الحاكم المستبد هو الاله الأقوى فى أديان المحمديين الأرضية

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٧ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الحاكم المستبد هو الاله الأقوى فى أديان المحمديين الأرضية

1 ـ الدين الأرضى صناعة بشرية ظالمة ، تنسب دينا لرب العزة جل وعلا تضيف فيه آلهة الى الله جل وعلا من البشر ، وتقيم لهم أصناما وأوثانا ومزارات وقبورا مقدسة ، وتتقرب الى هذه الأبنية الحجرية بالصلوات والتوسل والدعاء . هذا هو الظلم الأكبر لرب العزة فاطر السماوات والأرض . على أن الدين الأرضى يظلم أيضا الناس ، يأكل أموالهم ويستعبدهم ويقهرهم لصالح القائمين على هذا الدين . فمؤسسو الدين الأرضى والقائمون عليه هم المنتفعون به ، وعن طريقه يتحكمون فى الثروة والسلطة .  

2 ــ وعموما فأرباب الأديان الأرضية صنفان : مستبد يستغل الدين الأرضى فى إستعباد الشعب ، ويركب رجال الدين الأرضى الذين هم يركبون بدورهم الشعب . وهذا هو حال الأسرة السعودية التى تركب أسرة آل الشيخ ( ذرية محمد بن عبدالوهاب التى تحتكر الدين الوهابى الحنبلى السُّنّى ) الأسرة السعودية تركب أسرة آل الشيخ وتركب كل الأئمة الوهابيين ، وتعطيهم الفُتات ، وتستأثر بالنصيب الأكبر من الثروة .  ينطبق هذا أيضا على النظام العسكرى فى مصر ، حيث يركب الضابط العسكرى الحاكم  المستبد شيوخ الأزهر ، ويركب شيوخ الأزهر جماهير المصريين . كما أن بابا الأقباط يركب الأقباط ، ويكون هو نفسه مركوبا للضابط الذى يحكم بجيشه مصر والمصريين . ونفس الحال فى بقية نُظم الحكم المستبدة فى الشرق الأوسط السُّنّى ، حيث يحمل كل شعب فوق ظهره رجال الدين الذين يحملون بدورهم الحاكم المستبد   . الصنف الآخر حين يحكم رجل الدين بنفسه كما فى إيران التى يحكمها رجال الدين وكهنوتهم ، طبقا لمقولة ( ولاية الفقيه ) والتى يركب بها مباشرة الفقيه الأكبر الجيش والشرطة والقضاء والحكومة  ، وهذه الهيئات السيادية تركب الشعب الايرانى المسكين .

3 ـ  والثورة على النظام المستبد القائم  ورجال دينه قد تأتى من داخل الدين الأرضى نفسه ، لأن الشعب المركوب المُصاب بفيروس هذا الدين الأرضى هو الذى يرضى بالخنوع متمسكا بهذا الدين الأرضى السائد أو قد يثور متمسكا أيضا بالدين الأرضى السائد ، فمن مميزات الدين الأرضى أنه مصنوع ليرضى جميع الأطراف وليعبر عن جميع الأهواء ، وهو حال الجاهليين وأهوائهم وقت نزول القرآن الكريم كان دينهم الأرضى الذى صنعه المجرمون الجبابرة يعطى كل المميزات لأولئك المجرمين ، ورفض أولئك المجرمون القرآن الكريم لأنه يؤسس العدل ولا يساوى المجرم بالضحية ،فقال جل وعلا:( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) أى لا يمكن بمقياس العدل أن يتساوى المسلمين المسالمين بالمجرمين ، ثم يقول جل وعلا لكل أرباب الأديان الأرضية الظالمين :( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ، أى إستنكار لهذا الحكم الظالم . وبعدها إشارة الى اساطير أديانهم الأرضية التى يصنعونها لترضى كل الأهواء ، يقول جل وعلا : ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا  تَخَيَّرُونَ (38) القلم ) . وهذه هى طبيعة كل دين ارضى ، فيه ما يُرضى كل الأطراف ، وكل من يبغى شيئا يجعله دينا بالافتراء . ومن الطبيعى أن يكون الأقوى هو الأعلى صوتا والأبعد نفوذا . ولهذا فإن فتاوى وأحاديث الطاعة للمستبد هى السائدة ، وقلما تجد فتوى تحض على مقاومة الظلم وعلى الثورة على الظالمين . ولهذا تسير دول المحمديين مكبلة بالظلم ، وفى حماية دينها الأرضى الذى يسوغ الظلم ويجعل الشعب يستعذب الظلم ويتغنى بمواويل الصبر.!

