القرآنية العجيبة الغريبة
قرآنية حسين بدرالدين الحوثي

عبدالوهاب سنان النواري في الأحد ٠٣ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

     ألقى السيد حسين بدر الدين الحوثي، مئات المحاضرات أو الدروس أو المجابر أو الهلس على أتباعه، وهم يتعاطون القات والبعض يتعاطى إلى جانبه المداعة وأغلبهم يتعاطى إلى جانبه البردقان، تحت عنوان عام (دروس من هدي القرآن الكريم) وقد حمل كل درس منها عنوانا خاصا بعد ذلك، بحسب الموضوع المطروح، وهذه الدروس نقلت من تسجيلات لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية، وحرصاً من الحوثيين على سهولة الاستفادة منها أخرجوها مكتوبة على النحو الآتي لاحقا.

     وقد ادعى الحوثي أنه قرآني، وأن سيده الخميني كان رجلا قرآنيا، وقد قدس الحوثيون سيدهم حسين وزعموا أن الله إصطفاه، وأنه مؤسس المسيرة القرآنية، وأطلقوا على أنفسهم (أنصار الله)، ونتيجة لقوتهم الإعلامية والمادية والعسكرية، فقد أصبح اليمنيون لا يفرقون بين الحوثيين والقرآنيين الحقيقيين، وأصبح عبدالملك الحوثي قائدا للمسيرة القرآنية - حسب زعمهم، وأصبحنا نحن الموحدون القرآنيون اليمنيون في حرج واشكالية مع الناس، حيث يعتبروننا جزء لا يتجزأ من الحوثيين الإرهابيين الشيعة، وذلك بسبب ضعفنا الإعلامي.

     لذا نضع بين أيدي الناس واحدة من ملازم السيد حسين بدرالدين الحوثي، كنموذج يستطيعون من خلاله تقييم الرجل وفكره وحركته، والمقارنة بينه وبيننا، فشتان بين مشرق ومغربِ، وهذه الملزمة هي رقم (واحد) في سلسلة الملازم المقرر تدريسها للحوثيين، وهي تعبر عن ثقافة إماميه اتخذت من القرآن العظيم - تقية - ستارا لها، ورمادا تذره على أعين الناس، والمضحك أن معظم أتباع الحوثي مقتنعين أنهم قرآنيين.

     وتخفيفا على القارئ من وطئه هلس الحوثي، قمنا بوضع خط تحت أبرز النقاط التي ركز عليها الحوثي في هذه الملزمة - التي لا تختلف كثيرا عن جميع ملازمة، وهيا بنا ندع السيد حسين بدرالدين يتحدث:

سلسلة سورة آل عمران (1 - 4)

الدرس الأول

{إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 8/ 1/2002م

اليمن - صعدة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} (آل عمران:100 - 109). صدق الله العظيم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطاب للمؤمنين كمؤمنين وباسم الإيمان الذي يحملونه وينطقون به ويقرون به، أنتم كمؤمنين وترون أنفسكم مؤمنين {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فريقاً منهم، فريق: طرف, وهو الفريق الذي يتحدث عنه القرآن الكريم بصورة خاصة - لأن القرآن الكريم كان حديثه حتى وهو يلتزم جانب العدل, ويتحدث عن الواقع - كان حديثه بالنسبة لأهل الكتاب هو أنه لا ينسى فريقاً آخر كان ما يزال ملتزماً، كان ما يزال فريقاً يهدي، كان ما يزال فريقاً يمثل الخير في كل أعماله.

هناك فريق الشر, وفريق الغدر، فريق الكفر، فريق الحسد، فريق الدهاء الشديد، {فريقاً من أهل الكتاب} أهل الكتاب هم: اليهود والنصارى، وكان معظم من يواجه الناس في تلك الفترة، ويدخلون في صراع معهم هم - خاصة في بدايات فترة المدينة بعدما هاجر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى المدينة - هم يهود. كان من حول المدينة يهود في [خيبر]، و [بني قريظة]، و [بني قينقاع]، و [بني النضير]، ومناطق أخرى هم يهود، ولكن أهل الكتاب بصورة عامة؛ على الرغم من أن الله قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، لكنهم بالنسبة لنا يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً.

 

[أهل الكتاب] هو اسم يطلق على اليهود والنصارى، هم أهل الكتاب السماوي السابق، أهل التوراة وأهل الإنجيل، والواقع كشف هذا: أن أهل الكتاب، اليهود والنصارى اجتمعت كلمتهم علينا، أليس هذا الذي حصل؟ على الرغم مما حصل بينهم, ما بينهم من عداوة وبغضاء، وعلى الرغم مما قد حصل فيما بينهم في هذا العصر مما يُوغِر الصدور أكثر، ويرسخ العداوة فيما بينهم أكثر، كما حصل في [الحرب العالمية الأولى]، و [الحرب العالمية الثانية]، وكما حصل لليهود في مختلف مناطق العالم، وكما يقال - إن كان صحيحاً تاريخيا ً- ما حدث لهم في ألمانيا على يد [النّازِيّة] في [ألمانيا] في أيام [هِتْلَر] على الرغم من ذلك كله اجتمعت كلمتهم علينا، وأصبحوا جميعاً يعملون سوياً في مجال أن يردوا الأمة بعد إيمانها كافرة، أن يردوا المؤمنين كافرين بعد إيمانهم.

الآية تحكي حالة قائمة وستبقى قائمة، وإن كانت هي في البداية، ومن يقرأها في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وفي فترات من بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا في المدينة وخارج المدينة، أولئك اليهود كانوا بالنسبة لهؤلاء الذين في عصرنا يُعدَّون [بدو] يعدَّون [بدو]، وإذا كان أولئك اليهود الذين يتبادر إلى ذهن من يقرأ هذه الآية في فترة نزولها وما بعد نزولها في القرون الأولى من تاريخ الأمة هذه، يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا حول المدينة، أولئك الذين يُعدّون بالنسبة ليهود اليوم [بدو] أغبياء، أما هؤلاء فيهود متطورون جداً، في مكرهم، وخداعهم، وتضليلهم، يهود أصبحوا يمتلكون إمكانيات هائلة، إمكانيات رهيبة اقتصادية وإعلامية.

ولكن كيف؟ كانت تلك النوعية - الذين هم بدو بالنسبة لهؤلاء - كان فيهم ما يكفي فعلاً من الخطورة البالغة لدرجة أنهم من الممكن أن يصلوا بالمؤمنين من هم في زمن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، والرسول بين أظهرهم والقرآن يتلى عليهم أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} ما هذه حالة رهيبة؟ يقلب الأمة, يقلب الناس من إيمان إلى كفر، ولن يكون فقط أنه مجرد التضليل الذي يصل بك إلى درجة الكفر من حيث لا تشعر، أو التضليل الذي يأتي من قبلهم وأنت لا تشعر أنه من قبلهم ولو شعرت أنه من قِبَلهم لتمردت عليه. لا.

هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى درجة أن تلمس أن هذا هو من قِبَلهم هم اليهود، وستنطلق في طاعتهم، هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى أن تطيعهم هم، وهم بكامل مشاعرهم يعرفون أن هذا من قِبَل اليهود، أو أن هذا يهودي ويطيعونهم؛ ولهذا جاء بالضمير {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاًْْ} تطيعوا فريقاً {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}.

 

توحي الآية: بأن اليهود وهم دائماً في كل أعمالهم يلحظون جانب التكلفة؛ لأنهم المال لديهم عزيز، المال ينظرون إليه كسلاح مهم جداً، لكنه لديهم أيضاً له مكانة كبيرة لديهم، فهم معروفون بالبخل والحرص؛ لشدة نَهَمِهِم بالمال وجَشَعِهم عليه، فهم يلحظون أيضاً في جانب التضليل هو التكلفة، أن يضل الأمة وبتكلفة أقل، لا يريد أن يخسر كثيراً في تحويل الأمة إلى ضالة، لا يريد أن يخسر كثيراً وهو أيضاً يتحرك لضرب الأمة حتى ولو عسكرياً. هذا من الدهاء أيضاً, من الدهاء الشديد.

فما هي أقرب الوسائل إلى أن يجعلوا الناس كافرين بعد إيمانهم، ضالين بعد هداهم، نفوسهم مسالمة بعد إبائهم؟ هو أن يصلوا بالمجتمع إلى درجة الطاعة.

 

من يتأمل في أعمال اليهود هم كانوا يلحظون هذا الجانب، يلحظ وبخطوات متأنية وخطط دقيقة وحبة حبة إلى أن يصل بالأمة إلى أن تطيعهم، بل أن يتحول الناس إلى دعاة لطاعتهم، وحينئذٍ لا يخسرون شيئاً. يردون الأمة بعد إيمانها كافرة، بعد عزتها ذليلة، بعد مَنَعَتِها مقهورة وبتكلفة أقل، الشعور الذي لا يحصل عند أي شخص منا وهو يتشاجر مع الآخر ويتخاصم معه عند الحاكم، ما كل واحد سيفتح [الشمطة]؟ كل واحد سيفتح [الشمطة] ولو فيها خمسين ألف سعودي, مائة ألف سعودي يقرِّحها في رأس خصمه.

ليس بتكلفة أقل، ليس لدينا هذا الحس في مقام الخصومة في ما بيننا هو أن أتشاجر معك ولو من منطلق أن أحاول أن أحصل على حكم شرعي وبالطرق الصحيحة عليك، لكن أريد أن يكون بتكلفة أقل، ما كان هذه ستكون ميزة؟. فأصبحنا لا نمتلك - تقريباً - عقولا حتى في الصراع فيما بيننا ناهيك عن الصراع مع هؤلاء الدُّهاة، اليهود والنصارى.

