هيئة علماء الإرهاب

سيد القمنى في الجمعة ٢٣ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كما في كثير من دول المسلمين، تشكلت جماعات مشيخية من علماء السنة، بعيدا عن التبعية الرسمية لنظام الدولة، وإن كانت تضم في عضويتها الكثير من العاملين في المؤسسات الدينية الرسمية الذين هم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، أو أي تنظيم إرهابي آخر، كحلقة وسيطة تقوم بدور المرجعية الدينية لتبرير أي مواقف أو أفعال قد تتم إدانتها بإدانة الدولة جميعا في حال الإفتاء بما يخالف القانون المدني للدولة. وضمن هذه الجماعات المشيخية "جبهة علماء الأزهر" التي تحول اسمها إلى "هيئة علماء الأزهر"، والتي تحمل في طيات اسمها أن كل الأزاهرة أعضاء في الهيئة، وهو الأمر غير الصحيح والذي يصيب الدولة في أحيان كثيرة بالحرج، وأحياناً أخرى بالإدانة، نتيجة لمواقف هذه التجمعات التي ترعى أهداف جماعات غير شرعية كالإخوان أو أي جماعات تشتغل باسم الإسلام السياسي، وتنتمي في الوقت ذاته لجهة رسمية تسند ظهرها. ومثل تلك الهيئة المصرية ذات الملف الأسود تشكلت في العراق وهي «هيئة علماء المسلمين»، وهو اسم يأخذ مساحة أوسع تشمل جميع المسلمين رغم عدم وجودهم فيها في الحقيقة. وقد تمكنت هذه الهيئة في شهور قليلة من تكوين أشد الملفات سوادا حتى تأكد لدى العراقيين أن هذه الهيئة تحرك خيوط الجريمة المنظمة في العراق. وأن أعضاء تلك الهيئة هم المجرمون الحقيقيون وراء ما يحدث في العراق. وأن محاكمة هؤلاء هي البداية الصحيحة لوقف العنف في العراق (انظر وداد فاخر/ إيلاف/ 23/9/2004). وترى الكاتبة أن القومجية والإسلامجية من ذيول النظام البائد والعصابات الدينية المسلحة قد أصابهم اليأس والخيبة عندما لم تسقط الثمرة العراقية سهلة في أيديهم. وأن معظم العراقيين اتخذوا طريق المقاومة السلمية حتى الجلاء، فقاموا ينتقمون من جميع العراقيين بلا استثناء.

وخصوا غير بعض المسلمين بنقمتهم باغتيال المسيحيين العراقيين دون ذنب واضح. كما قاموا باغتيالات معلومة بين رموز العراقيين الشيعة. وهكذا يبدو أن بقاء أمريكا في العراق قد أصبح هدفا مطلوبا للقومجية والإسلامجية في حد ذاته، لإثبات وجهة نظرهم أنه بالإمكان إيذاء أمريكا. وأن أحد أفضل السبل هو إغراقها في المستنقع العراقي لتحقيق هذا الهدف، وإطالة أمد وجودها هناك لأنها لن تغادر ما دام الأمن غير مستقر، حتى إذا خرجت مهزومة لتترك العراق لمن يمكنه الاستيلاء عليه من الداخل بعد إسقاط حكومته بحجة أنها صنيعة للاحتلال، ليغرق العراق في دماء أبنائه ما بين سنة وشيعة وكرد ومسيحيين. ناهيك عن بقية الأقليات التي ستقدم قرابين على مذبح الإرهاب، خاصة مع الوجود الفعلي الآن لمقاتلين عرب من منظمة القاعدة يتراوح عددهم التقريبي ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف مقاتل، يتبعون رجل القاعدة فرع العراق أبومصعب الزرقاوي، الذي لم يترك فرصة ليعلن فيها العداء لأهل العراق وبخاصة شيعته، واعتبارهم نهبا حلالا وسبيا شرعيا وذبيحة مطلوبة لإله الإسلام السني إلا وقال فيها بوضوح ودون مواربة. وخارج العراق كان رجع الصدى للقاعدة بين كثير من علماء الدين، وبين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين عبروا عن تعضيدهم التام لما أسموه «المقاومة العراقية» من خلال الفضائيات الخليجية العديدة، والصحف المتأسلمة الواسعة الانتشار، وكتبوا وأعلنوا وقالوا موقفهم الموافق تماما لفكر بن لادن والظواهري والزرقاوي تأسيسا على المذهب الإرهابي. وبكامل الحرية أعربوا عن وقوفهم في خندق الإرهاب في صحفنا وإعلامنا بما أسموه تأييد الفكر الجهادي، لحشد التعاطف الجماهيري، وبإصدار فتاوى تأييد، ونشر ما يصدر عن رجال القاعدة من بيانات وتهديدات. أما الإخوان المسلمون فقد مارسوا بين الناس دور وزارة إعلام للقاعدة، واستثمر بعضهم وجوده في مؤسسات الدولة الإعلامية للترويج لفكر القاعدة الجهادي وتأييده بالآيات والأحاديث من على منابر وزارة الأوقاف وقاعات محاضرات الأزهر الشريف وكافة وسائل الإعلام والدعاية والإعلان، بدعوى مواجهة العدو المشترك وهو الصليبيون والصهاينة. وللأسف الشديد فإن هذا الصوت يكاد يكون الصوت الوحيد في وسائل الإعلام العربية والإسلامية حتى غاب العقل المسلم عن أي رؤية أخرى للموقف السياسي والشرعي، وحتى تحول المسلمون إلى طاقة متفجرة تبحث عن منفذ للانطلاق والتدمير إخلاصا لهذا الإسلام الذي يعرفون، الذي أصبح بديلا للإسلام البكر الذي لا يعرفون. ورغم سيل البيانات العسكرية لمنظمة القاعدة فرع العراق، ورغم سيل القتلى من أبناء العراق، ويا لوعة الكبد لما يحدث لأبناء العراق من الأجنبي ومن الشقيق.


