ج3 / ف 3 : المجتمع المملوكى المنحل خلقيا : مواسم دينية للانحلال الخلقى

آحمد صبحي منصور في الخميس ٣٠ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الثالث : انحلال المجتمع المصرى المملوكى بتأثير التصوف

المجتمع المملوكى المنحل خلقيا : مواسم دينية للانحلال الخلقى :

ــ مواسم دينية للانحلال الخلقى :

  ( الموالد : مولد البدوى ، مولد الأنبابى ، موالد أخرى ، دوران المحمل ، الأعياد الإسلامية ، الأعياد القبطية.)

 بالتصوف أصبح للانحلال الخلقى مواسم دينية كما كان له أماكن دينية .

الموالد:

1 ــ  أصبحت الموالد الصوفية أهم المواسم الدينية للانحلال الخلقى ، وكانت موالد البدوى الثلاثة أهم مناسبات للانحلال الخلقى إلى درجة أن الكرامات الصوفية تكفلت بالدفاع عما يحدث فى المولد الأحمدى من انحلال . وفى مناقب البدوى أسطورة تقول أن شخصا أنكر على مايحدث فى مولد البدوى فعاقبه البدوى بأن سلب إيمانه فأصبح كافرا ، فاستغاث الشخص بالبدوى فرد عليه إيمانه أى جعله مؤمنا ثانية ، ثم سأله عما ينكره فى المولد فقال ( اختلاط الرجال بالنساء) فقال البدوى( ذلك واقع فى الطواف ولم يمنع منه أحد) ثم قال ( وعزة الربوبية ماعصى أحد فى مولدى إلا وتاب وحسنت توبته ، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك فى البحار أفيعجزنى الله عن حماية من يحضر مولدى؟)[1] .  ودافع كاتب مناقب البدوى عن البدوى فى الإتهام القائل كيف لايتصرف بكراماته ( فى دفع أصحاب المعاصى عن حضور مولده) فكان من جملة الردود أنه ( قد يكون من عناية ربه أنه من حضر مولده بمعصية يتوب الله عليه ولو بعد حين)[2]. وهى دعوة لتكرار الانحلال وتكرار التوبة طالما استمر مولد البدوى . وذلك مايحدث حتى الآن .

 2 ــ  ويقول السخاوى فى القرن التاسع عن المولد الأحمدى ( كانت تُتّخذ فيه أماكن تُعدُّ للفساد فى تلك الأيام ، لكثرة الجموع )[3]. وعندما تولى السلطنة الظاهر جقمق كان ( شديدا على من يفعل المنكرات فكسدت فى حاله أرباب الملاهى والمسكرات )[4]. فأمر سنة 851 ( بإبطال مولد البدوى لما يقع فيه من المفاسد) على حد قول ابن إياس الذى يذكر أن الفقراء الأحمدية شق عليهم ذلك ووقفوا للسلطان أكثر من مرة فسمح لهم بإعادته فى العام التالى .  ويصف ابن إياس السلطان جقمق بأنه كان عفيفا عن الزنا واللواط يكره من يشرب الخمر ومن يزنى[5].

3 ــ ولقد كان المولد الأحمدى ضرورة شعبية لممارسة الانحلال الخلقى لايستطيع الناس فى عصرنا المملوكى الإستغناء عنه، لذلك فإنه فى سنة 851 يقول السخاوى ( عندما أبطل جقمق مولد البدوى عمل شخص يسمى رمضان بناحية محل البرج بالقرب من المحلة الكبرى المولد، ووقع فساد كبير على العادة )[6]. إذن كانت الموالد "حاجة" طبيعية يضطر الناس لإفرازها فى مناسبتها ، وبمجرد أن أعلن ذلك الشخص رمضان أنه سيقيم المولد فى المحلة الكبرى حتى توافد عليه الناس " ووقع فساد كبير على العادة".

4 ــ  وكان إسماعيل الإمبابى من أهم أتباع البدوى فى إمبابة ، ويقال عنه " صار يعمل المولد البدوى فى كل سنة ، فيأتيه الناس من الأقطار ، وترحل إليه من الأطراف ، وتخرج بياض أهل مصر والقاهرة إليه وتضرب بزاويته الخيم ، ويعقد سوق ، ويجتمع من النسوان والشباب خلق كبير)[7]. إذن فالمنتظر أن يحدث فساد كبير من هذا الجمع الكبير .