ثم لماذا يحرصون أن يردوكم بعد إيمانكم كافرين؟ لماذا لا تتجه أذهانهم إلى مشاعر السيطرة وقهر الأمة واستعباد الأمة بعيداً عن مسألة التكفير والتضليل؟ بعيداً عن مسألة أن يردونا عقائدياً في أفكارنا في ثقافتنا في مواقفنا كافرين؟ أي هم هم يحرصون على أن يروك كافراً، لماذا؟.

 

نحن قلنا: اليهود لديهم [خِبرَة دينية]، ماذا يعني خبرة دينية؟ هم يعرفون أن هذا الدين حق، ويعرفون أن المؤمنين متى أصبحوا مؤمنين لا يمكن أن يقهروهم، لا يمكن أن يقهروهم أبداً متى ما أصبح الناس مؤمنين حقاً. فمن منطلق البحث عن تَدْجِين الأمة وبتكلفة أقل، تصور قد يقال - بالعقلية العربية عقلية صدام ونحوه -: [القهر, بالدبابات والطائرات والقنابل النووية ما دام لدينا قنابل نووية فلندمر الأمة هذه]. ما هذه هي عقلية عربية لدينا؟. إنفجار كبير على الأمة وقهرنا أبوهم وطَحَسْنَا أبوهم، لكن كم تطلع التكلفة؟ تطلع مليارات الدولارات. آثارها سيئة جداً على اقتصادهم، والاقتصاد هو صمام مُهم في ميدان المواجهة.

وهم يفهمون حتى لو انطلقوا بهذا المنطلق، من منطلق القوة القاهرة والناس ما يزالون مؤمنين فلن يستطيعوا أيضاً أن يقهروا المؤمنين.

هم مؤمنون بالله اليهود، هل تعرفون هذه والاّ لا؟ مؤمنون بالله وكان يأتي منهم أنبياء كثير، وكان يأتي منهم هداة، ويأتي منهم مصلحون، ولديهم [خِبرة دينية] لديهم تاريخ آلاف السنين, عرفوا أحداثا كثيرة في مقام الصراع فيما بينهم وبين الآخرين، كيف أن الإيمان كان هو العنصر المهم في أن تحظى تلك الفئة المؤمنة بنصر الله، ومتى ما حظيت بنصر الله وتأييده فلن يقهرها شيء. حصل درس لديهم هم في قصة [طالوت وجالوت] التي نقرأها في القرآن: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية251) بإذن الله.

إذاً فكيف نعمل بالبشر حتى نقهرهم وخاصة هؤلاء المسلمين؟ كيف نعمل؟ أليسوا الآن يمتلكون [قنابل نووية] و [قنابل ذرية]؟ أليسوا هم من يمتلكون الصواريخ بعيدة المدى؟. أليسوا هم من يمتلكون الأسلحة الفتّاكة؟. لكن هل فكروا في الدَّمْدَمة هذه؟. لا .. يدمدمونا أولاً من الداخل فيفصلون فيما بيننا وبين الله، فمتى ما فصلوا فيما بيننا وبين الله وأصبحنا بعيدين عن أن نحظى بنصر الله ... بل هم يفهمون بأنه أيضاً من الممكن أن يتحول الله إلى طرف آخر يضرب معهم هؤلاء - وهذا ما توحي به الآيات فعلاً - أنهم هم من جهة يضربون والله من جهة أخرى أيضاً سيضرب.

وهذا فعلاً ما سيحصل، لماذا؟ أولئك من منطلق العداوة، والله سبحانه وتعالى من منطلق الغضب على هؤلاء؛ لأنهم لم يكونوا جديرين بأن يحظوا بنصره، لم يهتدوا بهداه، وهم برزوا في الساحة باسمه وممثلون كطرف عنه، أليسوا هم من يسمون أنفسهم جند الله؟ إذاً فأنتم سُبّه إن لم تهتدوا بهديي، إن لم تلتزموا بنهجي وهديي فستصبحون جديرين بأن تُذلوا، فيتخلى عنا هو، بل يُذلنا بل يضربنا هو سبحانه وتعالى.

لماذا؟ لأن المسؤولية علينا أكثر وموقفنا أيضاً بالنسبة للبشرية عامة هو أخطر. لماذا؟ الأمة هذه العربية لو نهضت إسلامياً على هدي الله، أما كان من الممكن أن تهتدي البشرية كلها على يديها؟ أما كان من الممكن أن يسود العالم كله دين الله؟. أما كان من الممكن أن يسود العرب هم العالم هذا؟ أما كان من الممكن أن يسود الصلاح العالم هذا. فكل ما رأيناه في هذا العالم، العرب بتخليهم عن دين الله وعن هدي الله يمثلون عاملاً أساسياً فيه، ليس فقط الآخرون.

 

إذاً فأنت من أضعت, أنت - بانصرافك عن هديي بانصرافك عن نهجي، بانصرافك عن أعلام الدين - أنت الذي أضعت ديني، أضعت عبادي جميعاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يهمه أمر عباده جميعاً، لكن عن طريق من؟. - كما اقتضت سنته - عن طريق بعض عباده، إذا لم يتحمل هذا البعض المسؤولية فإنه هو من يجني على البشرية كاملاً، وهذه حقيقة.أليس صحيحاً لو أن العرب هم من التزموا بالدين فإن الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله؟ وأمرهم أن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

{يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} حينئذٍ عندما تصبح كافراً، يصبح من السهل على اليهود أن يضربوك؛ لأنهم قد فصلوك عن الله، وستكون في نفس الوقت بدلاً من أن تكون محط عناية الله وتأييده تصبح محط ومحل غضب الله - ونعوذ بالله من غضبه - وإذلاله وتعذيبه.

 

هل من المحتمل أن يحصل هذا؟ الآية توحي فعلاً، هو يتحدث عن حقيقة، وتسمى آيات الله حقائق {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) هذا الاستنكار يعني أن موقفكم هو مما يثير الاستغراب فعلاً، قد تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، وهذا شيء مدهش جداً، شيء مزعج جداً، كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله؟!!. وبمجرد تلاوتها ناهيك عن فهم معانيها، وفهم أعماقها وفهم ما توحي به، فإن مجرد تلاوتها وسماعها فيه ما يكفي للهداية.

{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) آيات الله, وهي حقائق وأعلام؛ ولهذا سميت آيات، هي أعلام على حقائق، حقائق من الهدى، حقائق من واقع الحياة، حقائق من مستقبل الغيب، حقائق في كل ما تحكيه.

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) آيات الله ربكم، آياته ليست صحفاً [صحيفة الحياة] أو [صحيفة الشرق الأوسط] آيات هي من قِبَل من؟ من قِبَل الله الذي هو ربكم، الذي هو الرحيم بكم، الذي هو الهادي لكم، الذي هو اللطيف بكم، الذي هو إلهكم وملككم يهمه أمركم. آيات الله، هل أنتم بعد لم تعرفوا الله، وتعرفوا موقفه منكم، وتعرفوا أنه يهمه أمركم، أنه رحيم بكم، أنه لطيف بكم، أنه حكيم، أنه عالم الغيب أنه ... الخ؟. أليس هذا شيئاً مدهشاً؟!.

ممكن يقول: وأنتم تتلى عليكم صحيفة كذا، أو مجلة كذا, أو كتاب بخاري، أو كتاب فلان، فتقول: لكن هذا الرجل أو هذا الكاتب أو هذه الصحيفة لا يهمها أمرنا، وإن أدت نصائح فليست بالمستوى الذي يهمها أمرنا لدرجة عالية. لكن أما الله سبحانه وتعالى هو رحمن رحيم، وجاءت (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل سورة تؤكد أنما يتلوه على الناس من آياته، وما يهديهم إليه، وما يشرّعه لهم هو كله من منطلق أنه رحيم بهم ورحمن بهم.

{وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} إضافة إلى القرآن وفيكم رسوله, رسوله. لا حظوا الإضافات هذه [آيات الله، رسوله] ألم تأت كلها مضافة إلى الله؟ هو عندما يرسل رسولاً هو يصطفي رسلاً من نوعية معينة، يصطفي رسلاً لا يأتون إلى البشرية ليتحكموا عليها من منطلق الجبروت والهيمنة والاهتمام بالمصالح الخاصة، رسلاً يصطفيهم الله سبحانه وتعالى رحمةً للعالمين، يحملون هَماً كبيراً ويحملون اهتماماً كبيراً بأمر الأمة.

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128). هذا الرسول الذي قال: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} وليس رسول كسرى، أو رسول ما أدري من، أو وفيكم خبير أمريكي، أو فيكم خبراء ألمان، أو فيكم قانونيون.! {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} آياته ورسوله، آياته تتلى عليكم ورسوله يتلو عليكم .. فكيف تكفرون؟.

 

هل نقول بأنه فعلا قد لا يكون هناك أنه حصل حالة كفر؟ بل حصلت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} (الحشر: من الآية11) ألم يحصل هذا؟. المنافقون أليسوا من وسط المؤمنين؟ من وسط المجتمع الذي كان يتلى فيه آيات الله وفيه رسول الله؟ إخوانهم أصبحوا يشعرون بمشاعر الأخوة نحوهم وأصبحوا كمثلهم وشأنهم شأنهم، وحكمهم حكمهم.

أناس يمكن أن يكفروا وهم في نفس الوقت تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، ما هؤلاء؟. ماذا يمكن أن نقول فيهم؟. هل هناك أحط مستوى من هذا النوع؟. لا. ولا حتى الأنعام ليست أحط مستوى ممن يمكن أن يكفر بطاعته لليهود، وهو يعلم أن اليهود أذلاء، وهو يعلم أن اليهود أعداء لدينه، وهو يعلم أن اليهود حاقدين عليه، وهو يعلم خبث اليهود، ومكرهم ثم يطيعهم فيكفر، في نفس الوقت الذي تتلى عليه آيات الله وفيه رسوله، أليست هذه نوعية سيئة جداً؟.

