الحوار الآخير فى فهم آيات من سورة التحريم -

سلمى على في الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بسم الله الرحمن الرحيم .

هذا هو الحوار الثالث والأخير بينى وبين بابا فى فهم الآيات الأخيرة من سورة التحريم .وإن شاء الله سنبدأ بعدها فى محاولات فهم آيات القرآن حسب ترتيب النزول لنفهم نظام وتسلسل  التشريع القرآنى فى الموضوعات.

يقول ربنا سبحانه وتعالى  اعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 9-ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ- 10--وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 11-وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ-12) – التحريم .

يقول ربنا سبحانه وتعالى .

((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )9

سلمى .: خطاب  للنبى عليه الصلاة والسلام أن يتعامل مع الكفار والمنافقين بغلظة .وأنهم سيدخلون النار .

بابا ::صحيح  هذا خطاب لشخص النبى محمد عليه السلام ولنا ايضا فىى التعامل مع الكافرين والمنافقين بقوة وشدة نتيجة لأفعالهم وأقوالهم السيئة والمؤذية والضارة  للنبى ومن معه من المؤمنين الآمنين.

وهنا نقطة كمان مهمة  وهى أن الآية الكريمة لم تقل (أقتل ) ولكنها قالت (جاهد ) والجهاد ليس معناه القتال فى المُطلق  كما يتصور بعض المسلمين (وهذا موضوع سنأتى عليه فى حينه فى حوارات لاحقة إن شاء الله ) .ولكن له مفاهيم أخرى منها طريقة التعامل بغلظة وشدة وبقوة شخصية وعزة نفس مع من مكروا بك وخدعوك  بعد ان تكون قد إستنفذت كل سبل الكلمة بالحُسنا ليعرفوا انك ترفض طريقة تعاملهم السيئة معك ،وعليهم أن يتوقفوا عن الإضرار بك فورا وحالا .

 وهناك نقطة أخرى لا تقل اهمية وهى . أن النبى عليه السلام كان يعيش فى مجتمع به صنفين من الناس . صنف كفروا بالله  وبرسالته ، وصنف  أسلم معه .

 طيب  من هم المنافقين ؟؟؟؟

 المنافقون هم مجموعه من المسلمين الذين أسلموا قولا لا فعلا  مع النبى عليه السلام ،و لم يسلموا ولم يؤمنوا بالله حقا وصدقا .وكانوا اثناء وجودهم مع  المسلمين يتظاهرون  بالولاء لهم ، وعلى جانب آخرمع  الكفار يظهرون ولائهم التام لهم   ضد المسلمين (وكأنهم جواسيس على المسلمين) .والمنافقون كانوا من الصحابة الذين صاحبوا النبى عليه السلام  وعاصروه  وعاشوا معه  سواء فى مكة او فى المدينة ،ولكنهم لم يُخلصوا له ولا لرسالته ،ولا لدين الله  وكان النبى عليه السلام لا يعرفهم إلا غذا نزل القرآن وذكر له بعض صفاتهم أو انهم سيأتون إليه ويقولون له كذا وكذا او يطلبوا منه كذا او كذا . وتسببوا بنفاقهم وخداعهم هذا فى كوارث  بشرية إنقسم المسلمون على إثرها   إلى فريقين متقاتلين منذ وفاة النبى عليه السلام إلى يومنا هذا  وربما  سيمتد قتالهم إلى سنوات وسنوات قادمة كذلك . وقد توعدهم ربنا سبحانه  نتيجة لإصرارهم على كفرهم ونفاقهم وموتهم عليه  ألا يكون لهم مأوى فى الآخرة إلا النار .

يقول ربنا سبحانه وتعالى :

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) 10

سلمى :ده مثل على الذين كفروا .لكن عايزه توضيح شوية علشان افهمه كويس .

