موقف الحركة الامازيغية من القضية الفلسطينية؟
موقف الحركة الامازيغية من القضية الفلسطينية؟

مهدي مالك في الأحد ٠٥ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

موقف الحركة الامازيغية من القضية الفلسطينية؟

مقدمة مطولة                                           

لقد شكلت القضية الفلسطينية في بلادنا  منذ استقلالها الشكلي عاملا للتعريب السياسي و الايديولوجي بحكم ان المغرب قدم منذ ذلك الحين باعتباره بلد عربي خالص بالرغم من ان اغلب سكان هذه البلاد هم من الامازيغيين و هوية هذه الارض هي امازيغية خالصة منذ اقدم العصور و الحقب التاريخية بشهادة السلطة العليا في خطاب اجدير التاريخي ليوم 17 اكتوبر 2001 .

غير ان القضية الفلسطينية ساهمت بشكل عظيم في ترسيخ القومية العربية   بمفهومها العرقي و السياسي في صفوف الشعب المغربي المتميز منذ  قرون عديدة بالتعايش بين الامازيغيين ذوي الديانة الاسلامية و الامازيغيين ذوي الديانة اليهودية في مناطق مختلفة على امتداد ارض المغرب مثل منطقة افران الاطلس الصغير و منطقة الجنوب الشرقي و مدينة فاس نفسها باعتبارها العاصمة الروحية للمملكة المغربية الخ بمعنى اننا شعب متعدد الديانات و الثقافات  في ظل ثابت الامازيغية الاصلي في منطقة شمال افريقيا.

منذ اجيال متعاقبة منذ سنة 1956 تم ترسيخ في مجتمعنا  بمختلف فئاته و شرائحه اعتقاد في غاية الخطورة و السخافة مفاده ان القضية الفلسطينية هي قضية وطنية خالصة بالاعتبار ان المغاربة كلهم عرب و العروبة هي هويتهم التاريخية و الدينية بحكم مجموعة من الاسباب لا داعي الى ذكرها الان...

ان المخزن التقليدي  او السلطة التقليدية استعملت قضية فلسطين منذ عقود طويلة من الزمان استعمالات متعددة داخل المجتمع المغربي و من بين هذه الاستعمالات تعريب الحياة السياسية من خلال جعل كل احزابنا المختلفة سياسيا او ايديولوجيا يجتمعون حول مسالة الدفاع عن القضية الفلسطينية من المنطلق العروبي او من المنطلق السلفي فقط مع العلم ان قضية فلسطين هي  موضوعا انسانيا شانه شان كل قضايا الشعوب  المستعمرة منذ  فجر التاريخ الى الان و هي  قضية  اسلامية بمفهومها الواسع و المتسع للشيعة و الاكراد و الامازيغ..

ان ساحتنا السياسية ظلت لعدة عقود تقدس الايديولوجيات المشرقية بينما تقمع سؤال الامازيغية السياسي لان العروبة سياسيا تعني الاحادية في كل شيء و مركزية المشرق العربي و احتقار الذات الاصيلة بكل ابعادها حتى وصل المغاربة اليوم الى حالة عدم التمييز بين قيمهم الاصيلة و قيم المشرق على كل المستويات و الاصعدة...

دخول الى صلب الموضوع                         

 اولا كان سياق تاسيس الحركة الامازيغية يتزامن مع هزيمة العرب الشهيرة امام اسرائيل سنة 1967 حيث ان الفاعل الامازيغي انذاك كان متهما باحياء الظهير البربري  بحمولته الفكرية و الدينية لدى ما يسمى بالحركة الوطنية و كان متهما بالعمالة للكيان الصهيوني الى حدود الان..

ثانيا ان الحركة الامازيغية لم تنطلق ابدا من منطلق السلفية الجامد او من منطلق العروبة السياسية بل انطلقت من الذات المغربية بكل ابعادها المختلفة حيث قلت في كتابي  الجديد ان أي عمل تاسيسي مهما كان نوعه عليه الانطلاق من الجذور التاريخية و الحضارية فان الامازيغيين عندما هجروا نحو المدن المغربية الكبرى في ستينات القرن الماضي قصد طلب العلم العصري في الجامعات شعروا بالحكرة و بالميز باعتبارهم حاملين لثقافة لم تكن معروفة في تلك المدن نهائيا بسبب منظور السلطة تجاه الثقافة و الهوية الوطنيتان بل هناك فصل تام بين المركز و الهوامش في كل شيء حتى في التنمية حيث كانت هذه الهوامش الشاسعة انذاك تعيش في الظلام التام من حيث الفكر و التعليم و الوسائل الاساسية للحياة العصرية مثل الطرق و الكهرباء الخ..