4 ـ وتزعم الأديان الأرضية الايمان بالله جل وعلا وحده لا شريك ، وأنها تعبده بالصلاة والصوم والحج والزكاة المالية . ولكن الواقع أنها تقدس البشر والحجر بداية من شخصية مزعومة صنعوها للنبى محمد ، جعلوها شريكة لرب العزة فى الأذان والصلاة و فى الحج وفى التسبيح ، ثم اضافوا آلهة أخرى تتنوع حسب كل دين أرضى ( الصحابة والأئمة عند السنيين ) و( آل البيت عند الشيعة ) و( الأولياء عند الصوفية ). وإذا كان إخلاص الدين لرب العزة الخالق جل وعلا يعنى أن يكون الإيمان بالله وحده إلاها بدرجة 100% ، فالمعنى أن تقديس لغير الله جل وعلا ولو بنسبة 1% يكون شركا وكفرا . ولكن الواقع العقيدى للمحمديين يجعل تقديسهم لآلهتهم بنسبة 99% ، ولا يتبقى لرب العزة من التقديس سوى 1% أو أقل . أى أن الآلهة الأرضية هى الأقوى من الناحية الدينية الايمانية

5 ـ ومن الناحية الواقعية والقانونية فإن الآلهة الأقوى ليس الشخصيات المقدسة المصنوعة للنبى والأئمة وآل البيت والأولياء . الأقوى هو السلطان الحاكم فى كل دين أرضى . فهذا السلطان المستبد هو الذى يقوم بنشر وحماية الدين الأرضى وحراسة معابده وقبوره المقدسة ومزاراته ، ليس بالضرورة حبا فيها وتقديسا لها ، بل لأنه بهذا الدين الأرضى يركب الناس ، ويقيم دولته . لذا فإنه قد يتسامح مع من يكفر بآلهته ولكنه لا يتسامح مطلقا مع من يهزأ بشخصه وينتقد سلطانه . أكثر من هذا فإن السلطان المستبد يضع الولاء له فوق كل إعتبار ، ولا يمانع فى حماية من يكفر بآلهته طالما يضمن ولاءهم ويتأكد أنهم مخلصون له .

6 ـ وقد بدأ مع تأسيس أول دولة دينية فى تاريخ ( المسلمين ) ، اى الدولة العباسية الكهنوتية . وقد أعلن الخليفة ابو جعفر المنصور فى خطبة مشهورة أنه ( سلطان الله فى أرضه وخليفته ). كانت الدولة الأموية تقتل معارضيها بلا حاجة الى أى تبرير دينى فجاء العباسيون يقتلون من يشاءون متمسحين بالدين ، فإخترعوا ( حد الردة ) وقد صدر لنا كتاب عام 1993 فى نفيه وتبرئة الاسلام منه ، وهو منشور هنا . ويهمنا أن البلاط العباسى فى عصر الخليفة المهدى بن الخليفة أبى جعفر المنصور إزدحم بالكتبة الملحدين الذين كانوا يفخرون بإلحادهم ، ولم يتعرضوا لأى اذى بسبب معرفة الخليفة العباسى بولائهم له ، بينما كان يتم تطبيق حد الردة على خصوم العباسيين ممّن أسماهم الخليفة بالزنادقة ، أى إستعمل ( حد الردة ) لقتل خصومه بهدف سياسى فقط . ومثلا فإن الشاعر المشهور بشار بن برد إشتهر بشعره الاباحى وجرأته فى الكفر ولم يتعرض له الخليفة المهدى ، فلما هجا هذا الشاعر الخليفة المهدى بقصيدة مشهورة يتهم فيها المهدى بالزنا بعماته ، وبقصيدة أخرى يدعو فيها للثورة على المهدى، فأسرع المهدى يتهمه بالزندقه وقتله ضربا بالسياط . وكان بشار بن برد وقتها قد بلغ من العمر عتيا ـ ولكن لم يترفق به الخليفة المهدى.

7 ــ ومن وقتها والى الآن والحاكم المستبد فى بلاد المحمديين هو الاله الأقوى فى دينه الأرضى .

 قبل 1952 كانت الدين الأرضى السائد فى مصر هو التصوف السنى ، وكانت الطرق الصوفية تتبع الملك مباشرة . ولم يحدث أن تعرض من ينتقد التصوف السنى الى السجن ، ولكن عندما قال عباس العقاد وهو عضو فى البرلمان عن تحطيم أكبر رأس فى مصر دخل السجن بتهمة ( العيب فى الذات الملكية ) ، يعنى أن تعيب فى أى ذات إلا الذات الملكية . وتغير الدين الأرضى فى مصر فأصبح الوهابية السنية وتمت صياغة مواد قانونية فيما يسمى بإزدراء الدين ، وتعاقب بها السلطة خصومها ، بينما يقوم شيوخ السلطة بإزدراء الدين الشيعى والدين المسيحى ولا حرج عليهم . ومن حق أى تابع للمستبد المصرى أن يقول ما يشاء هجوما على أى دين حتى على الدين الوهابى نفسه ـ كما يفعل بعض مشاهير الاعلاميين ـ وهم بمأمن من الاتهام بإزدراء الدين لأنهم مخلصون للعسكر الحاكم . فى مصر قل ما تشاء فى أى دين ولن يتعرض لك أحد طالما يرضى عنك الضابط الذى يحكم مصر . ولكن حين يتلفظ أحدهم بإنتقاد الجيش ( وهو الحاكم المطلق فى مصر من عام 1952 ) فمصيره السجن والتعذيب لأنه إنتقد الاله الأعظم فى مصر .