لكن لاحظ يبدو في المجتمع أيضاً من هم أسوء من هؤلاء .. المنافقون, ومعظم المنافقين ما كانوا كافرين بمعنى منكرين للقرآن أو منكرين للرسول .. مؤمنون بأن هذا هو القرآن وأن هذا هو رسول الله لكنهم ينطلقون منطلقات أخرى بسبب قلة وعيهم، وبسبب جهلهم بالله سبحانه وتعالى, جهلهم بمعرفة الله بالشكل الذي كان يمكن أن يخلق في نفوسهم خشية، اهتمامهم بمصالحهم، اهتمامهم بنفوسهم، {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إلى آخره.

ثم تلاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. فأصبحوا هم من كانوا يؤثِّرون على الكثير فلا ينفق الكثير، فلا يخرج مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويتخلف عن الجهاد معه.

تأتي حملة رهيبة في القرآن الكريم على المنافقين؛ لأنهم كانوا شديدي التأثير, وكثيري التأثير في أوساط المجتمع الذي فيه آيات الله وفيه رسوله، لدرجة أن الله قال عنهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (المنافقون: من الآية4) لماذا احذرهم؟. هل لأنهم يشتغلوا في أوساط الكافرين؟ أو أنهم كانوا يشتغلوا في أوساط المؤمنين أنفسهم؟ في أوساط المسلمين فيجعلونهم يتخلفون عن رسول الله ولا يهتمون بمقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا يهتمون بما يصدر منه، ولا يخرجون للجهاد معه إلا متثاقلين، ويتعبونه جداً ويقلقونه جداً.

رجع عبد الله بن أُبَيّ بكم؟ بثلاثمائة رجل عندما خرج رسول الله إلى غزوة [أحد] استطاع أن يرجع بثلاث مائة إلى المدينة ويتخلفوا عن رسول الله ثلاثمائة! .. منافق واحد.

 

من يتأثر بمنافق عربي .. منافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهودياً وليس فقط سيتأثر بيهودي، سيتحول إلى كافر على يد يهودي، وسيرى نفسه في يوم من الأيام يعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي هو أقل دهاء من اليهود، أقل خبرة، أقل فهماً، أقل ذكاءً، أقل دهاء من اليهود. فإذا كان منافقون عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون من تأثروا تأثيراً بسيطاً باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين، فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر، اليهودي الذي يمتلك تاريخاً من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي.

لو تلاحظوا حتى فعلاً منافقي العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟ وعن بُعْد يشغلوهم [بالريموت]، عن بُعد.

إذاً فتأتي الآية هي فعلاً تحكي أن هناك وضعية خطيرة حتى على الرغم من وجود النبي ووجود القرآن {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران:100) وهل هناك أبعد من الكفر؟.

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} لا حظ كأنه يحكي بأنه قد حصل منهم، أحياناً عندما تكون حالة الإنسان أو حالة المجتمع مهيأة لأن تسودها ظاهرة معينة يصح أن يُحكى عنها وكأنها قد وقعت. {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) هنا قد نضل بمنافق عربي متأثر بيهودي بدوي.

 

{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) توحي الآية بأنه أيضاً: لا بد من هداية الله على هذا النحو، وأن الأمة تحتاج إلى هدي من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة، تحتاج إلى أعلام للهدى قائمة. لم يقل: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101)، هل اكتفى بهذا؟. {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) عَلَم منكم، رجل منكم، عَلَم للهدى يحمل هذا القرآن، ويدور حوله، ويهديكم بهديه، يحمل رحمة القرآن، ويحمل هدي القرآن - والقرآن هو يتنزل في تلك الأيام آية، آية, على مرأى ومسمع منهم - وهو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يعرفونه بشخصه، ويعرفونه بمواقفه، يتحرك بينهم، ومع هذا يمكن أن يضلوا بمنافق يعتبر عميل أو متأثر بيهودي، يكفر بطاعة فريق من أهل الكتاب!.

وأولئك اليهود كانوا أقل دهاء وأقل خبثاً، بل كانوا فعلاً يعدون [بدواً] بالنسبة ليهود اليوم، والكتاب هو كتاب للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو رسول للأمة إلى آخر أيام الدنيا، والقرآن هنا ينص على أن الأمة بحاجة إلى القرآن, وبحاجة إلى عَلَم يتجسد فيه القرآن هو امتداد للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ووارث للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل عصر من العصور. أليس يعني هذا: بأن الأمة ستكون أحوج ما تكون إلى أعلام للهدى تلتف حولهم؟ هم يجسدون القرآن ويهدون بالقرآن، ويرشدون الأمة بالقرآن، ويعملون على تطبيق القرآن في أوساط الأمة.

أم أن الله لم يهتم بالأمة هذه؟!. فكتاب ورسول هو سيد الرسل لمجموعة من البشر في زمن محدود ثم يقول هذا الدين هو كله للعالمين، وهو يهددنا ويحذرنا من أهل الكتاب وهم [بدو] مقابل أهل الكتاب الرهيبين الشديدين في مكرهم الذين يمتلكون إمكانيات هائلة، ثم لا يضع حلاً للمسألة!!. الحل هو نفس الحل: لا بد للأمة من أعلام تلتف حولها، هم أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) هذه آيات الله هي قائمة فينا، لكن عندما فُقدت الأعلام ألم يضع الكتاب نفسه؟ - نضيعه نحن ولم يضع هو - ألم تضيع الأمة الكتاب هو عندما أضاعت الأعلام؟. أم أنه ليس هناك إشكالية؟ هذه نقطة مهمة. أن من قوله: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} بعد قوله: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) إذا قلنا وأنتم تتلى عليكم آيات الله، [حسبنا كتاب الله]، ألم يقلها عمر؟ [حسبنا كتاب الله] لكن كتاب الله تحتاج الأمة إلى من يجسده - تحتاج الأمة ولا يصح أن نقول: يحتاج، يحتاج .. هذه عبارة ليست مؤدبة - لكن نقول الأمة تحتاج إلى من يهديها به، تحتاج إلى من يجسد قيمه، تحتاج إلى من يفهم آياته فيرشدها بهديه وإرشاده، الأمة تحتاج إلى هذا.

فعندما رأت نفسها مستغنية ما الذي حصل؟ هل اهتدت فعلاً بالقرآن؟. لا .. بل ضلت ولم تهتد بالقرآن، وبدلاً من أعلام الحق يصعد لها أعلام سوء، وأعلام شر، وأعلام باطل! هذا الذي حصل، فضلت عن القرآن، وبدلاً من أن يكون لها أعلام حق وأعلام هدى يبرز لها أعلام شر وضلال على امتداد تاريخها، وتتعبد الله بولائهم!.

وما أسوأ أن يتعبد الإنسان ربه بالضلال، ما أسوأ أن تتعبد الله بضلال؛ لأنك ضليت ثم رأيت الضلال حقاً فأصبحت تتعبد الله بضلال، والله هو المن‍زه أن تقصر أنت في طاعته بالحق الذي هو حق، متن‍زه، لا يليق بك أن تقصر في طاعته بالحق الذي هو حق صريح، أما أن تتعبده بضلال فهذا شيء لا يليق بالله إطلاقاً، لا يليق بكماله إطلاقاً.

ثم إن الضلال يتجه نحو من هو شر، أن أتعبد الله بأن هذا هو عَلَم من أعلامه، وهو نفسه ممن يخالف كتاب الله ويخالف رسوله، هو نفسه ممن ضرب الأمة وأهان الأمة، هو نفسه ممن يحمل الباطل من قمة رأسه إلى أخْمص قدميه، أنا أتعبد الله بأن هذا هو بيني وبين الله، هو عَلَم من أعلام الله أليس كذلك؟.

معنى ذلك أنه إن كان الله شراً، وكان الله ناقصاً فيمكن أن يكون هذا علم من أعلامه فأنت تدنس مقام الله, تدنس الله - إن صح التعبير - أن تتعبده بتولي هذا؛ لأن هذا لا يليق بأن يكون فيما بينك وبينه، {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} (الكهف: من الآية51) وما كنت متخذ المضلين عضداً ساعداً يعينني أو يساعدني أو عوناً فيما يتعلق بهداية عبادي، لا يمكن.

 

لكن تصبح المسألة إلى هذه الدرجة: أن يتعبدوا الله بالضلال فيتولى ذلك الشخص ويصلي عليه كما يصلي على آل محمد، يصلي على آله وأصحابه [أجمعين] فيدخلهم في الصلاة التي هي كلمة لها معاني رفيعة، لها معاني سامية جداً، ولها - فيما توحي به - معاني مهمة جداً؛ من أجل أن تشمل أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعائشة وفلان، وفلان [أجمعين].

إذاً فالأمة تحتاج في تاريخها إلى القرآن - وهو قائم بين أظهرنا - لكن ((رسوله)) هل كان رسوله لتلك الفترة إذاً فنحن يا الله لماذا تضيعنا؟ فترة قصيرة هي خمسة وعشرين سنة أو ثلاثة وعشرين سنة تؤتي أهلها وهم لا يتجاوزون آلافاً معدودة, تعطيهم رسول هو سيد الأنبياء والرسل، ثم تضيعنا من بعد فلا تهدينا إلى أعلام، ولا تجعل لنا أعلاما، ولا ترشدنا إلى أعلام، يقومون فينا خلفاء لرسولك (صلواتك وسلامك عليه)، يهدون الناس بهديه ويجسدون قيمه ومبادئه ويسيرون بالناس سيرته فيلتف الناس حولهم!!.

