1 ــ وحدة الوجود والزنا بالمحارم
ج3 / ف 1 : جذور الانحلال الخلقى فى عقيدة التصوف

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٢ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل  الأول: جذور الإنحلال الخلقى الجسدى وتشريعه فى دين التصوف.

جذور الإنحلال الخلقى فى عقيدة التصوف 1 ـ وحدة الوجود والزنا بالمحارم  .

 عقيدة التصوف فى وحدة الوجود هى الأساس فى الإنحلال الخلقى للصوفية وأساس انتشاره فى المجتمعات التى سيطروا عليها . وتؤثر هذه العقيدة فى نشر الإنحلال الخلقى من زوايا مختلفة ..

  1 ـ فعقيدة وحدة الوجود ترى أن الكون جزء من الله وأن البشر بالذات هم أبرز مظهر يتجلى فيه الإله فى هذا العالم ، وفى ذلك يقول ابن عربى الشيخ الصوفى الأكبر (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت أن يرى عينه فى كون جامع يحصر الأمر كله .. يكون له كالمرآه .. فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة .. فظهر جميع مافى الصورة الإلهية من الأسماء فى هذه النشأة الإنسانية .. فأوجد فى هذا المختصر الشريف الذى هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية)[1] . إذن يرى ابن عربى أن آدم هو امتداد لله وأنه جمع كل الصفات الإلهية فيه .

ثم تحدث عن خلق حواء بعد آدم فيرى أنها أيضا جزء من الله ( .. ثم اشتق له شخصا على صورته سماه امرأته ، فظهرت بصورته ، فحنَ إليها حنين الشىء إلى نفسه ، وحنَت إليه حنين الشىء إلى وطنه)[2] .

 ثم يرى ابن عربى فى النكاح الجنسى بين الذكر والأنثى اتحادا بالله على اعتبار أن الرجل والمرأة جزء إلهى ثم بالإتصال بينهما يعودان إلى نفس النشأة الإلهية ، وأن الصوفى الحق هو الذى يعايش هذا الإحساس بالإتحاد بالله حين يمارس الجنس ، أما غير الصوفى فينهمك فى الصورة وينسى الأصل، يقول ( ولما أحب الرجل المرأة طلب الوُصلة .. فلم يكن فى صورة النشأة العنصرية أعظم وُصلة من النكاح ، ولهذا تعمُ الشهوة الأجزاء كلها، ولذلك أمر بالإغتسال منه ، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة، فإن الحق ــ يقصد الله تعالى ــ غيورعلى عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهَره بالغسل، فيرجع بالنظر إليه فيمن فنى منه )[3]. أى ابن عربى يؤول الغسل بعد الجنابة بأن الله أوجبه لأنه يغار من الرجل إذا اعتقد أنه يلتذ بغيره ليعرف الرجل فيمن التذ به ، هل بالمرأة ، أم بالإله !!.. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا !

 ثم يتحدث ابن عربى عن أنواع الحلول الالهى أو بتعبيره : ( الشهود الإلهى) وقت الجماع الجنسى او كيفية الاتحاد الإلهى فى الرجل والمرأة لحظة الشهوة الجنسية ، يقول:  ( فإذا شاهد الرجل الحق ( يقصد الاله ) فى المرأة كان شهوده فى منفعل ، وإذا شاهده فى نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده فى فاعل) ثم يصل بعد استطراد، إلى أن الإله  يتجلى أكثر فى المرأة عند الجماع لأنها محل الشهوة، يقول ( فشهوده للحق ( أى الاله ) فى المرأة أتم وأكمل ، لأنه يشاهد الحق ( أى الاله ) من حيث هو فاعل ومنفعل ، ومن نفسه هو منفعل خاصة ، فلهذا أحب النبى النساء لكمال شهود الحق ( اى الاله ) فيهن، إذ لم يشاهد الحق ( أى الاله ) مجردا عن المواد أبدا ، فإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا ، ولم تكن الشهادة إلا فى مادة فشهود الحق ( أى الاله ) فى النساء أعظم الشهود)[4]. فابن عربى يرى أنه لايمكن مشاهدة الله إلا فى المادة الحسية، ويفسر الجماع الجنسى على هذا الأساس ، فيقول ( وأعظم الوصلة النكاح ، وهو نظير التوجه الإرادى على من خلقه على صورته ليخلفه ، فيرى صورته بل نفسه ، فسوَاه وعدَله ونفخ فيه من روحه الذى هو نفسه ، فظاهره خلق ، وباطنه حق)[5] . وواضح أن ابن عربى يعتمد على الأحاديث الكاذبة التى تمثل عقائد التصوف ، مثل( أن الله خلق آدم على صورته) ، وهو موجود فى البخارى ، وأصله زيف أدخله اليهود فى سفر التكوين المضاف للتوراة ، ثم نسبوا ذلك الحديث فيما بعد للرسول محمد كذبا وإفتراءا.

