الحجاز بين الماضى والحاضر

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٧ - أغسطس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الحجاز بين الماضى والحاضر

مقدمة : الحجاز فى الماضى كان إقليما مميزا على مستوى العالم ، أصبح بأماكنه المقدسة ضيعة للأسرة السعودية تتحكم فيه وفى أهله وفى شعيرة الحج الاسلامية . إرتكب السعوديون الوهابيون مجازر مسكوتا عنها  فى الحجاز وغيره ، وما تفعله داعش اليوم ليس سوى مجرد صفحة فى كتاب المذابح السعودية الوهابية . نعطى هنا لمحة سريعة عن الحجاز فى التراث ، والحجاز المثقل بالجراح فى العهد السعودى . 

 أولا : قالوا عن الحجاز فى التراث

 يقول الأصمعي في سبب تسميته الحجاز لأنه يحجز بين نجد وتهامة، وقا ابن الكلبي : سمي بذلك لما احتجز به من الجبال.وقال الجغرافيون العرب ليس بالحجاز نهر يجري فيه مركب وإنما فيه العيون الكثيرة المتفجرة المعتضدة بالسيول والأمطار الممتدة من واد إلى واد ، وعليهم قراهم وحدائقهم وبساتينهم  كما في الطائف وبطن مر وبطن نخل وعسفان وبدر وغير ذلك . وأرض الحجاز جبال وأودية ليس فيها بسيط من الأرض ، وجباله أكثر من أن تدخل تحت العد ، وقد ذكر الأزرقي في كتابه " تاريخ مكة " أن لمكة اثني عشر ألف جبل لكل جبل منها اسم يخصه ، ولعله كان يقصد الحجاز ، وأشهر جبال الحجاز ما كان منها في مكة والمدينة والينبع .

    فمن جبال مكة المشهورة : جبل أبي قبيس وهو الجبل الذي في جنوبي مكة ممتدا إلى شرقها وقال عنه الأزرقي : وهو أول جبل وضع بالأرض ولذلك كان أقرب الجبال إلى البيت .  ومنها جبل قينقاع ، وذكره ياقوت في معجم البلدان باسم قعيقعان ويقع غربي مكة ، وسمي بذلك لمكان سلاح " تبع" منه، والقعقعة صوت السلاح.   ومنها جبل حراء ، وهو يشرف على مكة من شرقيها ويرى البيت الحرام من أعلاه ، وفيه الغار الذي كان يتعبد فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام وفيه أول نزول الوحي.    ومنها جبل ثور ، ويشرف على مكة من جنوبيها ، وفيه الغار الذي اختفي فيه رسول الله عليه السلام من المشركين ومعه أبوبكر الصديق في الهجرة ومنها جبل ثبير ، وهو جبل مشرف يرى من منى والمزدلفة .

    وقالوا : يزرع في الحجاز من الحبوب القمح والشعير والذرة والسلت وجميعها تزرع على المطر ، وأحيانا على ماء العيون والشعير والذرة أكثر الحبوب وجودا ، ويزرع على ماء العيون  البطيخ الأخضر والأصفر" أي الشمام " والقثاء والباذنجان والدباء والملوخيا والهدباء والفجل والكراث والبصل والثوم.   وأما الفواكه ففيه الرطب والعنب والموز والتفاح والسفرجل والليمون وغير ذلك .  وأما الرياحين ونبات الطيب فأهمها التامرحناء ويسمى عندهم الفاغية ومن مواشي الرعي في الحجاز : الإبل والضأن والمعز بكثرة والبقر قليلا ، وبه من الخيل ما يفوق الوصف حسنة ويعجز اليرق إدراكه !   ومن الحيوان الوحشي فيه الغزلان وحمر الوحش والذئاب والضباع والثعالب والأرانب وغيرها.  وأما طيوره فأهمها الحمام والدجاج والحدأة والرخم .

   مكة المكرمة والمدينة المنورة

    ويقوم الحجاز على قاعدتين : مكة والمدينة .

