سائر الورثة، أي أنها قسمة بين طرفين اثنين لا أكثر.. وفي هذه الحالة يكفي أن تعرف حظ أحدهما لتعرف حظ الآخر، ولذلك اكتفى'' الكتاب المبين" ببيان حظ الأم، وهو: الثلث، وسكت عن حظ الطرف الثاني لأنه يدرك من قريب، والخلاصة أن حظ الأب في هذه الحالة يكون ضعف حظ الأم، خلافا لما ذهب إليه المؤلف.

هذا، ويمكنك بقليل من التدبر أن تدرك أن القرآن الكريم لا يذكر إطلاقا ما يمكن إدراكه بسهولة ويسر، ويبرز هذا (القانون) بشكل جلي في قسمة التركة بالذات، حيث تجد أن القرآن الكريم يحدد ـ دائما ـ حظ طرف معين، ويسكت عن حظ الطرف المقابل، فالأبوان طرف وحظه الثلث أي: لكل واحد منهما السدس، ويقابله طرف الأولاد وحظه الصمت، أي الباقي.. والأم في حالة الكلالة (الكبرى) طرف وحظها السدس، ويقابلها طرف الإخوة (جمعا) وحظهم الصمت أي: الباقي.. وأما الزوج أو الزوجة فليس لهما طرف مقابل ينازعها في حظهما، بل يُقتطع حظهما من أصل التركة، والباقي يقسم على سائر الورثة، والخلاصة أن في قسمة التركة لا يجتمع أكثر من طرفين، ولا يذكر القرآن الكريم إلا حظ الطرف الأقرب إلى الهالك، (أكرر الأقرب للهالك)، ويسكت عن حظ الطرف المقابل، لأنه ـ كما قلنا ـ يدرك من قريب.

وقبل أي تفصيل أو برهنة، أبادر بإعادة عرض ما قاله المؤلف وكل السلف لنكتشف معا مواطن الخلل في مذهب كل طرف.

قال المؤلف : ((ـ أخطأ الفقه السُّنّى فى ميراث الأب، إذ تناسى أنه له فريضة محددة كالأم، فجعله عصبا مثل الابن أو الأخ ، ينفرد بباقي التركة بعد أصحاب الفروض ـ مثلا : ( أب + أم + أخ ) يجعلون الأب يحجب الأخ ويأخذ الباقي، أي للأم الثلث، وللأخ لا شيء، والباقي ( الثلثان ) للأب. )).

قلت : (أولا ) هناك فرق بين '' الفرض'' و ''الحظ'' ولكن ليس هذا موضوع بحثنا في هذا المقال وسوف نعود إليه بإذن الله جل وعلا في مقالات أخرى.(ثانيا ) قوله: (للأب فريضة محددة كالأم) لا يستند لأي نص قرأني، وإنما ورد أن لكل واحد منهما السدس في قسمة تكون بين طرفين: الأبوين من جهة، والأولاد من جهة ثانية.

اقرأ: ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ))إلى قوله: (( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ)) حظ الأبوين ( أو الفرض كما يسمونه )ـ محدد ـ هنا ـ مبين صريح وهو السدسان، وبما أن الكلام متعلق أصالة بالأولاد يجب أن يفهم من الصمت، أن الباقي يكون من حظ الولد مطلقا (رجل كان امرأة، وسواء كان وحده أو مع غيره من البنين والبنات).

(ثالثا ) قول المؤلف: ... أخطأ القوم لأنهم جعلوا الأب عصبا مثل الابن أو الأخ ، ينفرد بباقي التركة بعد أصحاب الفروض ـ مثلا : ( أب + أم + أخ ) يجعلون الأب يحجب الأخ ويأخذ الباقي، أي للأم الثلث، وللأخ لا شيء، والباقي ( الثلثان ) للأب..

وهنا أقول: أن مصطلح "عصب" ومثله مصطلح" تعصيب" لم يرد ذكرهما في القرآن الكريم إطلاقا، ولسنا بحاجة إليهما، ولا لما يراد بهما من مصلحة متوهمة، ففي المثال المذكور يكون للأم الثلث بموجب منطوق الآية11من سورة النساء، والباقي،أي: المسكوت عنه، يكون من حظ الأب بالضرورة، وكل حديث عن الإخوة في حالة وجود الأب أو الولد يعتبر لغو لا جدوى منه، بل هو مخالفة صريحة للقرآن الكريم، كيف وقد بين لنا أن الإخوة لا يرثون إلا في حالة الكلالة .