 ويعتمد ابن عربى أيضا على تأويله للروح بالنفس البشرية ، مع أن كلمة الروح لم تأت فى القرآن إلا وصفا لجبريل ومايتعلق به .  ثم ينتهى ابن عربى إلى اعتبار الإنسان الهيا ، ظاهره خلق أى مخلوق وباطنه حق يعنى الله تعالى ، وعليه فالجماع بين الرجل والمرأة هو رجوع بهما إلى النشأة الإلهية ، ومن يفهم الجماع على هذا الأساس فقد عرف الحق وعرف أنه لايلتذ بالمرأة وإنما يلتذ بالإله الذى فى داخل المرأة يقول ابن عربى فى ذلك :ـ ( فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهى ، ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة، نقصه علم هذه الشهوة ، فكان صورة بلا روح عنده ، وإن كانت تلك الصورة فى نفس الأمر ذات روح ولكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته أو لأنثى حيث كان، لمجرد الإلتذاذ لكن لايدرى لمن ، فجهل من نفسه مايجهل الغير منه ، مالم يسمه هو بلسانه حتى يعلمه، كما قال بعضهم:   صح عند الناس إنى عاشق            غير أن لم يعرف عشقى لمن

كذلك هذا،إذا أحب الإلتذاذ، فأحب المحل الذى يكون فيه، وهو المرأة ، ولكن غاب عنه روح   المسألة، فلو علمها لعلم بمن إلتذ ، وكان كاملا [6] ). وهذا هو مقياس الإنسان الكامل عندهم .

2 ــ ومن السهل بعد هذا الانحراف الهائل فى العقيدة ان ينحرف السلوك ويباح الزنى، لأن    الجماع الجنسى بأى طريق هو الوسيلة للتحقق بالحق وشهود الإله فى المرأة، وواضح من النص السابق أن ابن عربى لايفرق بين جماع الرجل لزوجته أو لأى أنثى، فهو يقول: ( ولكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته أو لأنثى، حيث كان لمجرد الإلتذاذ ...).

    3 ـ  وقدهلك ابن عربى قبيل العصر المملوكى، ولكن عقيدته التى استقاها من الغزالى والرواد الصوفية الأوائل ظلت مسيطرة على العصر المملوكى ، رددها عبدالكريم الجيلى فى القرن التاسع فى كتابه (الإنسان الكامل) ورضعها الشعرانى أكبر الصوفية المخضرمين للعصرين المملوكى والعثمانى. ـ

4 ـ  فالشعرانى استشهد بأقاويل ابن عربى فى عبادة المرأة عند الجماع،واعتبارها أبرزمجال للشهود الإلهى لحظة الجماع ، واستشهد بقوله أن أعظم الملائكة قوة مخلوق من أنفاس النساءــ وهو ترديد ساذج لعبادة الجاهليين للملائكة على أنها بنات الله ــ وردد قوله أن من جملة قوة النساء أنها استدعت أعظم ملوك الدنيا إلى هيئة السجود حال الوقاع ــ أى الإتصال الجنسى ، وهو بذلك يضفى على حركات الجماع سمات العبادة من السجود والركوع والقيام ، وأن من جملة قوتها أنها قدرت على إخفاء محبتها للوقاع من كون شهوتها تزيدعلى شهوة الرجل بسبعين ضعفا،ولانعرف من أين استمد هذا التقدير، ومن قوتها أيضا استخدامها الرجل فى حوائجها وتحصيل شهواتها وتقبيلها،وهذه الأمورلاتكون إلا لمن حقت له السيادة على ذلك الخادم أى الذكر، ثم يجتهد الشعرانى فى الربط بين الحق تعالى وبين جماع المرأة ويأتى بمعان جديدة لم ترد فى كتاب الفصوص لابن عربى، كقوله ( شرع الشارع الاستخارة للعبد فى السفر والتزوج والمشاركة وغير ذلك ، مما لذته دون لذة الجماع ، وحجابه دون حجاب الجماع ) وطبيعى أن دليله فى مشروعية الاستخارة مستقى من الأحاديث الكاذبة ، وليس القرآن إذ فى القرآن توكل على الله بعد التفكير والإعداد ، ولكن الشعرانى بعد هذه المقولة يرتب عليها عقيدته الصوفية فى اعتبار الجماع شهودا لله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) فى المرأة فيقول( ولاينبغى لعبد أن يقدم على فعل شىء يخاف أن يحجبه عن شهوده لربه عز وجل كالجماع ) ثم يجعل من الله تعالى مشاركا إيجابيا للعبد فى لذة الجماع، فيقول( ومن علامة كون الحق جل وعلا يحب من عبده الجماع أن يدوم انتشار فرجه ، أو ينتشر إن كان له فيه ارتخاء، إحسانا للظن بالله) [7]. ويفتخر الشعرانى بتجربته قائلا( ومما  أنعم الله تبارك وتعالى به على .. حضورى مع الحق تبارك وتعالى فى حال اجتماعى بزوجتى كما أحضر معه تبارك وتعالى فى صلاتى على حد سواء فى أصل الحضور .. بجامع أن كل منهما عبادة مأمور بها).                                                                                                  

