بعد أربعة أشهر من العدوان السعودي على اليمن

سامح عسكر في الإثنين ٢٠ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

العرب لا يتعلمون من أخطائهم ، وكأنهم ورّثوا بعضهم جينا فتاكاً يستأصل مقدراتهم، ويضعهم في مؤخرة الأمم، كثير هي الشعوب الغنية في دول آسيا وأمريكا اللاتينية نجحت في استثمار أموالها لنهضة حقيقية، نهضة معرفية تضعهم –ولو بشكل مؤقت-على خارطة العالم..

الأستاذ عبدالباري عطوان في مقاله الأخير لفت إلى مقابلة الرئيس الأمريكي.."باراك أوباما"..مع الصحفي توماس فريدمان الأسبوع الماضي، كشف فيه مدى احتقار الإدارة الأمريكية لحلفائها العرب، وخصوصاً في منطقة الخليج، بيد أن هؤلاء الحلفاء لم يعد لهم دور يُذكر سوى في إثارة النعرات الطائفية حيث أطلق عليهم أوباما لفظ.."العرب السنة"..أكثر من مرة، ولمن يعلم أن التصنيف المذهبي في العقلية الغربية هو تصنيف احتقار وليس مجرد تعريف.

لو صدق عطوان فأوباما معه حق، ماذا أنتجت هذه الدول لنفسها ولجيرانها سوى الحروب المذهبية والفتن ؟.. ماذا أنتجت على الصعيدين الثقافي والصناعي؟..ماذا أنتجت حتى على الصعيد السياسي سوى إفشاء معانٍ أخلاقية منحطة كتشريعهم للرشوة ولجوئهم للمرتزقة في حروبهم مع دول الجوار ؟..ماذا أنتجت على المستوى العلمي ؟..ماذا أنتجت حتى على المستوى الفني؟

لم يتعلم العرب من أخطائهم حين دعموا صدام حسين في عدوانه على إيران، فكانت النتيجة حرباً قومية عرقية ظهرت بعدها إيران كقطب إقليمي وكمشروع قطب عالمي، حتى دعمهم المادي لصدام ذهب أدراج الرياح، مئات الملايين من الدولارات في عقود تسليح ودعم سياسي وإعلامي لو جرى توظيفه لتشغيل الشباب وحل مشاكل تسكينهم وبطالتهم لكان للمنطقة شكل آخر.

لم يتعلموا حين دعموا.."ثوار سوريا"..بالمال والسلاح والإعلام ومجلس الأمن..وفي النهاية ظهر أن دعمهم كان لصالح جماعات الإرهاب الدينية كداعش والنصرة وجيش الإسلام وعشرات التنظيمات المسلحة، كلهم كانوا تحت عناوين براقة.."ثوار-مقاومة-لجان-تنسيقيات"..ابتلعت جميعها الدعم وحوّلته لطاقة هدم وتكفير وحرق وذبح.

والآن يكررون نفس المأساة في اليمن، دعموا عصابات مسلحة في الجنوب اليمني بحجة تحرير الجنوب من الجيش وأنصار الله، لكن النتيجة كانت مع أول إصدار لداعش وهي تحالف التنظيم الإرهابي العالمي مع قوات الخليج ضد الجيش ولجانه الشعبية.

نشرت داعش صور مرئية لعملياتها ضد الحوثيين في عدن، وبعد نجاح المهمة أعلنت السعودية تحرير المدينة ولم يذكروا أن دعمهم المالي والإعلامي كان لداعش، استبق التنظيم معها بقرار إعلان ما يسمى.."ولاية عدن"..على غرار ولايات سيناء والموصل والفلوجة والرقة، على غرار ولاية سرت وبرقة في ليبيا التي هي أيضا نالها حظ كبير من الدعم المادي الخليجي إبان الحرب الليبية التي أسقطت معمر القذافي.

لكن وبعد أربعة أشهر ماذا حدث؟

توسع نفوذ الجيش اليمني وحلفائه من اللجان الشعبية وأنصار الله في الشمال والجنوب، دخل الحوثيون مناطق لم يحلموا بالدخول إليها، نشروا مبادئهم وقيمهم العسكرية الداعية لمقاومة أمريكا والغرب، هددوا أمن المملكة بقصف شبه يومي لمعسكرات الجيش السعودي في نجران وجيزان وعسير.

لكن مع ذلك تبقى الصورة قاتمة سوداء على حياة المدنيين الذين استهدفهم العدوان السعودي بعمليات قتل ممنهجة وتصفية ورائها ريح عنصرية ودينية بغيضة، مثال قصفهم لضريح الحوثي ومساجد وآثار تاريخية عريقة في اليمن، قصفوا عشرات المدارس والمستشفيات والجامعات، حتى محطات تموين الوقود لم تسلم من هذا القصف الأعمى الذي يصرخ ببدائية طياري المملكة وحلفائها، يصرخ بهمجية قادة السعودية ورؤيتهم للعمران في اليمن على أنه حالة طارئة وتزول..!

حاولت الأمم المتحدة إقرار هدنة أو إيقاف الحرب لكن محاولاتها فشلت أمام طبيعة الحرب التي تعلم جيداً أنها.."حرب دينية"..وطبيعة الحروب الدينية لا تصلح معها الاتفاقات غالباً بيد أن كل طرف يترصد لخصمه وتضيع معها معاني الشرف.