استمرت اقول في كتابي الجديد انني اتذكر ان دوارنا الذي اسمه اسك المتواجد في منطقة ايموزار اداوتنان نواحي مدينة اكادير السياحية كان في بدايات التسعينات لا يتوفر على الكهرباء بل كان الناس يستعملون الطاقة الشمسية كما قلته في كتابي القديم صوت المعاق بمعنى ان هذه الهوامش الشاسعة كانت تعيش في عزلة تامة عن العالم الخارجي خصوصا في فصل الشتاء المتميز بالامطار و الثلوج و البرد القارس .

ثم قلت كذلك ان هؤلاء الشباب المتعلم في التعليم العصري وجد ان لغتهم و هويتهم الامازيغية هي مثل لغات و هويات العالم من حيث الحضارة و من حيث التاريخ و من حيث القيم لكن انذاك كان من المستحيل ان يتحدث احد داخل الجامعة بالامازيغية و بالاحرى الدفاع عن شرعيتها كلغة و كثقافة فقط لان ذلك السياق لم يكن يسمح نهائيا بذكر الامازيغية كموضوع لاي نقاش لغوي او ثقافي بحكم ايديولوجية الظهير البربري حيث تصوروا معي ذلك السياق الحساس بالنسبة للامازيغيين عموما و نخبتهم العصرية كما ساسميها بحكم ان هذه الاخيرة وجدت ظلام دامس امامها و وجدت فراغ كبير من حيث المصادر التي تتحدث عن الثقافة الامازيغية اللهم ما تركهم الباحثين الاجانب او ما تركه المرحوم المختار السوسي الذي توفي سنة 1963 أي لم يعيش انطلاقة الحركة الامازيغية.

و  شرحت في كتابي الجديد على ان  أي انسان عادي ذو مستوى ضعيف للغاية من تاريخ المغرب الاجتماعي و السياسي يعتقد ان الحركة الثقافية الامازيغية هي اصلا حركة تعادي الاسلام و حركة تنطلق من الغرب دائما من خلال خدمة المشروع الصيهوني على صعيد المنطقة المغاربية من اجل تمزيق الوحدة العربية الوهيمة و اثارة مسالة الاقليات العرقية و اللغوية الخ.

ان هذا الانسان البسيط لم يتساءل ابدا السؤال الجوهري بالنسبة لي الا و هو لو لم تظهر الحركة الثقافية الامازيغية في المغرب نهائيا ماذا سيحدث للامازيغية كابعاد مختلفة و للامازيغيين انفسهم كشعب بدا يموت شيئا فشيئا ثقافيا و هوياتيا بحكم ان دولة الاستقلال جعلت من هوية المغرب الاصلية شيطان لعين في عيون المغاربة خصوصا في المركز و جعلت كل من ينادي الى انصاف هذه المنظومة الهوياتية و القيمية معاديا للاسلام و للوطنية الحقيقية و ليس الوطنية المزعومة التي ظهرت في ثلاثينات القرن الماضي و جعلت المناطق الامازيغية ان صح التعبير خارج سياسات الدولة التنموية و الاقتصادية منذ الاستقلال الى حدود السنوات الاخيرة.

ان هذا السؤال الجوهري لو لم تظهر الحركة الثقافية الامازيغية في المغرب نهائيا هو سؤال متعدد الابعاد لان السلفيين او القوميين العرب يعرفون سالفا ان موت الامازيغية  نهائيا سيعني نجاح مشروعهم التعريبي و السلفي على المقاس الايديولوجي للسلطة و لحركتها الوطنية التي سمحتا بعد الاستقلال ببقاء ثانوية في مدينة الدار البيضاء تحمل اسم المقيم العام الاول للاستعمار الفرنسي ليوطي و سمحتا بالصحافة الناطقة بالفرنسية و سمحتا ببث الاخبار باللغة الفرنسية في التلفزيون المغربي حيث وجدت التلفزة المغربية منذ اواخر الثمانينات تبث الاخبار بالفرنسية و الرسوم المتحركة بالفرنسية و المسلسلات البرازيلية المترجمة الى الفرنسية و سمحتا سنة 1989 بتاسيس قناة تلفزيونية لنشر المنظور الحداثي للدولة انذاك و القائم على تشجيع الفرنسية لغة و ثقافة و تشجيع التعريب الهوياتي لجزء كبير من المغاربة خصوصا في المدن الكبرى..

