روسيا فى سوريا .!!

آحمد صبحي منصور في السبت ١٠ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : جاءتنى هذه الرسالة : ( سلام علیکم یا دکتر احمد صبحی منصور انا لیس من اهل القرآن وانا لاعلاقة بمسائل سیاسي ولکن من منظر الانساني انا ضد الارهاب انتم تعلمون روسیا تدخل في سوریا من طریق عسکري انا اعتقد یمکن روسیا تنتصر بشروط :

1: اذا روسیا تسعي لحل سیاسي ازمة سوریا من طریق بیان جینف 1وانا اعتقد حل الازمة سوریا فقط من طریق حل سیاسي ومن طریق بیان جینف من طریق  توافق دولي 

2: انا اعتقد علي روسیا التعاون مع فصائل المعارضة المسلحة  فى سوریا في غرفة عملیات برکان الفرات والتعاون مع غالبیة فصائل المعارضة مسلحة سوریا في جبهة الشامیة في قتال ضد داعش (نعم انا اعتقد لهم (فصائل المعارضة مسلحة سوریا ) خطایا وواجب اصلاح هذا الخطایا 

3: حمایة المدنیین من القصف الجوي 

4: حفاظ علي وحدة الاراضي سوریا 

ماهو موقفکم بتدخل عسکری روسیا في سوریا ؟ )

ثانيا :أقول :

1 ــ هذا التدخل كان منتظرا ومتوقعا لأنه يجرى فى إطار السياسة الثابتة فى الصراع بين القوتين العظميين ( الاتحاد السوفيتى / الولايات المتحدة ، ثم روسيا الاتحادية / الولايات المتحدة ) .

بعد الحرب العالمية الثانية وبروز قو تين عُظميين ، وصراعهما ، لم يعد خيار الحرب العسكرية مطروحا بسبب الردع النووى . تمت الاستعاضة عنه بسياسة الاحلاف العسكرية والحرب الباردة و الحرب  بينهما عبر الدول التابعة لهذا المعسكر أو ذاك . فى أوج التسلط الأمريكى ( فى الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات ) قامت أمريكا بمحاولة حصار السوفيت والمعسكر الشيوعى بحلف بغداد ، وقوبل هذا بقيام ما عُرف بالحياد الايجابى ودول عدم الانحياز بزعامة مصر عبد الناصر / والهند نهرو /ويوغوسلافيا تيتو. الواقع أن هوى هذه الدول كان مع الاتحاد السوفيتى وضد السياسة الأمريكية . واشتطت السياسة الأمريكية فى تسلطها فوقعت فى المستنقع الفيتنامى ، ونجح الاتحاد السوفيتى فى استغلال حمق السياسة الأمريكية فحقق أمل روسيا القديم فى الوصول الى المياه الدافئة ، فأصبح نفوذه عاليا فى سوريا ( حافظ الأسد / وليبيا القذافى / والعراق صدام حسين ).

 ثم وقع الاتحاد السوفيتى فى نفس الخطأ فى مستنقع أفغانستان ، وردت له أمريكا التحية باسوأ منها ، فى وقت تغيرت فيه السياسة المصرية الساداتية بالانحياز الى امريكا والانفتاح على الغرب وأمريكا إقتصاديا وعسكريا ، والتحالف مع السعودية والوهابية ، وانتشار الوهابية فى قطار النفط السريع . وخسر الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان ، ثم ما لبث أن سقط ولفظ أنفاسه ، وقامت روسيا الاتحادية تحاول لملمة ما تبعثر ، وبعد فترة جاء القيصر الروسى الجديد بوتين ، يحاول إرجاع روسيا الى الهيمنة السابقة التى كانت للإتحاد السوفيتى  . وما يحدث فى سوريا الآن هو ملمح لهذا .

2 ـ كما إستغلت أمريكا سقوط الاتحاد السوفيتى فى المستنقع الأفغانى فقد إستغل بوتين سقوط أمريكا فى المستنقع العراقى ثم خروج أمريكا منه . هو خطأ  أمريكى باهظ فى الغزو والاحتلال ثم خطأ باهظ آخر فى الانسحاب الفاشل لأوباما ، فلم يكن إنسحابا إستراتيجيا ، بل مجرد رغبة للهروب السريع ، فترك العراق هدية لايران وداعش واخواتها . ثم هذا العجز الأمريكى الشائن عن مواجهة داعش فى العراق وسوريا . مع أنه بإمكان الطائرات الأمريكية أن تدك مواقع داعش وأن تُنهى اسطورتها ، وهذا ما تفعله روسيا الآن .