لا يجوز هذا على الله إطلاقاً، لا يجوز على الله وإلا كان منافياً لرحمته، ونحن من نقرأ في كتابه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:1 - 2). {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ألم} {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم} ما كلها في بدايتها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟.

وكلمة [رحمن رحيم] فيما تعنيه جملةً المبالغة في الرحمة، كما تقول: [الأخ العالم العلامة]، ألسنا نقول هكذا في رسائلنا: العالم العلامة؟، [عالم وعلامة] اشتقاقها واحد.

وضل المفسرون في معنى رحيم بمن؟ ورحمن بمن؟ رحيم في الدنيا ورحمن في الآخرة، فيقسمون رحمته! هي فيما تعطيه جملةً تدل على المبالغة الشديدة في رحمته، في التعبير عن رحمته بنا.

[رحمن رحيم] عبارة واحدة تنظر إليها كعبارة واحدة، وهذا في لغة العرب تستعمل على هذا النحو تكرير الصيغتين ذات جِذْرٍ واحد، بصيغتين مختلفتين في الظاهر واشتقاقهما واحد للمبالغة جملةً, الرحيم، الرحيم، الرحيم .. وكأنه يقول هكذا.

 

فأين رحمته - إن جَوّزنا عليه هذا - إن جوزنا عليه أن يهتم بسكان منطقة الجزيرة العربية خلال فترة ثلاثة وعشرين سنة، وأمام يهود مساكين مستضعفين [بدو]، لم يكونوا على هذه الخطورة العالية، ثم يموت نبيه فيغلق ملف هدايته ورحمته ولطفه، ثم يقول: هناك الجنة وهناك جهنم، جهنم يسعرها بعد أن أغلق ملف رحمته، وهدايته! هل هذا يليق بالله؟.

لا يليق بالله سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن نعتقده، بدليل أن الأمة في واقعها بطبيعتها لا يمكن أن تتخلى عن هذا، حتى وهي تسير في طريق الباطل تحتاج إلى أعلام للباطل، ولن تتخلى، أنت لا تستطيع أن تعيش في ذهنيتك بدون علم، لا تستطيع, هل تعيش في ذهنيتك بدون أعلام؟ تعدل عن هذا لكنك ترجع تلقائياً إلى هذا، أليس هذا الذي يحصل؟.

متى ما جاء شخص كره [السادة] وخلاص مِن [السادة] فين بيرح؟ هو بيجلس عَطَلْ؟ تراه يميل إلى من؟. إلى [مقبل، الزنداني، ابن باز، ابن تيمية، بخاري, مسلم، أبو بكر عمر، عثمان، عائشة]، ما هذا الذي بيحصل؟. لا يوجد إنسان يجلس عطل, ما يمكن تجلس عطل نهائياً؛ لأنك في نهاية المطاف إما أن يكون الله هو مَن هو في ذهنك، الله هو الذي أمامك أو يكون الشيطان. هل هناك شيء غير هذا؟.

من الذي يستطيع أن يجلس بعيداً عن أن يكون عَلَمُه هو الشيطان إذا لم يكن ماشياً على هدي الله؟ لا أحد. المسألة من أساسها سُنّة بشرية، فطرة بشرية لدى الإنسان يحتاج إلى أعلام سواء للباطل أو للحق، والحق أيضاً يحتاج إلى أعلام والباطل يحتاج إلى أعلام.

الباطل ما بينتشر من الأشخاص الذين يكونون في الشوارع مساكين مدهجين وسبَّر حديث وافلته وجاءت الأمة تلتقطه ثم تعممه في مدارسها، هذا ما بيحصل.

 

ينتشر الباطل من داخل أعلام رموز هم من يَلُوا أمر الأمة، أو يكبَّروا كعلماء في وسط الأمة فيصبح [قاضي القضاة]، أو يكون له لقب من هذا النوع، أو [إمام المحدثين]، فيأتي من هنا التضليل، ويأتي من هنا الانحراف، ويأتي من هنا الكذب، فيأتي من هنا الباطل فيعمم على نطاق واسع؛ لأني تلقيت الباطل من عَلَم، فبقدر ما لهذا العلم في نفسي من مكانة بقدر ما هيئت نفسي لتقبل هذا الباطل من جانبه، ليس هناك باطل ينتشر من الناس المساكين الذين هم فلاحين الذين يكونون بين أموالهم أو في الشوارع مُتَخبِّطين، ما بيمشي الباطل من بينهم، التحريف الذي هو باطل كتحريف لمعاني القرآن أو بوضع ثقافة باطلة.

من الذي يستطيع أن يعمم ثقافة باطلة؟ أليست هي الدول؟ والدول بواسطة من؟ بواسطة علماء يخدمونها من صحابة أو من تابعين أو من غيرهم من بني البشر.

فالباطل نفسه يحتاج إلى أعلام،وما بين أيدينا من الباطل لم ينتشر تلقائياً، إنما عن طريق أعلام شدّونا نحوهم، ثم قالوا هذا هو دينهم, هذه هي عقيدتهم، هذه هي سيرتهم، هذا هو ما كانوا عليه، فالتزموا بما كانوا عليه، وقد أصبحوا يملئون أنفسنا.

هكذا يكون انتشار الباطل، ولا بد في نفس الوقت للحق أن يسري على هذا النحو .. يأتي الحق عن طريق أعلام لهم مكانة في نفوسنا، أعلام نجلّهم، أعلام نحترمهم، أعلام ندين بحبهم، أعلام نعرف تاريخهم المشرق، أعلام نعرف كيف كانوا يجسدون القيم الصالحة، كيف كانوا رحماء بالأمة، من خلال انشدادي لهؤلاء الأعلام وحبي لهم وإجلالي لهم أتحلى بما كانوا يتحلون به، أدين بما كانوا يدينون به، فمن هنا يأتي تقبل الحق.

نفس الشيء الذي أحيط به كل مصادر هداية الله سبحانه وتعالى بدءاً من القرآن الكريم، بدءاً منه هو سبحانه وتعالى، ألم يقدم نفسه كعظيم لدينا؟ كعظيم نعظمه، نُجِلُّه، نقدسه؛ ليملأ مشاعرنا لننطلق في التمسك بهديه، إذا كان الله لا قيمة له عندنا فمن الذي يتمسك بهدي من لا قيمة له عنده؟. أليس نسيان الله وهو على ما هو عليه, نسيانه هو يؤدي إلى أن ينسى الإنسان أن يهتدي بهديه {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (التوبة: من الآية67).

كذلك كتابه الكريم، ألم يثنِ الله في كتابه الكريم الثناء العظيم {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (عبس:15 - 11) أليس هكذا تحدث عنها؟ يثني على القرآن الكريم بأنه كتاب حكيم، بأنه نزله من يعلم السر في السماوات والأرض، بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنه هدى، أنه نور، أنه شفاء، أنه موعظة، أنه .. أنه ... لدرجة أن تملأ نفسك مشاعر الإجلال والنظرة إلى العظمة في هذا الكتاب فتهتدي بهديه.

 

إذا كنا نحن، ونحن شيعة لم نصل بعد إلى درجة أن نؤمن بما توحي به هذه الآية وتنص عليه كحاجة ماسة {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) وأنه يرشد إلى منهج وقدوة، أليس كذلك؟. يرشد إلى كتاب، ين‍زل من عنده، ورسول يصطفيه من عباده، رسول هو خاتم النبيين، فلا بد أن يكون هناك أعلام للأمة من بعده يسيرون بسيرته، وليكن في المسألة كفاية؛ لأن يكون من جهة الله وهو يرى أن فيها الكفاية للأمة.

وورثة من أهل بيت نبيه، هم لا يرقون بالطبع إلى درجة أنبياء، إنما هم ورثة لنبيه يسيرون بسيرته يهدون الأمة بهديه، يكونون هم أعلام دينه وأعلام هديه، تلتف الأمة حولهم.

تحتاج الأمة إلى أن تهتدي عن طريقه بالكتاب الذي نزل بلغتها، على الرغم من أنه نزل بلغتها، أو أنه نزل بلغة لا يفهمها إلا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. أم أنه بلسان عربي مبين. طيب ما نحتاج أحداً .. بلسان عربي مبين، نحن عرب لا نحتاج إلى أحد، مع السلامة، أنت وصلّت المكتوب والرسالة ومع السلامة، كما كان يقول الوهابيون، كانوا يثقفون بهذه الثقافة؛ ولهذا اضمحلت جداً عظمة رسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في نفوسهم.

قالوا: محمد هو رسول جاء برسالة وذهب، هكذا كانت عبارة معروفة لديهم، بدوي جاء برسالة، جاء بمكتوب من عند الله وراح{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ} (فصلت: من الآية6)، هو بشر جاء بمكتوب ومع السلامة راح، كانوا يقولون هذه العبارات يحكيها [دحلان] وغيره، هم كانوا يكرروا هذه.

نحن شيعة أهل البيت وبالذات نحن [الزيدية] هم من وُوجِهوا بحملات كثيرة ضد أهل البيت, كثير من الناس لا تشعر بأنه فعلاً أصبحت هذه القضية يؤمن بها فعلاً، مجرد احترام وتقدير وصداقة، لكن لو يدخل في مشكلة مع أحد بعضهم قد يقلب إلى عند الإمام علي. نحن لا ينبغي أن نكون بهذه العقول، بهذه النفوس الصغيرة نفهم دين الله.