    مكة المكرمة: ذكر لها العلماء ستة عشر اسما، ويقول النووي: وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ، وهى مدينة في بطن واد والجبال محتفة بها ، وقال صاحب الروض المعطار عن مساحتها " من الشمال إلى الجنوب ، نحو ميلين، ومن أسفل أجياد إلى ظهر جبل قعيقعان مثل ذلك ".   وحكى الكلبي أنه لم تكن بها منازل ، وكانت جرهم والعمالقة ينتجعون جبالها وينزلون أوديتها ، ثم جاءت قريش بعدهم وبني قصي بن كلاب دار الندوة وتتابع الناس في البناء ، وبناؤها بالحجر وعليها سور قديم بقي أثره بعد الإسلام.

    والحرم هو ما يطيف بمكة المكرمة مما يحرم صيده وقطع شجره ونباته ، وقال ابن حوقل : وليس بمكة والحرم شجر بثمر إلا شجر البادية ، أما خارج الحرم ففيه عيون وثمار . وقالوا إن مقادير جهات الحرم تتفاوت في القرب والبعد عن مكة ، وعلى حدوده أعلام منصوبة في كل جهة تدل عليه ، وأول من وضع علامات الحرم ونصب الأعمدة عليه عدنان بن أد خوفا من أن تتغير معالم الحرم أو تتبدل ، وفي حدود الحرم أماكن مشهورة يخرج  إليها من مكة من أراد أن يهل بعمرة فيحرم منها .. وهذه الأماكن هي :

   التنعيم : وهي موضع على حد الحرم على طريق السالك من بطن مر وإلى مكة وقالوا سمي التنعيم لأن الجبل الذي على يمينه اسمه نعيم والذي على يساره اسمه ناعم والوادي الذي هو فيه اسمه نعمان ، ومنه اعتمرت أم المؤمنين عائشة ، وهناك مسجد يعرف بمسجد عائشة .

   الحديبية : قال عنه صاحب تقويم البلدان هو موضع بعضه في الحل وبعضه في الحرم ، وهى أبعد أطراف الحرم عن البيت ، وذكر صاحب الروض المعطار أن الحديبية اسم لبئر في ذلك المكان ، ومذهب الشافعي أن العمرة منه أفضل من التنعيم .

    الجعرانة : بين مكة والطائف وإن كان إلي مكة أقرب ، ومنه أحرم النبي عليه الصلاة والسلام بالعمرة ، ومذهب الشافعي أن العمرة منه أفضل من الحديبية .

    ومشاعر الحج الخارجة عن مكة ثلاثة : منى والمزدلفة وعرفة .

    قالوا عن مني بكسر الميم وفتح النون : سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء وبينها وبين مكة ثلاثة أميال ، وقالوا عنها : تشبه القرية مبنية على ضفتي الوادي وبها مسجد الخيف وهو مسجد عظيم متسع الأرجاء بغير سقف ..!!

    وقالوا عن المزدلفة : سميت من التزلف والازدلاف أي التقرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي تقربوا ومضوا إليها .. وبها مسجد متسع طوله ثلاثة وستون ذراعا وعرضه خمسون ذراعا وارتفاع جداره عشرة أذرع .

    وقالوا عن عرفة : إنه موقف الحج وسمي عرفات لتعارف آدم وحواء به ويقال فيه عرفات وبه جاء القرآن الكريم " فإذا أفضتم من عرفات".

توابع مكة:

    وقالوا إن أكثر جبال مكة وأوديتها مسكونة معمورة إلا أنه ليس بها قرية مسكونة إلا حيث توجد المياه والعيون والحدائق ، وأشهرها عشر : جدة وبطن نخل والطائف وبطن مر والهده وعسفان والبرزة وخليص ووادي كلية ومر الظهران.

    قالوا عن جدة : هي ميناء عظيمة محل حط وإقلاع وتنتهي إليها السفن من مصر واليمن والهند ، وهي من مكة على مرحلتين ، وبينهما أربعون ميلا في رأي الإدريسي ، وهي ميقات من قطع البحر من جهة عيذاب المصرية.