وروسيا ـ الآن ـ تملا الفراغ بعد الانسحاب الأمريكى العاجز والفاشل ، وبنجاح روسيا سيكون لها الصوت المسموع فى تحديد ورسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط ومشيخات النفط فى الجزيرة العربية والخليح .

 

 خرجت أمريكا من العراق وقد أنفقت فيه بضع ( تريليونات فقط ) من الدولارات ، وعدة آلاف فقط من القتلى وأضعافهم من الجرحى والمعاقين ، ثم تركت العراق فى مذابح وخراب إمتد الى سوريا ، والى علو ثقافة الارهاب بحيث أصبحت تهدد الداخل الأمريكى والأوربى ، ثم كانت مبررا لروسيا أن تتدخل عسكريا فى سوريا لتحمى عميلها بشار الأسد ، ولتتحول سوريا الى محمية روسية بالساحل السورى والقواعد العسكرية الروسية فى سوريا ، ثم ممكن لروسيا أن تتوسع بعدها فى العراق ، وتهدد مشيخات النفط فى الجزيرة العربية والخليج . وتلقى السياسة الروسية التأييد من مصر / السيسى وايران/  الخومئنى . وايران ومصر هما القوتان الحقيقيتان الراسختان فى المنطقة . وما بينهما دول مؤقتة ـ مهما بلغ ثراؤها . وهذه الدول النفطية مرشحة للسقوط  بالتدخل الروسى وتداعياته ، وبالانسحاب الأمريكى.   

3 ـ دولة الأسرة السعودية فى عهد حاكمها الجديد سلمان تدفع بالنظام السعودى الى السقوط السريع ، لو تطور التدخل الروسى  ووصل الى العراق وأشرف على التخوم السعودية . سلمان غائب جزئيا عن الوعى ، وهو يمثل جيل الأبناء للمؤسس الولد عبد العزيز ، وهذا الجيل شاخ ودخل فى غياهب الشيخوخة ، ولم يعد قادرا على إدارة الأمور فى هذه المرحلة الدقيقة ، وهناك صراع معلن بين الأحفاد يباشره ابن سلمان بنفسه ، وهو المتحكم فى ابيه الشارد ، وقد أدخل هذا الشاب عديم الخبرة دولته ( الملاكى ) فى حرب خاسرة فى اليمن ، علاوة على التدخل السعودى فى سوريا والعراق . والنفط الذى تختال به السعودية إنخفضت أسعاره ، وبدأت التكنولوجيا الأمريكية فى إستغلال إقتصادى للطاقة الشمسية وللبترول الصخرى داخل أمريكا . والرئيس الأمريكى القادم إن كان من الحزب الديمقراطى فسيواصل سياسة اوباما فى التراجع عن مشاكل الشرق الأوسط بما يعنى ترك السعودية تسقط ، وإن كان من الحزب الجمهورى فسييبتز الأسرة السعودية فى محنتها بما يساعد أيضا على سقوطها . على أن سقوطها مكسب لأمريكا ، فسيفر أفراد الأسرة  السعودية الى الغرب وأمريكا ، والثروة السعودية ( إحتياطى الذهب السعودى ) داخل بنك الاحتياطى الأمريكى !. والغرب عموما مستفيد من سقوط المستبد العربى الذى يهرب بلايينه الى البنوك الغربية والأمريكية ، خلال شبكات معقدة لتكون فى النهاية بلاصاحب ، ويستثمرها الغرب لصالحه .