 5 ــ وتناقلت المصادر التاريخية ماحدث فى مولد الإنبابى سنة 790 يقول ابن الفرات عنه فى ذلك العام ( حصل فيه من الفساد مالا يحصى من كثرة النساء والفساق ، حتى أشيع أنهم وجدوا فى ثانى يوم فى المزارع مائة وخمسين فارغة من جرار الخمر ) ( وفتحت بنات بكور)[8]. أى بنات أبكار فقدن عذريتهن.

       ويقول المقريزى عن هذا المولد فى ذلك العام ( فى هذه الليلة عمل الشيخ المعتقد إسماعيل بن يوسف الأنبابى المولد على عادته فى زاويته بناحية انبوبة ( إمبابة) من الجيزة تجاه بولاق ، فكان فيه من الفساد مالا يوصف ، إلا أنه وجد فى الخمر فى المزارع مائة وخمسون جرة فارغة من جرار الخمر التى شربت تلك الليلة فى الخيم ، سوى ماحكى عن الزنا واللياطة ، فجاءت ريح كادت تقتلع الأرض بمن عليها ، وامتنع الناس من ركوب النيل وتأخروا هناك )[9].

         ويقول أبو المحاسن يحكى ذكريات تلك الليلة ( فذكروا أنه عمل المولد على عادته فى شهر ربيع الأول سنة 790 فهرع الناس لحضور المجتمع حتى غص الفضاء بكثرة العالم، وتنوعوا تلك الليلة فى الفسوق لكثرة اختلاط النسوان والمردان بأهل الخلاعة ، فتواتر الخبر أنه وجد فى صبيحة تلك الليلة من جراء الخمر التى شربت بالليل فوق الخمسين فارغة ملقاة حول الزاوية فى المزارع ، وافتضت فى تلك الليلة عدة أبكار ، وأوقدت شموع بمال كثير ، فبعث الله يوم الأحد بكرة صباح المولد قاصفا من الريح كدرت على من كان هناك وسفت فى وجوههم التراب واقتلعت الخيم ، ولم يقدر أحد على ركوب البحر ، ولم يعد يعمل مولد بعدها خصوصا وأن الشيخ مات فى آخر شعبان من سنة  790 [10] .

         ويقول ابن حجر بعد أن ذكر نفس التفصيلات ( وقد انقطع إسماعيل بزاويته ، ثم صار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا ، ويحصل فيه من المفاسد والقبايح مالا يعبر عنه)[11]. ويردد الصيرفى ماذكره المقريزى وأبوالمحاسن.

6 ــ   واستمرمولد الإنبابى يؤدى دوره فى الانحلال حتى أواخر العصر المملوكى ، إذ كان ابن اياس يذكر مايحدث فيه تباعا ، فيقول عنه فى حوادث سنة 913 ( كان ببولاق ليلة حافلة بسبب وقت سيدى إسماعيل الإمبابى رحمة الله عليه ، فضربت فى تلك الجزيرة التى تجاه بولاق نحو خمسمائة خيمة وصنعوا سوقا بدكاكين ، وخرج الناس فى الفتك والفرجة عن الحد، وأقاموا هناك ليالى متوالية، وموجب ذلك أن كان الرخاء والأمن موجودين ).  وفى حوادث السنة التالية 914 يقول عن نفس المولد( كانت ليلة سيدى إسماعيل الإمبابى ونصبت الخيام فى الجزيرة التى تجاه بولاق ، وخرج الناس فى تلك الليلة عن الحد فى القصف والفرجة ، وكانت ليلة حافلة)، وفى العام التالى يقول ( فى ليلة سيدى إسماعيل الإمبابى كانت ليلة حافلة ، وضربت فى الجزيرة نحو خمسمائة خيمة ، وخرج الناس فى القصف والفرجة عن الحد).           وفى العام التالى 917 يقول ( كانت ليلة من الليالى المشهورة فى القصف والفرجة، وخرج الناس فيها عن الحد)[12]. وهكذا فى السنوات التالية يكتفى أن ابن إياس بوصف الفسق فى مولد الإنبابى بأن الناس خرجوا فيها عن الحد ، ولو كان ابن إياس على نفس مستوى المؤرخين السابقين لأتى بتفصيلات الانحلال فى تلك الليلة .. إلا أنه اهتم أساسا بحالة الأمن فيقول مثلا عن ليلة 913 ( واقاموا هناك ليالى متوالية وموجب ذلك أن كان الرخاء والأمن موجودين) ثم يقارن بمولد آخر لم يحظ العصاة فيه بنفس الأمن فيقول ( وفى عقيب ذلك عمل مولد الشيخ سويدان المجذوب فى مدرسة ابن الزمن التى ببولاق عند الرصيف ، فكان له مولد حافل وضربت هناك الخيام الكثيرة عند المدرسة ، لكن حدث هناك حريقة أتت على مركبة ومعصرة ).