كما قال الإمام الخميني: ((إن الإسلام أسمى مما نتصور)) هو شخص صعد عظيماً وهز الدنيا مع هذا كان يصيح بعظمة الإسلام، ويقول في نفس الوقت ((إن الإسلام أعظم وأسمى مما نتصور))، وفعلاً إذا بقيت الأمة وخاصة نحن [الزيدية] لم نؤمن بعد بهذه المسألة، أنه فعلاً ثقلين لا بد منهما ((كتاب الله وعترتي)) كما قال هنا: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) أليس المعنى واحد؟ والتعبير واحد؟.

ويمكن أيضاً أن نقول أننا مغبونين - إذا أردتم الصدق - أن الله يقول لأولئك الناس - وهم مجموعة من البشر وخلال ثلاثة وعشرين سنة - {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) تتن‍زل {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) سيد البشر موجود بينكم، ما عاد احنا مكلوسين قليل؟.

معنا كتاب الله تلقيناه ولا زال يواجه بالتشكيك بأنه إنما جُمِّع من خَزَف وأضْلاع وقراطيس وجمَّعها أبو بكر، لولا أبو بكر كان يمكن أن ينتهي القرآن، وفلان كان عنده آية وفلان نسي آية، وسورة كانت أطول من هذه .. فرق كبير بين من - لولا أن القرآن استطاع أن يدحض كل هذه المقولات - لكن فرق كبير بين من يرى محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو ين‍زل إليه الوحي ثم يستيقظ من وحيه فيقرأ عليه الآية، ما كل شيء طري؟.

 

{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) وفيكم رسوله سيد البشر، من حكى الله عنه بأنه {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: من الآية128) وهو واحد عَلَم يرونه، أما نحن عترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أليست المسألة أقل؟ لكنها كافية، ونريد أن نتنكر للقليل الذي يكفي، فما هو البديل إذاً؟ ما هو البديل إذاً؟.

نحن حتى عندما نؤمن بالثقلين كتاب الله وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ربما - وإن كانت عبارة غير مؤدبة لكن لنعرف, لنفهم نحن [إن عاد احنا مكلوسين, مكلوسين] لم تصبح وضعيتنا كوضعية من كان في حياة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، ونحن مَن في زمن أطول، ونحن من وُوجِهْنا من قِبَل أعداء أشد خبثاً وأكثر قوةً، ما هذا الذي حصل؟. لو نريد أن نُقاضي الله.

لولا أنه يعلم أن في المسألة كفاية لكان بالإمكان أن نقول: كان تنعكس القضية كان خلي محمد يأتي في القرن العشرين ووقت الشدة وقت الأزمات، ووقت كذا .. لكن لا؛ لأن الله يعلم أن في المسألة كفاية وفوق الكفاية، أن عترته (صلوات الله عليه وعلى آله) فيهم كفاية وفوق الكفاية، أن يكونوا أعلام للأمة، ومع هذا نقول: [ما قد امتغطت المسألة, ما نشتيهم]!.

يا أخي لو تنظر إلى واقع القضية عادك مكلوس - بعد أن تؤمن وتقبل - بالنسبة لما كان للناس في مجتمع النبي نحن مكلوسين، لو لا ثقتنا بالله سبحانه وتعالى, ثقتنا بالله أنه سيجعل في هذه الأمة من بعد حياة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) منهم أزكى وأقوى وأعظم نفعاً للإسلام والمسلمين ممن كانوا في أيام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، ما عدا الإمام علي والأقلية منهم.

ولهذا في حديث صحيح أن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يسمى أناساً سيأتون من بعده ((إخوانه)) بعبارة - لا أذكر نص الحديث - أنه كان يتأوه على إخوانه، قالوا: نحن إخوانك يا رسول الله. قال: لا، إخواني الذين سيأتون من بعدي فيرون كتاباً - أو بعبارة تشبه هذه - فيؤمنون به ويصدقون به.

أنه رسول الله نفسه كان يُقَدَّر لمن يأتي بعده أنه ممكن أن يكون بعده ممن هم في واقع المسألة لم يحظوا بما حظي به من كان في مجتمعه، في حياته من مشاهدة القرآن يتن‍زل، ومشاهدة الرسول يتحرك حياً بين أيديهم، لكن الله سيرعاهم فيكون منهم من سيصبح إخواناً للنبي فوق درجة أن يقولوا: صحابي, صحابه, صحابه.

ولهذا كان الحديث محرجاً حتى حاول الكثير أن يقولوا فيه: هي فضيلة عظيمة لكنها لا ترقى إلى درجة الصحبة، مع أن الحديث ينص أن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما كان يتكلم بهذا الحديث ((إخواني، إخواني)) قالوا نحن يا رسول الله؟. قال: لا, إخواني من يأتون بعدي. أليست كلمة ((إخواني)) بهذا المعنى هي أرقى من كلمة (أصحابي)؟.

يعني ماذا؟ أن الله قائم, أن الله حي قيوم وموجود يستطيع أن يجعل فيما بين المسلمين الكفاية. [فرق كبير بين من يتلى عليه القرآن من فم رسول الله وهو ينزل طري وبين] كتاب تعرض للهزات من قِبَل المسلمين أنفسهم: نزل على سبعة حروف، نزل على سبع قراءات، لحد الآن لم يعرفوا ما هي هذه الحروف، أناس قالوا: سبع لغات، وأناس قالوا: كذا، لحد الآن لم تتميز المسألة لحد الآن فعلاً، أنهم كانوا يتضاربون ناس يقرؤون كذا، وناس يقرؤون كذا، ثم أحرقوه وبقي نسخة واحدة جمَّعها عثمان وطبع عليها ووزعها في المناطق. وعَظْمِي من هنا كان فيه آية، وعظمي آخر جمَّعوه، ولوح من هنا.

اقرؤوا كتاب [علوم القرآن] للقطان؛ لتجدوا كيف تعرض القرآن الكريم لهزات لولا أنه محفوظ من قبل الله لطلع فيه سور أخرى واحدة لمعاوية، وواحدة لعائشة، وواحدة لأبي بكر، وواحدة لعمر، وواحدة لعثمان ... لكن الله سبحانه وتعالى حفظه.

من أجل من؟ حفظه حتى ممن رأوا النبي من أجل أن يصل إلينا نظيفاً وسليماً. أعتقد أنه حفظه حتى ممن كانوا في زمن النبي؛ لأنهم بعد موته كانوا يشكلون خطورة عليه كثير منهم، معاوية ألم يعاصر النبي أليس صحابياً؟ عمرو بن العاص أليس صحابياً؟ المغيره بن شعبة وعائشة ما هم صحابة؟ لكن ما كان هناك مجال والا معاوية مِن يطلِّع لك عشرين مصحف، يطلِّع لبني أمية سورة، وفي أهل البيت سورة تكون لعناً وسباً.

سبروا حديثاً في أهل البيت ((إن آل أبي طالب ليسو لي بأولياء)) أن رسول الله قال كذا، لكن كَبُرت عليهم المسألة، حتى المحدثين تحاشوا أن يصدروها في كتبهم، فجعلوا بدلها ((فلان)) ((إن آل أبي فلان ليسو لي بأولياء))! قالوا إما هذه كبرت، لكن السند صحيح رواه فلان عن فلان ثقة - بيسموه - ثقة ضابط، ثقة! [ضابط أموي برتبة عميد].! أليسوا يقولون ثقة ضابط؟.

 

أقول نحن فعلاً [الزيدية] إذا لم نصل إلى قناعة بهذه المسألة بالثقلين، وأن نتحرك في إطار الثقلين فسنظل أخذل الأمة وأرذل الأمة، أتعرفون أننا الآن أضعف طائفة؟ وأننا الآن أذل الطوائف والاّ لا؟ تعال انظر إلى المسلمين جميعا تجد المسلمين تحت أقدام اليهود، تعال إلى الشيعة تجد الشيعة طوائف متعددة كلها في وضعية جيدة احترمت نفسها، لماذا؟ ربما لأنها ليست المسئولية موجهة عليها بشكل كبير كما هي موجهة إلى [الزيدية]، [الإثنا عشرية] محترمون ولديهم دولة ولديهم أحزاب قوية، ولديهم إمكانيات هائلة وصحف ومجلات ومطابع وأعلام وأشياء كثيرة يملئون الدنيا بها. [المكارمة] من يحسبون أنفسهم على الشيعة، ونحن بعد لم نعترف بهذه [الباطنية] في حراز وفي الهند. [البُهْرة] هؤلاء من يعدون أنفسهم من الشيعة الإسماعيلية كلهم طوائف وضعيتها جيدة.

ما الذي حصل للمكارمة في [نجران]؟ عندما تعرض واحد من طلاب سيدهم إلى إهانة أو استجواب من السلطة السعودية ماذا عملوا؟ عملوا ثورة في نجران وخرجوا في الشوارع وضرب بالبنادق حتى ضربوا مكتب الأمير نفسه، وكسروا سيارات، وحرقوا أقاموا لعبة داخل السعودية. [البُهْرَة] طائفة غنية، طائفة منظمة، لكن الزيدية بيلعب بهم مدير مدرسة، أو يلعب بهم محافظ, أو سارق, أو مدير ناحية أو حاكم أو عسكري، يعني وضعية سيئة جداً، لماذا؟.

ليس لأن أولئك لديهم الحق، تعال تصفح لن تجد عندهم الحق، لكن عند هؤلاء الحق وهم من أضاعوا المسؤولية، هم من أضاعوا مسئوليتهم هم فاستحقوا أن يذلوا كما قلت سابقاً.

