الرحلة الأخيرة

شادي طلعت في السبت ٢٥ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

رحلة اللاعودة، رحيل بلا متاع، لجزاء من عقاب وثواب، جنة أو نار، كتاب سجل تاريخ الإنسان، بحلوه ومره، وخيره وشره، لقاء أخير، بينه وبين مالك الكون خطوات، فإما رؤية وجهه وإما الحرمان منه، إنها الرحلة الأخيرة، إنه الموت، بعد حياة إمتلأت بنفاق ومنغصات، وآلام مادية ومعنوية، سادها زيف وكذب ورياء، إن الأرض نقطة في بحر الله، بينما تظل كبيرة على الإنسان، فمهما طاف أو جال فيها، فلن يبلغ نهايتها، ولن يعلم عنها كل شيء، فلم يؤتى الإنسان من العلم إلا قليلا، بيد أن لكل إنسان حق وحقيقة، لا يكرهها إلا الجاهلون، إنه الموت، الحقيقة التي ينساها الإنسان، بيد أنه قادم لا محالة، ولكن في الرحلة الأخيرة.
.
الناس يسيرون على التراب، ولا يفكرون في أن التراب الذي يدوسوه بأقدامهم، كان أجساداً لأناس قد سبقوهم وقد رحلوا، بلت أجسادهم وتحولت إلى تراب، إن الفناء من الدنيا بالجسد، هو أمر حتمي، ولا يبقى سوى الذكرى، والتي تفنى أيضاً، بفناء جيل أو جيلين لاحقين، وفي هذا المقام أذهب لأسطورة حرب طرواده، عندما ذهب المحارب "أخيليس" ليسأل أمه، هل يذهب إلى الحرب في طرواده أم لا، فقالت له أمه، إن لم تذهب ستبقى معي وستتزوج، وسوف تنجب أبناءاً يحبونك، وسيكون لك أحفاداً يحبونك أيضاً، ثم ستموت، ولكن سيظل أبناؤك يذكرونك بالخير، ويأتي من بعدهم أحفادك ليذكروك بالخير أيضاً، ثم ستنتهي ذكراك وسيمحى إسمك من الدنيا ! ولكن إن ذهبت إلى الحرب في طروادة فسيتحدث التاريخ عنك ويذكر بطولاتك لآلاف السنين، ولكن كلما إقتربت الحرب من نهايتها، ستقترب نهايتك، ولن تعود، وتركت الأم الإختيار لإبنها، فإذا به يختار الإختيار الثاني، ويذهب للحرب، فقد أراد أن تبقى ذكراه لآلاف السنين، لكن الواقع أنه سيأتي وقت مهما طالت السنوات، وسينسى التاريخ أيضاً إسمه.
 
قالوا عن الموت، أنه مفرق الجماعات وهادم اللذات، إنه الشيء الذي لم ينل ترحاب البشرية أبداً، ودائماً ما يسعى الإنسان إلى محاربته بشتى الوسائل، فأصبح في كل يوم جديد في الطب والجراحة، وتطور العلاج ليكون طبيعياً في مواقع، ونفسياً في مواقع أخرى، أصبح لدينا قلب صناعي بديل، وأجهزة لغسيل الدم، وها نحن مع كل يوم يمر نسمع الجديد في العلم، ويعتبر العلماء كل جديد إنتصاراً على الموت ! ولكن منذ أن خلق الله الكون، والموت موجود، سقطت أمامه أعتى الحضارات، وإرتمى أمامه الملوك والوحوش، والجبابرة من شتى أنواع المخلوقات، إن الإنتصارات التي يحققها العلماء في الطب، ليست إنتصارات، إنها رقصات ليست كأي رقصات، فالفارق كبير بين رقص الفرح ورقص المذبوح.
 
في الرواية الأمريكية "جنة الملائكة" بينت لنا، أن الملائكة لا تشعر وتفتقد للحواس الخمس، كما أنها مخلوقات لا تنام، ولا تأكل أو تشرب، والأهم أنها لاتموت ! وإنتهت الرواية في النهاية، إلى أن الأنسان أكثر سعادة من الملاك، فلديه حواس خمس، ولديه شعور بالمتعة والألم والمأكل والمشرب، وفي النهاية يكون الإنسان أكثر حظاً من الملاك، لأنه سيأتي عليه يوم ويموت، فالموت نعمة، ولكن لمن يعي ويفهم.
 
مهما أحب الإنسان الدنيا، فإنها في النهاية ستهجرة، فطبيعتها الغدر والخيانة، ومهما كره الإنسان الموت، فسوف يأتيه في زمان ومكان ما، لأن الموت، يتسم بالوفاء، حتى وإن جار عليه الإنسان أو غيره من المخلوقات، ولو خير الإنسان بين الغدر والوفاء، فسوف يختار الوفاء ! من هذا المنطلق نتساءل، لماذا إذاً نكره الموت.
 