والكلالة كما هي مبينة في القرآن الكريم نوعان: كلالة إخوة (جمع) مع أم الهالك، حيث يكون للأم السدس والباقي للطرف المسكوت عنه، أي للكلالة (الكبرى) المذكورة في الجزء الأخير من الآية 176 : ((...وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ..))، والنوع الثاني يمكن تسميته : كلالة ( الشركاء) وهذه تشمل أخ أوأخت ، أو أكثر من ذلك، بشرط ألا يزيد عدد الرجال عن اثنين وإلا أصبحت كلالة كبرى،  وحظ كلالة الشركاء مفصل في الآية 12، واالباقي أي: المسكوت عنه يكون من حظ الأم بالضرورة .اقرأ: ((وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ)). أي: للأخ السدس والباقي للأم، أو للاخت السدس والباقي للأم ، أو لأخ واحد أو اثنين مع نساء مهما كان عددهن: الثلث، والباقي أي: المسكوت عنه يكون للأم بالضرورة.

 قال الكاتب: ( ونعطى أمثلة )، ثم ذكر سبع مسائل، و هي :

المسألةالأولى:

1 /1  ( أب + أم + ولد ) : الأب السدس ، الأم السدس ، الابن الباقى .

قلـت : هذا الحكم فصل في الآية 11 من سورة النساء : ((وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ)) الثلث للطرف الأول، والباقي للولد مطلقا، أي ( مهما كان الجنس والعدد).

المسألة الثانية:

1 / 2 ـ ( أب + أم + اولاد ): الأب السدس ، الأم السدس ، والباقي للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.

الخطأ ـ هنا ـ أن الكاتب جعل الحكم الخاص ببنتين مع ولد ذكر، يعم جميع الأولاد ذكورا وإناثا مهما كان العدد، وهذا مخالف لقوله جل وعلا: ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ...)) حيث تجد في هذه الآية تفصيلا لحظوظ الأولاد، بنتين اثنتين''2" مع ولد ذكر واحد، ثم فوق اثنتين "3" فأكثر مع ولد ذكر واحد، ثم بنت واحدة''1" مع ولد ذكر واحد، وباقي الحالات تقاس على هذه، فإن كن ـ مثلا ـ اثنتين مع ولدين اثنين فهم شركاء، أي تكون القسمة بينهم مناصفة حظ طرف الرجال كحظ طرف النساء سواء بسواء، طبقا لمفهوم الجزء الثالث من الآية11 : ((وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ))، فإن كن أكثر من اثنتين مع رجلين يكون حظ البنات الثلثان بموجب منطوق الجزء الثاني من الآية 11: ((فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)) والباقي للطرف المسكوت عنه أي للولد الواحد أو لولدين اثنين لا أكثر ، وإلا تساوى عدد عناصر الطرفين ونعود للقياس على الحكم الوارد في الجزء الثالث من الآية 11 المذكور أعلاه، وهكذا يتم القياس إلى نهاية كل الحالات، وهي تسعة فقط، لأنها قائمة على مبدأ:( مفرد ـ مثنى ـ جمع ) سواء للطرف المؤنث أو المذكر، وإليك كل الحالات الممكنة: (مفرد مؤنث مع مفرد مذكر ) أو (مفرد مؤنث مع مُثنى مذكر) أو(مفرد مؤنث مع ثلاثة فأكثر) هذه ثلاثة،  ثم (مُثنى مؤنث مع مفرد مذكر) أو ( مُثنى مؤنث مع مثنى مذكر) أو (مُثتى مؤنث مع ثلاثة رجال فأكثر) تلك ستة كاملة، تضاف لها ثلث حالات فقط: ((جمع مؤنث مع مفرد مذكر) أو (جمع مؤنث مع زوج مذكر) أو( جمع مع جمع ).

المسألةالثالثة:

1/ 3 ـ ( أب + أم + بنت ) الأب السدس ، الأم السدس ، البنت النصف.

قوله للبنت النصف خطأ، ومعلوم أن السلف عالج هذا الخلل بما يسمى الرد أي رد السدس الباقي بعد توزيع الحظوظ المذكورة، وهي( سدس للأب + سدس للأم + وثلاثة أسداس للبنت = خمسة أسداس)، أي: أنهم اختلقوا مشكلة السدس الباقي، ثم ذهبوا يبحثون عن الحل ، والمشكلة الأخرى أنهم ظلموا البنت وحرموها من مجموع الباقي، وهو أربعة أسداس = نصف + سدس. فعلوا كل ذلك ـ طبعا خطأ وغفلة ـ علما أن المسألة مفصلة في الجزء الرابع من الآية: 11 ، أي في قوله جل وعلا: ((وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ)) الولد مطلقا، فإن كانت بنت واحدة فلها الباقي، والباقي لا يذكره القرآن الكريم إطلاقا لأنه ـ كما تقدم ـ يدرك من قريب وبسهولة تامة.