ورغم الإعلانات بالصوت والصورة للذبائح على الطريقة الإرهابية، ورغم حرق أجساد الموتى وضربهم بعد موتهم وتعليقهم متفحمين على كباري بغداد، ولا ذنب لهم إلا أنهم غير مسلمين، فإن قرضاوي يعقب من جانبه (الجزيرة 26/9/2004) على ما حدث من تمثيل بالقتلى المحروقين بقوله: «هذه الأشياء لا يقرها الشرع» لاحظوا الصياغة «هذه الأشياء» وليست هذه الجرائم البشعة، أو ليست هذه الأفعال الهمجية البربرية. أما عن ذبح الرهائن فإن النبي ـ كما يقول قرضاوي ـ قد قتل بعض الأسرى في غزوة بدر وكانوا ثلاثة «ونصحح هنا لمولانا أنهم كانوا اثنين فقط هما «عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث». لكنه يبرر هذا القتل للأسرى بأنهما كانا مجرمي حرب. ولم يشرح لنا كيف كانا مجرمي حرب، لأن هذا الوصف لا ينطبق عليهما بالمرة حتى لو كان القائل قرضاوي، ثم يقول: «إن الرسول قال: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح». ومع هذا الرجوع للأسانيد المبررة، فإن قرضاوي كعادة الخطاب المخاتل المخادع عند مشايخنا، يتهم الموساد والمخابرات الأمريكية بالقيام بهذه الأعمال القذرة في العراق، لتعمل في الخفاء ليتسبب فعلها في رد فعل نفسي عند المجتمع الدولي، ثم ينسب ذلك إلى الإسلام والمسلمين وهم منه براء. ولا تفهم هنا هل كانت تبريراته السابقة للأفعال الإجرامية تبريرا لفاعليها المسلمين، أم تبريرا لفاعليها من الموساد والمخابرات الأمريكية؟!.

