كيف أعرضنا عن الله ؟

نهاد حداد في السبت ٢٧ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

نعم أعرضنا عن الله ومازال الكثير منا معرضين ، ومازالت قنوات الكهنة والمضلين تجعلنا أكثر إعراضا . مع أن الله عز وجل لم يخاطب في القرآن النبي  فقط بل خاطبنا نحن أيضا. خاطبني أنا شخصيا وخاطبك أنت . خاطبنا كلنا فتركناه وأعرضنا عنه وذهبنا ننهل دينا من أفواه من لا يعقل شيئا . يا إلاهي ما أشقانا ! وكم أضلونا السبيلا! 
اجتاحني شعور مؤلم ولكن مفرح في نفس الوقت ، عندما قرأت آخر مقال للدكتور منصور عن الصيام . أحالنا فيه على آيات الصيام دون أن يذكرها . فقررت أن أقرأها كي أغسل دماغي من أحكام التراث . حيث أنني ولوقت طويل كنت أظن أن تحرير رقبة أو إطعام ستين مسكينا كانت مذكورة في القرآن وأنه حكم لا نقاش فيه . ( طبعا لم أعرف أنها من الأحاديث حتى دخلت موقع أهل القرآن ) . 
 أردت أن أقوم بالقطيعة " الابستمولوجية  " مع التراث نهائيا فيمايتعلق بالصيام . فمهما قلنا وفعلنا، نجد أحيانا أنفسنا نردد كالبباغاوات جملا حفرت في ذاكرتنا وفي لا وعينا فأصبح النطق بها لا شعوريا. وعلى سبيل المثال لا الحصر، جملة من قبيل : "اللهم إني صائم " ، حين نقو ل كلمة غير مهذبة في حق الآخر. وكأن النهي عن الكلام الفاحش فرض في رمضان ومباح في غير أيام الصيام ! 
مع أنه عز وجل ، قال:" إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر " 
معناه أننا يجب أن نذكر الله ونبتعد عن  الكلام الفاحش دوما وأبدا ! لقد ابتدعوا لنا مصطلحات لكل المواسم مع أنه جل وعلى قال:" وقولوا للناس حسنا" صدق الله العظيم .
المهم أن رغبة جامحة دفعتني للإطلاع على آيات الصيام ، فقد قرأتها مرارا لكن ماشعرت به هذا الصباح كان إحساسا رائعا . بكل صدق ، أردت أن أقرأ الآيات كي أرتاح نفسيا ، فحمل التراث على لا شعورنا شيء ثقيل جدا ، ومع أننا نحاول أن لا نطبق إلا مافي القرآن ،إلا أننا  نجد أنفسنا في خوف كبير من الخطإ و التيه أحيانا . 
فبدأت القراءة بعد باسم الله الرحمان الرحيم : قال تعالى  : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " 
تفاجأت ، لا لشيء ، إلا أنني ولأول مرة أحسست بأن الله يخاطبني مباشرة ، لقد استعمل صيغة المخاطب ، ولم يأمر أحدا بإبلاغنا هذا الكلام ، ولا حتى الرسول عليه السلام ، الذي - أتوقع أنه يومها لم يفعل سوى أنه تلا الآيات على المؤمنين . كما كان يفعل دائما :" وَإِذَاتُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ".
آيات الصيام هي آيات  موجهة مباشرة  لنا فكيف أعرضنا عن آيات ربنا وأصبحنا نلهث وراء مشايخ يشرحون لنا الصيام وأحكامه ؟ مع أن هذه الآيات واضحات بينات لا غبار عليهن .
" .قوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
 فأنت وأنا أيها القارئ نحن من نحدد إن كنا مرضى أو أصحاء . نحن من نحس بالتعب والإرهاق فنحدد إن كنا سنطيق الصيام أم لا .
فرب العزة أعطانا هذا الحق ، فلماذا جعلنا بيننا وبين الله وسيطا. فوضعنا عقولنا وأقدارنا بين أيدي مرتزقة نجاتنا هي آخر همهم ، ولو كان لديهم ذرة من إيمان لقالوا لنا : أن اطلعوا على قرآنكم ، فمافرط فيه الله من شيء.  
لقد جعلنا مع الله أندادا دون أن ندري، ظنا منا أن الأنداد من الأصنام فقط، ونسينا بأن الند البشري أشر وأضل سبيلا ؛ لأنه يتفاعل ويأمر وينهى ويحلل ويحرم . أما الصنم فهو على الأقل جماد لا يتحرك ولا يسمع ولا يعي. 