و شرحت  كذلك في كتابي الجديد حول موقف الحركة الامازيغية من  قضية فلسطين فقلت اما بخصوص القضية الفلسطينية فهي قضية انسانية و اسلامية حسب اعتقادي المتواضع كانسان مسلم.

 غير ان هذه الاخيرة اي قضية فلسطين لا تدخل ضمن قضايانا الوطنية الحقيقية على الاطلاق لاننا شعب نصفه يعيش تحت خط الفقر و التهميش خصوصا في العالم القروي.

 و اما الشعب الفلسطيني فانه يتوفر على الحد الادنى من مقومات العيش الكريم  كالمدارس و المستشفيات الخ بفضل  المساعدات الدولية .

ان القضية الفلسطينية تم استغلالها منذ عقود من اجل ربطنا بقضايا المشرق و بايديولوجياته الدخيلة مثل العروبة و الاسلام السياسي بشكل عميق حتى اصبح اغلب فئات مجتمعنا يكره ذاته بمختلف ابعادها و يجري وراء قضايا بعيدة عنه جغرافيا و ايديولوجيا لان الامازيغيين ليس لهم أي مشكل مع اليهود كديانة و كجنس بالاعتبار ان اليهود عاشوا جنبا الى جنب مع اجدادنا الكرام منذ قرون ما قبل الاسلام و ما بعده في وئام و تعايش سلمي.

 و من ينكر كل هذه الحقائق التاريخية فانه لم يفهم تاريخ المغرب بشكل عميق او انه متشبث بالفكر السلفي و المناهض اصلا لقيم الاختلاف و التعدد حتى داخل دائرتنا الاسلامية و بالاحرى مع المسيحيين و اليهود لان مشكل التيار السلفي يتمثل في جموده العقائدي و الايديولوجي مما جعل الغرب يتخوف من الاسلام بشكل فضيع حيث يشاهد تنامي نزعة التطرف السلفي الجهادي من خلال تنظيم القاعدة و جماعة انصار الدين الخ من هذه النماذج التي لا تشرف الدين الاسلامي و لا تشرف رسولنا الاكرم عليه الصلاة و السلام كنبي الرحمة و التسامح .

و من هذا المنطلق النبيل زار الاستاذ احمد الدغرني رئيس الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي اسرائل سنة 2008 لحضور مؤتمر دولي حول التسامح الديني لا اقل و لا اكثر ليعطي صورة منيرة حول اسلامنا المغربي امام الاخرين مهما كانت انتماءاتهم الدينية لان رسولنا الاكرم عليه الصلاة و السلام لم يحرم التعامل مع اصحاب الديانات الاخرى حيث احل الاسلام ان يتزوج المسلم من المسيحية او من اليهودية بشرط ان تكون عفيفة و شريفة غير ان اعداء الامازيغية حاولوا تشويه سمعة هذا الحزب و رئيسه من خلال اتهامه بالتطبيع مع الدولة العبرية و استغلال قضية الاقليات العرقية كما تسمى من اجل خدمة الصيهونية العالمية.

لكن ان ذاكرة المغاربة اصبحت ضعيفة للغاية بخصوص علاقات المغرب الرسمي باسرائل حيث استقبل المرحوم الحسن الثاني رئيس الوزراء الاسرائلي سنة 1986 بشكل علاني في اطار سعي المغرب الى تسويق صورته العصرية في الخارج باعتباره بلد للتعايش الديني يقبل بوجود دولة اسرائل و التفاوض معها قصد حل الصراع العربي الاسرائلي البعيد عنا بالاف من الكيلومترات و البعيد عن عمقنا الحضاري أي ان العلاقات بين المغرب الرسمي و دولة اسرائل كانت قائمة بشكل علاني حيث حضر رئيس الوزراء الاسرائلي في جنازة الحسن الثاني يوم 25 / 07 /1999 حيث اتذكر هذا جيدا..