ومن المنتظر  أن يستفيد الرئيس السيسى فى مصر تلك المحنة السعودية ليتخلص من عبء الحمق السعودى وتبعاته ، وقد بدأ هذا بتأييده التدخل الروسى . وقد ينهار جبل الجليد الذى أقامه النظام المصرى فى علاقته بايران ، بما يمثل كارثة على السعودية . وجاءت مأساة القتلى فى حادث التدافع فى موسم الحج ليثير  ـ عالميا ولأول مرة ـ ما نادينا به  مرارا من قبل ، وهو تحرير المسجد الحرام من الاحتلال السعودى ، وأن تقوم بالاشراف على مكة والمدينة ( الحجاز ) هيئة دولية . بدأنا هذه الدعوة وروجنا لها ، وبدأت مع مأساة القتل فى الحرم  تتكاثف عبر الانترنت ، وتنعكس فى تصريحات ايرانية وغير ايرانية تنادى بكف  السعودية عن التحكم فى فريضة الحج . هذا بالاضافة الى أن هجومنا على الوهابية وتحطيم أبقارها المقدسة أصبحت عادة فى فضاء الانترنت ووصلت الى بعض القنوات الفضائية . وهكذا فإن ما نناضل من أجله ضد الوهابية والسعودية بدأت ثماره تظهر ، بسبب عوامل محلية واقليمية ودولية ، إنهارت معها ( تلك القدسية) للدولة السعودية ، وفقدت مكانتها وإحترامها فى العالم .

 3 ـ قلنا فى البداية : (هذا التدخل كان منتظرا ومتوقعا لأنه يجرى فى إطار السياسة الثابتة فى الصراع بين القوتين العظميين ( الاتحاد السوفيتى / الولايات المتحدة ، ثم روسيا الاتحادية / الولايات المتحدة ) . والسؤال الآن : هل هى حكيمة هذه السياسة الروسية الأمريكية ( الثابتة  ) .؟

أقول : لا .  

لأنها تقع فى نفس الخطأ فى التعامل مع داعش والاخوان والسعودية وشتى التجليات الوهابية السياسية . الخطأ انها تتعامل معها سطحيا بمحاولات الاستخدام والاستغلال السياسى عند التحالف معها ، ومحاولات القضاء عليها عسكريا عند الاختلاف معها .

أمريكا إستغلت الوهابية فى حربها ضد الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان ، فأنتجت عدوا شرسا لها هو تنظيم القاعدة . الأسرة السعودية نفسها بزعامة عبد العزيز إستخدمت الوهابية فى تأسيس الدولة السعودية الثالثة الراهنة فظهر لها من داخل الوهابية عدو شرس ، هم الاخوان النجديون الذين أقاموا مُلك عبد العزيز ، ثم إنقلبوا عليه . عبد العزيز إستغل الوهابية فى تأسيس الإخوان المسلمين فى مصر ، فما لبثوا أن تآمروا على دولته فيما بعد . عبد الناصر تحالف مع الاخوان فى حركة الجيش عام 1952 ليكونوا ظهيرا شعبيا لانقلابه العسكرى فانقلبوا عليه . السادات تحالف معهم فقتلوه . امريكا والغرب فتحت أبوابها للوهابية ودُعاتها وتركتهم يعيثون فسادا فى عقول الجاليات ( المسلمة ) ، وهم يدفعون الثمن الآن . الحركة الوهابية فى تجلياتها السياسية ومنظماتها السياسية والارهابية هى ( عصيّة ) اى تستعصى على الاستخدام من أى طرف . هى كالعقرب يلدغ من يتعامل معه ، حتى لو إقترب منه لانقاذه .

نفس الحال فى مواجهة هذه الحركة الوهابية بالسلاح العسكرى ـ وحده . إن السلاح العسكرى قد يدمر داعش والقاعدة والسعودية ، ولكن السلاح العسكرى لا يُجدى فى مواجهة  الفكر الوهابى المتستر بالاسلام والذى ينتشر باسم الاسلام فى التعليم والاعلام والمساجد . بالعكس ، فهذا السلاح العسكرى سيثير ملايين المسلمين ( المعتدلين ) ضد من يستعمل الآلة العسكرية ، ولو نجحت هذه الآلة العسكرية فى إجتثاث داعش والنصرة والقاعدة والاخوان بل والسعودية فإنها ـ أى الالة العسكرية ـ ستنجح أكثر وأكثر فى خلق منظمات وهابية أخرى أكثر إرهابا وأشد رغبة فى الانتقام وأفظع وحشية .