    وقالوا عن بطن نخل : كان فيها صنم العزي الذي هدمه خالد بن الوليد بأمر النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي القرن التاسع كان يحكمها قبائل هذيل وهي قرى مجتمعة ذات عيون وحدائق وكثرة من الآبار المتشعبة التي يصب منها الماء إلي بطن مر ، وغالب فواكه أهل مكة وثمارها من بطن نخل .

    وقالوا عن الطائف : سميت بالطائف لأنها في طوفان نوح انقطعت من الشام وحملها الماء وطاف بها الأرض حتى رست في هذا الموضع ، وذلك الاعتقاد سببه تميز الطائف بمناخها وثمارها عن بقية الأماكن المجاورة .  ويقول صاحب الروض المعطار إن اسمها القديم " وج " باسم رجل من العمالقة ثم سكنها ثقيف فبنوا عليها حائطا مطيفا بها فسميت الطائف وهى بلد خصيب كثير الفواكه المختلفة مما يشابه فواكه الشام ، وهي طيبة الهواء إلا أنها شديدة البرودة حتى أنه ربما تجمد فيها الماء لشدة برودتها .

    وقالوا عن بطن مر : بها عدة عيون ونخل كثير يتصل بها من وادي نخل وتصدر الفواكه والبقولات إلي مكة ، وكانت بيد بنى حسن أمراء مكة في القرن التاسع .

الهدة : تقع في واد بالقرب من بطن مر وبها أربع عشر عينا على كل منها قرية ويحكمها بنو جابر في القرن التاسع .

    وعسفان : هو واد معروف به حدائق وعيون ، وقد تخربت في القرن التاسع .

    البرزة : واد بالقرب من عسفان به أربع عشرة عينا على كل منها قرية ، ويحكمها بنو سلول وبنو معبد في القرن التاسع.

    وقالوا عن خليص : واد على طريق حجاج مصر به تسع عيون وتسع قرى .

    وادي كلية : واد بالقرب من خليص به سبع عيون وسبع قرى، وكان يحكمه بنو سليم ، وقد تخرب بعد سنة 780.

    مر الظهران : هو الذي نزل به الرسول عليه السلام عند صلحه مع قريش ، كان به ضياع كثيرة وقد تخربت ، وكان به حصن كبير يسكنه شكر بن الحسن الحسني أمير مكة في ذلك الوقت .

المدينة المنورة

  اسمها في القرآن " المدينة " " يثرب " و" الدار ".

   وقالوا إن اسمها كان في الجاهلية " غلبه" لأن اليهود فيها غلبوا العماليق ثم غلب الأوس والخزرج اليهود ، وقيل إن أول من بناها "تبع" الأول بعد أن عرف من أهل الكتاب أنها ستكون موضع هجرة خاتم النبيين.   وقالوا عنها : إنها مدينة متوسطة في أرض مستوية وأن الغالب على أرضها التراب الرطب اللزج ، وفي شماليها جبل أحد وفي جنوبها جبل عير وكان عليها سور قديم وبخارجها بقايا الخندق الذي حفره النبي عليه السلام في غزوة الأحزاب .   وفي سنة 236 بني عليها الوالي إسحاق بن محمد الجعدي سورا منيعا ، وجدده عضد الدولة البويهي سنة 372، وبقي ذلك السور حتى القرن التاسع. وقالوا إن للمدينة أربعة أبواب ، باب في الشرق يخرج منه إلى البقيع وباب في الغرب يخرج منه إلي العقيق وقباء وبين يدي هذا الباب جداول ماء جارية ، وبوسطها مسجد النبي صلي الله عليه وسلم ، وقالوا عنه في القرن التاسع " وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة".

   وقال ابن قتيبه في كتاب " المعارف " عن المسجد النبوي إنه كان مبنيا باللبن وسقفه بالجريد وأعمدته بالنخل ، ولم يزد فيه أبوبكر سننا، وزاد فيه عمر زيادة كبيرة وبني جداره بالحجارة المنقوشة  ثم وسعه الخليفة المهدي العباسي سنة 160 ، وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة سنة 202 ، ويقول ابن قتيبه ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلي زماننا.