     5 ــ   فالشعرانى يزاوج بين الجماع والصلاة وبين المرأة والإله، ثم يقول ( وماشرع الحق جميع المأمورات الشرعية إلا ليحضر العبد مع ربه حال فعلها ،إنما لم يصرح الشارع لنا بالأمر بالحضور بالجماع اكتفاء بما أمرنا به من التسمية عنده، فإن ذكر اسمه تعالى وسيلة للحضور معه تعالى) فهو يتحدث عن شهود الإله فى المرأة حال الجماع، ويدلل بالأمربذكر اسم الله، عند الجماع وذلك افتراء لاسند له .

   6 ــ     ويستند الشعرانى لأقوال اشياخه ، يقول ( وكان سيدى المرصفى يقول: لايتحقق لعارف قط وجه العبودية ذوقا فى شىء من العبادات كما تحقق فى حال الجماع أبدا، فإنه يشهد نفسه مقهورا تحت حكم شهوة طبيعية، حتى لايقدر على دفع حكمها عليه ولايكاد يتذكر شيئا آخر غير ماهو فيه ، ولذلك كان من شأن القطب الغوث الإكثار من النكاح ، لما يجده فيه من التحقق بالعبودية . فإياك والإعتراض على من يكثر من الجماع فربما يكون سبب كثرة جماعه الحكمة التى ذكرناها، وقد رأيت شخصا يدعى القطبية يدخل الحمام فى النهار ثلاث مرات،فازدادت فيه اعتقادا وتعظيما) وبغض النظر عما فى كلام الشعرانى من مآخذ تستدعى الضحك والسخرية إلا أن رائحة الجد تظهر فى كلامه، إذ يجعل من الجماع الجنسى أهم مظهر للعبادة الصوفية ، وأهم مناسبة لشهود الإله، وأهم معلم من معالم التفوق الصوفى، وكلما ازداد أحدهم فى ممارسته الجنسية بغض النظر عن كونها حلالا أو حراما كلما ازدادت درجته الصوفية .

      7 ــ  ولأن الجنس عندهم عبادة كان لابد من اختراع طقوس تأديتها، والشعرانى تحدث عن طقوسه فى ممارسة الجنس مع زوجته فيقول ( ومما أنعم الله تبارك وتعالى به على كثرة شفقتى على ذريتى من قبل أن تحمل بهم أمهم ، وذلك أنى لا أجامع أمهم قط وأنا غافل عن الله تبارك وتعالى، ولا أجامعها وأنا غضبان ،ولا أنا مقبل على الدنيا، ولا أنا مخاصم أمهم لحظ نفس ،ولا وأنا حسود أو متكبر)[8] . أى يمارس الجنس كأنه فى عبادة صوفية.

    8 ــ    ودارت اصطلاحات الصوفية حول هذا المعنى مثل (المحق) ( والمحبة الأصلية) ( النكاح السارى فى جميع الذرارى) ( مجمع الأهواء) وهو( حضرة الجمال المطلق ، فإنه لايتعلق هوى إلا برشحة من الجمال ، ولذلك قيل :

                    نقل فؤادك حيث شئت من الهوى          ماالحب إلا للحبيب الأول

        وقال الشيبانى :

                   كل الجمال غدا لوجهك مجملا          لكنه فى العالمين مفصلا[9].