ألم نصبح نحن كعرب أذلاء تحت أقدام اليهود والنصارى؟ لأننا أضعنا ما استوجبنا به أن نكون تحت أقدام من قد أذلوا, من ضربت عليهم الذلة والمسكنة. ألسنا نحن الزيدية تحت أقدام السنيّة؟ لأننا نحن من أضعنا المسؤولية الكبرى، ونحن من نتنكر لأهل البيت، ولم نؤمن بعد بقضية الثقلين: ((كتاب الله وعترتي))، وقد آمن بها الآخرون، إنما لم يطبقوها، آمنوا بها لأن هذا الحديث صحيح، لكن ثُقِّفُوا ثقافة أخرى وانطبعت في نفوسهم عقائد أخرى وثقافة أخرى جعلتهم يعدلون عنها، وإلا فهم مؤمنون بها.

نحن متى لم نؤمن بالثقلين فسنظل أذلاء وليطل الزمن كمّا طال، ولن نحظى بعزة، ولا بقوة، ولا بتمكن، ولن نستطيع أن نقدم للإسلام شيئاً.

كيف نستطيع أن نقدم ونحن ندخل بوجهة نظر ناقصة، هي نفسها تجعلنا ندخل إلى القرآن ناقصين، وننظر إليه بنظره ناقصة ... لسنا بحاجة إلى أعلام بينما الله يقول لأولئك - كما قلت سابقاً وأكثر من مرة - {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) في مواجهة [بدو] من أهل الكتاب، ما الحديث عن {إن تطيعوا فريقاً}؟ فريق أما الآن دول، أليس صحيحاً؟ فريقاً يعني مجموعة من أهل الكتاب، أما الآن أنت تواجه الصهيونية بإمكانياتها الهائلة، وتوسعها في العالم، أنت تواجه دولاً بأكملها، تعمل كلها جاهدة على أن تكفرك، أن تصل بك إلى درجة الكفر، تمتلك إمكانيات هائلة تعمل فعلاً على دعم وسائل الضلال.

[الدُّشَّات] هذه ما كان الدُّش بمائة وستين ألفاً أو بمائة وثلاثين ألفاً؟ دعمته الصهيونية بأخبار مؤكدة أنها دعمته الصهيونية من أجل أن ينتشر بين الناس برخص فيصل سعره إلى خمسة عشر ألف، عشرين ألف، والباقي عليهم، يعطوا الشركات المصنعة المبالغ التي هي قيمة هذه الأجهزة وتن‍زل لدينا برخص.

أتعرفون ما معنى الدعم؟ الدعم: إذا كان هذا الجهاز تصنعه الشركة الفلانية يصل قيمته إلى مثلاُ ألف دولار، الشركة يُدْفع لها - مثلا ً- تسع مائة دولار .. وبيعيه في السوق بمائة دولار، هذا هو الدعم.

 

{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) نريد أن نعرف نحن كم نحن مجموعة من الزيدية كم نحن هنا قد نكون مائة شخص أو أقل، من يعرف بأننا نحن المائة هذه - ونحن نموذج لغيرنا - أن فينا على الأقل ثمانين في المائة مؤمنين بالقضية هذه، مؤمنين بقضية الثقلين بوعي، أنها هي المسألة التي لا بد منها في الاهتداء بالدين ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) أليس هذا صمام أمان من الضلال في كل مجالات الدين, في كل مجالات الحياة؟.

والضلال هنا الذي قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لا يعني ضلال أنك تقع في معصية تدخل في باطل من الباطل الذي نسميه نحن, هذا الباطل المعروف، بل الضلال بكله، ضلال في العقيدة، ضلال في الفكر، ضلال في الحياة، ما هو الضلال في الحياة؟ أليس هو التَّيْه، الجهل، الضَّعة، الذلة، افتقاد القوة، الشقاء، أليس هذا هو الضلال؟.

الإسلام هو جاء دين يهدي الأمة فيزكي النفوس، يعلّم الناس، يزكيهم، يطهرهم, يجعل الحياة كلها سعيدة بالنسبة لهم، يجعلهم متمكنين في الأرض، كل خيرات الأرض تحت أيديهم، كل أسباب القوة بأيديهم، هذا الذي أراده الله سبحانه وتعالى للمسلمين، للعرب بالذات، لكن تنكروا لكل شيء فأصبحوا أذلاء وأصبحوا لا يمتلكون شيئاً، إلا ما كان فضلات مما لدى الآخرين.

حتى في المناهج الدراسية نحن ندرس نظريات قد عفا عليها الزمن، وقد تجاوزوها هم فأصبحت قديمة لديهم، سواء في الطب أو في الفيزياء، أوفي غيرها، وأصبحت غير مجدية كاملة أو بنسبة معينة، أصبحت معروفة لديهم، وقد تجاوزوها، وقد مشوا من بعدها بزمان، أصبحنا إلى هذه الدرجة لا نستطيع أن نصنع مثل تلك قطعة الغيار الفلانية مثل هذه المسجلة مثل هذه السيارة .. ما نستطع أن نصنع مثلهم.

هذا هو الضلال الذي تقع فيه الأمة، لكن ما عاش الناس ثقة بالقرآن، ولا عاشوا ثقة بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ونظروا إلى القرآن ونظروا إلى الرسول وكأنه صاحب مهمة معينة، ومجال محدود هناك، لا شأن له بالحياة وبأمور الحياة، نحن سنحاول من جانبنا ننظر كيف نهدي أنفسنا، كيف نعمل في سبيل إخراجنا من هذه الأزمات. لدرجة أنه ماذا حصل؟.

 

أليس العرب الآن يبحثون عن السلام من أمريكا؟! من عدوهم، وهم يقولون ويصرحون أن أمريكا هي التي تدعم إسرائيل.أليس هذا من الضلال المكشوف؟ الضلال الذي لا يدخل فيه أحدنا، هل أنت ستذهب إلى عدوك الأكبر تِريد منه أنه يفك منك عدو ما هو إلا يد من أياديه، وهو إنما يعمل لصالحه؟! هل سيفكه منك؟ لا.

هذا الزمن - أيها الإخوة - هو زمن لا بد أن الناس يقفون موقفاً صحيحاً من أنفسهم، ما عاده وقت مجاملات ولا حياء ولا مداهنة ... وقت مناقشة الحقائق، ومعرفة الحقائق، يكفي الناس ما يلمسونه من ذلة وإهانة وضياع لهم كمسلمين, كعرب .. يكفي.

 

المفروض أن يبحثوا عن الحل .. الإنسان متى ما اشتد به المرض ما هو في الأخير بيشرب العلاج ولو هو مرّ؟. الآن نبحث عن العلاج، ولنقبل ولو كان مراً، مع أن العلاج من قِبَل الإسلام ليس مراً، ما يمكن يكونْ مرّاً، لكن نفهم أن وضعيتنا أصبحت إلى درجة أنهم إذا قالوا لي .. , أعتقد أن العرب لو يفهمون وضعيتهم وقالوا: أنتم لن تتخلصوا من هذه الوضعية إلا بعد أن تُتَوِّجُوا ذلك الجَمَل وتجعلوه قائداً لكم، أن من الطبيعي أن يسيروا وراء هذا الجمل، ويُتَوِّجوه ويجعلوه قائداً لهم، ويهتفوا باسمه، ويصفقوا له, وضعية سيئة .. ناهيك عن الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

هل كان أعلام أهل البيت مرّ؟ غير مقبولين لدى الأمة؟ علي غير مقبول؟. لماذا غير مقبول؟ كان ظالماً؟ كان جشعاً؟ كان غبياً؟ ماذا كان؟ أعلام تشَدّ الناس إليهم فكيف يمكن أن يكونوا مراً؟ كيف يمكن أن لا يُقبلوا؟.

أنت عندما تمرض وتشتد بك [الملاريا] ألست تشرب [السَّنَا] وهي مرّ؟. سعال يحصل فيك أو أي شيء من الأمراض، تأكل [مرّ]، تأكل [صبر] الأمة هذه هي لا تدرك بأنها أصبحت مريضة، خليك عن الآخرين، نحن الزيود هل أننا بعد لم نفهم وضعيتنا؟ هل كل شيء سابر؟. لا والله ما كل شيء سابر، وأننا تحت الصفر في كل شيء.

نستعرض: هل لدينا حزب؟ لا. هل لدينا مطبعة؟. لا .. لدينا قناة تلفزيون؟. لا .. لدينا إذاعة؟. لا .. لدينا صحيفة .. لدينا مجلة؟. لدينا جمعيات؟ حتى الجمعيات ألسنا فاترين فيها؟ قلنا جمعية لهمدان ممكن تعملوا جمعية ما تحرك الناس في ضحيان اعملوا جمعية ما تحركوا رازح حاولوا ما تحركوا فوط ما تحركوا وهكذا ... فاترين, فاترين في كل شيء. نحن نعيش حالة ضلال رهيب. هل نحن طائفة واعية نستمسك بعلمائنا وبأعلامنا؟ أم أننا أصبحنا كما يقال: [تَوْفِيَة مذاهب] من يريد أن يوفي مذهبه قال من عند الزيدية! إما جعفري والاّ وهابي ما بيروا إلا الزيدية ذي هم مضاحك .. تائهين، لم يعد لدينا شيء حتى الوعي ليس لدينا شيء ثابت. يطلع واحد من هناك وشخروا فيه يرى بلاطه بتلمع قالوا ذولا على الحق, لمبه تولع فوق الحرم, قالوا [أشهد لله أن ذولا على حق]، يعني حالة من الضياع تبحث عن بلاطه أو صومعة، أو ناس يطوفون عند البيت أو واحد بثوب نظيف وذقنة نظيفة قال: [كيف يا خي ما هم على حق وهم كأنهم عُطْب] وأشياء من هذه.

