جذور القرآنيين

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ  نشرت من قبل مقالا بعنوان :( الوباء السلفى فى الجزائر ) أرد فيه على رسالتين من المرضى بالسلفية . الاستاذ عبد الوهابى النوارى أغضبه قول واحد منهم ، فكتب معلقا : ( قول هذا المأفون: (وتعود جذور ما يوصف بـ"التيار القرآني" إلى الخوارج، قبل أن يجد من يؤصل له ويؤسس له داخل مجتمعاتنا الإسلامية من أمثال أحمد خان بالهند وعبد الله جكرالوي من باكستان، كما يعد أحمد الدين الأمر تسري أحد مؤسسي هذا المنهج، مثله مثل أحمد صبحي منصور الملقب بالزعيم الروحي للقرآنيين بمصر، وغيرهم من أتباع هذه المزاعم) .أرجو من الوالد الأستاذ الدكتور/ أحمد صبحي منصور .. تفنيد هذه المزاعم في مقال خاص إن لم يكن قد فندها .. فإن كان قد فندها فنرجو منه نشر الرابط الإلكتروني للمقال هنا وفي صفحته على فيس بوك. بارك الله (جل وعلا) بأهل القرآن وحماهم في كل مكان. ).

2 ــ مع الشكر للإبن البار عبد الوهاب النوارى ، أقول عن جذور القرآنيين:

أولا :خاتم المرسلين هو القرآنى الأول .

1 ـ  هو المأمور بالتمسك بالقرآن وحده ، قال له ربه جل وعلا : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) الزخرف ) فطالما يتمسك بالقرآن الكريم وحده فهو على الصراط المستقيم ، وهو مُساءل عن ذلك يوم القيامة ، شأنه شأن من يعايشهم من قومه ، يقول جل وعلا فى الآية التالية ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف ).

2 ـ والتمسك بالكتاب الالهى وحده مع إقامة الصلاة هما التعريف الالهى للمصلحين فى كل عصر ، يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) الاعراف ) .

3 ـ والاصلاح بالقرآن يعنى الاحتكام اليه فى كل ما وجدنا عليه آباءنا ، وبهذا أمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن يعلن : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً  ) (114)  الانعام  ).

4 ــ وخطير جدا ذلك الاستمساك بالكتاب الالهى ضد ( الثوابت ) الراسخة فى مجتمع ( سلفى ) يقدس ما وجد عليه السلف والآباء ، لذا كان النبى يتحرج من هدم تلك الثوابت بسبب سطوة الملأ السلفى المستكبر المسيطر ، فقال له رب العزة جل وعلا :(  كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الاعراف ) أى لا يتحرّج من الكتاب بل عليه ولا يتحرج من الانذار به .

5 ــ  وهذا أيضا ذكرى وتذكرة للمؤمنين مع خاتم المرسلين. ثم يوجه جل وعلا الأمر للمؤمنين بإتّباع القرآن وحده وبعدم إتباع غيره معه ، يقول جل وعلا : ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3)  الاعراف ).، وهذه كلها آيات مكية ، ومنها قوله جل وعلا للمؤمنين فى كل زمان ومكان فى الوصية العاشرة : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الانعام  ).

6 ــ فالقرآن هو الصراط المستقيم ، والخروج عنه دخول فى التفرق والاحتلاف والشقاق..والأديان الأرضية . وهو بالضبط ما وقع فيه المحمديون . فالثوابت الشيطانية لا تلبث أن تعود تنسب نفسها وحيا كاذبا يخترعه ويذيعه وينشره أعداء النبى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الانعام ).

7 ــ  فى مواجهة هذه الأكثرية الضالة المُضلة يظل تيار مؤمن صامد يتمسك بما كان يتمسك به خاتم المرسلين الذى امره ربه جل وعلا  أن يقول : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف  ) . هو عليه السلام كان يدعو بالقرآن  الكريم الذى أنزله رب العزة ( بصائر ) للناس ، يقول جل وعلا عن القرآن الكريم : ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)  الانعام )