    وكان منبر الرسول في المسجد ثلاث درجات بالمقعد ، وبقي ذلك إلي خلافة معاوية الذي كتب إلي مروان بن الحكم واليه على المدينة فجعله تسع درجات ولما حج المهدي العباسي سنة 161 أراد أن يعيده إلي ما كان عليه في عصر النبوة ولكن أشار عليه الإمام مالك بترك ذلك.   ثم احترق المنبر مع المسجد سنة654 وانشغل الخليفة المستعصم عن عمارته بقتال التتار فقام المظفر صاحب اليمن بعمل المنبر ونصبه سنة 656 ، فبقي إلي سنة 666، حيث أقام السلطان الظاهر بيبرس المنبر الذي ظل موجودا إلي  القرن التاسع.

 توابع المدينة

   هي قباء خيبر وفدك والصفراء والفرع والجار ووادي القري.  وزاد الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق توابع أخري هي تيماء ودومة الجندل ومدين.  وسميت قباء ببئر كانت بدار توبة بن الحسن يقال لها قباء ، وهي قرية غربي المدينة على ميلين منها وبها مسجد التقوى .

    وسميت خيبر بخيبر بن قانية وهو أول من سكنها وهي بلدة عامرة آهلة ذات نخيل وحدائق وعيون ، وقال ياقوت وهي بلدة بني عنزة من اليهود الخبير في لغة اليهود يعني الحصن وكان بها السموال بن عاديا الشاعر المشهور .

 وسميت فدك بفدك بن حام أو فيد بن حام وقالوا إنه أول من نزلها وكان لها حصن يقال  له الشمروخ بالقرب من خيبر.

    والصفراء واد بالقرب من المدينة كثير الزرع والماء والحدائق وبه أربع وعشرون عينا بأربع وعشرين قرية ، وتصل عيونها بالماء إلي ينبع وكانت تحت سيطرة بني حسن من الأشراف.

    ودان : كان واديا مليئا بالقرى ، ولكن لحقها الخراب في القرن التاسع .

    الفرع : وهو واد جنوب المدينة يشتمل على عدة قرى آهلة وفيها أربع عشرة عينا وماؤها يصب في رابغ حيث يحرم حجاج مصر..

 أما الجار فهي على بعد ثلاث مراحل من المدينة .

   وكانت وادي القرى كثيرة النخيل والبساتين والعيون وبها سكان من ذرية جعفر بن أبي طالب ، وقد تخربت بعض قراها ، وقالوا إنها لو عمرت لأغنت أهل الحجاز.

ثانيا : مجازر فى الحجاز ارتكبها آل سعود ( فى الدولة السعودية الأولى )

1 ـ كان الحجاز تابعا لمصر إسميا حينا وفعليا أحيانا منذ الدولة الطولونية(868 : 905 ميلادية ) وما تلاها من دول : الاخشيدية  ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المملوكية ، ثم ومصر ولاية عثمانية . قامت الدولة السعودية الأولى فاحتلت الحجاز وقطعته من التبعية لمصر عام 1802.  