8 ـ هو نفس الحال فى السعودية . مستحيل أن تنتقد الأسرة السعودية وكبيرها وألاهها الأكبر عبد العزيز آل سعود . ولكن يمكنك أن تتقرب اليهم بالخضوع والخنوع ثم يمكن أن يتسامحوا معك لو سببت محمد بن عبد الوهاب نفسه ، ومع أن ابن عبد الوهاب هو عندهم أعظم شأنا من محمد بن عبد الله خاتم النبيين إلا أنه يظل الملك السعودى هو الاله الأعظم .   وهل نسينا صدام حسين فى العراق وتأليهه بأسمائه التسع والتسعين وتقديس صوره وتماثيله وفرض إعلان الولاء له على الجميع من سنيين وشيعة وعرب وأكراد وكلدانيين . وطالما كان يتفانى الفرد العراقى وقتها فى إظهار ولائه لصدام فلا تثريب عليه إن لعن أبا بكر وعمر وعليا وآل البيت .

9 ـ يظل هذا المستبد الظالم هو الاله الأعظم فى بلاد المحمديين ، مع أنه يركع للقوى الكبرى يستجدى الرضا ، ومع أنه يتفنن فى ترويع شعبه وإرهابهم بالسجن والتعذيب ، ويستخدم أموال الشعب فى شراء أسلحة لتخويف الشعب يسلح بها جيشه وقوات أمنه . وأمس الثلاثاء ( 15 ديسمبر 2015 )  كنت أتابع المناظرات بين المرشحين عن الحزب الجمهورى للرئاسة الأمريكية . كانوا يتسابقون ويتنافسون فى أنهم الأقدر على حماية أمن أمريكا وأمن المواطن الأمريكى ، ويتهمون باراك أوباما بأنه قصّر فى حماية أمن المواطن الأمريكى . حماية أمن المواطن الأمريكى هى المهمة المقدسة للرئيس الأمريكى . بينما ترويع وإرهاب المواطن فى بلاد المحمديين هى المهمة المقدسة للمستبد الشرقى وهو الإله الأعظم فى بلاد المحمديين .

10 ـ حين يتسيد الدين الأرضى فإن الاله الأعظم فيه هو المستبد.

وحين يكون الله جل وهلا هو وحده الاله الأكبر الأعظم الذى لا إله غيره ولا إله معه يكون البشر متساوين ، لا يعلو أحد عن أحد لأن العلو هو للخالق جل وعلا ، لذا يقول المؤمن ( سبحانه وتعالى )عن رب العزة فاطر السماوات والأرض . ولذلك فإن نظام الحكم فى الدولة الاسلامية الحقيقة يؤسس المساواة بين المواطنين جميعا ويضمن حريتهم المطلقة فى الايمان والكفر وفى العبادة لأن مهمة الدولة الاسلامية ليس هداية الناس وإدخالهم الجنة ، فالهداية مسئولية شخصية ومن إهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها . مهمة الدولة الاسلامية هى خدمة المواطن وحفظ حقوقه وليس الاستعلاء عليه لأن العلو هو للكبير المتعال وحده ولا يشاركه فى العلو أحد .

 وحين تسود العلمانية ويزول كهنوت الدين الأرضى تقترب الدولة من شكل ومضمون الدولة الاسلامية التى أقامها فى المدينة خاتم المرسلين ، ثم قضى عليها أعداؤه من الخلفاء ( الراشدين / الفاسقين ).

والآن فإن الغرب وحده فى أمريكا وكندا وأوربا ( واليابان تتبعهم ) هى الأقرب للدولة الاسلامية الحقيقية ، بينما داعش ومن على شاكلتها فى بلاد المحمديين هم أعدى أعداء الاسلام . 

11 ـ الخلاصة : الاصلاح السياسى يبدأ بالاصلاح الدينى الاسلامى الذى لا تقديس فيه لبشر ، ولا وجود فيه لسلطة دينية أو كهنوت دينى .  

لا بد من هدم الاعتقاد فى رجال الدين وتعريتهم وفضح مخازيهم . لا بد أن يتحد الناس جميعا حول شعار ( العدل للجميع ، والحرية الدينية للجميع وأن الحكومة هى لخدمة الشعب وأن الجيش للدفاع عن الوطن وليس لحكم الوطن ، وأن الشرطة لحماية المواطن وليس لقهر المواطن ، وأن الجميع متساوون أمام القانون الذى يتم إقراره من مجلس نيابى منتخب بأنتخابات نظيفة ونزيهة . ).

إن لم يهبّ الناس جميعا طلبا للحرية والعدل سيظلون مركوبين من المستبد وأعوانه .

اجمالي القراءات 10173