ثانيا : بداية الانحراف عن القرآن وتطوره ليكوّن أديانا أرضية للمحمديين

1 ـ نرجو بعونه جل وعلا أن نتمكن من نشر كتاب عن نشأة الأديان الأرضية عند المحمديين . ولكن نقرر بسرعة أن الانحراف عن الاسلام بدأه الصحابة مبكرا بالفتوحات والفتنة الكبرى ، وإستمروا فيهما فإحتاجوا ال التبرير والتسويغ والتشريع لما هو كائن وقائم ، فظهر تأليف الأحاديث ( حربا فكرية ) على هامش الصراع السياسى والحربى بين ( على ) و  ( معاوية )، وكان أبطال هذه الحرب الفكرية أبا هريرة وعمرو بن العاص وأنس بن مالك ، وهو فى الحقيقة ( الخادم الخائن ). وسنعرض له بعون الله جل وعلا فى كتاب قادم .

2 ـ ومبكرا تحول أتباع ( على ) الى أول دين أرضى يؤلّه عليا ، ويفترى أحاديث ، كما إنشق بعض أتباع (على ) وخرجوا عليه ، وهم الخوارج ، قتلوه ، ثم إنتشروا فى الدولة الأموية قتلا وإرهابا .

ثالثا : الخوارج لم يكونوا قرآنيين :

1 ـ ، كانوا من الأعراب الذين هم أشد الناس كفرا ونفاقا ،، يقول جل وعلا عنهم قبيل موت النبى عليه السلام (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) التوبة ) هؤلاء الأعراب حول المدينة كان منهم منافقون يتآمرون على النبى والمؤمنين فيها يتربصون بهم دائرة السوء ، وهناك أعراب آخرون وصفهم الله جل وعلا بأنهم ْكلما رُدوا الى الفتنة أُركسوا فيها  ( النساء 91 ) هذا بالاضافة الى المنافقين المفضوحين ثم الأخطر وهم المنافقون القادة القريبون من النبى ، وهم الذين مردوا على النفاق ، والنبى لم يعلم بهم . يقول الله جل وعلا (ومِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة  ).

 أسلم معظم الأعراب ودخلوا فى السلام ( دين الله ) أفواجا بعد أن تبين لهم غبثية تقديس البشر والحجر وعرفوا كيف إستغلهم الملأ القرشى فى حراسة رحلتى الشتاء والصيف وإبتزتهم فى شعيرة الحج . ودخل الملأ القرشى ( الأموى ) فى الاسلام ليحمى مصالحه . بموت النبى تحالف الملأ القرشى مع الملأ الذي مرد على النفاق فى المدينة ، ورأى الأعراب عودة قريش للسيطرة ، فكانت حركة الردة ، وبها أصبح الأعراب مرتدين . وهزمتهم قريش فعادوا ( مسلمين ) . وخوفا من عودة الأعراب الى الشغب رأت قريش أن تقودهم الى الفتوحات ، ففتحت بسيوفهم المرحلة الأولى من الفتوحات التى توقفت فى خلافة عثمان . وسيطر الأمويون على عثمان وأكلوا حقوق الأعراب ، فتحول معظم الأعراب الى الثورة على عثمان ، فأصبح لقبهم ( الثوار ) ، قتلوا عثمان فاندلعت الفتنة الكبرى وانضم معظم الأعراب الى ( على ) فأصبحوا ( شيعة على ) . ثم أرهقوا عليا بشقاقهم وتسلطهم وخلافاتهم فخرجوا عليه وأصبح لقبهم ( الخوارج ) . هم الذين قتلوا عليا وأرهقوا الدولة الأموية بثوراتهم .

2 ــ هؤلاء الخوارج لم تمكنهم ثقافتهم البدوية من التقعيد والتنظير ،كانوا الأسرع الى السلاح والفتنة،  كما أن نشاطهم المحموم فى قتال الأمويين وفى التفرق فيما بينهم لم يعطهم وقتا لهذا التنظير ، إكتفوا بتكفير المخالف لهم ورفض الحكم لغير الله ( الحاكمية ) دون تأطير لهذا الشعار ، كان مجرد حجة لاستحلال الدماء والسلب والنهب . وأرهقوا الدولة الأموية ، وبسقوط الدولة الأموية انتهى بعدها الخوارج وحركاتهم المسلحة.

