عن موعد النهاية التى نعرف فيها نتيجة الابتلاء ف 4 / 2
بقى على يوم القيامة : ما تبقى من عمرك + يوم أو أقل من يوم ف 4 / 2

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٨ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة : خذها حقيقة قرآنية (بقى على يوم القيامة : ما تبقى من عمرك + يوم أو أقل من يوم  ) ( بقى على موعد معرفتك بنتيجة إبتلائك وإختبارك فى الدنيا : ما تبقى من عمرك + يوم أو بعض  يوم ).

 لنفرض أنك فى الثلاثين الآن ، وموعد موتك ــ المحدد سلفا ــ هو بعد عشرين عاما ، إذن بقى على يوم الحساب بالنسبة لك عشرون عاما زائد يوم أو بعض يوم . لنفرض أنك الآن فى الستين وبقى على موعد يومك المحدد سلفا عشرة أيام فقط ، إذن بقى على يوم الحساب عشرة أيام زائد يوم أو أقل من يوم . لماذا ؟ لأنك حين تموت تدخل البرزخ ولا تشعر بالزمن ، ولا بمرور الزمن ، وحين تستيقظ عند البعث تظن أنك قد مُتّ بالأمس فقط ، أى أنك مُتّ منذ يوم أو بعض يوم . لا فارق فى ذلك بين أبيك آدم الذى مات من عشرات الألوف من السنين ، ولافارق بين من سيموت بعدك من أبناء آدم فى السنين القادمة . كلنا من آدم الى آخر فرد من ذريته مات أو يموت الآن أو سيموت يكون البرزخ الذى يدخل فيه بلا زمن . وعندما يستيقظ سيشعر أنه مات ليلة أمس أو بالأمس ، ويتذكر آخر ما حدث له فىفى آخر حياته الدنيا مثلما يتذكر ذلك الحى الذى يستيقظ من النوم بذاكرته التى نام بها . هذا هو موجز هذا المقال . واليكم التفصيل

أولا : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا )

عن موعد العذاب القريب جدا : 

 يقول جل وعلا ينذر الكافرين : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40) النبأ ). العذاب هو يوم القيامة  لأن سياق الآية الكريمة الموضعى هو عن يوم القيامة ، يقول جل وعلا : (  رَبِّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40) النبأ ).

  هل المقصود هنا هو إقتراب الساعة   :

1 ــ لقد إقترب موعد الساعة وتدمير العالم . بدأت الإشارة لذلك فى حديث رب العزة مع موسى عليه السلام : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) طه ). وبعد موسى بألفى سنة تقريبا إقترب الموعد أكثر  بنزول القرآن خاتم الرسالات السماوية وآخر وحى الاهى للبشرية . وفيه إشارة لأشراط أو علامات الساعة المذكورة فى القرآن ، يقول جل وعلا : ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)  محمد ). بل إن الأمر الالهى صدر فعلا بقيامها ، ولكن سيحل وقت قيامها بزمننا الأرضى ، والله جل وعلا يقول : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1 ) النحل ) ، وهو جل وعلا يستعمل الفعل الماضى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ) بالنسبة لصدور الأمر الالهى ، ويستعمل الفعل المضارع بالنسبة لنا : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) . والله جل وعلا يستعما الفعل الماضى عن إقتراب الساعة وعلاماتها مثل شق وتدمير القمر فيقول : (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)  القمر ). ويقول أيضا عن إقتراب موعد الساعة وتدمير العالم ويوم الحساب وغفلة الناس عن هذا الموضوع الخطير : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1 )( الأنبياء ). وبالمناسبة نزل القرآن الكريم بهذا منذ أكثر من الف واربعمائة سنة . فماذا بقى على قيامها ؟!

2 ــ السؤال : هل أقتراب الساعة هذا هو المقصود بقوله جل وعلا :( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ) ؟ الجواب بالنفى . لأن الساعة لم تقم حتى الان بعد أكثر من الف واربعمائة سنة من نزول هذه الآية الكريمة . ربما بقى على قيامها عدة قرون أو عدة عقود من الزمن . الله جل وعلا هو الأعلم بالوقت المحدد لقيامها . ولم نصله حتى كتابة هذا المقال .

3 ــ لقد نزلت الآية الكريمة فى مكة ، والرسول عليه السلام يواجه أعداءه ، ومنهم أبوجهل وأبو لهب . وأنذرهم رب العزة  بعذاب قريب ـ ونعرف من التاريخ أن أبا جهل قُتل فى موقعة بدر ، وأن أبا لهب هلك كمدا عندما علم بهزيمة قريش فى معركة بدر . أى إن كلا منهما عاش بضع سنوات بعد نزول قوله جل وعلا : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ). وعندما ماتا دخلا فى برزخ لا زمن ولا إحساس فيه ، وبالتالى فعند البعث سيتخيلون أنهما ماتا فقط بالأمس القريب . ويكون المعنى أنه مرت عليهما بضع سنوات و أقل من يوم بعد نزول قوله جل وعلا (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ).