  ويقول عن ليلة الإمبابى سنة 917 ( وضربت نحوا من خمسمائة خيمة فى الجزيرة وصنعوا هناك سوقا بدكاكين مبنية ، وكانت ليلة هادية من الفتن والشرور )[13] . ومعنى ذلك أن العصر المملوكى فى نهايته تعود على الانحلال الخلقى ، فلم يهتم مؤرخه ابن إياس إلا بإستقرار حالة الأمن فى الموالد حتى يمارس العصاة انحلالهم فى المولد فى هدوء واطمئنان .

7 ــ  والشعرانى ــ وكان معاصرا لابن إياس ــ افتخر على بقية الصوفية بحفظ زوجاته من حضور الأعراس والموالد ( التى لاينضبط أصحابها على القوانين الشرعية ، بل يخلطونها بعدة محرمات كضرب الآلات والمحيطين الذين يحكون الحكايات السخريات ،مع اختلاط الرجال بالنساء ومع عدم التورَع من كل الفريقين عن الوقوع فيما لاينبغى ، وهذ الأمر قد كثر وقوعه فى الأعراس والموالد)[14]. والشعرانى يحاول تجميل الصورة قدر مايستطيع.

 8 ــ  واستمرت نفس الصورة المنحلة للموالد إلى عصر الجبرتى بعد الشعرانى بقرنين.  فيقول ( أقيم ضريح للشيخ عبدالوهاب بن عبد السلام ، وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة وتختلط به الرجال والنساء ، ثم أنهم ابتدعوا له مولدا وعيدا ، وكل سنة يدعون إليه الناس من البلاد القبلية والبحرية ، فينصبون خياما كثيرة وحدادين وصواوين ومطابخ وقهاوى ، ويجتمع العالم الأكبر من اختلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحى الأرياف وأرباب الملاهى والملاعيب والغوازى والبغايا والقرادين والحواة ، فيملأون الصحراء والبساتين، فيطأون القبور ويوقدون عليها النيران ويضعون عليها القاذروات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ، ويلعبون ويرقصون  ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا ، ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ، ويجتمع لذلك الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خياما، ويقتدى بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير إنكار ، بل ويعتقدون أن ذلك قربة وعبادة ، ولو لم يكن كذلك لأنكره العلماء ، فضلا عن كونهم يفعلونه ، فالله يتولى هدايتنا جميعا )[15]. فى هذه اللوحة التاريخية نرى ممارسة للإنحلال فى مولد أقيم خصيصا لممارسة الانحلال بكل صوره ، ولأنه شعيرة دينية فقد كان يقوده ( العلماءوالفقهاء ) على أنه شعيرة دينية يتقربون بها لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ..

ولا تزال الموالد الصوفية تمارس دورها فى الانحلال الخلقى بنجاح ساحق ، وأيضا يحضرها ( العلماء والفقهاء وأرباب الدولة ). 