3 ـ الخوارج إحترفوا التدين السطحى فأطلق عليهم ( القُرّاء ) بزعم أنهم يقضون الليل فى العبادة وقراءة القرآن ، ثم يقضون ما تبقى فى سفك الدماء ويحسبون أنهم يحسنون صنعا . أول طائفة مشهورة منهم هم ( المحكمة الأولى ) ( كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق فيجتمع الناس على غفلة فينادون : لا حكم إلا لله ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس فلا يزالون يقتلون حتى يقتلوا . وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع أو يقتل ، فكان الناس منهم على وجل وفتنة ، ولم يبق منهم اليوم أحد على وجة الأرض بحمد الله .).

4 ــ جاءت الدولة العباسية بزخم فكرى وإستقرار نسبى ، مكّن الفرق الدينية والمذهبية من التقعيد والتنظير ، بل وأن تتحول الى أديان أرضية متكاملة ، كما حدث مع السُّنّة والتصوف، وجعل دين التشيع  أكثر إنتشارا وإنقساما.  بل قام بعضهم بالتقعيد للخوارج الذين إنتهوا عسكريا فى الواقع ، ولكن وجدوا من يسند لهم آراء فقهية وعقيدية ، كانت فى الحقيقة ردا على السنيين والشيعة ، فقد رفضوا تحديد الامام بكونه من قريش ، وفى مواجهة الشيعة جعلوا الامامة من الفروع  وليست أصلا من أصول الدين , وفى مواجهة السنيين حكموا بكفر مرتكب الكبيرة ، جتى يكفّروا الحاكم الظالم ، ونفى الظلم عن رب العزة وإسناده للسلطان الجائر ، متفقين فى ذلك مع ( القدرية ) القائلين بحرية الانسان ومسئوليته عن أعماله ، واتفقوا مع المعتزلة فى القول بخلق القرآن ، وفى نفس الوقت إتفقوا مع متطرفى السنيين ( الحنابلة ) فى تغيير المنكر بالقوة والثورة على جور الحاكم الظالم . وواضح أن هذه الآراء أبعد ما تكون عن عقلية الخوارج الأعراب البدو فى العصر الأموى ، وأنها آراء قالها مفكرون فى العصر العباسى قاموا بتقعيد هذا الفكر ليجد له مكانا فى السوق العباسية التى تكاثرت فيه الحوانيت الفكرية من كل شكل ونوع ، فى العصر العباسى الأول.

 5 ـ جاء العصر العباسى الثانى بسيطرة دين الٍسُّنة مع عصر الخليفة المتوكل ونفوذ الجنابلة ، وما صحب ذلك من إضطهاد الشيعة والصوفية والمعتزلة . وهنا إندثرت تلك الفرق الفكرية المنتمية للخوارج ، وظهر ( الاباضية ) أقرب ما تكون الى ( السنة المعتدلة ) أو ( السنيون الاصلاحيون ) لو صحّ هذا التعبير . وفى كل الأحوال فللأباضية أحاديثهم ، شأن الشيعة و السنة والصوفية . وفى كل الأحوال فإن الخوارج جميعا لم ينكروا السُّنة . الخوارج البدو الأعراب الثائرون المقاتلون فى القرن الأول الهجرى لم يكن موجودا فى عصرهم  مصطلح السُّنة الذى نعرفه الآن . والمفكرون فى العصر العباسى الأول والاباضية تعاملوا مع الأحاديث ، وكانت لهم الأحاديث الخاصة بهم شأن الآخرين .

رابعا :أبوحنيفة :

1 ـ هناك أكثر من شخصية لأبى حنيفة . الأحناف متبعو المذهب الحنفى فى العصر العباسى الثانى والعصر المملوكى كتبوا فى مناقبه أنه كان متّبعا للسّنة . الحنابلة يرونه ( ضعيفا ) فى الأحاديث أى منكرا لها .

