الفصل الثانى : مفرادات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية
ج3 / ف 2 : التصوف والزنا : شيوخ زُناة وشيوخ قوّادون

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠١ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الثانى : مفرادات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية .

ـ التصوف والزنا :شيوخ زُناة وشيوخ قوّادون

بعض الأشياخ الزناه  :

 1 ــ وقد اعترفت بعض المصادر الصوفية بوقوع بعض الأولياء فى الزنا ، وإن حاولت أن تخفف الإتهام، مثل ماذكره عبدالصمد الأحمدى مؤلف مناقب ( السيد البدوى ) من أن أبناء الشيخ أحمد المعلوف كانوا( على غير نعت الإستقامة) ، ولم يمنع ذلك من اتصافهم بالكرامات[1]  ، فالكرامات تستر عورة الأشياخ المنحرفين ، كما رأينا فى مناقب الحنفى وعلاقاته بنساء الأمراء .

   2 ــ  أما المصادر التاريخية خصوصا فى أوائل العصر المملوكى فقد تناولت الموضوع بصور محايدة ويتجلى ذلك فى التأريخ للشيخ خضر العدوى الذى كان شيخا للظاهر بيبرس ، ولكن سيرة خضر العدوى الشخصية تظهره فاسقا لامثيل له فى عصره ، يذكرنا بالراهب راسبوتين فى روسيا القيصرية .    

يقول النويرى صاحب موسوعة ( نهاية الأرب ) وهو معاصر للشيخ خضر ، إن الشيخ خضر  بدأ حياته يخدم بعض الأكابر فى الجزيرة فى العراق فأمر بخصيه لأنه أفسد بعض جوارى الدور ، فهرب خضر إلى حلب ، وخدم عند الأمير ابن قراطابا فأحبل جارية ، فطلبه الأمير فهرب إلى دمشق ، وأقام بمغارة فى زاويته بجبل المزة ، ثم اشتهر بعدها شيخا صوفيا واعتقده الظاهر بيبرس ، وبنى له زوايا ، فكان الشيخ خضر يجعل فى كل زاوية منها( فقراء يحملون له أرباب الجرائم من اللصوص وغيرهم ويتعاطون الفسق) على حد قول النويرى . أى حوَل زاويته لوكر  للجرائم والزنا .

 3 ــ  وكان الشيخ خضر يتباهى بفجوره علنا، يقول النويرى ــ ونحن نعتذر مقدما عن النقل ــ ( وكان يكتب إلى صاحب حماة وغيرها من الأمراء : ( خضر(نيّاك ) الحمارة) . وكتب بذلك إلى قاضى القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز ورقة ، فأغضى عنها ،ثم أخرى كذلك ، فلما وصلت له الورقة الثالثة أحضر رسوله ، وقال : " قل له والله لئن وصل إلى ورقة بعد هذه فيها  مثل هذا أحضرته لمجلس الحكم وقابلته بما يستحقه بمقتضى ماكتب بخطه "، فامتنع بعد ذلك من مكاتبته .[2]

 4 ــ       وانتقل الشيخ خضر إلى القاهرة فأنشأ له علاقات بنساء المماليك ، وكان ذلك السبب المعلن لمحاكمته وانتهاء علاقته بالظاهر بيبرس ، يقول ابن كثير عنه ( الشيخ خضر العدوى إفتتن ببعض بنات الأمراء ، وكن لايحتجبن منه ، فوقع فى الفتنة، فلما وقع ماوقع فيه حوقق عند السلطان بيسرى وقلاوون والفارس أقطاى إلاتابك ، فاعترف لهم ، فهم الظاهر بيبرس بقتله )[3].

 5 ــ  والطريف أن الشعرانى حين نقل ترجمة الشيخ خضر العدوى فى مفتتح الجزء الثانى من طبقاته أغفل الجزء الخاص بحياته الخلقية ، وحين اضطر للكلام عن سبب محاكمته أمام الظاهر بيبرس قال ( وكان السلطان ينزل لزيارته ويحادثه بأسراره ويستصحبه فى أسفاره ، فرمى أولاد الحلال بينه وبينه  فنقم عليه وحبسه) [4]. إذن أولاد الحلال هم السبب فى نكبة الشيخ البرىء خضر العدوى !!

