المشهد السياسي في اليمن

سامح عسكر في الثلاثاء ٢٤ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بدأت أصوات مذهبية تقرع جرس الإنذار في اليمن، رغم أن اليمن من الشعوب المصنفة بالتعايش المذهبي منذ قرون، السنة الشوافع –ويُشكلون أغلبية الجنوب-مع الزيدية الذي يُشكلون الأغلبية في الشمال، حتى التباين في المذهب الواحد أكسب اليمن صِقلاً وتنوعاً في المعارف جعلت شعب اليمن من أكثر الشعوب اطلاعاً وثقافة.

ظهر ذلك في المساجد اليمنية حيث يُصلي الجميع سنة وزيدية في مسجد واحد، ويكاد يُجمِع اليمنيون على أن بلادهم خالية من أي صراع مذهبي، فهذا ليس من شيمهم ولا أعرافهم، حتى التحالفات - بعد ثورة اليمن على صالح- اكتسبت مزيجاً مختلطاً بحيث يتحالف الحوثي مع بعض القبائل السنية، ويتحالف خصومهم مع قبائل أخرى زيدية، وفي هذا المشهد ارتبكت رؤية الخارج للوضع اليمني الداخلي، فكل من أراد تصنيف الصراع اليمني مذهبياً يصطدم بواقع ومعلومات تنفي هذا الصراع، حتى باتت اليمن من أكثر الدول تعقيداً سياسياً اختلطت فيه الصور على الحاذق النابه.

من رحم الزيدية خرجت جماعة الحوثي والتي يصفها بعض الزيدية أنها تنتمي لغُلاة الزيود الجارودية، بينما أغلبية الزيود هادوية، ولكن حين التطبيق لم أجد فرقاً بينهم حيث لا غُلاة حاليا بين الحوثيين بالمعنى الذي يصطدمون فيه مذهبياً مع السنة، والدليل نجاحهم في عقد تحالفات وتفاهمات بين قبائل الزيود والسنة في الشمال، حتى وصلت محطتهم الأخيرة في ثورة شعبية في سبتمبر 2014 التف فيها اليمنيون حول مطالب الحوثي بإجراء إصلاحات من الرئيس هادي، اضطر معها الرئيس للرضوخ وتقديم تنازلات .

لكن هذه التنازلات لم تكتمل على ما يبدو أنه كان تدخلاً خارجياً منع الرئيس المنتخب من تلبية مطالب الثوار، في المقابل ضغطت قوى خارجية أخرى على الثوار لحسم الوضع الميداني، وبالفعل استجاب الجميع للضغوط ورفض الرئيس هادي تقديم تنازلات أو عقد شراكة حقيقية اضطر معها الحوثيين لحسم الوضع الميداني وحصار الرئيس في قصره في العاصمة صنعاء.

لجأ هادي إلى الجنوب لعل خلافات شعب الجنوب مع الشمال تنقذه من الحوثيين، وبالفعل نجح في كسب علاقات ودية مع قبائل الجنوب واستقبلوه في مدينة.."عدن"..ومن هناك أعلن عدم اعترافه بسلطة صنعاء ووصفها.."بالسلطة الانقلابية".

في المقابل تحداه الحوثيين ووعدوه بالاعتقال والمحاكمة

مبدئياً هذا الوضع يبشر بتقسيم حقيقي لليمن، وأن مشروع الفدرلة الذي واجهه الحوثيون في ثورة سبتمبر سيُفرز في الأخير دولتان أو سلطتان بدلاً من 6 أقاليم فيدرالية، وهذا يعني وصول الوضع الداخلي اليمني لمرحلة.."اللاعودة"..حيث لا احتمالية بتنازل هادي وعقد تفاهمات تعيد أوضاع ما قبل الحسم الميداني، وفي نفس الوقت لا احتمالية بغزو الحوثيين للجنوب حيث لا حواضن شعبية لهم علاوة على النزعة الطائفية التي تم إشعالها مؤخراً ضد الزيدية من الشوافع، وبالتالي ليس أمام الجميع إلا خيار واحد وهو، إما عقد تفاهمات على بقاء الوضع على ما هو عليه وتنظيمه، أو عقد شراكة حقيقية على أسس ومبادئ .."اتفاق السلم والشراكة".. المعروف لدى الحوثيين بثورة سبتمبر.

ظل الوضع على ما هو عليه تهديد هنا وتحدي هناك. إلى أن تعرض قصر الرئيس هادي في صنعاء لغارات من طيران مجهول يُعتقد أنه تابع لأحد جنرالات اليمن ويُدعى.."عبدالحافظ السقاف"..اتهم أنصار هادي الحوثيين بشن هذه الغارة في المقابل رد الحوثيين أنهم لا يملكون طيرانا، وأن قواعد اليمن الجوية تحت سيطرة الجيش بعيداً عن سطوة تنظيم.."أنصار الله"..الذراع العسكري للحوثيين، وعليه فهذه الغارة هي من داخل الجيش اليمني نفسه الذي يتعرض الآن لأقوى حملة تفكيك على أساس قبلي ومذهبي لم تعرف اليمن له مثيل.