دوران المحمل:

  1 ــ  ورث المماليك عن الفاطميين عادة الإحتفال السنوى بدوران المحمل ، فيطوف الجمل يحمل كسوة الكعبة وقافلة تحمل الصدقات ومخصصات ( الحرمين) ، وينتظر الناس فى القاهرة دوران المحمل قبله بثلاثة أيام ، وتمتلىء الطرقات والشرفات بالناس ، وحتى عصر قريب يقول أحمد أمين : ( ويتبرك المصريون بالمحمل) ( والناس عادة يتبركون بالمحمل ويتمسحون بالكسوة ويقبّلون شراشيبها، ومن استطاع ذلك كان له الفخر حتى كأنه قبّل يد النبى (ص)[16]).  والتصوف الذى حول المحمل إلى نصب مقدس يتبرك الناس بتقبيله هو الذى جعل من الإحتفال بدوران المحمل مناسبة سنوية للانحلال الخلقى حين يتزاحم الرجال والنساء والصبيان أياما بسبب المحمل .

2 ــ  والحوليات التاريخية للعصر المملوكى كانت تذكر دوران المحمل مشفوعا بما يحدث فيه من انحلال خلقى . ففى حوادث سنة825 يقول المقريزى عن دوران المحمل ( زينت القاهرة لإدارة المحمل على العادة  فمنع المحتسب النساء من الجلوس على حوانيت الباعة، وتشدد فى ذلك فإمتثلن، وكانت العادة أن تجلس النساء صدرا من النهار ويبتن بالحوانيت حتى ينظرن المحمل من الغد ، فيختلطن بالرجال فى مدة يومين وليلة وتقع أمور غير مرضية ، فعُدّ منعهن من جميل ماصُنع ، لكنه لم يتم ، وعُدن فيما بعد كما كُن ، لإهمال أمرهن )[17] .

3 ــ  ويذكر المقريزى عن دوران المحمل سنة 841 أنه خطف مماليك السلطان النساء والصبيان للفساد ، ورسم بعد ذلك بمنع المماليك من النزول للقاهرة لأنهم صاروا ينزلون فى طوائف فى أماكن اجتماع العامة ويتفننون فى العبث والفساد، من أخذ عمائم الرجال واغتصاب النساء والصبيان وتناول معايش الباعة ( فلم يتم منعهم)[18]. . أى أن عادة المحمل جرأت المماليك السلطانية على الإسهام فى الانحلال الخلقى ، وصارت عادة للجند المماليك ــ خصوصا الأجلاب ــ أن يهجموا على النساء فى أى وقت يقول ابن إياس أن مماليك يلبغا( صاروا يهجمون على النساء فى الحمامات ، ويخطفون الصبيان المردان فى الأسواق [19].          

  4 ــ  ويقول ابن حجر فى حوادث سنة 831 أن الشيخ علاء الدين البخارى التمس من السلطان أن يبطل إدارة المحمل حسما لمادة الفساد التى جرت به العادة عند إدارته فى الليل والنهر من ارتكاب المنكرات والتجاهر بالمعاصى[20].

   5 ــ   ويذكر الصيرفى وقائع دوران المحمل سنة832  نقلا عن المقريزى أما أبو المحاسن فقد عاصر دوران المحمل سنة 841 فأورد ماحدث فيه من خطف للنساء والصبيان [21].

 6 ــ  واستمرت عادة المحمل تحمل سنويا عناصر الفساد فيقول ابن إياس عنه فى سنة 861( أدير المحمل على العادة ،ولكن حصل فيه المماليك الجلبان غاية الضرر فى حق الناس من خطف النساء والصبيان وعمائم الناس ) وتكرر ذلك فى السنوات اللاحقة[22]

الأعياد الإسلامية :

1 ــ  لقد كان دوران المحمل عادة دينية أحدثها الفاطميون فما لبث التصوف أن ترك عليها بصماته الانحلالية .وبالمثل حوَل التصوف من الأعياد الإسلامية مناسبات للانحلال . ففى رمضان شهر التقوى اعتاد العصر المملوكى أن يحول لياليه إلى سهر صاخب ولم ينس البعض نهار رمضان ، ففى سنة 909 فى رمضان قبض الوالى على أربعة أنفار من العوام وجدهم (فى بستان ومعهم امرأة، وهم يأكلون ملوحة بالنهار، وقيل أنهم كانوا سكارى )[23].