ــ الزنا بالمحارم :

 1 ـ  من نتائج عقيدة وحدة الوجود إعتقادهم ان الذكر والانثى يجسدان الاله عندهم ، وبالتقائهما جنسيا يتم التحقق بالحق بزعمهم . وبناءا على عقيدتهم فى وحدة الوجود فإن هذا الحلول والاتحاد بالاههم يكون بالاتصال الجنسى بين أى ذكر وأى أنثى ، وأن كل وجه جميل إنما هو مظهر لجمال الله ، لذا فالعقيدة الصوفية لاتحرم الزنى ، وشيخهم ابن عربى(كان لايحرم فرجا)[10] ، وبعض الصوفية أعلنها صراحة ولم يبال باعتراض الناس ، بل تعدى إلى الدعوة الى التطبيق العملى باستحلال الزنا بالمحارم مثل الأم والبنت والأخت ، وأبرز مثل ذلك هو الشيخ عفيف الدين التلمسانى تلميذ ابن عربى، الذى كان( لايحرم فرجا وأن عنده ما ثمَ ولاغير ــ أى لايوجد سوى الله فالله هو الكون ، وأن العبد إنما يشهد السوى ــ أى غير الله ــ إذا كان محجوبا ، فإذا انكشف حجابه ورأى أن ماثمَ غيره ــ أى ماهنالك غير الله ــ تبين له الأمر ، ولهذا كان يقول : نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد وإنما هؤلاء المحجوبون ــ أى غير الصوفية ــ قالوا حرام علينا ، فقلنا حرام عليكم)[11]

     2 ــ  وتوافد صوفية المشرق لمصر المملوكية واتسموا بصراحتهم فى إعلان عقائدهم بوضوح ، ولأنهم فقراء مهاجرون ملأوا طرقات القاهرة فقد استنكر الناس أفعالهم ، وقال عنهم المقريزى( ينتحلون مذاهب الإلحاد ، ويصرحون بتعطيل الصانع تعالى ، وينكرون شرائع الأنبياء ، ويجهرون بإباحة المحرمات)[12]. أى إباحة الزنى بالمحرمات فى الزواج كالأم والبنت .

     3 ــ   ويبدو أنه كان من بين أولئك الوافدين من صوفية المشرق أتباع لطائفة الحروفية أو النسيمية، وقد أعلنوا إباحة المحرمات من النساء ، وقد قتل زعيمهم التبريزى(ت سنة820 هـ)وقيل فيه ( قتل الشيخ نسيم الدين التبريزى نزيل حلب وهو شيخ الحروفية، وقد قرر نسيم الدين أن الشرائع أباطيل لاحقائق ، وأنه لا إله ،( وقد وصل فى ضلاله إلى أن وطأ ابنته واتخذها كالزوجات إلى أن أولدها ولدا ). وقد سكن حلب وكثر أتباعه وشاعت بدعته فأمر السلطان بقتله)[13]، إذا فقد  انتشرت طوائف النسيمية الذين أعلنوا وطبقوا ماقاله فلاسفة التصوف كابن عربى وعفيف الدين التلمسانى، بل أن أتباع النسيمى تكاثروا بعد موته ووصلوا إلى مصر ضمن التوافد الصوفى إلى القاهرة عاصمة الدولة المملوكية المسيطرة على أهم مراكز العالم الإسلامى، فبعد مقتل النسيمى بثمانية عشر عاما، يقول ابن حجر فى حوادث سنة   838 (حضر للسلطان شريف من الشام بأوراق فيما يتعلق بالنسيمى وشيخه فضل الله وأن بالشام ومصر جماعة على عقيدته وأنه تصدى لتتبعهم) [14].  

وهكذا فقد أتاح التصوف نشر الإنحلال الخلقى مع المحارم كالأم والبنت .

 4 ــ  ومن الطبيعى أن ينتشر أكثر الإنحلال الخلقى الطبيعى مع النساء الأخريات ( الأجنبيات بالتعبير الفقهى ) ، بل أن يُمارس على أنه نوع من شريعة دينية ، طالما أن له جذورا دينية .