2 ـ  واقع الأمر أنه رائد فى عصره ، وقد عاش العصرين الأموى والعباسى فى المرحلة الشفوية قبل ان  يعمّ التدوين، وكانت له آراء فى الفقه جعلته إمام أهل الرأى فى مواجهة ( أهل الحديث ) فى المدينة، وكانت له آراء فى العقائد جعلته يقترب من المعتزلة فى تعويلهم على العقل ، وكان ثائرا على الأمويين تعرض لانتقامهم فجعلوه من محبى آل البيت ، مع أنه لم يكن شيعيا . فى عصر الرواية الشفهية للأحاديث كان يرفض ما يقال   من حديث ويراه صناعة للرواة ، ويؤكد أنه لو صحّ عنده قول للرسول لأخذ به . وفى عصر هذه الرواية الشفهية للحديث وفى أواخر الدولة الأموية إخترع و نشر عملاء الدعوة العباسية أحاديث كثيرة للتبشير بدولتهم . ولم يكن هذا بعيدا عن مراقبة أبى حنيفة . وحين أقيمت الدولة العباسية بالحديد والنار وتولى أول خليفة عباسى وهو ( السفاح ) أعيدت لأبى حنيفة مكانته ، وقد كان هاربا من الأمويين . الخليفة أبو جعفر المنصور الذى وطّد الدولة العباسية كان من قبل أحد مخترعى الأحاديث ، ولما تولى قرّب اليه زملاءه القدامى من مخترعى ومروجى الأحاديث ، وألحق بهم أبا حنيفة . مروجو الأحاديث كانوا خدم السلطة ، لم يستريحوا الى أبى حنيفة بعقله وحريته وتمسكه بالعدل وإستقلاليته . دأبوا على الدسّ للإيقاع به ، ولكن أبا حنيفة ـ فى الحقيقة ـ هو الذى إختار نهايته ، طالما إختار أن يقول كلمة الحق . لذا قتله الخليفة المنصور عام 150 هجرية ، وهو نفس العام الذى وُلد فيه الشافعى . صاحبا أبى حنيفة ( أبو يوسف ) ( والشيبانى ) تنكبا طريقه فقد تعلما الدرس مما حدث لأستاذهما ، فخدما الدولة العباسية وجعلا الحديث ضمن الفقه الذى إنتشر بهما على أنه المذهب الحنفى ، بالاضافة الى إختراع جديد هو ( فقه الحيل ) أى التحايل على الشرع الاسلامى.

3 ـ أبو حنيفة بآرائه التى تناثرت هنا وهناك نعتبره رائدا قرآنيا .

خامسا : المعتزلة :

1 ـ كانت بدايتهم سياسية (وذلك عندما بايع الحسن بن على معاوية وسلم إليه الأمر اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس وذلك أنهم كانوا أصحاب على ، ولزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا نشتغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك المعتزلة والأصول التى هم عليها خمسة العدل والتوحيد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) .

2 ـ فى هذه المرحلة المبكرة لم يكن قد تم إنتشار مصطلح السُّنة ، ولم يأبه أوائل المعتزلة سوى بالعقل . ولكن عندما فرض الخليفة المتوكل ( دين السُّنة ) واضطهد الشيعة والصوفية والمعتزلة إضطر بعض المعتزلة الى الاعتراف بالسّنّة ،  منهم الجاحظ ت 255 والذى كان معاصرا للبخارى ت 256 . يقول الجاحظ فى رسالته الى   أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي دُواد: (  اعلمْ أرشد الله أمرك أنَّ هذه الأمة قد صارت بعد إسلامها والخروجمن جاهليَّتها إلى طبقاتٍ متفاوتة ومنازل مختلفة‏:‏ فالطبقة الأولى‏:‏ عصر النبيصلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعُمر رضي الله عنهما وستُّ سنين من خلافة عثمان رضيالله عنه كانوا على التوحيد الصحيح والإخلاص المخلص مع الألفة واجتماع الكلمة علىالكتاب والسنة‏.‏) هنا يعترف بالسّنة .  

3 ـ هذا بالاضافة الى ما وقع فيه المعتزلة من تأويل الآيات القرآنية ، وإخضاع الآيات القرآنية لآرائهم ، فهم فى نظرى ليسوا ( قرآنيين ). والتفاصيل فى بحث التأويل المنشور هنا .