4 ــ ورب العزة جل وعلا ينذر أيضا كل كافر سيأتى بعد كفار قريش بعذاب قريب. أى يتساوى كل الكافرين بعذاب قريب ، مهما إختلف موعد موتهم ، لأن الجميع يتساوون بدخول البرزخ ، كل منهم يفقد الاحساس بالزمن ، وكل منّا عند البعث سيظن أنه مات بالأمس القريب فقط ، سواء مات من آلاف السنين أو من آلاف الشهور أو من آلاف الأيام . والكافر سيعرف عندها معنى قوله جل وعلا : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ) .! محور الفهم هنا فى ( البرزخ ) 

ثانيا : البرزخ

1 ـ البرزخ يعنى الحاجز بين شيئين مختلفين .  

2 ــ فى إشارة علمية قرآنية لعدم إختلاط الماء العذب ( فى الأنهار ) بالماء المالح فى البحار يقول جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) ) الفرقان ) . هناك أنهار تنبع داخل المحيطات والبحار ، ولكن لا يختلط ماؤها العذب بالماء المالح  المحيط بها ، يظل بينهما برزح وحجر محجور . وتصب الأنهار فى البحار ولا يختلط الماء العذب بالماء المالح لأن بينهما برزخا وحجرا محجورا .

3 ــ وجاءت كلمة ( البرزخ ) مرة أخرى تعنى الحاجز بين زمنين مختلفين ( الزمن الدنيوى والزمن الأخروى الخالد الأبدى ) . الزمن الدنيوى المتحرك  هو الذى نعيشه فى قطار الحياة الذى نصعد فيه لحظة الميلاد ويسير بنا وبغيرنا الى الأمام دون توقف ، وكل منا يهبط بالموت فى موعد أو ( محطة ) موته . (الزمن الخالد الأبدى ) الذى يحل بالبعث بعد قيام الساعة وتدمير هذا العالم ، أو تدمير قطار الحياة الدنيا ونهاية الحياة الدنيا بزمنها المتحرك الى الأمام دائما دون توقف.

البرزخ هو حاجز بين هذا وذاك. هذا البرزخ هو مستوى من الوجود يتوقف فيه الاحساس بالزمن . والموت هو إنعدام الاحساس بالزمن ، لذا عندما تستيقظ النفس البشرية بالبعث تتذكر آخر ذكرياتها على أنها حدثت منذ يوم أو أقل من يوم حتى لو كان قد فات على موتها آلاف السنين . يقول جل وعلا عن هذا البرزخ  الذى تدخل فيه النفس بالموت : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ). إذن هو برزخ حاجز بين الموت والبعث .

4 ــ والطريف أن وصف ( حجرا محجورا ) جاء أيضا مرتين فقط فى القرآن الكريم وفى سورة الفرقان بالتحديد. عن البرزخ المادى الفاصل بين ماء البحر وماء النهر يقول جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) ) وعن موقف الكافرين يوم القيامة عندما يرون الملائكة : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) )

 برزخ النوم وبرزخ الموت :

1 ـ يجمع بين الموت والنوم أن كليهما ( وفاة ) أى فى النوم تعود النفس الى برزخها الذى أتت منه ، وقد وفّت عملها لهذا اليوم والمقسوم لها من الحتميات ـ بالنوم تعود الى البرزخ عودة مؤقتة ثم ترجع ثانيا الى جسدها باليقظة .، أما عند الموت فتعود النفس الى البرزخ الذى أتت منه ، ولا تعود لجسدها البشرى المادى مطلقا ، تعود يوم البعث فى خلق جديد تحمل عملها . يقول جل وعلا : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر ) . لو كنا من الذين يتفكرون وفكرنا وتدبرنا معنى الآية الكريمة لأدركنا التشابه بين ( النوم والموت ). فالنوم وفاة أو موت جزئى ، ونحن تدخل أنفسنا البرزخ كلما إستغرقنا فى النوم . ولنا كتاب منشور هنا عن حقائق الموت فى القرآن الكريم : ( كتاب الموت ).