 6 ــ  وبعض المؤرخين فى نهاية العصر المملوكى كان متأثرا بالتصوف إلى درجة جعلته لا يصرح كالنويرى وابن كثير وإنما يرمز بالإشارة . فابن اياس يتحدث عن مقتل الشيخ عبدالكريم (ق862) وكان خليفة البدوى فى طنطا يقول عنه,: ( ولا يُعلم من قتله ، وكان غير مشكور فى سيرته)، ( وُلّى خلافة البدوى مدة طويلة ، فلما مات وُلّى ( صبى) من أقاربه اسمه عبدالمجيد)[5].أى يلمح ابن اياس إلى أن ذلك الصبى هو ابن غير شرعى للشيخ عبدالكريم . والشيخ عبدالكريم المقتول غير المشكور السيرة لايمكن أن يحل محله إلا من كان إبنا له حسب الطقوس الصوفية. أما عبدالصمد الأحمدى كاتب سيرة البدوى فقد تجاهل تماما ذكر خلافةعبدالمجيد[6].

7 ــ  وفى أمثال العصر المملوكى المتأثرة بذلك الانحلال للشيوخ " هش يادبانة ، أنا حبلة من مولانا"[7] وقريب منه المثل الشعبى الحديث ( ضلالى وعامل امام ، والله حرام.!!.)[8]

صوفية قوادون:

 1 ــ  وقد سبق الاستشهاد بقول ابن الحاج ( بعض مدعى المشيخة يعطى الاجازة للشبان المردان ، ولهم صور حسان ، فيتسلطون بسبب ذلك الكشف على حريم المسلمين ) ومعناه أن بعض الصوفية عمل فى مجال الدعارة ، ليوقع بالنساء لحساب الأشياخ مستغلا جماله وشبابه .

2 ــ  وقد أضفى الصوفية على هذا النشاط اللا خلقى صبغة شرعية صوفية كالعهد بهم ، فجعلوه تعاونا على البر والتقوى فى دينهم ، مما جعل ابن القيم يقول فى القرن الثامن ( وقد يبلغ الجهل بكثير من هؤلاء إلى أن يعتقد أن التعاون على الفاحشة تعاون على الخير والبر، وأن الجالب محسن إلى العاشق ، جدير بالثواب ، وأنه ساع فى دوائه وشفائه ، وتفريج كرب العشق عنه ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )[9] .

وعلى نفس طريقة ابن القيم كتب المؤرخ المفسر ابن كثير فى ترجمة الشيخ ابراهيم الموله ت 172 ( كان يجمع النساء والرجال حوله فى الأماكن النجسة ) [10]. أى تخصص فى تجميع النساء والرجال حوله .

 3 ــ   وقبيل العصر المملوكى قيل فى ترجمة الشيخ المهتار أن امرأة مغنية مشهورة بالفجور جاءته فقام بتزويجها لأحد مريديه ، وأقام وليمة العرس على نفقته ، وجمع الفقراء الصوفية فى الحفل( وكان للمرأة صاحب من أمراء الدولة فأرسل بزجاجتين من الخمر )[11].  إذن فنشاط الصوفية فى مجال القوادة أصيل قبل العصر المملوكى.

4 ــ وبعده ازداد هذا النشاط بازدياد التصوف فى أواخر العصر المملوكى ، ووقع على عاتق الشعرانى تبرير هذا الفعل الشائن الذى يقع فيه أشياخه ، وقد وجد ضالته فى استغلال مهارته فى سبك الكرامات لتستر عورة أولئك الأولياء القوّادين.

 وقد سبق إيراد بعض الأمثلة فالشيخ على وحيش الذى يقيم فى بيت للدعارة ــ أوخان لبنات الخطا ــ كان كل عمله هو التشفع فى الرواد ، وأسند له الكرامات التى تخوف من الاعتراض عليه[12] . وفعل  مثل ذلك مع الشيخ حسن الخلبوص المقيم فى بيت آخر للدعارة وجعله يتحكم فى الكرة الأرضية [13].