كيف تطلب من طيار سعودي وقادة خليجيون يرون أن الحوثين.."كفار"..وعملاء.."للمجوس "..أن يكفوا بطشهم عنهم لمجرد الاتفاق؟..كيف تطلب من قادة حوثيون يرون السعودية دولة.."كافرة"..وشعبها .."ناصبي"..لا حل معه سوى المواجهة؟..كيف تطلب من أمم متحدة الحل بينما يتحكم فيها من دعموا العدوان السعودي كأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا؟..كيف تطلب من الجامعة العربية الحل بينما أكثر من نصف أعضائها مؤيدين للعدوان؟؟!

الجميع ضد اليمن...وضد الحل..لا يصلح أحد منهم كوسيط..

الدولة الوحيدة التي تصلح كوسيط هي عُمان، لكنها عاجزة لضعفها السياسي وغيابها عن التأثير الإقليمي، كانت مصر تصلح لهذا الدور لولا تهور السيسي بدعمه للعدوان واعترافه بحكومة المخلوع هادي ، لو أن سلمان رفع يده عن مصر ما كان السيسي ليتورط في هذه الحرب ولنجح في عقد المصالحة اليمنية مع أول تظاهرة حوثية بعد اتفاق السلم والشراكة، والرجل بحكم طبيعته الثورية ضد الإخوان كان له قبول عند الحوثيين والسعودية معاً، لكنه أهمل الفرصة التي لا تأتي سوى مرة واحدة في العمر.

بعد أربعة أشهر من العدوان السعودي تمر اليمن بأسوأ أزمة إنسانية لها في تاريخها المعاصر، فالوقود ينفذ والبضائع تنفذ، ومناطق كثيرة لا تصل إليها المياة والكهرباء والاتصالات، الدعم الغذائي لا يكفي لسد حاجة أكثر من 25 مليون يمني في كارثة إنسانية يُسأل عنها من اعتدى على هذا الشعب ، ويُسأل عنها أيضاً من دعم هذا العدوان بالمال والسلاح وبالإعلام.

الشعب اليمني على شفا المجاعة بعد حصار أربعة أشهر جواً وبراً وبحرا، ولولا صموده ضد العدوان لانهار المجتمع اليمني من الداخل وتفككت أواصره ولحدثت نكبة أعظم وأعظم من نكبة العدوان، لكن صموده ساعده كثيراً في امتصاص أثر العدوان الذي يهدف للتفرقة بين اليمنيين على أسس عرقية ومذهبية وقبلية، وكلنا يرى الآن فصائل ما تُسمى.."الحراك الجنوبي"..وهي تطالب علناً بالانفصال رغم أنها مدعومة عسكرياً ومالياً وإعلامياً من دول الخليج.

والمثير أن هذه الفصائل –المدعومة سعودياً- حذرت الرئيس المخلوع هادي من العودة لمدينة عدن بعد أنباء عن تحريرها من الحوثيين، حيث المتابع للشأن اليمني كانت هذه الفصائل من العناصرة الثائرة على هادي في سبتمبر 2014، ومع ذلك يعلن هادي –بكل بلاهة- أنها فصائل داعمة له، وكأن الرجل في غيبوبة من أثر جلوسه على مكتبه الخشبي في الرياض ، وكأن التكييف –الذي تدفع ثمنه السعودية-هو الآخر تسبب في جمود عقلي وتخلف شديد للرجل.

عموماً نحن الآن في الشهر الخامس ولا بشائر في الطريق عن وجود حل، أو حتى محاولات للحل، وفي تقديري أن الجميع يتاجر بقضية اليمن.

فروسيا التي انتفضت في الأيام الأولى للحرب- ودعمت جبهة الحوثيين إعلامياً -الآن رفعت يدها عن القضية، كذلك انقلبت قناتها.."روسيا اليوم"..لمتحدث رسمي باسم المخلوع هادي في الرياض، وكل أخبارها عن اليمن مستقاه من إعلام الخليج، وهذا يفسر زيارة بن سلمان لروسيا وصفقات السلاح الأخيرة، وكأن انتفاضتها في الأيام الأولى كان لتوظيف اليمن في الصراع الروسي الأمريكي، وبعدما تبين لروسيا أن اليمن حلقة ضعيفة رفعت فوراً الجمهورية الروسية يدها عن اليمن.

لكن ربما تعود روسيا لليمن إذا شعرت بقوة اليمنيين وصلاحيتهم لأداء دور –ولو صغير-في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها من العرب.

أما إيران فهي الأخرى تكتفي بالكلام والتهديد لكن لا تفعل شيئاً على الأرض، ويظهر معها نفس الدور الروسي وهي اتجاه إيران لتوظيف اليمن في صراعها مع السعودية، لكن يبدو إن قوة إيران وتصميمها على دعم اليمن ضد العداون أقوى بكثير من الإرادة الروسية.

إن العالم اليوم مطلوب منه اتخاذ موقف واضح من اليمن بعيداً عن تشابكات السياسة ومصالح الأفراد والدول، وإلا فاليمن معرض لكارثة إنسانية تكاد تكون هي الأعظم في التاريخ، إرفعوا أيديكم عن العدوان واضغطوا على المملكة السعودية لوقفه، وأن تعيدوا النظر في الحوار اليمني بشكل يضمن للشعب تمثيلاً حقيقياً في البرلمان والرئاسة، وإلا فالبديل نقطة سوداء في تاريخ البشرية.

اجمالي القراءات 11178