حكومة كعب الغزال وكيف صنعت المعارضة الجهنمية / الحلقة الخامسة

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٤ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

1 ــ كانت كعب الغزالى محتاجة لشىء جديد يشغل الشعب من جديد ، حتى لا يثور ، وتتلخبط الأمور ، فالغلاء ينهش الجميع منذ إعتقال الشيخ منيع ، وإخوانه الجرابيع . والشعب لن يظل خانعا ‘ذا إستمر جائعا .  

لم تعد تُجدى خُطبها الحنونة العاطفية ولا مشاريعها الوهمية البليونية ، ولا أخبار القبض على المتآمرين  من جماعة الاخوان الملاعين. لهذا وافقت كعب الغزال على إقامة حفل  يفوق الخيال .

2 ــ وتعددت المفاجآت فى الحفل  الاسطورى ...
اولها ان الحفل كله سيدور حول اغنية (كعب الغزال) لمحمد رشدى ، وثانيها انه لا توجد فرقة موسيقية عسكرية ولا قومية ولا ذهبية ولا ماسية ، ولا حتى صوفية .  الموجود فقط هو الواد حمودة راغب القفا الذى ستتسلط كل الاضواء على قفاه من كل الجهات ألصلية والفرعية ؛هو وحده الممثل والمغنى والعازف والراقص والمذيع والقارئ والمعلق ؛هو وحده البطل ، أما الجمهور فهو المسرح الذى سيلعب عليه وسيلعب به الواد حمودة راغب القفا..
2 ــ بعد تقديم الشكر والعرفان والولاء والاخلاص الى السيدة الاولى كعب الغزال قال الواد فتوح ــ وهو يقدم الحفل الذى حضرته كعب الغزال مع كل أعمدة حكمها ــ انه سيجرب لاول مرة العرض المسرحى المفرد الذى سيقوم شخص واحد فيه بكل الادوار ، وبذلك ستكون البلد رائدة لهذا الفن الجديد فى العالم كله تحت قيادة السيدة كعب الغزال . وحتى يجمع بين العالمية والمحلية فإن هذا العرض المسرحى المفرد سيدور ايضا حول موضوع وحيد محلى هو التحية للسيدة كعب الغزال بتجسيد اغنية محمد رشدى ( كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال) ....
3 ــ وظهر الواد حمودة القفا ، فلمعت الأضواء حول قفاه من الجهات الأربع الأصلية والفرعية . وصفقت له كعب الغزال ، فصفق له كبار الأتباع . وسكت التصفيق إنتظارا لما سيقوله الواد حمودة القفا .

تقدم الواد حمودة راغب القفا وإنحنى للست كعب الغزال ، وشكر الحاضرين بلسان طلق لبق بلق ، ثم قال إنه سيقدم أغنية محمد رشدى ( كعب الغزال ) بتوزيع جديد وطريقة جديدة . وقال انه لن يغنى الاغنية ولكن سيعيش الاغنية مع الجمهور وليس مطلوبا من الجمهور سوى الانصات ...

4 ــ  بعد حركات بهلوانية راقصة ، تصحبها موسيقى من جهاز تسجيل انحنى الواد حمودة راغب للجمهور وقال: تبدأ الاغنية بترديد مقطع:

كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال ... كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال ...
غناها الواد راغب بصوته .

ثم توقف فجأة وقال: الشاعر هنا يتحدث بالعامية المصرية، والمعنى بالفصحى يا سيدتى كعب الغزال يا من تزينين كعب قدمك بدم الغزال .اى هو يخاطب امرأة حسناء جميلة وقد انبهر باحمرار كعب قدميها فعبر عن ذلك باستعارة بأنها قامت بصبغ كعبها بدم الغزال . وفجأة التفت غاضبا الى الجمهور ، وصرخ:
- ممكن واحد من المعارضة المثقفين منكم يطلع ويقولى ان الشاعر يقصد الهجوم على السيدة كعب الغزال ويتهمها بالدموية وسفك الدماء والوحشية علشان بتحنى كعبها بدم الغزال؟ ... ساعتها ... هاقوله اقعد يا لوح ...
ثم استطرد قائلا:
- دم الغزال هنا مقصود به (المسك) ، وعطور المسك التى تتكون فى بطن الغزال ، وبعدين الغزال يحك بطنه فى الشجرة فيقع منها المسك ، وهو ده قصد الشاعر بالظبط...فاهمين يا بقر ..!!
5 ــ وعاد الواد حمودة راغب يغنى المقطع التالى:

انا شايف الارض بتتمرجح تحت الخلخال ... ما تبطل تمشى بحنية لايقوم زلزال ... لايقوم زلزال ...
وقفز قفزة سريعة ، ثم توقف وتكلم فى جدية:
- فى شرح هذا البيت باللغة العربية الفصحى ، الشاعر يقول انه رأى الارض تتراقص عندما مرت عليه كعب الغزال تتثنى وتتمايل وهى تلبس الخلخال ، ولأنها كانت تمشى بحنان ودلال فإن الشاعر خشى ان يحدث زلزال ... ليس فى الارض ، ولكن فى اجساد الشباب الذين يتابعون مشية كعب الغزال ، فى شبق واشتهاء وسوء حال ، ولذلك ... وخشية من وقوع ذلك الزلزال ، فإن الشاعر يتوجه برجاء الى كعب الغزال ان تتوقف عن السير بهذه الطريقة المغرية حتى يستتب الامن فى البلاد وبين العباد ...
عاود الواد حمودة القفز ثم وقف صامتا ، ثم التفت الى الجمهور فى غضب قائلا:
- ممكن الواد بتاع المعارضة اياه يتنطط ويقولى ان الزلزال هنا اسقاط ليس عن الرغبة الجنسية ولكن عن الثورة الشعبية الكامنة تحت الرماد ، لأن كعب الغزال تركت الشعب جائعا وانفقت كل اموال الدولة على مشروعات وهمية ، وتركت أعوانها يخربون البلاد ، وينهبون العباد ، وهى تتقاسم معهم المسروقات ، بالجنيه والدولارات ، وتتمتع وحدها بكل النعيم بينما يعيش الشعب الحزين فى عذاب مقيم ، يئن من الجوع ، وإذا صرخ فممنوع . !
سكت الواد حمودة راغب ثم صرخ وتكلم بلهجة خطابية:
- اذا قال كده اقوله اخرس يا معارض يا منحط يا حرامى البط ... الست كعب الغزال لا تنام الليل حزنا على سوء الحال ... الست كعب الغزال لا تنام الليل لانها تفكر فى تحسين الاحوال ..لكل النساء والرجال والأطفال ... فالست كعب الغزال صممت على حل مشكلة الخبز بزراعة القمح فى رومانيا واثيوبيا والبرتغال ... الست كعب الغزال هى اول من افتتح الصحراء وقهر ما فيها من اهوال ...الست كعب الغزال هى صاحبة المشروعات التى تٌبهر المصريين والمصريات والمسلمين والمسلمات والقبطيين والقبطيات الأحياء منهم والأموات .
ثم صرخ باعلى صوته:
- وبعدين انت نسيت توشكى واللى صرفناه فيها من اموال؟ هتقولى ده مشروع فاشل هتقولى ده كلام عُزّال ... وبدال ما تبقى معارض عمّال على بطّال ، خليك ايجابى وقولنا حل السؤال!. وإوعى يا ابن الهبلة تمسك لى طبلة ، وتقولى على مشروعات التعمير والتفحير والدعوة للتنوير إن هيه كلام فشار ما لوش أى إعتبار . كده تبقى حمار
صمت الواد حمودة ثم انطلق ضاحكا :
- مثلا عندى حل لمشروع توشكى ... نبعت الشيخ محجوب وفرقة ميليشيات من اخواته الشيوخ الى توشكا - يبنوا هناك حيطة ويقعدوا يقولوا: تبرع يا اخى لبناء مسجد نفق توشكي ، وساعتها هتلاقى توشكي بقت خضره ببركة مشايخنا ...

ونفس الحال مع كل المشروعات القديمة المنسية ، من إسوان للمنشية ..عايزة بركة الشيخ محجوب . الشيخ محجوب والهلافيت الشغالين معاه ثروة قومية بس إحنا سايبينهم عواطلية . 
6 ــ وبعد عدة رقصات وقف ليغنى المقطع التالى:

انا كنت مسافر فى الصحراء ومشوارى طويل 

ايه اللى غصبنى اروح عندك وابيع مواويل 

اتاريك مكار.. رحت شاغلهم قوية ومناديل 

ونسيت مواويلى ..بقيت انت لوحدك موال ...