  2 ــ  وفى عيد الفطر سنة 801 يقول المقريزى ( أقبل الناس فى يوم العيد ومابعده على أنواع من اللهو فى القرافة والترب خارج القاهرة وبخرطوم الجزيرة الذى انحسر عنها ماء النيل ببولاق ، فمرّ لهم فيه مسرات وتفننوا فى أنواع اللذات ، وكأنما كانوا يودعون الأمن والراحات[24].  إن ماء النيل عندما انحسر أمام بولاق وأظهر الجزيرة ــ أو مايعرف الآن بالجزيرة والزمالك ــ فقد تحولت تلك الجزيرة الرائعة إلى مناطق للهو حتى فى المناسبات الإسلامية .

الأعياد القبطية :

 1 ــ  والتصوف فى العصر المملوكى لم يعرف التعصب الدينى فى ممارسة اللذات فى المناسبات الدينية المختلفة ،  فاحتفل الناس بالمناسبات الصوفية مع الإسلامية ومع القبطية . أى جعل المسلمين والأقباط أُخوة متحابين متعاونين فى خدمة شيطان الانحلال الخلقى فى وحدة وطنية رائعة .!!.

2 ــ  وأشهر الأعياد القبطية التى كان المصريون جميعهم من مسلمين وأقباط ــ يحتفلون بها هو عيد الشهيد ، يقول عنه المقريزى ( ومما كان يعمل بمصر عيد الشهيد ، وكان من أنزه فُرج مصر ــ ويخرج عامة أهل القاهرة ومصر على إختلاف طبقاتهم وينصبون الخيم على شطوط النيل وفى الجزائر ، ولا يبقى مغن ولا مغنية ولا صاحب لهو ولا رب ملعوب ولا  بغى ولا مخنث ولا ماجن ولا خليع ولا فاتك ولا فاسق إلا ويخرج لهذا العيد، فيجتمع عالم عظيم لايحصيهم إلا خالقهم ، وتصرف أموال لاتنحصر ، ويتجاهر هناك بما لا يحتمل من المعاصى والفسوق ، وتثور فتن وتقتل أناس ، ويباع من الخمر خاصة فى ذلك اليوم بما ينيف على مائة ألف درهم فضة عنها خمسة آلاف دينار ذهب ، وباع نصرانى فى يوم بمائتى عشر ألف درهم فضة من الخمر، وكان اجتماع الناس لعيد الشهيد دائما بناحية شبرا من ضواحى القاهرة ).

 وقد أبطل الأمير بيبرس الجاشنكير ذلك العيد فى سلطنة الناصر محمد بن قلاوون ، وأعاده الناصر محمد فيما بعد، ونترك المقريزى يحكى ظروف إعادة الإحتفال بذلك العيد القبطى يقول ( فبطل العيد من تلك السنة (702) ولم يزل منقطعا إلى سنة 738 وعمر الناصر محمد بن قلاوون الجسر فى بحر النيل .. فطلب الأمير يلبغا اليحياوى والأمير الطنبغا الماردينى من السلطان أن يخرجا إلى الصيد ويغيبا مدة فلم تطب نفسه بذلك لشدة غرامه بهما وتهتكه فى محبتهما ، وأراد صرفهما عن السفر فقال لهما : نحن نعيد عمل عيد الشهيد فيكون تفرجكما عليه أنزه من خروجكما إلى الصيد ــ وكان قد قرب أوان وقت عيد الشهيد ــ فرضيا منه بذلك ، وأشيع فى الإقليم إعادة عمل عيد الشهيد ، فلما كان اليوم الذى كانت فيه العادة بعمله ركب الأمراء النيل فى الشخاتير ، واجتمع الناس من كل جهة ، وبرز أرباب الغناء وأصحاب اللهو والخلاعة ، فركبوا النيل وتجاهروا بما كانت عادتهم المجاهرة به من أنواع المنكرات ، وتوسع الأمراء فى تنوع الأطعمة والحلاوات وغيرها توسعا خرجوا فيه عن الحد فى الكثرة البالغة ، وعم الناس منهم مالا يمكن وصفه لكثرته واستمروا على ذلك ثلاثة أيام.! ) ، أى أن السبب فى إعادة الإحتفال بعيد الشهيد هو أن السلطان كان مغرما جنسيا باثنين من الأمراء ، وأراد استبقاءهما إلى جانبه ، فأعاد الإحتفال بعيد الشهيد ومايحدث فيه من الفواحش[25]. والناس على دين ملوكهم .. وشيوخهم ..