 ولعل ابن تيمية هو الذى فطن إلى ذلك بسبب صراعه مع الصوفية وأعوانهم المعتقدين فيهم والذين تأثروا بهم، يقول ابن تيمية فى قوله تعالى عن ابليس (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) النحل ) : (وفى هذا الوصف نصيب كبير لكثير من المنتسبين إلى القبلة من الصوفية والعُبّاد والأمراء والأجناد والمتفلسفة والمتكلمين والعامة وغيرهم، يستحلون من الفواحش ماحرم الله ورسوله ظانين أن الله أباحه، أو تقليدا لأسلافهم ، وأصله العشق الذى يبغضه الله ، فكثير منهم يجعله دينا ويرى أنه يتقرب به إلى الله إما لزعمه أنه يزكى نفسه ، ويهذبها، وإما لزعمه أنه يجمع بذلك قلبه على أدمى ثم ينقله إلى عبادة الله وحده ، وإما لزعمه أن الصور الجميلة مظاهرالحق ومشاهده، ويسميها مظاهر الجمال الأحدى ، وإما لاعتقاده حلول الرب فيها واتحاده بها ، ولذا تجد بين نساك هؤلاء وفقرائهم وامرائهم وأصحابهم توافقا وتآلفا على إتخاذ أنداد من دون الله يحبونهم كحب الله ، إما تدينا وإما شهوة، وإما جمعا بين الأمرين ، ولهذا يتآلفون ويجتمعون على السماع الشيطانى الذى يهيج الحب المشترك فيهيج من كل قلب مافيه من الحب)[15]

       وواضح فى ذلك النص أن كثيرين تأثروا بمقالة الصوفية من الأمراء والأجناد والفلاسفة والمتكلمين والعامة ، وماأسهل انتشار دعوات الإنحلال خصوصا إذا صبغت بالدين ، وكان الصوفية هم الأولياء والمعلمون فى العصر والأئمة فى التطبيق، ويقرر ابن تيمية أنهم جعلوا الإنحلال الخلقى دينا يتقربون به لله ، وأورد حججهم مثل تزكية النفس أو إتخاذ المعشوق واسطة تقربهم لله ، أو أن الصور الجميلة مظاهر يتجلى فيها الله ، وهو نفس مايقرره ابن عربى وغيره فى كتبهم التى كانت منتشرة فى العصر تحظى بالإهتمام والرعاية. ثم ذكر ابن تيمية أنهم كانوا يمارسون الإنحلال فى صورة جماعية فى السماع الصوفى، أو حفلات الذكر التى يحضرها النساء والصبيان ، وقد جمَلوهم بالألوان والأصباغ، حتى تهيج الشهوات ، ويستدلون بالصنعة أى المخلوق  على الصانع أى الخالق فى زعمهم.

 5 ــ  وقد كان ذلك عادة لهم حتى قبل العصر المملوكى ، فيقول عنهم ابن الجوزى فى القرن السادس (ويصحبون المردان فى السماعات يجملونهم فى الجموع فى ضوء الشموع، ويخالطون النسوة الأجانب، ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة)[16]. أى أدخالهن فى الطريق الصوفى. ومخالطة النساء أو الاختلاط بالنساء هو اصطلاح الفقهاء الذى يعبر عن الزنا.



  [1]ابن عربى، فصوص الحكم بشرح القاشانى ط البابى الحلبى : 14، 8  ،252 ، 271 ، 272  

[2]  نفس المرجع

[3] نفس المرجع

[4] نفس المرجع

[5] نفس المرجع

[6] نفس المرجع

[7] الشعرانى : المنن الصغرى مخطوط 98 ، 111 ، لطائف المنن 32 ط دار الفكر

[8]  الشعرانى : المنن الصغرى مخطوط 98 ، 111 ، لطائف المنن 32 ط دار الفكر

[9] القاشانى اصطلاحات الصوفية تحقيق كمال جعفر مركز تحقيق التراث : 81 ، 78 ، 97 ، 87  ,

[10] ابن تيمية مجموعة الرسائل والمسائل 4/76 البقاعى : تنيه الغبى 178 ، 182 .

[11]  شذرات الذهب جـ 5/ 412

[12] السلوك 4/3 /1206

[13] ـ انباء الغمر ج3/136،548

[14] ـ نفس المرجع ونفس الصفحة

[15] ـ ابن القيم : إغاثة اللهفان ج2/156.

[16] ـ ابن الجوزى: تلبيس إبليس 36.

اجمالي القراءات 8899