إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ
تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً

لطفية سعيد في السبت ٣١ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (110)المائدة

للقرآن الكريم لسانه الخاص . قد يتفق مع اللغة العربية ، أو يختلف ، ولكن تبقى له خصوصية ألفاظه كما نعرف . سأتناول في هذا المقال ، آية واحدة فقط (10 المائدة ) حيث تبدأ بكلام رب العزة عن نفسه : (إذ قال الله  )  و ماذا ننتظر تأكيدا  بعد أن يقول الله سبحانه عن نفسه : قال الله .. وما مضمون القول  ؟  يا عيسى : الحديث عن عيسى بأن يذكر نعمة الله عليه ، وعلى والدته .. ولأن بداية الكلام  كان عن عيسى (وهو موضوع المقال)  فقدبدأت به أولا : بتفصيل التأييد الذي حظي به عيسىعليه السلام في القرآن

فقد حظي به نظرا لظروفه الخاصة من تفرده بطريقة الخلق،  فقد تم تأييده بروح القدس بأمر من الله سبحانه .. ولابد أن نضع خطوطا كثيرة تحت هذه الكلمة ... إذ كان كل ما جاء به من آيات حسية خارقة للقوانين البشرية كان بأمر الله ،:

1ـ بدايتها كان الكلام في المهد ،،لكن لماذا كان الكلام  في مرحلة الكهولة :  (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً)  ؟ الكلام هنا أشار إلى مرحلتين مرحلة المهد ، وهي معروفة وما تضمنته من إعجاز في جعل طفل حديث الولادة يتحدث حديث الكبار، بكامل أهلية البالغين العاقلين.. ويتمكن من إقناعهم بما أوتي من حجة أيده بها الله عز وجل وكان سبب الكلام دفاعا عن أمه مريم وتبرئة لساحتها ، لأنها وبشهادة قومها الذين قتلتهم الحيرة، والاستغراب ، والاستنكارهي من أصل طيب ومنبت طيب ،  فهي أخت لهارون .. ولا أدري أهو نبي الله هارون  ، أم مثل يضركناية عن الأصل الطيب أو طيب الخلق الذي تميز به نبي الله هارون ..  (وأؤيد هذا ) ، فلا يمكن اجتماع مريم وهارون النبي أخو موسى  في زمن واحد ، الفارق الزمني بينهم كبير .. أم هو أخ حقيقي سمي بنفس الاسم ، لم يذكر القرآن قبلا ،( فالله أعلم سبحانه )  كما لم تكن أمها  بغيا ،  كما لم يكن أبوها امرأ سوءفهي من منبت وأصل طيب .

  (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28)مريم  ..

وأرى وهو وجهة نظر خاصة بي  ) أن الكلام  في الكهولة ( تكلم الناس في المهد وكهلا )  هي  مرحلة انطلاقه بالدعوة لدين الله  ، كباقي الرسل،  فقد كلم الناس كلاما مخصوصا ، وأظهر ما أيده الله بمعجزات دلالة على صدق نبوته عندما جاء رسولا لبني لإسرائيل .

 2ـ وتعليم الله سبحانه له الكتاب ، والحكمة، والتوراة، والإنجيل . نلاحظ هنا أن بداية التعليم لعيسى كان للكتاب الذي هو أصل لجميع الرسالات السماوية ،  والحكمة مكون من مكونات الكتاب ومما يشتمل عليه .. يليها أسماء الرسالات السماوية من توراة، (التي نزلت على نبي الله موسى )، وإنجيل ، (اختص بها عيسى  ). والتعليم قد اختص به الله سبحانه،  ليؤهل به الأنبياء لحمل الرسالة ..  والخلق على هيئة الطير، قد اشترك فيه عيسى مع نبي الله إبراهيم عندما طلب إبراهيم دليلا على كيفية إحياء الله سبحانه للموتى . كدليل أو نوذج مبسط لكيفية الخلق ،  وضرب مثال للطير كدليل ناطق للحياة ( في نظري )كان له سببا وهو لوضوح الحياة ورؤيتها عيانا .. فقد يحتاج الطيران والتحليق في السماء، ليس إلى مجرد الحياة ، بل إلى صحة بالغة .، فالطير المريض لا يتمكن من الطيران والتحليق كما نعلم ..