2 ـ  (  كانت الطائف تحت حكم الشريف غالب حاكم مكة ، وكان بينه وبين الوهابية المواثيق ، ولكنهم غدروا فتمكنوا من الاستيلاء على الطائف ، إذ دخلوها عنوة في ذي القعدة 1217هـ/1802م فقتلوا الناس بدون تمييز بين رجل وامرأة وطفل ؛ حتى أنهم كانوا يذبحون الرضيع على صدر أمه  ، كما قتلوا من وجدوا في المساجد والبيوت ولاحقوا الفارين من المدينة فقتلوا أكثرهم ، وأعطوا الأمان للبعض فلما استسلموا ضربوا أعناق فريق منهم ، وأخرجوا فريقاً إلى أحد الأودية ، واسمه وادي الوج ، فتركوهم مكشوفي العورة ومعهم النساء. . وأخذت الأعراب تروح وتغدو إلى الطائف فتحمل المنهوبات الهائلة التي كانت تخمَّس ، ويرسل خمسها إلى الأمير ويقتسمون ما بقى . كما عبثوا بالمصاحف والكتب الدينية ورموها بعد أن مزقوها ورموها في الأزقة . وعمدوا أخيراً إلى حفر بيوت المدينة حتى المراحيض بحثاً عن المال الذي قيل لهم أنه خبئ في الأرض! . ,,ويذكر الجبرتي في كتابه (تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار) أنهم ( حاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون ، واستولوا عليها عنوة ، وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال ، وهذا رأيهم مع من يحاربهم ) . وقد قتل خلال هذه المجزرة الشيخ عبدالله الزواوي مفتي الشافعية بمكة المكرمة ، والشيخ عبدالله أبو الخير قاضي مكة ، والشيخ جعفر الشيبي وغيرهم ذبحوهم بعد أن أمَّنوهم عند أبواب بيوتهم .

3 ــ  استولى السعوديون على مكة سنة 1218هـ/1803م   و في محرم 1220هـ / 1805م هبّ الوهابيون يقتلون الحاج ويأسرون من يمر بهم ، واشتدَّ الغلاء في مكة بشكل فاحش لم تشهده من قبل حتى باع أهل مكة أثاثهم وحلي نسائهم بعشر القيمة ؛ ليشتروا أقوات أطفالهم بأضعاف أثمانها . ومات الكثير من أهل مكة جوعا وانتشرت جثث الأطفال في الأزقة ، بل وكما يذكر مؤرخ الوهابية عثمان النجدي (أن لحوم الحمير والجيف بيعت فيها بأغلى الأثمان ، وأكلت الكلاب ، وأخذ الناس يهجرونها نتيجة الخطر الجاثم على أطرافها ، فلم يبق فيها إلا النادر من الناس.) . ومن شنيع أفعال الوهابية خلال غاراتهم على مكة وفى الحرم  أن توجه اثنان من قادتهم وهما (عثمان المضايفي – والذي أصبح أمير الطائف بعد الاستيلاء عليها - وابن شكبان ) إلى ( عرفة ) فقتلا من لم يطعهما وأسرا الكثير من الناس ، ثمَّ انتقلا إلى ( وادي مرّ) ينهبون ويقتلون الواردين إلى مكة المكرمة مما أدى إلى امتناع أهل الحجاز عن الحج ، وأحرق المحمل المصري رمز اجتماع الحجيج .) عن  مجلة تراثنا ، العدد الرابع (13) السنة الثالثة ، شوال 1408هـ ، ص 186)

، قامت مصر فى ولاية محمد على باشا بحرب إسترداد للحجاز استمرت من عام 1811 حتى 1818 ، فاستردت الحجاز وقضت على الدولة السعودية الأولى ودمرت عاصمتها الدرعية ، وارسلت أميرها ليلقى حتفه فى الآستانة ( استانبول ) وحملت الأسرة السعودية أسرى الى القاهرة.

ثالثا : قيام الدولة السعودة الراهنة بمذابح الإخوان النجديين

1 ــ  وتعلمت الأسرة السعودية الدرس ، وهو الانتقام من مصر بالتسلل اليها وتحويل المصريين من التصوف السنى الى الوهابية السنية الحنبلية المتشددة ، وهذا ما حدث فى الدولة السعودية الثالثة الراهنة ، ومؤسسها عبد العزيز آل سعود الذى أنشأ الاخوان المسلمين فى مصر . عام 1928 ، وانتهى الحال بمصر الآن وهابية تابعة للأسرة السعودية وحلفائها الخليجيين الوهابيين .