و بالاضافة الى ان العرب المشارقة  يقومون بزيارات علنية و سرية الى اسرائل للصداقة و التعاون و توقيع الاتفاقات منذ سنة 1979 اثر الزيارة التاريخية الذي قام بها الرئيس المصري الراحل انوار السادات الى اسرائل .

و بالاضافة الى عقد صفقات لتبادل الاسرى مثل الصفقة بين حركة حماس الاسلامية و اسرائل في العام 2011 بالضبط و هذا يعرفه الجميع عبر الفضائيات العربية حيث لسنا اغبياء نصدق ما يقال حول التطبيع بين الحركة الامازيغية بشموليتها و اسرائل لان الحركة الامازيغية اصلا تناهض الظلم و الاحتلال و لا تحتاج  الى اسرائل و غيرها باعتبارها تدافع عن حقوق السكان الاصليين لشمال افريقيا ...

ان موقف الحركة الامازيغية بشموليتها من القضية الفلسطينية يتسم بالوضوح حيث انها تنطلق من منطلق ان القضية الفلسطينية هي قضية انسانية بالدرجة الاولى  لان الحركة الامازيغية تعتبر اسرائل دولة الاحتلال و الاستعمار و تعتبر الصهيونية ايديولوجية عنصرية مثل القومية العربية و السلفية الدينية بمعنى انها لا تتعامل مع اسرائل كدولة الاحتلال و الاستعمار على الاطلاق.

 بل تتعامل معها من منطلق البحث العلمي حيث يعيش هناك جالية مغربية يهودية مهمة مازالت تتحدث بالامازيغية او بالدارجة حيث لازالت تزور وطن اجدادها المغرب للبحث عن اصولهم و ثقافتهم الاصيلة و مازالت تمارس العادات و التقاليد المغربية كما شاهدناه في الشريط الوثائقي تينغير القدس للمخرج كمال هشكال حيث بثته القناة الثانية و فاز باحدى جوائز مهرجان طنجة السينمائي لسنة 2013.

ان دعاة وطنية القضية الفلسطينية ربما لا يعرفون او يتجاهلون بشكل تام وجود شيئا اسمه الفقر الفاحش في بوادينا المغربية اكثر من غزة و الضفة الغربية بسبب جري جل نخبهم السياسية و الفكرية نحو تبني افكار و ترسيخها في العقول حيث ان هذه الافكار لا تتوفر على اية شرعية في تاريخ المغرب الاصيل .

انني  اتكرر مرة اخرى ان الامازيغيين ليس لهم أي مشكل مع اليهود قديما و حديثا بل لهم مشاكل جوهرية  مع العرب المشارقة منذ زيارة شكيب ارسلال للمغرب سنة 1930 لينشر القومية العربية في صفوف رموز الوطنية المزعومة التي اخترعت اكذوبة الظهير البربري للاظهار ان الاستعمار الفرنسي اراد التفرقة بين مكونات الشعب و تنصير الامازيغيين بينما في الواقع لا يوجد أي ظهير بربري او عربي على الاطلاق بل توجد نية قوية للقضاء على الامازيغيين كهوية و كايديولوجية سياسية و كتاريخ عريض قبل الاسلام و بعده الخ.  

ان دعاة وطنية القضية الفلسطينية يتجاهلون  مشاكلنا الحقيقية كالتنمية  كمشروع انطلق مع عهد الملك محمد السادس بدون ادنى شك لكن عندما نشاهد بعض البرامج التلفزيونية كبرنامج مبعوث خاص للاستاذ عبد الله بوشطارت على القناة الامازيغية نكتشف حقائق صادمة تتحدث عن بوادي مازالت تعيش في العصر الحجري بكل معنى الكلمة حيث لا تتوفر على ابسط  حقوق الانسان من قبيل الكهرباء و الماء الصالح للشرب و الطرق الخ  بينما يدعو دعاة وطنية القضية الفلسطينية الى التضامن مع اهل غزة الاغنياء و يتجاهلون هوامش بلادهم الشاسعة التي ظلت لعقود طويلة خارج السياق المعاصر بسبب مناصرة قضايا الشرق الاوسط البعيدة عنا جغرافيا و حضاريا و سياسيا .......

المهدي مالك                                                            

 

 

 

 

اجمالي القراءات 17127