الزيدية عندما يكونوا على هذا النحو هم تائهين ضائعين, حتى في حياتنا، الشوافع هم الآن في اليمن أرقى منا، تعرفوا؟ أهل تعز أرقى منا، لديهم خدمات أكثر منا، نحن الزيود ينظر إلينا نظرة أخرى. على مستوى المحافظات ينظر إليهم نظرة أخرى إمش من صنعاء وكذا تجد اليمن نصفين نصف فيه خدمات كثيرة وفيه أشياء كثيرة والموظفين منَّه والمسئولين منَّه, القواد منه الوزراء منَّه ونصف آخر لا يلتفت إليه أليس هذا حاصل؟.

يعني أننا أصبحنا ضائعين حتى أمام من هم مضيعين للثقلين.

قد نقول سابقاً مثلاً الزيدية من أسس فكرهم من أسس دينهم هو أن الدولة الظالمة لا يدخلون فيها، لكن الناس الذين قد أصبحت القضية عادية لديهم هل هم داخلون فيها؟ لا. لا زالوا خارج. فمتى ما أصبحنا غير قابلين [لمرّ]، نحن الآن مستعدون أن نقبل [مرّ] نأكله فنشفى من حالتنا هذه.

 

عندما تقارن بالإمام علي, تقارن بالحسن, تقارن بالحسين تقارن بالأعلام من أهل البيت الذين صعدوا في مختلف مراحل التاريخ يفرضون أنفسهم عليك، وليس فقط أنت من تحاول أن تلمِّعهم. متى لمّعنا أحداً من أهل البيت واحتجنا إلى أن نكذب له من أجل أن نلمعه أمام الآخرين. لكن الآخرين يتمسكون بـ[مُرّ] حقيقة، يتمسكون بناس منحطين يحتاجون في كل وقت يضربون لهم [رَنْج] مره أصفر، ومره أبيض من أجل أن يلمّعه أمام الآخرين؛ لأنهم أعلام مثل إذا هناك بضاعة تقليد مثل البضاعة التي تأتي من تايوان ما بتكون ملان بُويَه لماعات كلها, ثلاجات لَمّاعة صفراء .. [أهلا وسهلا] مكتوب فيها, تقليد. ثلاجات أصلي تأتيك أحياناً بثوب طبيعي ومنظر عادي لكنها أصلي با تجلس معك سنين والقهوة فيها ما تتغير. هكذا التلميع.

نحن لا نحتاج إلى أن نلمّع أعلام أهل البيت، أي لا نحتاج نحن ونحن نراهم ناقصين أن نكبرهم, نكبرهم حتى يكونوا جذّابين عند الآخرين، فقط نحتاج إلى أن نتحدث عن نصف واقعهم، وسيصبحون جذابين عند الآخرين، لست بحاجة إلى أن تضيف شيئاً من عندك، تحدث فقط عنهم، تحدث ولو بنصف مما هم عليه مما لديهم يكفي أن يجعلهم جذابين عند الآخرين.

لكن ما الذي يحصل؟ [خلاص يا خي هذفه في علي كم قلحنا دائماً علي, أهل البيت, أهل البيت!] بينما لا ينظر ِإلى أن الآخرين شغالين أربعة وعشرين ساعة [أبو بكر, عمر, عثمان, معاوية .. أبو بكر عمر عثمان]، في المساجد في المدارس في الجامعات في المعاهد في الأشرطة، في الصوامع، في العربيات، في الإذاعات، في صفحات الكتب أبو بكر عمر عثمان. الصحابة, صحابة، صحابة.

 

ونحن صاحبنا عاده مركز دخل عندهم قله سنتين .. ثلاث, سمع ثلاث, أربع محاضرات في أهل البيت قال: يا خي بس خلاص أهل البيت أهل لبيت. ما هذه - أيضاً - حالة متدنية. والآخرين متى سمعتم سني يقول يا جماعة خلاص صحابة أو شغلتونا صحابة صحابة, لا .. يقولون له: تحرك شغل صحابة صحابة أبو بكر عمر عثمان معاوية ما هذا الذي يحصل؟. لاحظوا الفارق الكبير الذي يعني أننا في ضلال رهيب. أعلام لديهم يحتاجون أن يلمِّعوهم، وهم منحطون يحتاج أن يلمِّعه، ويحتاج يتكلم عنه كثيراً، هم ينطلقوا يتكلموا عنهم كثيراً وبالكذب، الذي ليس من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولا قاله، ولا يمكن أن يقوله، فيتكرر هذا الكلام كثيراً كثيراً جداً.

ونحن من أعلامنا قدوات يصح أن نتعبد الله بولائهم، لا تحتاج إلى أن تكذب من أجلهم، ولا أن تكذب من أجل أن تلمعهم، وهم لو تحدثت بنصف ما هم عليه أو بربع ما هم عليه لكان فيهم ما يجذب الناس إليهم، ولكان فيهم ما ترى بأنك تعتز وتفتخر بأن يكونوا قدوة لك، ثم لا تتحدث عنهم، ثم تصمت عنهم. أليس هذا الذي يذهل الإنسان، لا نتحدث عنهم بل متى ما جاء أحد يتحدث عنهم قلنا: [بس ياخي خلاص].

 

الإنسان يحاول إذا أراد أن يعرف وضعيته ينظر إلى الآخرين، أنت زيدي شيعي، ولك أعلام من أهل البيت، انظر ماذا يعمل الآخرون لأعلامهم، أنظر كيف أعلام أولئك وكيف أعلامك.

السنيّة في تعب شديد وهم دائماً يقفوا وهم ملجمين أبو بكر وعمر .. حديث يأتي من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) صحيح في علي يحاول بأي طريقة يدفعه .. يركله، لا يسقط على أبي بكر يطحسه. يحاول في آيات القرآن كذلك، يتقافز من فوقها من أجل أن لا يلزم أن تكون في علي فيكون علي هو أفضل من أبي بكر. أليس هذا يعني أن هناك أعلاماً متعبين؟. أعلاماً يرهقونك، أعلاماً تجد نفسك في موقف ضعف، أعلاماً تحتاج إلى أن تدافع، تدافع من؟ تدافع باطل أو تدافع القرآن وتدافع الرسول من أن يهجم عليهم.

طيب لو كان أبو بكر هو بالشكل الذي يمكن أن يكون أهلاً لأن يكون علماً لكانت تلك الأحاديث التي تأتي تدفعها هي له, لكان هو الذي سيرفع رسول الله يده يوم الغدير ويقول: ((من كنت مولاه فهذا أبو بكر مولاه)). ما كان بالإمكان هكذا؟. كان بالإمكان أن يكون هو الذي قال فيه الرسول: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)). لكان بالإمكان أن يكون هو الذي قال فيه (صلوات الله عليه وعلى آله) ((أنا مدينة العلم وأبو بكر بابها)) ما كان بالإمكان هذا؟ فلماذا تسمع دائماً يقول: علي .. علي. ثم في الأخير تحاول تدفع علي هناك وترى حالك تلجم هناك! ما هذا يعني عمل متعب؟ عمل متعب, عمل مرهق.

لكن تعال إلى علي، تعال إلى أهل البيت هل تجد تعباً؟ لن تجد تعباً، لن يحرجك الإمام علي إلى أن تدفع عنه القرآن، أو تدفع عنه محمد .. لكن ادفع عنه الباطل، ادفع عنه معاوية, ادفع عنه باطل. بل هو الذي تحتاج إليه مع القرآن لتدفع أهل الباطل أن لا يشوهوا القرآن. صحيح؟.

تدفع أهل الباطل أن لا يدنسوا مكانة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) لكن هل يحرجك علي؟ هل ارتكب أخطاء تاريخية مخزية يحوجك إلى أن تُلَجِّم، وتغطي وتدسم عليها؟. أو يحوجك أهل البيت من بعده إلى هذا؟.

حصل ظاهرة في أئمة متأخرين من الزيدية، حصل داخلهم حركة وتضارب، وأشياء من هذه، هل نحن أحرجنا أنفسنا بهم، ونقول سلام الله عليه وهو كذا؟. لا. لا سلام الله عليه وهو على باطل، لا سلام الله عليه ولو عمامته كيف ما كانت، أو يحمل اسماً كيفما كان. نحن لا نتعب أنفسنا بأعلام يرتكبون باطلاً ثم نحاول أن ندسم عليهم. هذا ليس من طريقتنا إطلاقاً.

متى حصل هذا؟. عند متأخري الزيدية عندما امتدت إليهم هَبَّة من الروائح الكريهة من جانب شيعة هؤلاء، فدخل معتزلة ودخل سنيّة، وأصبحوا متأثرين بهم، فطلعوا أعلام منحطين، وطلع صراع فيما بينهم، طلع صراع ما كان يحصل مثله بين أئمة أهل البيت السابقين، فتدنسوا هم بسبب ما وصل إليهم؛ ولأنهم لم يكونوا كاملين، لم يحصلوا على الكمال، بعضهم لم يحصل على الكمال؛ لأن ثقافته كانت معتزلية, ثقافته كانت سنية، ولا يمكن أن يبلغ رجل درجة كمال بحيث يمكن أن يلي أمر الأمة، وهو على هذا النحو؛ لأنه هو أصبح متأثراً بالآخرين، أصبح متأثراً بما هَبّ من جانب أبي بكر وعمر وشيعتهم.

ما هم بيحاولوا الآن أن يقولوا: الأئمة الزيدية حصل فيهم كذا, كذا. قلنا شوفوا احنا [مُطَرِّقِيْنَ فيهم]، من شفتوه على باطل العنوه. هل سنأتي نحن ونقول: ماشي أبداً .. نحاول نشرِّبك عائشة وقد خرجت تقاتل الإمام علي، وتحت قيادتها حوالي ثلاثين ألفاً، وحاشيتها من بني أمية. نحاول نشرب الناس غصبا غصبا, في الأخير يقل لك رضي الله عنهم هؤلاء ما يضرهم شيء هؤلاء ما يؤثر عليهم شيء [مُصَرَّفِينَ] كلهم من المعاصي، مصرَّفين تصاريف ما يضرهم شيء لكن محمداً يضره عندما قال: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام:15).