وفى ظل قريتنا الكونية والتقدم الهائل والخرافى فى وسائل الاتصال سيكون سهلا على الحركات الارهابية التغلغل فى الغرب وإستقطاب وتجنيد الغاضبين والمقهورين ليفجروا أنفسهم وليتمتعوا بالحور العين وفق معتقدات الدين الوهابى السُّنّى .

لقد كانت الشيوعية هى ميدان تجميع الحالمين بالعدل الاجتماعى الغاضبين من تحكم الامبريالية الأمريكية ، وبسقوط الاتحاد السوفيتى حلت الوهابية محله مظلة لكل من يكره الرأسمالية ، حتى فى داخل روسيا .

روسيا تعانى من وجود الفكر الارهابى ومنظماته فى مناطق الشيشان وغيرها ، وهناك نشاط فكرى وهابى يسرى على قدم وساق فى جمهوريات آسيا الوسطى التى كانت من قبل مراكز ( سنية ) رائجة ( البخارى وأئمة الحديث ينتمون الى هذه المناطق ). والنشاط الوهابى متأجج هناك يهدد روسيا فى تخومها وفى مناطقها الحيوية . وبالتدخل الروسى الحالى فى سوريا فهى ترتكب نفس الخطأ الذى ارتكبه الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان ، والذى ارتكبته أمريكا فى العراق .

والحل :

هو ما ندعو اليه نحن ( أهل القرآن ) : الاصلاح

1 ــ إصلاح سلمى فى الشرق الأوسط ( الكبير ) لإقامة دول ديمقراطية علمانية حقوقية يتمتع فيها الفرد بالحرية المطلقة فى الدين وفى المشاركة السياسية وفى العدل الاجتماعى والعدل القضائى والأمن والكرامة الانسانية . بدون هذا الحل ستستمر نظم الاستبداد فى الشرق الأوسط ( الكبير ) مصاحبة للوهابية أو ولاية الفقيه الشيعية ، تستعبد الشعوب والأفراد ، وتنشر الفساد والخراب  والحروب الأهلية ، وتنتقل منها الى أوربا وأمريكا .

2 ـ إصلاح سلمى فى الغرب . هناك قوى شريرة فى الغرب وأمريكا تتعاون مع قوى شريرة فى الشرق الأوسط ، هى مافيا السلاح والبترول ، وبسببهم تنتشر النزاعات فى العالم وتتحول الى حروب أهلية  ويتم فيها تحويل ثروات البترول الى أسلحة يكون ضحيتها الفقراء فى الغرب والشرق . هناك 85 شخصا فى العالم يمتلكون نصف ثروات العالم ، وبسبب معظم هؤلاء الأشخاص يعانى البلايين من الفقر و التهميش والاستبداد والفساد . فحوالى نصف ال 85 شخصا لا يستطيعون التعامل الا مع المستبد الشرقى الفاسد الذى يتعيش على دماء قومه .

3 ـ لقد وصلت البشرية الى أعلى قمة فى الحضارة ، وعرفت ارتباط  القيم العليا باستدامة الحضارة واستمراريتها . والحرب هى حضيض المآسى الانسانية ، وهى التى تحرق الأخضر واليابس وتدمر العمران ( هل ترى حال المدن السورية الآن ؟ ) . ولقد وصلت الديمقراطية الغربية الى نبذ الحروب أسلوبا فى التعامل بين الدول الديمقراطية ، ولكن إستمرت تساعد فى تأجيج الحرب فى دول الاستبداد الشرقى  لتشغيل مصانع السلاح وإستنزاف بترول العرب ، منتهزة التخلف السلفى والحضارى للمحمديين.

ويتضح الآن أن آثار الحروب تزحف على أوربا وأمريكا ، ليس فقط فى تدفق الهجرات بل فى انتشار الارهاب فى الغرب والعجز الأمنى عن مواجهته . إذن يتحتم على الغرب أن يصلح نفسه من الداخل بتحجيم أرباب هذه الشركات العملاقة ، حرصا على السلام العالمى ومستقبل الحضارة الغربية نفسها . فلا حضارة مُستدامة بلا أخلاق ، ولا أخلاق فى وجود 85 شخصا يملكون نصف ثروات العالم .

أخيرا :

هى ليست مشكلة روسيا فى سوريا ..هى أعمق وأعقد من ذلك.  

اجمالي القراءات 10274