أمس حدثت جريمة يندى لها الجبين، أكثر من 140 شهيد يمني تم نحرهم وهم في صلاة الجمعة، استهدف الإرهابيون مساجد الزيود فقتلوا وأصابوا المئات، وطبقاً لما قلناه أن مساجد اليمن لا تعرف التصنيف المذهبي فالضحايا هم سنة وشيعة معاً، وإن كان أكثر المتضررين هم الحوثيين طبقاً لحجم الضرر المعنوي والمادي الذي تلقته الجماعة جراء هذه الضربة.

ولكن في تقديري أن هذه الضربة ربما تسارع في رفع وتيرة التأييد للحوثيين من قِبَل حلفائهم بوصفهم ضحايا لأعمال جبانة لم تُراعِ لله حُرمة في بيته، حيث كان قتل ضيوف الرحمن هو من أبشع الجرائم في العقلية الدينية والإنسانية معاً، وعليه فمن المتوقع أن تزداد شعبية الحوثيين كون موقفهم هو أكثر المواقف أخلاقاً في المشهد اليمني، هكذا يبدو الوضه وهكذا تبدو السياسة، فمن لم يأتِ بالسيف جاء بالعقل أو العاطفة، ومن هذه المرجعية اتهم خصوم الحوثيين بتدبير هذه المجزرة لرفع شعبيتهم بعد خروج الرئيس هادي من صنعاء، لكن هذا الاتهام في الأخير غير عقلاني ولا مؤسس على دليل تحكمه التصفيات السياسية والدينية ولا إنصافاً يُراعي سلوك الإرهابيين الواحد في قتل خصومهم.

بمعنى أن الفاسد يمكنه أن يكون شريراً ولكن لا يمكنه إقناع واحد بقتل نفسه كي يُدين نفسه، وهذا رد على تلك المغالطات من خصوم الحوثي الذي كان يجب عليهم الإسراع بإنكار هذه العملية الانتحارية الجبانة وتقديم العزاء لأسر الضحايا أسوةً بما حدث من عديد الدول العربية التي سارعت بإنكار هذه الجريمة وتقديم العزاء وأهمها مصر.

في المقابل يشغل بال الحوثيين تحدياً واحداً لخروج من عنق الزجاجة، ليس السيطرة على الجنوب ولا طرد هادي من عدن، لكن يشغل بالهم شيئاً واحداً وهو السيطرة على محافظة.."مأرب"..في الشمال باعتبارها خط الإمداد الأول لجماعات القاعدة من السعودية، وعليه فلا مواجهة مذهبية كما يتصورها غير المتابع، لأن حرب الحوثي مع القاعدة ترفع شعبية الحوثيين بين اليمنيين السنة باعتبار القاعدة لديهم شر مستطير لا يقدرون على التعايش معه..بخلاف الحوثيين الذين هم جزء من النسيج اليمني المتنوع.

في تقديري أنه لا إمكانية لحسم الصراع سياسياً أو عسكرياً في اليمن لصالح أي طرف، وعليه لا خيار سوى الحوار وتنفيذ اتفاق شراكة حقيقي وإما تقسيم يرضى به اليمنيون أولاً ، فالتدخلات الخارجية لن تسمح بهذا الحسم لأي طرف، وهناك من يقول أن تفجيرات الجمعة الانتحارية تدخل ضمن هذا المخطط الاستخباراتي الإقليمي والدولي إما لتوريط اليمنيين في حرب مفتوحة وطويلة وإما تعزيز هذا الانقسام على أسس مذهبية كما أراد لها من أمر هادي بالتوجه إلى عدن.

لكن مع ذلك أحذر من أن الجنوب أصبح مرتعاً للإرهابيين والمتطرفين ممن لهم خصومة دينية مع الحوثي، وهؤلاء أكبر خطر يتهدد الجنوب يجري تشكيله في هذه اللحظة، فالتطرف قد يتحالف عاطفياً لفترة مؤقتة، ولكن حين يرى مبادئه وأهدافه تنهار سينقلب على الجميع، وما تجربة السادات في مصر ببعيدة، حيث جعل مصر مرتعاً لقوى التطرف الديني كيداً في اليسار العلماني، ما لبث هؤلاء المتطرفين أن قتلوه مع أول صدام أيدولوجي، وعليه فالرئيس هادي- وسلطته في عدن- معرض لهذه التجربة، فيما لو فتح حدود الجنوب لجماعات القاعدة وداعش والإخوان الذي لا يعرفون خلافاً سياسياً بل كل خلافاتهم في الأصل دينية.

علاوة على تقصير الرئيس هادي في استنكار جريمة قتل المصلين في صنعاء، فكل أو معظم رموز الجنوب القبلية والعشائرية لم تستنكر هذه العملية الجبانة، وعليه سيتولد شعور لدى قبائل الشمال –وربما بعض قبائل الجنوب-أن سلطة عدن هي داعم فعلي للإرهابيين التكفيريين..كان يجب تفادي ذلك ببيان قوى أو حتى ضعيف يُعزي أسر الضحايا ويُطالب بالتحقيق ومحاسبة المسئولين.

اجمالي القراءات 6520