أكذوبة الراعى والرعية المناقضة للعقيدة الاسلامية

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٩ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أكذوبة الراعى والرعية المناقضة للعقيدة الاسلامية

أولا : فى العقيدة

1 ـ فى التراث الدينى لأهل الكتاب قولهم ( الرب هو الرّاعى ، يراعينى ) ، و كان هذا يقال فى المدينة فى عصر نزول القرآن الكريم ، وكان بعض المؤمنين يرددون نفس القول ، على أنه ( دعاء ) فنزل النهى فى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) البقرة ). أى بدلا من قولهم ( راعنا ) عليهم أن يقولوا ( أنظرنا ) ، وعليهم أن يسمعوا ويطيعوا ، وإلا فللكافرين عذاب أليم . أى أن الموضوع هنا داخل فى صلب العقيدة الايمانية الاسلامية . لأن كلمة ( راعنا ) فيها تشبيه لرب العزة براعى الغنم ، وهذا كفر . وإن كان القصد هو الدعاء بالرعاية فليقولوا ( إنظرنا ) أى أنظر الينا برحمتك ولطفك .

2 ــ وإستمر بعض أهل الكتاب فى ترديد هذه العبارة ضمن تحريفاتهم الدينية ، فقال جل وعلا عنهم : (  مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46 ) النساء ) . قال الله جل وعلا فى النهى عن قول هذه الكلمة : (لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا )، لم يسمعوا بمعنى لم يطيعوا ، وقالوا ساخرين (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا ). ويقول جل وعلا  عن موقفهم هذا بأنه طعن فى الدين ، وكان يجدر بهم الطاعة ، ولكنهم بعصيانهم إستحقوا اللعنة بكفرهم.

3 ــ إن مصطلح ( رعا ) قد جاءت بعض مشتقاته فى القرآن الكريم ، يقول جل وعلا فى صفات المؤمنين المفلحين : (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون 8 ، /  المعارج 32). وفى صفات بعض أهل الكتاب : ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )(27) الحديد )،وجاء  قوله جل وعلا فى رعى الأنعام:(  كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى (54) طه ) ، وفى مرعاها وعُشبها   (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) الأعلى ). ولكن لم يرد مطلقا وصف رب العزة بالراعى ، بل اللطيف الحليم العفو الرءوف الغفور الرحيم . ولم يرد مطلقا وصف البشر بالرعية ، أى الأغنام والأنعام .

4 ــ بل ورد العكس،وهو تكريم بنى آدم وتفضيلهم على كثير من الخلق ، يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)الاسراء ) وأن الله جل وعلا سخّر لهم ما فى السماوات والأرض جميعا منه (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية ) ومن ضمنها الأنعام ، قال جل وعلا عنها وعن تسخيرها : ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8) النحل ) ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37) الحج ).

5 ــ والله جل وعلا كرّم بنى آدم وفضلهم ، وأعطاهم العقل وأنزل لهم الكاب السماوية للهداية ، وعليهم مقابل هذا التكريم أن يقوموا بحقه . ومن هنا فإن الذى لا يقوم بالواجب عليه لا يكون مستحقا للتكريم ، يكون أسوأ من الأنعام التى لا عقل لها ولا تمييز . ومن هنا جاء التشبيه لمن يقدس البشر والحجر بأنهم كالأنعام أو أضل سبيلا ، ( الأعراف 179 ، الفرقان 43 : 44 )

ثانيا : من العقيدة الى السياسة :

1 ـ خلق الله جل وعلا البشر متساوين من حيث النشأة والعبودية للخالق جل وعلا . وسبق التركيز على هذه المساواة بين البشر فى أبحاث سبقت : ولكن نشير الى ملامح منها سريعة :

1 / 1 : فالبشر كلهم أفراد متساوون ، كلهم من نفس واحدة ، يجمعهم مصطلح ( الناس ) يقول جل وعلا يخاطبهم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) النساء ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33 (لقمان )

1 / 2 : وكلهم متساوون من أب واحد وأم واحدة مهما إختلفت أعراقهم وألسنتهم ، وقد جعلهم الله جل وعلا شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتقاتلوا . ومع هذه المساواة بينهم فإن الأفضلية بينهم هى بالتقوى ، وليست بالأغنى أو الأجمل أو الأقوى . والمجال مفتوح لمن أراد التقوى ، ويوم القيامة سيتحدد المتقى بناء على ما قدمه فى حياته الدنيا من إيمان خالص وعمل صالح . يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات ) .

1 / 3 : وكل إنسان يولد فردا ، لا يختلف عن غيره من الأفراد المواليد ، وينشأ فريدا ببصمته الوراثية ، ويوم القيامة يأتى أمام ربه جل وعلا فردا : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم ).