ما تبطل تمشى بحنية  لا يقوم زلزال ...
وتوقف كعادته ثم انطلق يشرح باللغة الفصحى قائلا:
- الشاعر هنا – لا فُضّ فوه ، أو فُضّ فوه ، ما تفرقش  ، يقدر يركّب طقم اسنان – يقول انه كان سائرا فى الصحراء فى رحلة طويلة ثم يتساءل فى حزن عن السبب الذى اجبره على ان يترك رحلته الصحراوية فى طريقه الى توشكى ، ثم منها الى صحراء قناة السويس . ولكن لسبب ما تذكر كعب الغزال . ويأتى المسكين الى كعب الغزال ليغنى لها اشعار الغرام والغزل والهيام... وهنا الشاعر فى الحقيقة لا يتسائل باحثا عن الاجابة ، والا كان حمارا لا يختلف عنكم اهل البلدة الاعزاء ... التساؤل هنا خرج من اصله اللغوى وهو الاستفهام واصبح له هدفه البلاغى وهو التعجب ... اى يتعجب عن السبب الذى اجبره على قطع رحلته الصحراوية الغراء والذهاب الى كعب الغزال ، او قد يكون التحسر او الالم حسب نفسية الشاعر واحساساته ... لذا تراه بعدها يعرب عن خيبة امله حين اكتشف ان المحبوبة ليست ساذجة او عبيطة ، بل ألعبان وبنت ستين فى سبعين ، لذا فقد تلاعبت بالشاعر المسكين واستغلت عواطفه وإشتغلته بيديها كما تلاعب اصابعها وهى تنسج خيوط الطواقى والمناديل ... كل ذلك والشاعر المسكين قد نسى اغانيه وقصائده ودواوين شعره وتوجه بكل قلبه وما بقى من عقله نحو المحبوبة يغنى لها المواويل وهى لا تتوقف عن المشى بدلال وحنية ولا تخاف من ثورة الزلزال ...
وبعد الشرح سكت.. ثم التفت الى الجمهور غاضبا وسأل:
- فهمتوا يا غجر؟ الواضح هنا ان الشاعر خد بمبة ، بسلامته راح الى كعب الغزال عامل فيها عبد الحليم حافظ ، وقعد يسبّل عينيه ويغنى اسير الحبايب يا قلبى يا دايب ... وفكر ان اللى قدامه مريم فخر الدين او ميرفت امين ، طلعت له واحدة تشبه اسماعيل يس ... خد مقلب .. المسكين ...الشاعر المسكين خد مقلب على رأى المثل اللى بيقول (راحت تاخد بطار ابوهه ، رجعت حبلى ) ... يعنى بسلامتها راحت تقتل اللى قتل ابوها فرجعت حامل فى الشهر التاسع ...ده حال الشاعر المسكين ، خيبه بعيد عن السامعين ولا خيبة الاخوان المسلمين ..  
ممكن هنا يطلع واد تانى يقول: هنا اسقاط سياسى يتهم كعب الغزال بالمكر والاحتيال والتلاعب بعقول الرجال ... وان ده لا يليق بمن تحكم الشعب العريق ... ساعتها هاقوله اقعد واتنيل على عين اهلك ... شعب عريق مين يا حزين ... يصبر على الضرب ويقول امين ... يصبر صبر ايوب وطول عمره مركوب ... من اول مينا والفراعنة والهكسوس .. لغاية الصعيدى والمنوفى والمتعوس ... حكام نصابين من كل صنف وكل ملة...وشعب مافيش زيه فى الخنوع والذلة ...
7 ـ وعلى هذا المنوال استمر الواد حمودة راغب يرقص ويغنى ويصرخ ويشرح ويمدح ويهجو ، ويخلط الهبل على الشيطنة والعبط مع المسكنة . وكانت ليلة ليلاء . والشئ الذى ازعج كعب الغزال ، ان الجمهور ظل يصفق له باستمتاع ، بلا انقطاع ..