2 ــ وربنا جل وعلا يقول  : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60)) الأنعام ). ونتوقف مع كل جملة فى الآية الكريمة : قوله جل وعلا : (يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ )  يعنى النوم . قوله جل وعلا (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) يعنى ( توفية وتسجيل ) ما نفعله فى يقظتنا بجوارحنا . قوله جل وعلا : (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) أى إستيقاظنا بالنهار . فالنوم وفاة ( مؤقتة )والاستيقاظ بعث ( مؤقت ) . ويقول جل وعلا : (لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ) ، والأجل المُسمّى هنا هو الموت .  أى يستمر النوم واليقظة الى أن يحين الأجل المسمى وينقضى العُمر المحدد المكتوب سلفا ، نفهم هذا من قوله جل وعلا عن ( اجل الموت المحدد المكتوب سلفا ): (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً  ) (145) آل عمران )،( وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)) المنافقون ) . ونستمر مع الآية الكريمة : يقول جل وعلا : (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) أى يوم البعث . ويقول جل وعلا : (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، اى يوم الحساب . أى فى آية واحدة معدودة الكلمات جاء تلخيص الحياة والموت والبرزخ والبعث و الحساب .

3 ــ والانسان فى كل ذلك لا يستطيع الفرار من ربه جل وعلا ، يقول جل وعلا فى الآية التالية عن قهره لنا بالنوم ( هل تستطيع الحياة بدون نوم ؟ ) وتسجيل أعمالنا وحفظها والموت والبعث والحساب : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61)) الأنعام )

  إنعدام الاحساس برزخ النوم والموت:

1 ــ فى النوم لا يُحسُّ الانسان بما حوله وبمن حوله . يُحسُّ فقط عندما يوقظه أحد أو حين يستيقظ بنفسه. وكذلك الحال فى برزخ الموت . لا إحساس مطلقا داخل البرزخ للميت أو للنائم .

2 ـ ولأنه لا إحساس فى الموت وبرزخه فإن الله جل وعلا يتجاوز مرحلة البرزخ عند الإشارة الى آخر إحساس للميت قبيل دخوله البرزخ وأول إحساس له عند البعث وخروجه من البرزخ ، لأن فترة أو مرحلة البرزخ عديمة الإحساس . يقول جل وعلا عن موت البشر من أعدائه جل وعلا الذين يزعمون الوحى الالهى ويفترون على الله جل وعلا كذبا وما تقوله لهم ملائكة الموت تأنيبا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) الأنعام ) . آخر ما يسمعونه قبيل دخولهم البرزخ هو قول ملائكة الموت (  أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ  ). أما أول ما سيسمعونه عند خروجهم من البرزخ عند البعث فيأتى مباشرة فى الآية التالية حيث يُقال لهم :( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الأنعام ). بين آخر ما سمعوه من ملائكة الموت وأول ما سيسمعونه يوم البعث مستوى برزخى لا إحساس فيه ، ولا كلام ولا سماع ، لذا تمّ تجاوزه ، بالانتقال مباشرة من الموت الى البعث.

ويقول جل وعلا أيضا فى تأكيد نفس الحقيقة : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق ) هذا عن الموت، ثم سكون وسكوت ، ويتبدد هذا الموات والسكون والسكوت بنفخ الصور ، وهو التعبير القرآنى المجازى عن الانفجار الثانى الذى يتم به البعث ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)  ق ). هنا إنتقال مباشر من الموت الى البعث، لأن ما بينهما موات لا إحساس فيه .

الأحياء فى البرزخ

1 ــ  لا يوجد إحساس فى البرزخ ، والموت يعنى إنعدام الإحساس وإنعدام الشعور بالزمن . هذا لأغلبية البشر . ولكن هناك أقلية مستثناة .

2 ــ منها من يتعرض لتعذيب مستمر فى إحدى مستويات البرزخ ، مثل قوم نوح ، قال عنهم جل وعلا : (  مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25)) نوح ) ومنهم فرعون وقومه ، يقول جل وعلا عنهم : ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)) غافر ).

3 ــ من هذه الأقلية المٌستثناة من يتنعم فى البرزخ ، وهم الذين يُقتلون فى سبيل الله جل وعلا ــ جعلنا رب العزة منهم ــ . وهؤلاء ينهى رب العزة عن وصفهم بالموتى ، أو أن نقول عنهم موتى لأنهم أحياء فى ضيافة ربهم أو عند ربهم يُرزقون ، وإن كنا لا نشعر بحياتهم لأنهم فى مستوى برزخى أرضى يروننا ولا نراهم ، يقول جل وعلا : (  وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)) البقرة ). هم فى مستواهم البرزحى يحسّون بأهاليهم وهم فرحون بفضل الله جل وعلا ويتمنون أن يلحق بهم أحبّتهم ، يقول جل وعلا بأسلوب التأكيد الثقيل ينهانا عن إعتبارهم موتى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) آل عمران  ). التفاصيل فى كتابنا عن ( عذاب القبر والثعبان الأقرع ) وهو منشور هنا. 