بابا :فعلا هذا مثل ضربه المولى عزّوجل لأسوأ حالتين من حالات الكفر فى تاريخ البشرية .وهو .أن رب العالمين إختار من عباده  رسولين احدهما هو أول رسول فى تاريخ البشرية وهو نوح.والثانى  هو نبى الله لوط عليهما  الصلاة والسلام . وبرغم انهما نبيان ورسولان من أنبياء الله إلا ان زوجتيهما لم تؤمنا معهما بالله  ،بل على العكس كانتا تكيدان لهما  ومن اعدائهما حتى أن القرآن الكريم وصفهن بأنهن (خانتاهما ) يعنى كانوا خائنين لأزواجهم . واعتقد أن الخيانة هنا ليست خيانة زوجية بمفهومها الدارج ،ولكن خانتاهما بتسهيل الإعتداء عليهما ،والسخرية منهما ومن رسالتهما  ،والإضرار بهما .ولذلك أهلكهن الله جل جلاله بعذابه مع من أهلكهم  من قوم نوح وقوم لوط .(وربما طلب أو دعى نوح ولوط ربهما سبحانه وتعالى لهن بالهداية او الرحمة – الله اعلم بهذا فليس هناك دليل على ذلك ) ولم يُستجب لهما ،او كما قال القرآن الكريم (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) اى لم يستطيعا رغم انهما انبياء أن يمنعا  عنهن حكم الله بالهلاك والعذاب فى الدُنياوالآخرة . ولنعلم ونؤمن  بأن رب العالمين سبحانه وتعالى وحده  الذى له الأمر كله فى الدنيا والاخرة وأنه سبحانه وتعالى وحده  (مالك يوم الدين ).وأن كل نفس بما كسبت رهينة  وفى الآية الكريمة مشهد سينمائى أخذنا من الماضى (زمن نوح ولوط  عليهما السلام ) إلى المستقبل البعيد فى رؤية  مشهد من مشاهد يوم القيامة وكأننا نرى إمرأة نوح ولوط  والملائكة تسوقهن إلى جهنم . أعاذنا الله منها .

يقول ربنا سبحانه وتعالى .

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 10

سلمى : فى المقابل ضرب ربنا سبحانه وتعالى أفضل مثل للمؤمنين بزوجة فرعون وانها كانت تدعو ربنا سبحانه وتعالى أن يحميها من فرعون ومن الظالمين وان يكون لها بيتا فى الجنة  .

بابا :نعم هذه الآية الكريمة والآية التى بعدها ضرب الله فيهن مثلا للمؤمنين . المثل جاء بإمرأتين .وهذا دليل على أن المسئولية الإيمانيه والتشريعية على الرجال والنساء امام الله جل حلاله واحده وليس فيها تمييز للرجال على النساء ،ولا للنساء على الرجال .

المثل جاء بإمرأة فرعون مثلا للمؤمنين . فتخيلى  إمرأة كان زوجها الفرعون الحاكم و أكبر طاغية مستبد وظالم ومتكبر .ووصل به تكبره  إلى أن إستعبد الناس وقال لهم (انا ربكم الأعلى ) وقال لهم انا صاحب مصر كلها (أليس لى مُلك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى) . ومع ذلك كانت زوجته كافرة به ومؤمنة بربها الواحد الأحد جل جلاله . وتدعو ربها ليل نهاروفى صلواتها  بأن يحميها ويُنجيها من فرعون ومن ظلمه ومن أعماله الفاسدة ومن يده  الباطشة المتجبرة ، ومن جنوده الظالمين ..وحاجة  كمان لازم تخلى بالك منها . بعض الناس بيقولوا أنه لم يكن هُناك دين سماوى أورسالات فى مصر القديمة قبل رسالة موسى ،وموسى كمان اخذ اهله هذا كلام غير صحيح . دين رب العالمين (الإسلام ) طول عمره موجود طالما كان هناك بشر. طالما كان هناك مجتمع إنسانى.وهذا واضح فى قصة يوسف وزوجة حاكم مصر ،وهما قبل إمرأة فرعون ،وقبل رسالة موسى  .وكمان لأن ربنا سبحانه وتعالى حكم بأن كل مجتمع لابد أن يكون له رسالة (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) .. وأنه سبحانه حكم بان  ليس هناك تعذيب فى الدنيا او فى الآخرة إلا بعد إذا وصلتهم رسالة  وكذبوا بها (وما كنا مُعذبين حتى نبعث رسولا ). إذن الإسلام موجود مع البشرية منذ هبوط آدم وزوجته على الأرض.

يقول ربنا سبحانه وتعالى :

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) -12

سلمى : ده مثال ثانى على المؤمنين .أم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .

بابا : صحيح ..وكمان هو مثل نسائى آخر  وليس رجالى .وهذا تأكيد ايضا على العدل ،وليس فيه تمييز تمييز بين الجنسين فى المسئولية او فى الحساب  ومجال الأاعمال الصالحة والإجتهاد فيها والمنافسة فيها مفتوح للجميع وبدون حد أقصى .

 وموضوع مريم إبنة عمران عليها السلام .سنعود له  فى آيات آخرى بالتفصيل عن حياتها وحملها وولادتها .ولكن الآن نقول .وصفها رب العزة جل جلاله بصفات عظيمة دنيوية سلوكية وصفات إيمانية . الصفات السلوكية هى الطهارة والعفة وعبر عنها القرآن ( التى أحصنت فرجها  ). والصفات الإيمانية  كان منها –تصديقها المُطلق بكلمات ربها –بمعنى إيمانها بآيات وتشريعات ربها سبحانه وتعالى  التى كانت تطبقها مع عائلتها المؤمنة بربها فى المحراب وهى تحت كفالة نبى الله زكريا عليه السلام ..وبمعجزات المولى عزّ وجل الحسية الكونية  خلق عيسى وحملها فيه وولادته من غير زوج لها ولا أب له . وكانت  فى كل  من القانتين المثخلصين دعائهم ودينهم  لرب العالمين لاشريك له .فمريم عليها السلام  تعرضت لمحنة وإبتلاءات  وفتن  لا تستطيع فتاة  فى عمرها أن تتحملها، فخرجت منها ناجحة ،مُصدقة ومؤمنة بالله رب العالمين فإستحقت أن تكون مثلا للذين آمنوا رجالا ونساءا.

الخلاصة .

=جهادنا  للكافرين والمنافقين  يكون بالكلمة وليس بالقتل والقتال  .فالقتال  فى دين الله له سبب واحد وهو رد إعتداء المعتدى علينا  بالسلاح .

--اسوأ مثلين للذين كفروا زوجات انبياء الله نوح ولوط عليهما السلام .وبالرغم من انهما انبياء لم يستطيعا هدايتهن ،ولا رفع العذاب عنهن لا فى الدُنيا ولا الاخرة .وهذا يعنى أن الأنبياء جميعهم  يسرى عليهم قول الله تعالى (ليس لك من الأمر شيئا ) .ولا وساطة ولا شفاعة لهم  بمنع العذاب او تخفيفه عن أحد  ،ولا بخروج أحد من النار ودخوله  الجنة ولا بتغيير مساره من دخول النار إلى دخول الجنة .حتى لو كان من  اولاده اومن زوجاته .

- اعظم مثلين للذين آمنوا –زوجة فرعون لإيمانها بربها الواحد الأحد وحده لا شريك له .رغم انها كانت زوجة لأطغى رجل فى زمانه .وقال عن نفسه انه إله للناس .. وكذلك بمريم إبنة عمران أم المسيح عيسى بن مريم .لنجاحها بتفوق فى فتنتها ومحنتها فى حمل وميلاد المسيح . ولتصديقها بشرائع الله ،ولإخلاصها فى إيمانها وقنوتها ودعائها لله رب العالمين .

خلاصة الخلاصة من سورة التحريم .

أن رسالة السماء وتشريعاتها أعظم من الجميع وتسرى على الجميع  وأولهم الأنبياء .فلا  حق لنبى  فى أن يحلل أو يُحرم من تلقاء نفسه ،بل هو مُتبع لوحى الله وتشريعاته فى رسالته المُنزلة عليه .وإن خالف هذا  فاللوم والعتاب والتقريع هو جزاءه المحتوم . وأن صاحب الحق الأوحد فى التشريع هو العليم الحكيم  سبحانه وتعالى لا يُنازعه فيه أحد من خلقه  .

.. القرآن الكريم يُخبرنا   أنه ليس هناك صك أو شيك أو تفويض على بياض  بعدالة أو حُسن إسلام وأيمان من أسلموا مع النبى عليه السلام من الصحابة  ولا لغيرهم ،وإنما يذكرلنا أن منهم وربما معظمهم  كانوا من المُنافقين الذين عانى منهم  ومن نفاقهم النبى ..

==

وإلى حوار قادم إن شاء الله مع سورة العلق :

 

اجمالي القراءات 11543