وقال عن صوفى آخر يعلل اتجاهه لهذا النشاط ــ وهو الشيخ زون بهار ( أنه كان يصعق فى حب الله تعالى فتضع الحوامل مافى بطنها من صعقته ، فحول الله تعالى ذلك إلى حب امرأة من البغايا)،  أى أن ذلك التحول الخطير الذى حدث للشيخ زون بهار لم يكن له يد فيه وأن الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) هو المسئول عنه،  وفقا لعقيدة التصوف فى وحدة الفاعل. ومن الطبيعى أن الحوامل فى مصر وخارجها قد شعرن بالطمأنينة بعد أن كف الشيخ زون بهار عن صعقته ، وقد تحول بنشاطه إلى المومس التى أحبها. ويستمرالشعرانى فيقول عن الشيخ بعد أن أحب تلك المرأة : ( فجاء إلى الصوفية ورمى لهم الخرقة ، وقال لا أحب أن أكذب فى الطريق ، إن واردى تحول إلى حب فلانة ، ثم صار يحمل لها العود ويركبها ويمشى فى خدمتها ، إلى أن تحول الوارد إلى محبة الحق تعالى بعد عشرة شهور ، فجاء للصوفية ، وقال: " ألبسونى الخرقة إن واردى رجع عن محبة فلانة. ).  وهكذا يضع الشعرانى تلك المرأة الخاطئة فى مقابل الله تعالى ، ويجعل الشيخ زون بهار حائرا بين محبة الله ومحبتها ، ويسند التحول من هنا إلى هناك إلى تصريف الله تعالى فى قلب الشيخ زون بهار . ومن الطبيعى وقد رجع الشيخ إلى الصوفية أن تتوب المرأة ومطلوب منا أن نصدق توبتها. الشعرانى يقول: ( فبلغها ذلك، فتابت ، ولزمت خدمته إلى أن ماتت)[14]. وطبعا لابد أن يفرح الصوفية بانخراطها فى سلك التصوف أو بتوبتها ، وقد عرفنا معنى التوبة للمرأة فى طقوس التصوف .

  5 ــ  وكان بعض الأولياء يعمل مكاريا أى حمّارا تخصص فى حمل النساء العاهرات إلى المكان المقصود ، وكان الناس يسبّونه، أوعلى حد قول الشعرانى: ( يصفونه بالتعريص)، ولكن يدافع عنه الشعرانى فيقول : ( أنه كان لايركب امرأة قط من بنات الخطا وتعود إلى الزنا أبدا).  وقد صرح هذا الشيخ القوّاد للشعرانى أنه وصل إلى هذه المنزلة باحتمال الأذى[15] .. وإذا كان هذا الشيخ له هذه الكرامات التخصصية مع العاهرات فلماذا لم تظهر نتائجه؟ .

وبعيدا عن هذه الكرامات المضحكة التى تحاول دون جدوى تبرير علاقات الأولياء الصوفية بالعاهرات نذكَر الشعرانى وغيره بالمثل الشعبى المصرى القائل: ( قال ياربى دخلنا بيت الظالمين وطلعنا سالمين ، قال وايش دخّلك وايش طّلعك) [16]  .!!.  

 



[1]
ـ الجواهر السنية 26..

[2] ـ النويرى نهاية الأرب مخطوط 28/119: 121.

[3] ـ تاريخ ابن كثيرج13/278.

[4] ـ الطبقات الكبرى2/2.

[5] ـ تاريخ ابن اياس ج2/61 ط بولاق

[6] ـ. الجواهر السنية 25.

[7] ـ الأبشيهى المستظرف ج1/39،تيمور الأمثال الشعبية 221.

[8] ـ الأبشيهى المستظرف ج1/39، تيمور المثال الشعبية221.

[9]ـ  إغاثة اللهفان ج2/142

[10]  ـ تاريخ ابن كثير ج14/119.

[11]  ـ.المناوى الطبقات الكبرى. مخطوط رقم300

[12] ـ الطبقاتالكبرى للشعرانى ج2 /  130ط صيح

[13] ـ  لواقح الأنوار 98.

[14] ـ الطبقات الكبرى للشعرانى ج2/139.

[15] ـ لواقح الأنوار 101.

[16] ـ تيمور . الأمثال الشعبية 389.

اجمالي القراءات 12306