عن اسلام المعتزلة

امارير امارير في الثلاثاء ١٧ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

وهل تعرفون إسلام المعتزلة

 

العقل أعدل الأشياء توزيعاً بين الناس في العالم .. .  ديكارت والمعتزلة .  

 

ليس إسلاماً واحداً، لذلك يستطيع الجميع القول أنهم يمثلونه، هنالك إسلام جماعة تهتم بطول اللحية التي تكفل دخول صاحبها الجنة، إسلام لا يهتم بدخول المرأة إليها بسبب واحدٍ بسيطٍ وغير معلنٍ، وهو كونا لا تمتلك هذه اللحية، هنالك إسلام يخرج الجنة من داخل الإنسان وهو حيٌ وآخر يرسله إليها بعد وفاته متجاهلا رحلة الحياة نفسها، هنالك إسلامٌ للناس كافة وهنالك إسلامٌ لرجال الدين فقط، وهنالك إسلام لا يهتم بأمر الجنة مقدار إهتمامه بمكاسب أربابه في الحياة الدنيا، وهنالك إسلام يؤمن بوجود ربٍ واحدٍّ يدرك العقل ويدركه، إنه ليس إسلاماً واحداً ليتمكن أيٌّ كان بالدفاع عنه أو اتهامه أيضاً، كل الجرائم يمكن اقترافها باسم الإسلام، كما هو حال كل الفضائل يمكن القيام بها باسم إسلامٍ آخر، وليس إسلام المعتزلة سوى النموذج الأكثر ملائمة لحل الفرار من كارثة اسمها التدين، منذ أصبح التراث واجهة للدين، وتحولت الكراهية وخطاب العنف باباً وحيداً  للطريق الى الله.

 

وسأحدثكم أنا عن إسلامٍ آخر، إسلام ينطلق من العقل في اتجاه العقل، عبر منهج نقدي صرف، حيث المعرفة العقلية هي المؤسسة للمعرفة النقلية، فليست المعرفة هي الغاية، بل العقل، وليس هنالك تصورٌ للعالم أو الإنسان أو الله خارج إدراك العقل نفسه، كونه قادر على التمييز بين الطيب والشرير، الصواب والخطأ، الضار والنافع قبل استقبال المعرفة النقلية، سواء كانت قيمة مجتمعية أو نص وحيٍّ، فالإنسان عند المعتزلة مكلّف عبر وحدة القيم سواء وصل الوحي إليه أم لم يصل، وهذا يلغي فكرة أن الدين مقتصر على نص الوحي نفسه، كون النص محصور في لغته أولا والتي هي بدورها محاصرة بقيمها المعرفية المحدودة، فالنشاط المعرفي داخل أي لغة يبقى محدوداً ما لم تخرج اللغة عبر النص الى القيم المقصودة، ليصبح النص في حد ذاته غاية لا مادة، واللغة ليست سوى وسيط للغاية.

 

عبر هذا المنطلق مرورا بقواعد المعتزلة الخمسة، يسقط أي إسلام آخر في فخ المواجهة غير المتكافئة وإسلام المعتزلة، حيث النص لا قيمة له، بينما يعتمد كل إسلام آخر على نصٍّ فارق المكان والزمان منذ تأسيسه وصياغته، دون الحديث عن تناقضات النصوص التي تؤسس لجمود المعرفة العقليّة وغياب المنطق عن النص الديني نفسه، وعلى سبيل المثال فإن حواجز الزمان والمكان جعلت إسلام النصوص يصطدم بالحائط، تلك الحواجز التي لم تستطع دائرة الفقه السلفي تجاوزها، فخرجت فتاوى المطاعم الحلال في الدول الغربيّة لحل مشكلة لا مبرر لها أصلاً سوى عدم قراءة القرآن نفسه : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الأنعام 14 ، وسقط الفقه في معضل أزلي يستحيل حلّه إلا بالخروج من الفقه نفسه حول مشكلة مواقيت الصلاة والصوم في دول اسكندنافيا والقطب الشمالي مع تزايد حجم الجغرافيا صحبة جمود النصوص على حالها كون واضعيها أموات، حيث لا غروب ولا شروق لمدة تجعل الصلاة نفسها والصيام مهمّة يستحيل تنفيذها بسبب الجغرافيا نفسها، كون العلاقة بين الدين والجغرافيا لم تتحقق كاملة منذ تم احتكار الدين نفسه في بديهيّات ثقافيّة مرتبطة بجغرافيا الشرق الأوسط زمن كتابة إسلام  النصوص، رغم كون الإسلام يعلن غياب الصفة الإقليميّة عن أتباعه، وهذا جزء من تناقضاتٍ لم يبحث احدٌ من رجال الإسلام النصّي حلاً لها.

