كن فرحا.. لا تقتل الإوزة

على سالم في الجمعة ٢٣ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

استيقظت فزعا على صرخات الرجل وهى تمزق أنفاس الصبح الأولى, استطعت أن أميز بعض الكلمات من بينها, كان الرجل يصرخ: يا للمصيبة.. يا لغبائى.. يا لحظى التعس..

خرجت على الفور بملابس النوم عارى القدمين, أبقيت باب الشقة مفتوحا ووقفت أمامه لحظة إلى أن تبينت مصدر الصراخ, كان يأتى من أعلى, صعدت السلم ثلاثة طوابق قفزا, وقفت أمام باب الشقة مصدر الصيحات, أخذت أدق الباب بشدة إلى أن فتح لى صاحب الشقة الباب, كان ممسكا بسكين مطبخ, السكين كان ملوثا بالدماء, تناثرت أيضا على ملابسه بقع دماء.. ترى هل ذبح الرجل زوجته؟

تنبهت إلى أنه كان أعزبا ويعيش بمفرده, لم يكن يحتل وظيفة ما غير أنه كان يعيش عيشة مستورة ربما من معاش كبير من وظيفة سابقة أو لعله كان من ذوى الأملاك.

صرخت فيه: إرمى السكينة على الأرض.

ألقى بالسكين على الأرض غير أنه استمر فى الصراخ فأمسكت به من كتفيه بقوة وقلت له بصوت آمر: كف عن الصراخ يا رجل وقل لى .. من ذبحت بهذه السكين؟ هل هاجمك لص فقتلته.. أم قتلت أحد الجيران؟

فرد وقد استولت عليه نوبة بكاء حادة: لأ.. لقد قتلت ولية نعمتى ومصدر الخير فى حياتى وأملى فى الدنيا.. نعم ذبحتها.. لقد ذبحت الإوزة.

ــ نعم.. الإيه؟ الوزة.. لك صديقة اسمها وزة ؟

لأ.. هى وزة.. أو إوزة كما تسمونها بالفصحى.
ــ آه فهمت.. هل اكتشفت إنها مصابة بإنفلونزا الطيور؟

= لأ لقد كانت صحيحة الجسم لم تشك من أمراض فى حياتها.. إنها وزّة فريدة ليس لها مثيل فى الكون كله.. لقد كانت تبيض ذهبا.. كل صباح كانت تبيض بيضة من الذهب الخالص ومدموغ أيضا.

ــ وماذا كنت تفعل بهذا البيض؟

= عندى خزينة فى البنك كنت أضع فيها البيض كل صباح, وفى حالة احتياجى لسيولة مالية كنت أبيع بيضة أو بيضتين.. سنوات طويلة وهى تعطينى البيض الذهبى ولكن الشيطان لم يتركنى فى حالى.. أخذ يهمس لى فى أذنى ويوسوس لى فى صدرى..

ــ نعم.. إحك لى ماذا قال لك هذا الشيطان السافل.

= قال لى.. ياراجل.. كل يوم تضيع وقتك فى الحصول على بيضة واحدة ذهبية.. ثم تتعذب فى المواصلات لكى تودعها فى خزينة البنك.. لماذا لا تحصل على البيض كله بضربة واحدة وبذلك يتوفر لك رأسمال عظيم تستطيع أن تفعل به ما تشاء.. تستطيع فى شهر واحد أن تنشئ أعظم مصنع حديد فى العالم وتقضى على كل منافسيك فى شهر وتجعلهم جميعا على الحديدة.. تستطيع أن تبنى مدينة كاملة فى الصحراء.. تستطيع أن تشترى كل شواطئ البحار التى لم يستول عليها أحد حتى الآن وتقيم عليها مشاريع تكسب منها ما تعجز كل أوزات العالم الذهبية عن بيضه.

استفزنى غباء الرجل فصحت فيه: فذبحتها يا غبى.. لماذا لم تجر لها عملية جراحية تخرج بها الكنز من أحشائها وتعيد خياطة الجرح مرة أخرى لكى تواصل عملها كمنجم ذهب بعد ذلك؟

أجاب فى تعاسة: فكرت فى ذلك ولكن الأمر كان يتطلب اللجوء لجراح بيطرى متخصص فى الدواجن ولكنى خفت من أن ينكشف سرى فتسرق الإوزة منى أو تأخذها منى الحكومة.. آه .. يا للمصيبة.. ماذا أفعل الآن؟

فقلت له: تسألنى أنا ماذا تفعل؟ هل تعتقد أنه يوجد سوق للطيور تستطيع أن تشترى منها إوزة تبيض ذهبا أو حتى فضة كل يوم.. إنها إوزة واحدة ظهرت مرة واحدة فى طول التاريخ وعرضه تصادف أن كانت من نصيب سيادتك.. تصادف أن صاحبها هو أنت.. أنت صاحب الإوزة وأنت صاحب الذهب وأنت الذى ذبحتها.. أعترف أنك أكثر الناس تعاسة على وجه الأرض.. ولكن تأكد أن تعاستك من صنعك أنت.. كل من سيعرف حكايتك سيكون تفسيره الوحيد هو أنك شخص غبى وطماع, أما أنا فلدى تفسير مختلف.. أنت لست طماعا ولست غبيا, أنت تشعر بذنب عظيم يدفعك بقوة لعقاب نفسك.. أنت لست مختل العقل بل مختل النفس.. هناك رغبة قوية راقدة فى أعمق الأعماق عندك تدفعك دفعا لكى تكون فقيرا وتعسا.. ولذلك أنا أراهن إنك الان تشعر براحة كبرى بالرغم من صرخاتك الملتاعة لفقد هذا الكنز الذى كان يتجدد كل صباح.

تركت الرجل ليستمتع بالتعاسة التى حرص على الحصول عليها وعدت إلى شقتى غير إنى كنت حريصا بعد ذلك على متابعة هذا المسكين. لقد اضطر إلى العمل بعد أن أضاع رصيده من البيض الذهبى فى مشاريع خاسرة. يبدو أن الرجل كان له أقارب من أصحاب النفوذ ألحقوه بعدة مناصب فى مجالات مختلفة بعيدة كل البعد عن بعضها البعض, وفى كل موقع تولاه كان حريصا على أن يذبح كل ما فيه من إوز ذهبى. وعندما عين فى شركة مقاولات كبرى, دخل مع مستثمر عربى فى مشروع كبير للبناء والتعمير فذبح المشروع بعد عدة أيام من توقيع العقد.هو الآن رئيس مجلس إدارة لشركة مهمتها ضمان ألا تهبط على أرض مصر أى إوزة طائرة قادمة من الخارج. هم يقفون على الحدود يحدقون طول الوقت فى السماء وعند ظهور أى نوع من الإوز المهاجر يطلقون عليه النار لكى يضمنوا ألا يتسرب إلى أرض الوادى. من الشائع لدى الناس أن الإنسان يبحث عن السعادة, ولكن ذلك لا ينطبق على الناس جميعا, هناك من يبحث عن أقصر الطرق التى تجلب له ولأهله الفقر والتعاسة.

أنا فرح أحب الفرحة والفرحين وأكره التعاسة وأشعر بالخوف من التعساء. ودعنى أعترف لك بسر, أنا أيضا عندى إوزة تبيض ذهبا كل طلعة نهار, وأنت أيضا عندك واحدة بداخل قلبك ربما لم تتنبه لوجودها, إبحث عنها وتعامل معها برقة وقناعة وعفة.. كن غنيا.. كن فرحا.
 

اجمالي القراءات 13090