قال تعالى "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ". 
فالله سبحانه يبين آياته للناس جميعا بدون استثناء، لكل الناس لعلهم يتقون ، لم يبينه للكهنة ، لم يجعله حكرا على فئة دون أخرى ولا حتى لنبيه دون العالمين . فآيات الصيام  توجه فيها المولى جل وعلى إلينا أحيانا ، وللنبي عليه السلام حينا آخر . والمخاطب في كلا الحالتين جلي دون أدنى شك أو لبس! هي ذي آيات الصيام ، فهل من مذكر ؟ 
قال تعالى مخاطبا إيانا:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، و إِذَاسَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لعلهم يرشدون.أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " [البقرة: 183 - 187].
 كل هذه الآيات موجهة للناس ،نحن البشر ، كلنا بدون استثناء .  
ولنتدبرالآية التي تتوسط كلمات الله هاته  ، وهي آية موجهة للرسول عليه السلام " :وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لعلهم يرشدون."
ما أروع هذا التذكير الإلاهي ، الله قريب يجيب دعوة الداعي بلا وسيط ولا قرين ولا ولي. بلا حاجة إلى اختراع الدعاوى واستقدام جاه أحد. فالله مجيب الدعاء والله منا قريب. 
قريب من كل واحد منا ، دون استثناء، فلماذا ندير له ظهورنا ونبحث عن الخلاص في ترهات من لا مغيث لهم سواه. لماذا وضعنا مصائرنا وعقولنا وأفئدتنا في أيد لا ترحم ولا تعقل شيئا وهو الذي أوجدنا. هم لم يخلقونا ولا فضل لهم علينا ولا على الخالق. هم فقط يتبجحون بالدعوة لله والقليل منهم صادقون . وهو أعلم بمن اتقى وبمن ضل عن سبيله.
هو يخلق وهم يقتلون ! هو يهدي وهم  يضلون. الله ييسر وهم يعسرون ، الله يخفف وهم يغلظون ، الله يتوب وهم يدينون ، الله يقسط وهم يظلمون. هو قريب منا وهم لنا عنه مبعدون  ، فبأي حق يفتون بدل الخالق ؟
وفي الحقيقة أن الذنب ذنبنا ، فنحن من نبحث عن الخلاص دون أن نجهد عقولنا ولا أن نقرأ قرآننا. فقد علمونا بأن السنة شارحة للقرآن ، فأعرضنا عن كتاب الله وبحثنا عن أسهل الطرق للجنة دون تعب. وكحال الكتب التي تدعي تعليمك اللغة بدون معلم في بضعة أيام . هذا مافعلناه ويفعله جل المسلمين إلا من رحم ربي . لكن الجهل لايعفي المغفلين ، وأعذارنا بأنهم أضلونا السبيلا لن تجدينا نفعا يوم القيامة . حيث تحاج كل نفس عن نفسها. لن يأتي يومها عالم ولا إمام ليقول مكاننا: " عذرا يارب ، فالذنب ليس ذنبهم ، فأنا من شرحت لهم المسائل على هذا النحو أو ذاك. 
 ولم أقل لهم كل شيء درءا للفتنة . فالفتنة أصبحت الشماعة التي يعلق عليها علماء الضلال جهلهم وتزييفهم لأقوال المولى جل وعلى. ولوا اتقوا الله حق تقاته لما وقعت بينهم أي فتن. 
لقد توجه رب العزة إلينا مباشرة في الكثير من الآيات غير آيات الصيام ، ومنها على سبيل المثال:  " يُريدُ الله أَن يُخفِّفَ عنكم وخُلِقَ الإنسانُ ضَعيفاً} وقال أيضاً: {..وما جعلَ عليكم في الدِّينِ من حرجٍ.. } إلى غيرها من الآيات التي تجعلنا نأمل في مغفرته وعفوه ورحمته الواسعة كما في قوله : " ورحمتي وسعت كل شيء". 
فكيف يخاطبنا ونحن نعرض عنه ونبحث عمن يتوسط لنا لفهم مايقول ؟ مع أن آياته الكريمة بينات لاحاجة  لشرحهن! ولا لتفسيرهن ولا للتغني بهن كي يستجدين عواطفنا للهداية . 
اجمالي القراءات 14534