 3ـ وبعدها النفخ لكن لماذا ذكرت الآيات  كلمة إذن مرتين ؟في  : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي)مرة عند مرحلة الخلق وأخرى عندمافي مرحلة النفخ ؟ القرآن كل كلمة فيه وضعت بميزان  وندعو الله مخلصين أن  يفتح لنا بعض إعجاز هذا الميزان ،وفي رأيي الخاص  أن ذكر الإذن ضرورة في مرحلتي الخلق المرحلة الأولى التي تخص خلق الجسد والتصوير ، والمرحلة الثانية التي تتطلب إذنا من الخالق عز وجل لبث النفس عن طريق إعطاء التاييد بوظيفة (الروح )الملك المخصص ببث النفس في الجسم الإنساني ليصير حيا فخلق الإنسان تم على مرحلتين قال تعالى معبرا عن عن هاتين المرحلتين :

 (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14 المؤمنون )

4ـ وإبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى ... من المعجزات الخارقة التي تم تأييد عيسى عليه السلام  بها ، و إبراء الأكمه :  يقولون : أنه فاقد النظر أي أعمى ، هذا مع العلم أن الأعمى قد ورد بلفظه في القرآن .. إذن لو كان المقصود بالأكمه الأعمى  لذكر بنفس اللفظ ..  (فعلم ذلك عند ربي في كتاب ، لا يجليه إلا لوقته فالله ) ..أما عن الأبرص فقد عرفه الطب بأنه مرض خطير  من الصعب القضاء عليه .. أعراضه مخيفة جدا فهو يحدث تآكلا في الأطراف البشرية  الخارجية ،: يجعل الأطراف تسقط  مثل : الأنف والأذن وأصابع اليدين .. حتى يصل إلى الجلد أيضا .. فمرض بهذا التوحش ، الشفاء منه بأن يعود الأبرص لنضارة الحياة الأولى التي كان عليها قبل إصابته بهذا الفيروس ،  يعد معجزة بكل المقاييس .. وإحياء الموتى دليل صارخ على التأييد منقطع النظير ... إذ أن الناس تراه ميتا  ، فاقدا للحياة ،  ثم تعود له الحياة مرة أخرى : يكلمهم ويتصرف تصرف الأحياء .. أليس هذا الدليل صارخا على أن عيسى عليه السلام ، رسول صادق فيما ينقله عن ربه ..وقضية خلق عيسى حظيت باهتمام الآيات القرآنية وذلك لفك الالتباس ولتجلي الحقائق بصورة لا تدع مجالا للظن بعدها ولكن تمتنع  عقلية البشر إلا ان تسمع لوسوسة الشيطان وإيحاءاته للتشويش ، وخلط الأمور ، والوصول إلى  الغاية التي يتمنى أن يصل البشر إليها،  وهي الشرك بالله ، وجعله لبشر خلقه بطريقة مخصوصة  ، إلاها يعبد من دونه (نستغفر الله العليالقدير )

5ـ (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ )  ، ونصل إلى النقطة الأخيرة في المقال وهي تخص دفاع الله عن  عيسى عليه السلام ، بأن كف أذى بني إسرائيل عنه:  بأن حماه الله من كيدهم من البداية ، حتى عندما ظنوا أنهم حاصروه ، وصلبوه ، وقتلوه  .. لم يحدث ذلك يقينا  حيث رفعه إليه ، ولم يمكنهم من صلبه ولا قتله كما أرادوا ، قال تعالى  :

( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) النساء

 وحدث هذا لباقي الرسل أيضا  نذكر معا ما قاله القرآن عن حماية  الله سبحانه لرسوله محمد : بأن الله سبحانه يعصمه من الناس  :  ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة   ودائما  صدق الله العظيم

اجمالي القراءات 11744