2 ـ  كان عبد العزيز قد جمع شباب الأعراب النجديين فى قرى محصنة أسماها ( هجر ) وقام الشيوخ الوهابية بتعليمهم الوهابية التى تعنى قتال وقتل الآخر المختلف فى المذهب على أنه الجهاد الاسلامى . واستخدمهم عبد العزيز فى تأسيس ملكه . واشتهر أولئك الاخوان بوحشية منقطعة النظير فى قتل النساء والصبيان وتدمير البلاد على انه الجهاد ، وكانوا يستميتون فى القتال أبتغاء الغنائم أو دخول الجنة . وبأولئك الاخوان ضم عبد العزيز آل سعود الإحساء والمنطقة الشرقية والحجاز ، والحدود الحالية للسعودية اليوم هى التى حققها عبد العزيز بسيوف الاخوان النجديين . وأسرف أولئك الاخوان فى القيام بغارات على القرى فى العراق وسوريا والأردن ، وأقاموا مذابح منسية لم يلتفت اليها أحد ، وهم مسئولون عن قتل مئات الألوف من الفلاحين والمدنيين خلال حوالى 15 عاما فقط . وفى النهاية إختلفوا مع قائدهم عبد العزيز لأنه إنصاع للإنجليز وأوقف الجهاد أى قتال أهل العراق المسالمين ، فحكموا بكفر عبد العزيز وقاتلهم عبد العزيز وقضى عليهم فى معركة السبلة 1929 : 1930 ولكنه قبل أن يقاتلهم كان أن خلق بديلا لهم فى مصر وهم ( الاخوان المسلمون  ) .

3 ـ  لم يتعرف العالم على وحشية الاخوان النجديين إلا عندما إستولى بهم عبد العزيز على الحجاز ، وقطعه عن التبعية المصرية عام 1924 .  

رابعا : مذبحة الطائف الثانية  فى الدولة السعودية الثالثة الراهنة : عام 1924

1 ــ الحجاز يتميز بأنه محطّ أنظار المسلمين فى العالم ، وهناك قناصل للدول الأجنبية فى جدة ، لذا عرف العالم بمذبحة الطائف التى قام بها فيصل الدويش زعيم الاخوان النجديين ورفيق عبد العزيز آل سعود فى تكوين الدولة السعودية الثالثة الراهنة . مذبحة الطائف مشهورة فى المراجع الأوربية (: Ta'if massacre).

2 ـ ننقل بعض ما قاله ناصر السعيد فى كتابه ( تاريخ آل سعود ) وهو بدوره ينقل عن العطار خادم عبد العزيز آل سعود ، والذى أملى عليه عبد العزيز تاريخ حياته فسجله العطار فى كتاب ( صقر الجزيرة ) .  ــ يقول ناصر السعيد أنه بعد هزيمة جيش الشريف حسين ( حاكم الحجاز )  انسحب تاركا مدينة الطائف . يقول ناصر السعيد نقلا عن الكتاب المذكور:     ( خلت المدينة فلا تسمع الا همسا وتدفق الغزاة إلى الداخل كما تدفق الاعراب الطفيليون معهم وهم يهتفون هتافات عالية قوية يشقها أزيز الرصاص المنطلق من البنادق والرشاشات في الفضاء. وزرعوا الشوارع والاسواق وقتلوا كل من وجدوه بها واحتلوا المراكز الحكومية والابراج والقلعة ونهبوا ما بها. وكان في البلدة كثير من قبائل الطويرق وعتيبة والبقوم والنمور المتخلفون عن الجيش الهاشمي قد انضموا إلى المهاجمين المحتلين واختلط القاتل بالفاجر، وانتهز الذؤبان الادميون الضراة فرصة فقدان السلطة من البلدة وانتشار الاضطراب فيها فراحوا يقضون الليل في السلب والنهب والقتل وهتك الاعراض بلا رادع من دين أو ضمير أو سلطان وهاجموا البيوت وحطموا الابواب ودخلوا على الابرياء ومزقوهم بالسيوف وأطلقوا عليهم الرصاص، واستلبوا كل ما وجدوا من غال ورخيص)… ( ويتابع ـ العطار السعودي ـ صياغته لاعترافات عبد العزيز آل سعود، فيقول: (وقد وجد البدو ممن لهم ثارات عند الاهلين فرصة نادرة للانتقام فزحفوا إلى بيوتهم واقتحموها عليهم وقتلوهم شر قتلة تشفيا منهم، وهتكوا أعراضهم، وبعد أن ذبحوهم وضعوا رقابهم في حنفيات الماء والصهاريج فشربوا من دمهم وتوضأوا بالماء الملوث بالدماء البريئة وصلوا!… ولم يكلفوا أنفسهم عناء استلام الاساور الذهبية من أيدي النساء الممدة بل قطعوا أيديهن وأرجلهن ولبس "الاخوان" الحلي وهذه الاساور بأيديهم ووضعوا القلائد ـ الخرزية والذهبية ـ في رقابهم كي لا تعيقهم عن بقية النهب والقتل… وهكذا "دخل سلطان الدين السعودي " ـ أي سلطان بن بجاد ـ البلدة وأخلاها من السكان المدنيين وحشدهم كلهم في حدائق شبرا وقصرها العتيد، وكان النساء سافرات لاول مرة في هذه البلاد وكن مع الرجال ومكثوا أياما بلا طعام ولا ماء!). 