ومع قرضاوي وقف ممثل "هيئة علماء المسلمين" العراقية في قناة الحرة (13/9/2004) الشيخ علي خضر الزند، ليؤكد أن ما تفعله القاعدة في العراق هو إتباع للسياسة الشرعية التي هي جزء من الإسلام، وإن خالفهم سماحة الشيخ محمد حسن الأمين، وكان جل اهتمامه ليس بالقصاب ولا بالذبيحة، بقدر ما كان صورة الإسلام التي أكد أنها أهم بكثير من أي اعتبار آخر، مع التأكيد على أن الإرهاب وافد علينا وليس له أصل في دين المسلمين. ومثل الشيخ الزند كان قرضاوي، وكان اهتمامه منصبا على تدخل المشايخ في السياسة والحروب، مع رفضه البات لمن لا يرون للمشايخ حق الدخل، وهم يرون ذلك منعا لفتن أعظم لأن مشايخنا لا هم بأهل سياسة ولا هم بأهل حرب إنما هم أهل تحريض يستجيب له مشاعر المؤمنين ليسوقوهم إلى حتفهم بظلفهم. ومن هنا يحتج قرضاوي أشد الاحتجاج على من يناديهم بالتزام العمل الديني دون التدخل في السياسة والحرب بسوء فهم أو سوء نية لا فرق، فيقول «هذا لن يمنع علماء المسلمين من أن يقولوا الحق وأن يبطلوا الباطل ولو كره المجرمون» رغم أنهم بشأن قاعدة العراق لم يقولوا إلا باطلا، ولم يبطلوا إلا الحق، وكانوا هم المجرمين. تعالوا نتأكد معا من حقنا في هذه الصراحة بالرد على مولانا الذي أكد من هنيهة أن خطف الناس في العراق من مختلف الملل والنحل والبلاد، بغض النظر عمن يتعاطف أو يقف مع قضايانا أو عمن يعاديها، تقوم به المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، فيتصل بالبرنامج أحد الإرهابيين ليقول: «إن المقاومة الإسلامية الشرعية هناك قد تقوم بحجز بعض الأشخاص لكن ليس بغرض قتلهم وإنما بغرض التحقيق معهم». ومن ثبتت إدانته قطعوا رأسه عبرة ودرسا وتخويفا وإرهابا للكفار والمتعاونين معهم. وإن ثبتت براءته أفرجوا عنه. قرضاوي يعيد القفز من مربع إلى آخر فيقدم فتواه بأن «من ثبت أنه جاسوس فقتله مشروع بالإجماع مادام الإخوة (لاحظ: الإخوة) يحققون ويثبتون أن الشخص يعمل لمصلحة المحتل. وإذا ثبتت عليه جريمة توجب قتله. ويمكن أن يمن عليهم أو يفادون بمبلغ من المال وهكذا نحن أصحاب مبادئ».

هكذا أقنع الإخوة قرضاوي بأنهم يحققون مع المخطوف، ومن ثم سلم قرضاوي للإخوة بالنزاهة التامة دون نقاش، بل ورد على المنتقدين لطالبي المال مقابل الإفراج عن الرهائن بأنه أمر شرعي يؤكد أن المسلمين أصحاب مبادئ(؟!!). لكنه اعترض فقط على نشر الصور البشعة لجز الرقاب «لأنها تؤذي مشاعر الخلق والذوق العام»، وهو ما يعني أن يتم الذبح في الستر حتى لا يضطر قرضاوي لنسبته (لبشاعته) إلى مخابرات أمريكا وإسرائيل. ورغم تدخل بعض المشاهدين لتذكير الشيخ أن هؤلاء المذبوحين مدنيون. ولأن الفتوى خطيرة فهي تحتاج إلى اجتماع علماء المسلمين من كل المذاهب لمناقشتها، فإن قرضاوي لم يرعوِ وأجاب قائلا: «أخونا (لاحظ: أخونا مرة أخرى) بيقولك إنهم يحققون معهم ويوجدون أن هؤلاء أعوان مهمون جدا للمحتل ويتجسسون لحسابه، فهذا الأمر واضح لا يحتاج أننا نجمع علماء المسلمين. هناك علماء مسلمون في العراق اجتمعوا وأصدروا وقرروا وهم في هذا كفاة». لقد صدق قرضاوي (أخونا) و(إخواننا الذين لم يتصلوا) تصديقا فوريا أكيدا، رغم أنه أخ واحد لا يصلح شاهدا وكان يلزمه بعض الأخوة لمزيد من التأكيد، فهل كان التصديق الفوري مجرد صدفة باتصال هاتفي من مجرم عتيد أم أن الاتفاق قائم قبل الاتصال، والموافقة جاهزة ومسبقة؟ «أخونا قال لنا» فماذا نريد وضوحا بعد ذلك؟. والأمر واضح لدرجة أننا لا نحتاج لحشد العلماء ويكفينا فقط اجتماع علماء العراق على ذبح الأبرياء، إنهم (هيئة علماء المسلمين)، إنهم (جبهة علماء الأزهر)، إنهم (جماعة الإخوان المسلمين)، إنهم (جماعة أنصار السنة)، إنهم (جماعة التكفير والهجرة)، إنهم باختصار على مختلف المسميات: هيئة علماء الإرهاب.
 

اجمالي القراءات 19054