2 : وهذه المساواة الفردية تفرض نفسها فى النظام الديمقراطى المباشر فى الدولة الاسلامية ، فالمجتمع هو الذى يحكم نفسه بنفسه طبق آلية شرحناها فى كتاب ( الشورى ) المنشور هنا مقالاته . وليس هناك حاكم بل جمعية عمومية  فى كل قرية أعضاؤها كل الأفراد المواطنين بغض النظر عن الملة والجنس والغنى والفقر. وهم يختاورن ( أولى الأمر ) ، وأولو الأمر هم أصحاب الشأن أو أصحاب الخبرة: ( النساء  (59) (83) ) ويتولى المجتمع مساءلتهم. والطاعة لهم هى فى الأمور المنوطة بهم فى إطار طاعة الله ورسوله ( اى الرسالة السماوية ) حيث لا طاعة فى معصية الرحمن جل وعلا.

3 ـ طبقا لهذه المساواة المطلقة فالأفراد كلهم رءوسهم متساوية فى المشاركة السياسية ، ولهذا يجعل رب العزة من المشاركة فى الاجتماعات العامة السياسية الجامعة فريضة دينية لا بد من الحضور فيها كما جاء فى الآيات الثلاث الأخيرة من سورة ( النور ) كما جعل تلك الشورة فريضة تعبدية على كل فرد لا تصح فيها الاستنابة شأن الصلاة تماما ، ( الشورى 38 ) وفرض الله جل وعلا الشورى على النبى محمد نفسه ، مع التاكيد على انه يستمد سلطته من الأمة التى هى مصدر السلطات ( آل عمران 159 )، وبالتالى فإن من يستنكف عن الشورى يرفع نفسه فوق مكانة النبى ، أى يكون كافرا .!.

4 ـ ومن هنا ترتبط الشورى بعقيدة الاسلام ( لا إله إلا الله ) كما يرتبط الاستبداد بتأليه الحاكم وتقديسه . ويبدأ هذا بجعل رأس الحاكم ( تعلو ) على بقية الرءوس ، بما يخالف المساواة . وكما كان عليه السلام خاتم النبيين قائدا يمارش الشورى ورمزا للديمقراطية  المباشرة للدولة الاسلامية فإن فرعون موسى كان ـ ولا يزال ـ الرمز لكل مستبد يصل به إستبداده الى زعم الربوبية والألوهية .

5 ـ  والأساس هنا أنه ( علا فى الأرض ) ولأنه ( علا ) فهذا يكون على حساب الذين أجبرهم على أن يحنوا رءوسهم ، ثم يستمر الانحناء ليكون ركوعا وسجودا ، ويتحول البشر فى دولة الفرعون الى ( أنعام ) ومطية راكب هو الحاكم ، أو بالتعبير التراثى يتحولون الى ( رعية ) من الأنعام يسوقهم ( الراعى ) فى نظام ( الراعى والرعية ).

6 ـ لهذا يقول جل وعلا عن فرعون ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ). فرعون علا فى الأرض فقسم أهل مصر الى قسمين إضطهد قسما ليرهب ويرعب القسم الآخر ، وامتطى الجميع بعد أن فرّق بينهم ، وارتبط إستبداده بفساده ، وملأ الرعب الجميع خصوصا المستضعفين من قوم موسى يقول جل وعلا : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس ).

7 ـ  إنّ فرعون حين ( علا ) فى الأرض فقد جعل لنفسه صفة الاهية لا تكون إلا لله جل ( وعلا ) وهو ( جل وعلا : ( الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِي (9) الرعد ). فالعلو لا يكون وصفا إلا لرب العزة ( جل وعلا ) ( سبحانه وتعالى ). أما من يتعالى من البشر فهو على دأب فرعون يسير ، ومن هنا فإن الفائزين يوم الدين هم الذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا : يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص )

 8 ـ  ، ويتضح فى القرآن الكريم ارتباط الاستبداد ( العلو فى الأرض ) بالفساد والاسراف فى الطغيان .

9 ــ وهذا الاستبداد يحتاج الى دين أرضى يبرره ويسوغه ويشرعه . ولهذا يركب الفرعون ـ أى فرعون ـ رجال دينه الأرضى ، ورجال دينه الأرضى يركبون الشعب ، أو ( الرعية ) . وفى كل نظام مستبد قديما وحديثا تجد ذلك التحالف غير المقدس بين المستبد ورجال الدين ( الفرعون والكاهن ) ، وتسود أكذوبة الراعى والرعية . ويتبارى فقهاء الإفك فى منح كل الحقوق للراعى ، يتصرف كيف يشاء فى رعيته وأنعامه وأغنامه . ومنها هذه الفتوى التى تقول بأن من حق ( الامام ) أى الحاكم فى الدولة الدينية ـ أن يقتل ثُلُث الرعية لاصلاج الثُلُثين ) . فماذا إذا بقى الفساد فى الثلثين ؟ يقتل ثلث الباقى ـ فكيف إذا بقى الفساد ؟ . طبعا لا يستطيع الراعى قتل كل الرعية ، فبدون الرعية لن يركب ولن ينهب ولن يغتصب. .!          

هى فتوى للإرهاب والتخويف ..                                                                          

اجمالي القراءات 7745