 

من الأصول الخمسة عند المعتزلة يأتي ( العدل ) كجواب عقلي لمسألة حرية الإنسان وحقّه في الإختيار، حيث إنعدام الإختيار يوصل الى إنعدام العقاب والثواب، وهذه معضلة منطقيّة بالنسبة لأتباع إسلام النصوص، حيث وبسبب الجغرافيا أيضاً لم يجد صفة بها هؤلاء غير المسلمين بالوراثة سوى باسم الكفار بالوراثة أيضاً، وإعلان الحرب الخاسرة في القرن الواحد والعشرين، رغم أن احداً من هؤلاء لم يسأل، هل يجوز القول بكفر العالم بعد أن أصبح أكبر من شبه الجزيرة العربيّة !؟، وهل يجوز القول بكفر من لم ولن يتجاوز حواجز اللغة التي سُجن داخلها النص الديني نفسه !؟، على أساس أن إسلام النقل لم يتحرك خطوة واحدة خارج دائرة نصوص القرن السابع !؟، لكن عدل المعتزلة يقدم قفزة الى الأمام تتجاوز كل النصوص التي أوقعت الإسلام في فجوة القضاء والقدر، والتي تلغي وجود الإنسان نفسه، وترسم صورة عبثية للحياة نفسها، بل للدين ووجود الله أيضاً، حيث أن الدين عند المعتزلة قد يحدث بدون وحي، حيث التكليف يكون بالعقل الذي يفعل الحسن ويترك القبيح كواجبٍ عقليٍ فيكون العقاب والثواب حتى بدون رسولٍ يبيّن الحلال والحرام، وهو موقف عقليٌّ صارمٌ يسميه الشهرستاني ( الديانة الطبيعيّة )، وهو ما تقول به مدرسة جامعة كامبردج الإفلاطونيّة في منتصف القرن السابع عشر بقيادة الإنجليزيين رالف كودوورث 1617-1688 وهنري مور 1614-1687، والتي أضافت تفسيراُ إنسانياً في اتجاه فكرة أن : ( .. الدين الحقيقي يجب أن يتّسق مع الحقيقة العقليّة )، للوصول الى نتجية أن حتمية الكون متماشية مع قرار الإرادة الحرّة للإنسان بوصفه جزأمن الكون نفسه .

 

المعتزلة إسلامٌ لا يؤمن بالخرافة، ولا يخترع قوانين فقهيّة أصلاً، هذه القوانين التي نقرأ في إسلام آخر أن المرأة التي يختفي زوجها تنتظر 120 عاماً كي تتزوج برجلٍ آخر حسب المذهب الحنفي، وهو أيضاً إسلام، في حين يجيز إسلام المعتزلة إمامة المرأة وتوليها الحكم، حيث المرأة أكثر عدلاً من الرجل في شهادتها كما يقول الجاحظ 776 - 868، بل انّه يؤسس لقواعد معرفيّة لخطاب ذو سمات عقلية محض، حيث أنكر المعتزلة حدوث المعجزات والكرامات، عذاب القبر بل وحتى عودة المسيح، نحو التحرير من التقليد والتبعيّة واللاعقلانيّة وهي فكرةٌ مركزيّةٌ تؤسس لتحرير الإسلام نفسه بل الدين ككل والإنسان تبعاً لذلك من أي سلطةٍ، ابتداء بسلطة النصوص وصولاً الى سلطة أصحاب النصوص ورهابنته، الذين جعلوا القرآن نصّاً مقيداً بتفاسير لها ظروفها الموضوعيّة الغائبة مع امتداد الزمان والمكان، لإنقطاع الصلة بين زمان التفسير وواقع المفسّر من جهة وبين الإجتماع الإنساني المعاصر من جهةٍ أخرى، وهذه هي حقيقة الخلاف بين جماعة العقل وجماعة النقل في الفكر الإسلامي ، حيث هنالك تفسير آخر دائماً للنص عند المعتزلة، وهذه حقيقةٌ تتجاهلها دائرة الفقه نفسها، فرغم كون التفاسير تفرّعت وتشعّبت لتنتج مدارس منشأها عقل المفسر نفسه الذي أغلق الباب ورائه ليكون نهاية عصر التفسير إعلانا  لنهاية العقل نفسه، فتفسير النّص بل وحتّى النّص ذاته أحايين كثيرة لا يساوي المقصد دائماُ، لأن الفهم مرتبطٌ دوماً بالمسار الذي اتّخذه المفسّر للوصول للغائيّة الغائبة عند من أوجد النّص بالدرجة الأولى، تفسير النصّ مقيّدٌ بـ : (1) باللغة أولاً على اعتبار أن لغة النصّ عبارةٌ عن وسيطٍ بين النص والقارئ، (2) الموضوع ثانياً، كون النص هوموضوعٌ بحد ذاته، (3) علاقته بالواقع، وفق فكرة كون النص الديني هونص للاحياء يلامس واقعهم، (4) بالأهواء والنوازع التي تحرّك الباحث عن معنى النص، فلكل تفسيرٍ جانبٌ موضوعيٌّ، وجانبٌ غير موضوعيٍّ ذاتيٌّ، وأخيرا (5) بالتراكم المعرفي الذي يحويه النص من الداخل، حيث يبقى مفتاح قراءة النص داخله، بمعنى أن الغائيّة متّصلةً داخل النّص نفسه.