  3 ــ  وفى عيد النوروز كانوا ــ على حد قول ابن إياس ( يتجاهرون فى ذلك اليوم بشرب الخمور وكثرة الفسوق فى أماكن المفترجات حتى يخرجون فى ذلك عن الحد ، وربما كان يقتل فى ذلك اليوم جماعة ممن يعربدون على بعضهم فى السكر ، ولاينكر ذلك بين الناس) وقد أبطل برقوق ماكان يعمل فى يوم النوروز وقبض الوالى ( على من يفعل ذلك فى  أماكن المفترجات ، وضربوا بالمقارع ، وقطعت أيدى بعضهم ونصبت المشانق تهديدا ، فأسكت الناس عما كانوا يفعلون فى ذلك اليوم ، وصاروا يفعلون بعض شىء من ذلك فى أماكن المفترجات فى الخلجان والبرك أو نحو ذلك )[26]

4 ــ         وفى عيد وفاء النيل ــ وهو من التراث الفرعونى ــ كان الناس يجتمعون ، وعلى حد قول الصيرفى : ( وأظهروا مفاسد وقبائح لايسعنا ذكرها)، وكان ذلك سنة 875، وقد ذكر الصيرفى بعض رءوس الموضوعات فيما حدث فى ذلك اليوم يقول ( فهرع الناس إلى الأماكن المقدم ذكرها ، وهى الروضة والجسر والجزيرة وغير ذلك ، وأظهروا المفاسد والقبائح والزنا واللواط والخمر والحشيش وركوب البحر بالملاهى)[27].

ويقول ابن إياس عن نفس المناسبة سنة 918 أن والى القاهرة كان طيلة الليل يدور فى مركب وينادى فى الناس بالأمان والإطمئنان ( وأن لا أحد يشوش على أحد ، ولامملوك يعبث على امرأة ) فكل ماكان يهتم به الناس فى عصر ابن إياس هو الأمان أثناء العصيان ، ولكن قلما يكون أمان ، يقول ابن إياس: ( ولكن عبث المماليك فى الطرقات على الناس .. وقتل مملوك امرأة )[28]

 



[1]
ـ. عبدالصمد. الجواهر 69، 66

[2]ـ عبدالصمد . الجواهر 69، 66.

[3]ـ. التبر المسبوك 176.

[4]ـ أبوالمحاسن : المنهل الصافى . مخطوط جـ2/736  ،737

[5]ـ. تاريخ ابن اياس ج2/258

[6]ـ. التبر المسبوك177

[7]ـ. المنهل الصافى مخطوط ج1/556

[8]ـ. تاريخ ابن الفرات ج9/1/27، 42 : 43

[9]ـ. السلوك ج3/2/576

[10]ـ. المنهل الصافى ج1/556: 557

[11]ـ. إنباء الغمر جـ1/351 :357.

[12]ـ. نزهة النفوس جـ1/169

[13]ـ تاريخ ابن اياس جـ 4/114، 132، 152، 214، 375

[14]ـ لطائف المنن 334 ط قديمة

[15]ـ. تاريخ الجبرتى جـ 2/142.

[16]ـ قاموس العادات والتقاليد 48، 360.

[17]ـ. السلوك ج4/2/614 ، 800، 1026، 1027

[18]ـ السلوك ج4/2/614 ، 800، 1026، 1027

[19]ـ. ـ تاريخ ابن اياس ج1/2/67

[20]ـ. نزهة النفوس 832 مخطوط

[21]ـ النجوم الزاهرة ج15/90

[22]ـ..تاريخ ابن اياس ج2/339، 340، 428، 447.

[23]ـ تاريخ ابن اياس ج4/62

[24]ـ السلوك ج3/2/935.

[25]ـ الخطط ج1/125:126

[26]ـ.تاريخ ابن اياس ج1/2/363: 364،  365.

[27]ـ إنباء الهصر 203. .

[28]ـ تاريخ ابن اياس ج4/277 .

اجمالي القراءات 7713