المسألة الرابعة:

 1/ 4  ـ ( اب + أم + بنتان فأكثر ) : الأب السدس ، الأم السدس ، البنات الثلثان.

القسمة صحيحة، والخطأ في الاستدلال فقط، فهم يقولون أن للبنتين الثلثان قياسا على الأختين المحدد حظهما في الجزء الثاني من الآية الخاتمة : ((فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ...176)).

والصواب أن يقال: حظ الأبوين معا الثلث، أي: السدس لكل واحد منهما، والباقي يكون للبنتين بالضرورة (ودون حاجة لنص يفصل المفصل، ويحصل الحاصل، ويشرح المشروح).  

المسألة الخامسة:

1 / 5  ـ ( أب + أم + ولد + أخ ) لا يرث الأخ فقد حجبه الابن . الأب السدس والأم السدس،الابن الباقى.

القسمة صحيحة، ولكن الاستدلال خطأ، لأن الأخ لا ينبغي أن يذكر مع الولد إطلاقا، ومصطلح الحجب يضر ويعقد المسألة ولا ينفع إطلاقا، والصواب أن نقول: حظ الأبوين معا الثلث، أي: السدس لكل واحد منهما، والباقي يكون للولد بالضرورة. وللأخ صفر مكور لا لأنه محجوب بل لأن القسمة فصل فيها بموجب مفهوم الجزء الرابع من الآية: 11، أو نقول: فصل فيها قرآنيا وانتهت ولم يبق شيء للأخ.

المسألةالسادسة:

1 / 6 ـ ( أب + أم   ، وبلا ولد  )الأم الثلث ، الأب الثلث .

حطأ  في القسمة، وقد بينت وجه الخطأ من قبل، ولكن في الإعادة إفادة، فأقول: للأم الثلث بموجب منطوق الجزء الخامس من الآية: 11: ((فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ)) والباقي لأبيه ويساوي الثلثان وليس الثلث، طبقا ( للقانون) الذي سميته الصمت عن المعلوم بالضرورة ، والذي يدرك ـ كما قلت مرارا ـ  من قريب ، وبسهولة تامة.

المثال اسابع،  أو المسألة السابعة والأخيرة:

1 / 7  ـ ( أب + أم + أخ فأكثر ) للأم السدس والأب السدس  والباقى للأخ والأخوة لعدم وجود الاولاد.

خطأ فادح !!! ـ لا ينبغي أن يذكر الأخ مع الأب مطلقا ، بله أن يرث الثلثان، والصواب أن التركة تؤول كلها للأبوين وليس للأخ شيء، فهي ليست قسمة كلالة حتى يشارك فيها الأخ، ومن شروط الكلالة قرآنيا أن تخلو القسمة من الأب والإبن مطلقا، لأن الله جل وعلا ذكر حظ الأبوين المنفردين بالتركة (( وورثه أبواه )) ويشمل حالة انفرادهما بما بقي بعد اقتطاع حظ الزوج أو الزوجة، حيث حدد سبحانه وتعالى حظ الأم وسكت عن حظ الأب، أي: الباقي والذي يدرك من قريب. ثم ذكر حظ الأم مع الإخوة وسكت عن الأب، وبما أن القسمة لا تكون إلا بين طرفين اثنين لا أكثر فالمراد إذن واضح جلي / لا يرث الإخوة إلا في غيبة الأب تحت التراب، والشرط الأخر معروف أيضا أن لا يكون للهالك المورث ولد/ والهالك ـ هنا ـ هو ابن المغيب تحت التراب ، و أكرر أن عبارة ولد تعني الولد مطلقا (ذكر أو أنثى وسواء كان مفردا ، أو مثنى، أو جمع).

الخاتمة ؟: أرجو من الإخوة أن يشاركوا في مناقشة الموضوع وإثرائه، فإن سمح الوقت للدكتور أحمد وشاركنا النقاش، أكون قد حققت أكبر المنى، ولعلها أمنية الجميع.

شكرا للجميع، ودمتم في رعاية الله وحفظه.

اجمالي القراءات 12346