برزخ النوم  بلا إحساس : يوم أو بعض يوم

1 ـ أمات الله رجلا أو جعله ينام مائة عام ثم أيقظه أو بعثه ، فتخيل أنه نام يوما أو بعض يوم : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ )(259) البقرة ). مرّ عليه فى البرزخ فى النوم مائة عام ، وعندما إستيقظ حسب أنه لبث نائما يوما أو بعض يوم . 

2 ــ أهل الكهف ناموا 309 عاما : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)) الكهف ). وعندما إستيقظوا طنزا أنهم ناموا يوما أو أقل ، اى مجرد ليلة واحدة ، وإستيقظوا يحملون آخر ذكريات لهم حين هربوا من قومهم فإعتقدوا ان قومهم لا يزالون يطاردونهم بيما مات قومهم من حوالى 300 عام ، يقول جل وعلا عنهم : (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) ) الكهف ).

3 ــ أى لا فارق بين نوم برزخى يستمر ليلة أو يستمر مائة عام أو 309 عاما . فى كل الأحوال يحسبه المستيقظ مجرد ليلة ، لأن نفسه كانت فى البرزخ ، حيث لا زمن ولا إحساس ولا شعور فى البرزخ .

برزخ الموت بلا إحساس

1 ــ نفس الحال بعدالاستيقاظ من برزخ الموت ، أى عند البعث ، كانوا يسألون النبى عن موعد الساعة وينزل الرد بأنه لا علم له عليه السلام بموعدها ، وتكرر هذا فى القرآن الكريم كثيرا ، ومنه قوله جل وعلا :  (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) النازعات ). الشاهد هنا قوله جل وعلا:(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا )، أى يظنون انهم ماتوا أو ناموا ثم إستيقظوا بعد عشية أو ضحاها .

2 ــ ويقول جل وعلا عن البعث وقيام الساعة : (  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) الروم ).يقسم المجرمون أنه مرّت عليهم ساعة فقط من الزمن .ويرد عليهم أولو العلم الايمانى : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم ) 

3 ــ ويقول جل وعلا عن الحشر : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ )(45) يونس ) . أى عند الحشر يتصورون حياتهم الدنيا ومدة بقائهم فيها كما لو كانت ساعة تعارف بينهم مرّت وانقضت .!

4 ـ ويقول جل وعلا عنهم فى الحشر وهم يتساءلون فى خفية ويختلفون فى المدة التى قضوها فى البرزخ : (يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (104) طه   ) 

وفى النهاية

1 ــ نقولها مرة ثانية :

خذها حقيقة قرآنية (بقى على يوم القيامة : ما تبقى من عمرك + يوم أو أقل من يوم  ) ( بقى على موعد معرفتك بنتيجة إبتلائك وإختبارك فى الدنيا : ما تبقى من عمرك + يوم أو بعض يوم ).  لنفرض أنك فى الثلاثين الآن ، وموعد موتك ــ المحدد سلفا ــ هو بعد عشرين عاما ، إذن بقى على يوم الحساب بالنسبة لك عشرون عاما زائد يوم أو بعض يوم . لنفرض أنك الآن فى الستين وبقى على موعد يومك المحدد سلفا عشرة أيام فقط ، إذن بقى على يوم الحساب عشرة أيام زائد يوم أو أقل من يوم .

أغمض عينيك وتخيل ما سبق .!!

2 ــ ونقول لمن يكفر بحديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم ويؤمن بحديث غيره:

يجب أن تتذكر أنك سائر نحو الموت فى قطار سرعته  60 دقيقة ، وفى كل دقيقة تمر تقترب من أجلك المحدد ، تذكر قوله جل وعلا :  ( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)  الأعراف ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

انتهى كتاب ( إلابتلاء )

مقدمة كتاب ( الابتلاء )

كان مقالا فأصبح كتابا ..

كالعادة : سؤال يرد لى فأبحث عن الاجابة فى القرآن الكريم ، وأكتب مقالا ، فتتكشف لى حقائق قرآنية جديدة ، فيتحول المقال الى مقالات ، ثم ينتهى الأمر بكتاب . جاءنى سؤال من قرأنى تعرض لابتلاء ، فكتبت مقالا فى حتمية ابتلاء المؤمنين ، وتشعب الموضوع ليصبح هذا الكتاب .

بعد خمسين عاما من معايشة القرآن ؛ كلما إزددت منه علما إزداد إحساسى بأنى لا ازال تلميذا على ساحل التدبر فى آياته .

سبحان من أنزله نورا وهدى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة  )  

ودائما : صدق الله العظيم 

 

اجمالي القراءات 9582