حتى الإثنا عشرية تدرون أنهم محرجين هم أيضاً مما تجلى لنا أنهم محرجين في مسألة أئمة معدودين، جعلوهم أئمة الكون بكله، ثم رأوا في الأخير أن المسألة كانت غير طبيعية، فعندما ظهر الإمام الخميني وطرح نظرية [ولاية الفقيه] كان كثير منهم يقاومها.

طيب ما الذي حصل؟ من آمنوا بالمسألة ولا يزال في ذهنيتهم اثنا عشر رأوا وضعيتهم محرجة، فماذا قالوا؟. عمدوا إلى الجانب الزيدي المجاهد فقالوا: [هذا كان هو الجناح العسكري للأئمة] من أجل ماذا؟ من أجل أن يحاولوا أن يبرهنوا على أن أولئك الأئمة كانوا رجال ثورة وجهاد، ورجال يعملون على إقامة حكومة إسلامية. ما هم دوروا للزيدية؟ فقالوا هم كانوا الجناح العسكري للحركة الرسالية في حركة الأئمة, فكان [زيد] هو القائد العسكري للإمام جعفر الصادق، فكان هو عبارة عن شخص على رأس معسكر، وجيش يخرج تحت قيادة جعفر الصادق .. وهكذا وعلى هذا النحو. من أجل ماذا؟. من أجل أن يحاولوا أن يلبسوا أئمة معينين لباس آلة الحرب. فيقولوا هؤلاء الأئمة الذين هم أئمة عظماء هم كانوا أئمة يقاومون الظلم، هم كانوا يعملون في إقامة حكومات إسلامية، هم كانوا أئمة يلبسون آلة الحرب، وين‍زلون إلى ميادين القتال.

مع أن كان المنطق السائد هو أئمة هكذا عباد زهاد، ليس هناك أي كلام حول الجانب الجهادي، جانب إقامة حكومة فيما بعد من عصر زين العابدين ومَنْزَل إلى عند المهدي المنتظر [عجل الله فرجه]!، كما يقولون هم أنه قد ولد. إذاً فهناك من أئمتهم تسعة لا يستطيعون أن يتحدثوا عنهم أنهم قاموا بحركة جهادية، وعندما لمسوا المسألة أنهم بحاجة إليها حاولوا أن يضفوا عليهم صبغة الحركة الجهادية.

 

طيب ما هم احتاجوا يعملوا نفس الأسلوب يلبسوا أئمتهم دروع الحرب وقد تحولوا إلى رفات؟ لكن تعال أنت إلى أئمة الزيدية لا تحوج نفسك في شيء ستجد لديهم ما يدعم نشاطك كله، وأنت تدعو إلى الإسلام، وأنت تجاهد في ميادين الإسلام، وأنت تعمل للإسلام في مختلف مجالات العمل تجد لديهم القدوة الكاملة، وأنت تريد أن توعي الناس ليفهم الناس تجد لديهم الأمثلة الكاملة من واقع حياتهم بالشكل الذي يذهل الناس ويرسخ الوعي بأهمية قيم الدين إلى أعماق أعماق نفوسهم.

ثم تجدنا أقل الطوائف ولاءً، ما هذا هو الحاصل؟ نحن أقل الطوائف ولاءً لأهل البيت. ويا ليت أهل البيت الذين هم من نوعيتنا كانت المسألة بسيطة، لكن أقل الطوائف ولاء لمثل الإمام علي. المكارمة أكثر ولاء للإمام علي منا، الإثنا عشرية أكثر ولاء للإمام علي منا، الإسماعيلية أكثر ولاء للإمام علي منا، بل الصوفية السنيّة بعضهم أكثر ولاء يهتفون باسم علي أكثر منا.

ونحن. لا .. مثلما قال [محمد عصمت] الرجل المصري وهو يخطب في الغدير قال: [حالة رهيبة شاف اليمنيين عليها، قال لو تدخل نعجة سيد بين زرع قبيلي سيقول: رضي الله عن أبي بكر وعمر، ويكفر بعلي، ويطلع أبو بكر بسرعة خليفة]. هكذا خطب في الغدير، عندما رأى الروحية هذه .. قال: مالكم؟. هو نفسه تشيع لأنه لاحظ أحاديث حول أهل البيت داخل كتبهم هم، تشيع وهو لا يزال في مصر، وجاء إلى اليمن فرأى اليمنيين هنا الزيدية ليسوا بالشكل الجذاب في مجال التشيع، ورأى كتبنا مخطوطات ما استطاع يقرأها، ورآنا على هذا النحو المنحط من الولاء لأهل البيت حتى قال هذه العبارة: [لو تدخل نعجة سيد بين زرع قبيلي وكان يقول قبل أن تدخل النعجة أن الإمام علي هو الخليفة الأول سيطلِّع أبو بكر هو الخليفة وعمر بعده وعثمان بعده ويجعل علي الرابع ثم يترضي على الثلاثة كلهم الأولين].

ثم أنه لَفْ أدواته وسافر إلى إيران، وذهب إلى هناك يتجعفر كله عقله وزيه؛ لأنه رأى أننا لسنا جذابين؛ ولهذا لسنا جذابين حتى عند نفوسنا .. صحيح؟. هذا الزيدي يتحول وهابي، وهذا يتحول إلى إثناعشري؛ لأنه ما رأى من يجذبه، ما رأى ولاء، ما رأى أمة لها أعلام واضحة تنشد إليهم. يدخل بعض المراكز وهم متعاندين وهم متماحكين، في الساحة لا يسمع شيئاً، كلمتين ثلاث في الإمام علي قال: بَسْ.

لم يروا فينا ما يشدهم نحونا، لا حركة عقائدية ولا حركة جهادية، لا حركة سياسية، لا اقتصادية، لا ثقافية، لا شيء. ألسنا رقم تحت الصفر؟ حقيقة.

إذا أحد عنده ملاحظات يقول الصدق في هذا. أنا لا أتهَجّم على طائفة أخرى، أنا من قلب الطائفة هذه.

{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) ماذا توحي به هذه الآية؟ من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا} (آل عمران: من الآية100) أليست توحي بأن هناك عملاً رهيباً ضد هذه الأمة عمل رهيب يحاول أن يطوع الأمة، عمل رهيب كله شر، يجعل واقعك تبحث عن من تعتصم به هنا أو هنا، فبمن تعتصم؟ اعتصم بالله. {وَمَنْ يَعْتَصِمْ}: يمتنع. كلمة {يَعْتَصِمْ} توحي بأني أنا أبحث عن من أعتصم به، أليس العرب الآن هكذا؟ تارة يبحث عن أمريكا يعتصم بها، وتارة يبحث عن الاتحاد السوفيتي يعتصم به، وتارة يحسن علاقاته مع طرف آخر يعتصم به. أليس هذا هو الحاصل؟.

المسألة تعني أن الأمة تُواجه بصراع جاد، عمل جاد من ذلك الزمن إلى الآن، يتجه نحو تطويع الأمة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى لنكون تحت أقدامهم كافرين، وليس فقط يهود كمثلهم، نحظى بحقوق متبادلة معهم كمواطنين يهود. أليس كذلك؟.

أنهم لو كانوا حريصين علينا لكانوا يعملون على أن يجعلونا يهوداً كمثلهم لنحظى بحقوق مواطنة كيهود. لكن كافرين تحت أقدامهم يسخروننا لهم، بلداننا كأسواق لمنتجاتهم، وسائل إعلامنا كأبواق لثقافتهم وفكرهم، كُتَّابنا أقلام تصدر تضليلهم نتحول كلنا إلى خدام لهم، كافرين تحت أقدامهم، فلا نستطيع أن نخدم أنفسنا، ولا أن ننقذ أنفسنا، ولا يكون في واقعنا ما هو عصمة لنا، ولا يبقى - أيضاً - لنا توجه نحو الله بشكل يجعلنا نعتصم به، الله يقول هنا القضية خطيرة جداً، القضية خطيرة جداً، ما هو فارع فيكم منها - بعبارة بلادنا - ما هو فارع فيكم منها إلا الله.

{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) بالتأكيد قد هُدِيَ، ما {قد} للتحقيق؟ هدي .. وكلمة {هُدِيَ} توحي بأنه حصل على الهدى من طرف آخر. أي أن المسألة هو أنك في ميدان هذا الصراع تحتاج إلى طرف آخر يهديك لا بد أن يكون من طرف الله، يتمثل أولاً بالاعتصام بالله، وما هو الاعتصام بالله؟.

ما ين‍زل الساحة الآن في أوساط المسلمين: [لو تمسك المسلمون بكتاب الله وسنة رسوله لاستطاعوا أن يخرجوا من هذه الأزمة].

أليس هذا المنطق يحصل؟.

نحن قلنا بأن كلما نسمع لم يعد منطق نرى فيه الحل، إما لأن التعبير عنه ناقصاً، وإما لأن التعبير عنه أيضاً يؤدي إلى ضلال، أو أن تقديم هذا الذي قُدم كحل ليس حلاً في الواقع، وإنما يرسخ الإشكالية أكثر فأكثر، ويهيئ الأمة لأن تبقى في وضعية على ما هي عليه أيضا قروناً بعد قرون.

الله عندما قال: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} لأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئاً آخر بديلاً عنه، هل تفهمون هذا؟.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

اجمالي القراءات 12029