إن الحياة الدنيا، زائلة لا محالة، والحياة الآخرة قادمة أيضاً لا محالة، حقاً أننا لا نعلم عنها سوى القليل، أو أنها ما بين جنة أو نار، إلا أنني أرى أن الحياة الآخرة، تختلف عن كل ما قيل أو كتب أو دون، فلا أحد يستطيع أن يجزم بشكل الحياة الآخرة، أو شكل وطريقة الحساب، فجميع ما يتداوله رجال الدين، في أي دين كان، سماوي أو غير سماوي، كلها إجتهادات، ولكُل إجتهاده الخاص، وبعيداً عن الأديان السماوية، نرى الهندوس يؤمنون بأن الإنسان من بعد موته، يبعث مجدداً في الحياة الدنيا أيضاً، فإن كان عمله صالحاً في حياته الدنيا الأولى، فسوف يكون حاله أفضل في الحياة الدُنيا الثانية، وفي إجتهاد خاص للدكتور/ مصطفى محمود، كتب رواية : زيارة إلى الجنة والنار، وكانت الجنة في الرواية، حياة مرفهة، بينما النار حياة متقشفة، تفتقر لأدنى حد للمعيشة الكريمة !.
 
لقد ذُكر بأن الجنة بها "مالا عين رأت ولا أُذنُ سمعت  ولا خطر على قلب بشر" وبالتالي فإن كل ما يقال عنها لا يعد إلا إجتهاد، وأما عن ذكر القرآن للنار وطبيعتها، فقد يأتي وقت في المستقبل تكتشف فيه الأجيال القادمة توضيحاً أكثر، لمعاني القرآن، فالقرآن يختلف توضيحه من عصر إلى عصر، فقد قال الله تعالى في الآية الثانية والثالثة من سورة الروم "غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ" صدق الله العظيم، وقد وضح الناس وقتها معنى الآية، بأن كلمة "أدنى الأرض" منطقة بعيدة، بينما وضحها العلم الحديث، بأن تلك الحرب قد وقعت، في أكثر بقاع الدنيا إنخفاضاً على سطح الكرة الأرضية ! لذا أقول أن لا أحد يعلم يقيناً بشكل الجنة أو النار.
 
ولكن باب الإجتهاد مفتوح، وأنا هنا أريد أن أدلي بدلوي، حول شكل الجنة والنار، وأقول أن الجنة حياة أبدية مترفة منعمة بشكل يفوق في ترفه، كل ما قد تتخيله الأعين، فالإنسان في الدنيا، مع كل يوم يكتشف عناصر جديدة للترف، وأما النار فإنها أيضاً حياة أبدية سيئة، وقد تكون أسوأ مما تتخيله الأعين أيضاً، ولكنها ليست نار تحرق كما يصورها البعض، فحقيقة أمرها، لا يعلمها إلا الله.
 
إن الرحلة الأخيرة قادمة، لكنها بحاجة إلى إعداد العدة لها، وعدتها في صنع الخير والكف عن الشر، فكم منا أعد العدة لها ! إنها رحلة قد تبدو مخيفة، لكنها بكل تأكيد ستكون جديدة، قد تكون أجمل، وقد تكون أمتع، فالدنيا مع كل متاعها، تبدو مملة، فالإنسان دوماً يبحث عن الجديد، وليس متاع الدنيا بلا نهاية، بل إنه محدود للغاية، بينما الحياة الآخرة، رحلة عبر السموات، وليس عبر الطائرات النفاثة، إنها تحرير الروح من الجسد الثقيل الممل بطلباته العديدة، لتنطلق إلى آفاق أخرى، وعالم جديد، عالم لا نعلم عنه إلا القليل، بيد أن إيماننا يجب أن يكون بأن الله في النهاية رحيم، لم يخلقنا من أجل أن يُعذِبنا، بل خلقنا وهو صاحب الرحمة، التي لم يحرمنا منها في الدنيا، فكيف سيحرمُنا منها في العالم الآخر ! إننا لم نعرف من العلم إلا قليلا، بينما الله يعلم ما في نفوسنا، وما نخفي في الصدور، إنه الأعلم بنا، وفي الرحلة الأخيرة قد نرى وجه الله، فهل نجذع من اللقاء إذاً، أم نطلب من الله أن يعجل به.
 
في النهاية : أسأل الله أن يأتيني الموت وأنا خالي من الذنوب، أسأل الله أن يُعجل بلقائي به، وأن يكون لي نصيب في رؤية وجهه الكريم، أسألُ الله أن يرضى عني، وأن يتولى زمام أموري في الدنيا والآخرة، وأسأله خيره وأعوذ به من شره وعقابه، أسأل الله أن يأتيني الموت وأنا مبتسماً فرحاً بقدومه، وسيبقى سؤالي لله في الدنيا والآخرة أن يرحمني.
 
وعلى الله قصد السبيل
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 7905