خامسا : بعد الحفل الاسطورى

1 ـ جلس حمودة راغب القفا صامتا امام كعب الغزال ... كانت تتامله فى صمت وليس فى الحجرة غيرهما ... اخيرا تكلمت كعب الغزال ... قالت:
- انت ايه ؟ انت مين ؟ انت ليه ؟ انت فين ؟ انت ازاى؟ انت كام ؟...انت  معايا ولا ضدى ؟ اللى زيك أٌلعبان يتلون بكل الالوان ... واكيد جاى عندى فاكرنى صيدة زى صاحبك الشاعر اللى كان فى الصحرا ومشواره طويل ...
رد عليها قائلا:
- العفو يا ست الكل ، مش معقول ابيع المية فى حارة السقايين ...
قالت:
- طيب وجاى ليه عندى هنا فى حارة السقايين يا ابن الملاعين ؟
قال:
- جاى خدام ...
قالت:
- مستحيل تشتغل عندى ... ماقدرش اثق فيك حتى لو حلفت لى بشرف امك ...

قال : لو حلفت بشرف أمى أكون كداب

ضحكت ثم قالت:
- قلت تشتغل خدام .. طيب ازاى؟ اذا ماكانش لك مكان عندى ؟
قال:
- عمرى ما فكرت ابدا اخدمك هنا زى الواد عطوة والواد عجور والواد ابو قاعود ...
 قالت ضاحكة:
- والواد الشيخ محجوب...
ابتسما ... وقالت:
- فهمتك ... وانا موافقة ... تشتغل لحسابى فى المعارضة ...
قال:
- بالظبط ...
قالت:
- موافقة ... بس نتفق ...
قال:
- تحت امرك يا ست الكل ...
قالت:
- اذا لعبت بديلك عندك الثعبان الاصلع ... واقف لك بالمرصاد ...نفسه ومُنى عينه يستلم قفاك ، ويلعب فيه على راحته .
قال:
- عارف ... وخايف ...
قالت:
- تروح تعلن توبتك ... وتربى دقنك..وتجمّع كل المعارضة حواليك وتلم كل فى قلبه مرض ومغلول من ناحيتى ... وبكده تكشف لى عن الكل ...
قال:
- وبعدين...؟
قالت:
- كل شوية اقبض على شوية واعذب شوية ... وافرش السجن حرير لشوية تائبين ... بس انت فى الحفظ والصون انت واللى تثق فيهم وترضى عنهم ...
قال:
- وحدود حركتى؟
قالت:
- بالاتفاق... لازم شوية عيال من بتوعك يشتغلوا ارهابيين هنا ، وفى البلاد التانية ... وممكن اقدم لك شوية عيال من عندى يشتغلوا معاك . ونقبض على اللى تحب نقبض عليه بعد كل عملية ...
قال:
- وبكده كل البلد تقول ان كعب الغزال ارحم من الارهابيين ومن الشيخ منيع وجماعته الكحيانين ...
قالت:
- وكل البلاد اللى برة تأيدنى علشان باقف ضد الارهاب ...
قال:
- يعنى بكده وجودى مرتبط بوجودك ... موافق ... بس فين مكسبى؟
قالت:
- هتعيش تحت حمايتى...ومن هنا ورايح مافيش اى كف هيقرب من قفاك . قفاك خط أحمر . يكون فى الحفظ والصون ..بشرفى

قال : بلاش تحلفى بشرفك . أنا فى عرضك .!

قالت : وحياة قفاك والذُّل اللى شافه أنا معاك صريحة .. ومريحة
لمس الواد حمودة راغب قفاه وتنهد قائلا:
- معقول؟!
قالت:
- ليه لأ... ده ممكن اذا لعبتها كويس لمصلحتى ... اما اذا لعبت ضدى وصدقت نفسك هتلاقى الثعبان الاصلع بيلف حوالين قفاك ...
هتف الواد حمودة قائلا:
- يا حفيظ يا رب

وبهذا تمت ولادة المعارضة الجديدة ، وهى التى ستجعل البلاد على الحديدة ..!!

وبعد أن تخلصت كعب الغزال من معارضة الشيخ  المحتال ، المسمى منيع وأصحابه الجرابيع ، أنشأت معارضة قوية فى هذا العصر ، مكتوب عليها : صُنع فى مصر .!!

اجمالي القراءات 7062