 

 

لكن السؤال الأهم ونحن نمر بمرحلةٍ خطيرةٍ من تاريخ الكوكب، هو هل مات المعتزلة !؟، وإذا لم يكونوا قد ماتوا بعد، أين نجدهم اليوم !؟، هل يمكن تتبع نمطهم الفكري في كتب نصر حامد أبو زيد، محمد اركون، الصادق النيهوم، محمد شحرور، أحمد صبحي منصور، مصطفى كمال المهدوي، محمد الجابري، عبد الله العروي وآخرين !؟، هل يمكن إعتبارهؤلاء جميعهم أقلام إتجهت نحو نقد العقل السلفي ومحاولة فتح أبواب أخرى للفرار بالدين نحو إجابات أخرى، أكثر صواباً من إجابات القتل والذبح والحرق والإرغام على إعلان الإيمان وإبطان الكفر !؟، وسأحدثكم عن المعتزلة وأنا أحدهم كي لا يكون إسلام المعتزلة فكرة ذهبت بعيداً رفقة التاريخ، ودعوني أخبركم أن القرآن لم يقرأه أحد منذ سنوات، والدليل الدامغ على ما أقوله هو أنه لم تخرج سلطة تدعم القول بأن تراث تفسيرالقرآن فارق القرآن نحو بديهيات راسخة في عقول المفسرين أنفسهم لا علاقة لها له مقدار علاقتها بالظروف والمناخ المصاحب في لحظة التفسير نفسها ليكون مجرد وجهة نظر، ليخرج لنا تفسير آخر للقرآن أو فلنقل قراءة أخرى تقول أن : { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } قريش1 ليست قبيلة بل هم الحجاج، و :{ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } الشعراء 224 ليسوا من يقولون الشعر، بل هم المنجمون أصحاب : { الشِّعْرَى } النجم 49 ، {ْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ } النساء 3 ليسن السبايا بل هن الزوجات ممن لا عائل لهن ، { الْكَوْثَرَ } الكوثر 1 ليس بئر ماء في الجنّة، بل هو القرآن، و ليست : { حُورٍ عِينٍ } الدخان 54 عذراواتٍ هديةَ للذكور في الجنة، بل أجساد أهل الجنة أنفسهم : { إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } التكوير 7، { لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } الجمعة 9 ليست يوماً للعبادة، بل يوم للزكاة، حيث : { الْمُصَلِّينَ  } المدثر 43 لسوا من يقيمون الصلاة بل من لا : { يَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } الماعون 7، والصلاة على الرسول ليست سوى عقد الصلة والقرآن نفسه، وفي نهاية المطاف ليس القرآن أداة في يد أحد يستخدم فهمه ويرغم الآخرين على فهمه بنفس الطريقة، لأن هذا سيلغي القرآن نفسه، والعقل، والإنسان أيضاً، والحل ليس سوى إعادة إحياء فكر المعتزلة، لا فكر النصوص المعتزلية، بل فكرة المعتزلة الرئيسية التي تقول أن كل مسلم هو في حد ذاته إسلامٌ محدود به، ينطلق منه عبره وإليه، خلال مداركه وعند حدود طاقاته حيث : {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } البقرة 286. 

اجمالي القراءات 13162