القاعدة وداعش وأمريكا

كمال غبريال في الأربعاء ٠٣ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

يعتبر كثيرون أن توظيف أمريكا للجهاديين لتحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتي، يعني أنها المنشئة والموظفة لتنظيمات الإسلام السياسي بصورة مطلقة، بما يقود البعض عالي الصوت إلى التأكيد على أن داعش لابد وأن تكون هكذا صناعة أمريكية، صنعتها أمريكا (الشيطان الأعظم)، لتكون أداة لتحقيق أمانيها في تدمير دول المنطقة وتخريب حياتها، لتستطيع أمريكا بهذا السيطرة على "الأرض اليباب"، على حد عنوان قصيدة الشاعر العظيم "تي. إس. إليوت"!!

الحقيقة غير هذا تماماً، فما وظفته أمريكا في أفغانستان كان مجرد نزعة دينية رافضة للماركسية، وذات هدف محدد هو تحرير أفغانستان، وانتهى هذا التوظيف بتحقيق هدفه، لترفع أمريكا يدها عن أفغانستان ومجاهديها، ربما في خطأ استراتيجي قاتل. ما حدث بعد ذلك من هذه الفصائل الجهادية، وتحولها إلى عصابات تقتتل فيما بينها صراعاً على السلطة في أفغانستان تحت رايات عقائدية أو إثنية، ثم تنتقل لمعاداة الآخر وممارسة القتل المقدس في بلدان أفرادها الأصلية وفي سائر أنحاء العالم، هو أمر آخر مختلف تماماً عن البدايات، ويمكننا هنا لوم مؤسسات الأبحاث والدراسات السياسية الأمريكية، أن لم تتوقع ذلك وتتحسب له. لكن هذا لا يعطينا بأي حال مبرراً لنسبة التنظيمات الجهادية إلى أمريكا، خاصة مع مرور السنوات وتوالي تكاثر التنظيمات الجهادية وأجيال المنخرطين فيها. هذا بالطبع علاوة على مئات وآلاف الشواهد الأخرى، على أن أمريكا هي العدو الأول والمستهدف الأساسي بإجرام وكراهية تلك التنظيمات.
الاختلاف مع سياسات دول العالم الغربي شيء، والتشكك أو اتهام مقاصد هذه الدول والشعوب تجاه شعوب منطقة الشرق الأوسط شيء آخر. الحالة الأولى طبيعية، فنحن نختلف مع سياسات دولنا رغم توحد الأهداف، والمرتزقة والمنافقون فقط من يعدون المعارضة لسياسات الحاكم عداء أو خيانة للوطن. أما الحالة الثانية فهي نوع من الهوس، يرجع لثقافة الكراهية والعداء، التي تؤسس لها الإيديولوجيات القومية والدينية السائدة بالشرق الأوسط. هو عداء ليس فقط لدول وشعوب الغرب، لكنه بالدرجة الأولى عداء للحياة والحضارة. فالمصالح الحقيقية للشعوب لا تتعارض، وإن أدت للتنافس الحر الشريف والقانوني، وما عدا ذلك هو سقوط في هاوية التطاحن والعداء المجاني الذي تجاوزته مسيرة البشرية.
ربما إلى حد ما هو فرط الثقة في العلم، وفي المقدرة العلمية للإنسان الغربي ومؤسساته البحثية، وراء التصور الشائع أنهم لابد ويعرفون عن شعوب الشرق الأوسط كل شيء، بل وأكثر مما نعرفه نحن عن أنفسنا، بما يقودنا إلى استنتاج إلى أن ما سبق وحدث بالعراق بعد إسقاط أمريكا لنظام صدام حسين، الأكثر بشاعة مع نظام الأسد ونظام كوريا الشمالية، من اقتتال طائفي وتمزق وانهيار للدولة والمجتمع، وما يحدث مثله الآن في ليبيا وسوريا واليمن، لابد وأن يكون مقصوداً ومعروفاً ومرصوداً مسبقاً من قبل العالم الغربي، ليكون هذا دليلاً دامغاً في شرعنا، على سوء قصد ونية العالم الغربي تجاه شعوب الشرق الأوسط.
هذا بالتأكيد غير حقيقي. فثقافة الإنسان الغربي والباحثين بمؤسساته، لا تمكنهم من تمثل وإدراك طبيعة ثقافة وتكوين إنسان الشرق الأوسط. لا يستطيعون مثلاً تمثل أن مؤمناً عميق الإيمان، يمكن أن يدفعه إيمانه هذا إلى أن يذبح أخيه الإنسان من أجل الله ودخول الجنة وحورياتها. حضارة الغربي لا تمكنه مهما كان باحثاً عقلانياً من تمثل مدى البدائية الوحشية المتمكنة والمستوطنة في إنسان الشرق الأوسط. هم يجهلوننا تماماً، لذا يفشلون حتى الآن في التعامل المناسب معنا. باختصار هم يتعاملون معنا باعتبارنا بشر أسوياء، ولا ينتبهون إلى أننا قد سقطنا من عربة الزمن والحضارة، وبالتالي لم نصل لمرحلة البشر المعاصرين، وأننا نتجه حتى الآن بإصرار في الاتجاه المعاكس، ربما لنعود للالتحاق قريباً بالقردة على الأشجار!!
الآن نحن من سنعلم العالم الجاهل بنا من نحن حقيقة. ونحن من سنقرر مستقبلنا، وإن كنا سنجبر العالم على مواجهتنا كأعداء للحياة والحضارة، أم سنجد طريقة لنتحول بها من الاتجاه للبدائية، إلى الاستقامة في طريق الإنسانية، التي ربما لا يكون الوقت قد فات على الالتحاق بركبها.

اجمالي القراءات 6922