وردا على زعم عبد العزيز براءته من مذبحة الطائف والتى كتبها العطار يقول ناصر السعيد :  ( ولنا ملاحظة بسيطة نرد بها على مزاعم المؤلف العطار.. التي أراد بها ابعاد ابن السعود وأسياده وقادته الانكليز عن مسؤولية هذه المذابح التي راح ضحيتها في "تربة والحيوة والطائف وجدة فقط" أكثر من /150000 / إنسان من الذكور والاناث والاطفال… ان هؤلاء القتلة ما تحركوا الا بأمر عبد العزيز وقيادة الانكليز من أمثال جون فيلبي الذي رافق كافة حملات المذابح وخطط لها.. وحينما أراد عبد العزيز الصاق هذه الجرائم بقائد جيشه ابن بجاد رد عليه ابن بجاد في مجلسه في مكة أمام الحاضرين من أهل الحجاز بقوله: (أنت الذي أوصيتني يا عبد العزيز أن أقتل البرئ ليرضخ العاصي وان أفتك بلا رحمة حتّى تكل السيوف من رقاب أهل الحجاز الكفار)!.. فخرس عبد العزيز لهذا الرد.) . انتهى النقل من كتاب ( ناصر السعيد ) .

 أخيرا : نضع بعض ملاحظات

1 ـ  قتل السعوديون 150 ألفا فى مذبحة الطائف الثانية فقط . فماذا عن المذابح المجهولة والمنسية فى ريف سوريا والعراق والاردن ؟ وهذا فى الدولة السعودية الثالثة فقط ، فماذا عن مئات الألوف من القتلى بسيوف الدولة السعودية الأولى ؟ : نتساءل :

2 : الجميع يتذكرون مذبحة دير ياسين وكفر قاسم التى ارتكبها الصهاينة قبل إقامة دولتهم والضحايا بالعشرات فقط . ولكن لا أحد يتذكر مئات الألوف من ضحايا الدولتين السعوديتين الأولى والثالثة .

3 : الكل يركز على داعش ووحشيتها متناسيا ان داعش إحدى منتجات الوهابية السعودية ، وأنها أصلا صناعة سعودية لتدمير العراق وسوريا لأن الأسرة السعودية لا تشعر بالأمن مع وجود دول قوية تجاورها فى العراق وسوريا وايران . ولقد انقلبت على الأسرة السعودية كما إنقلب عليها من قبل الاخوان النجديون والاخوان المسلمون.. كلهم وهابيون ، وهم فى شقاق.

4 ــ متى يتحرر الحجاز من الاحتلال السعودى ؟ والى متى يصبر أحرار الحجاز على هذا الهوان ؟

5 ــ إعتاد الوهابيون إنتهاك حرمة البيت الحرام بالقتل، فمتى يتحرر بيت الله الحرام من السيطرة الوهابية ؟ 

اجمالي القراءات 8179