سادسا : فى العصر الحديث

1 ـ  ( السيد أحمد خان ) ( 1817 : 1898 )  كان أقرب الى المعتزلة فى إخضاع الآيات القرآنية الى رأيه الخاص ، ثم إنه وهو فى انجلترة كتب مؤلفا عن النبى محمد عليه السلام بعنوان «خطبة أحمد» لتعريف الغرب بالنبى ، وحشاه بالأحاديث .  لا يمكن أن يكون أحمد خان قرآنيا بهذا ، ولكن خصومه من الفقهاء ومن السياسيين إتهموه بتهم عديدة منها أنه ( قرآنى ). والواقع أنه كان مصلحا سياسيا إجتماعيا يريد النهوض بالهند ليس بالصراع المسلح ضد الأحتلال البريطانى ، ولكن بالنهضة الثقافية والتنوير والأخذ عن الغرب وتهميش سلطة الفقهاء المتحكمين فى المجتمع ( المحمدى ) فى الهند . وقد أسّس لهذا السبيل جامعة عليكرة . ومن الطبيعى  أن يتكاثر خصومه . وهناك أوجه شبه كثيرة بينه وبين الامام محمد عبده

2 ـ والامام محمد عبده ( 1849 : 1905 ).، هو أول من ضرب معولا فى الدين السّنى وأول من أوضح بعض حقائق الاسلام المنسية ، وهو بالنسبة لنا رائد فى التفكير القرآنى ، يمزج بين ( هدم القديم ) و( بناء الصرح القرآنى ) بديلا لهذا القديم . ولقد خانه تلميذه رشيد رضا وتنكب طريقه ، فأصبح عميلا لعبد العزيز آل سعود . ورشيد رضا هو مهندس تأسيس الجمعيات الوهابية فى مصر ، والمؤسس الحقيقى للإخوان المسلمين عن طريق تلميذه حسن البنا . وقد ظهر ( اهل القرآن ) رد فعل إيجابيا يواجه الوهابية السلفية من داخل الاسلام بالاحتكام الى القرآن وبفضح تراث الأديان الأرضية المحمدية وتأكيد تناقضه مع الاسلام  . وقد عرضنا لمدرسة الامام محمد عبده وإضمحلالها فى بحث خاص منشور هنا ، فلا داعى للتكرار .

3 ـ  الشيخ - عبد الله بن عبد الله الجكرالوي ، نسبة إلى بلدة ( جكرالة ) التي ولد بها، وهي إحدى قرى إقليم " البنجاب " بباكستان حاليًا، وعاصمته " لاهور ". وقد ولد عبد الله حوالي 1830م . تخصص فى ( علم الحديث ) وعرف تناقضاته فأعلن  " هذا القرآن هو وحده الموحى به من عند الله - تعالى - إلى محمد – عليه السلام ، أما ما عداه من السنة فليس بوحي ". وتركزت دعوته على ( الهدم ) دون البناء . هدم الحديث وإنكار أن يكون وحيا ، دون توضيح منهج تدبر القرآن وإستخلاص  حقائق الاسلام منه .

أخيرا

جئنا من داخل الأزهر ، ومن مصر قلب ما يسمى بالعالم الاسلامى . وبدأنا الطريق من أوله ، فى دراسات بحثية متوالية ، نعرض فيها  على القرآن الكريم تراث المسلمين وأديانهم الأرضية ، وبعد معاناة فكرية وإضطهاد مستمر أنتهينا الى أنه القرآن وكفى عام 1990  . وكتاب ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ) لم يُسبق ـ حسب علمنا ـ ليس فقط فى صراحته ، ولكن أيضا فى أنه مع صغر حجمه يقوم بالهدم والبناء . يوضح حقائق الاسلام فى الاكتفاء بالقرآن ويهدم البخارى الصنم المقدس للسنيين . وبعده بحث ( الاسناد فى الحديث ) الذى يهدم ويدمر الدين السنى ، ومثله نفى النسخ التراثى والتأويل وعذاب القبر..الخ ، مع توضيح وبناء حقائق الاسلام القرآنية المنسية فى الشريعة الاسلامية الحقيقية والعبادات ( الصلاة ، الصيام ، الحج ) والقيم الاسلامية العليا من السلام والحرية السياسية والحرية المطلقة فى الدين ، والعدل والرحمة .. مع دراسات تاريخية توضح المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء والسلاطين ، وهى الأرضية التاريخية التى نبتت فيها الأديان الأرضية للمسلمين . ونشرنا حتى الآن عدة آلاف من الفتاوى والمقالات والأبحاث والكتب فى موقعنا ، ولا زلنا فى الطريق ، نرجو العون والمثوبة من رب العزة جل وعلا ، وهو الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا . وكفى به جل وعلا وليا ونصيرا . 

اجمالي القراءات 11826