ج1 ب2 ف 3 : إسناد علم الغيب الالهى للولي الصوفي

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٦ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى

إسناد علم الغيب الالهى للولي الصوفي: أولا :

1 ــ علم الغيب ملك لله وحده ، استأثر به دون خلقه ، إلا أن بعض الأنبياء قد يعطى علم بعض الغيبيات تأييداً له من الله تعالى وإظهارا لبعض المعجزات. يقول سبحانه وتعالى للمؤمنين : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ) آل عمران 179 ).. والآية ــ أو المعجزة ـــ لا يملكها الرسول ، ولا تأتي منه بدافع ذاتي ، وإنما هي أمر إلهي يظهره الله عليه لإثبات صدق تبليغه عن ربه، لذا فإن الرسول من جانبه لا يدعي علم الغيب إذا لم يعطه رب العزة العلم ببعض الغيب ، يقول نوح عليه السلام( وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ )هود 31 ) ، ويقول محمد عليه السلام ( وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ )الأنعام 50)، ( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) الأعراف 188 ). ولو كان محمد عليه السلام يعلم الغيب – مثلاً – لما أصيب في أُحد، ولما استشار أصحابه ، ولما وقع فيما استوجب عتابه في القرآن الكريم.  

2 ـ والله جل وعلا هو الذى يُخبر بالغيبيات ، وقد جاء فى القرآن الكريم بعضها فيما يخص الماضى والمستقبل ، ولكن أمرالله جل وعلا خاتم النبيين عليهم السلام أن يعلن أنه لا يعلم بعض الغيب الذي علمه بعض الرسل قبله ( قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً{25} عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)  الجن). وإبراهيم عليه السلام بسبب جهله بالغيب  لم يتعرف على الرسل الملائكة الذين أتوا متجسدين فى صورة بشر ، وظنهم بشراً فقدم لهم الطعام (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ {69}  فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ{70} هود 69 ، 70 ). ونفس الحال مع لوط عليه السلام، ظنهم بشرا رجالا فخشى أن يتعرض لهم قومه المشهورون بالشذوذ الجنسى (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود ).

3 ـ وحديث القرآن الكريم عن الغيب الالهى المسند لله جل وعلا يأتي بأسلوب القصر- وهو الأسلوب المتبع في الصفات الالاهية التي تخص الله وحده ، كالألوهية مثل (لا إله إلا الله ) ومستلزماتها من علم الغيب وتصرف في الملكوت. يقول تعالى ( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ.) النمل 65 ). (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )هود 123 ، النحل 77).( إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ  (20) يونس ).( لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الكهف 26 ). ولتعلق الغيب بالله تعالى وحده كان المؤمن مطالباً بالإيمان به تبعاً لإيمانه بالله تعالى، يقول تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) البقرة 3 ).

   4- وقد ندد القرآن الكريم بإسناد علم الغيب للأولياء والآلهة المعبودة عند المشركين،  حتى أن بعض آيات إسناد الغيب لله تعالى وحده جاءت في معرض هذا التنديد الموجه للمشركين ، يقول تعالى ( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) النمل 65 ). فالجاهلون أسندوا علم الغيب للأولياء فأخبر الله تعالى بأنه لا يعلم أحد غيره الغيب ، وأن هذه الأولياء الموتى لا تعرف حتى ميعاد بعثها من القبور. ويقول سبحانه وتعالى ( لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) الكهف 26 ), وهو تعريض بالمشركين الذين اعتقدوا في أوليائهم التصريف ومشاركة الله جل وعلا فى حكمه وعلمه جل وعلا  الغيب. ومثل ذلك قوله تعالى ( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ) هود122 ) وقوله تعالى (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{19} وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21 .. النحل)..

ثانيا :

1 ـ ثم جاء الصوفية  ــــ شأن المشركين السابقين ــ يسندون لأنفسهم علم الغيب مع بداية التصوف ، يقول الجنيد عن الولي الصوفي أنه ( من نطق عن سرك وأنت ساكت)[1]. أي يعلم سريرتك وما تخفيه الصدور. وعلم الغيب متصل بعقيدة الاتحاد الصوفية ، فالحجاب إذا زال عن قلب الصوفي واتحد بالله – في زعمهم – علم غيب الله وأدرك السر الإلهي.يقول الغزالي ( القلب قد يتصور أن يحصل فيه حقيقة العالم وصورته، تارة من الحواس وتارة من اللوح المحفوظ ، فمهما ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ رأى الأشياء فيه وتفجر إليه العلم منه فاستغنى عن الاقتباس من داخل الحواس ، فإذا للقلب بابان.. باب مفتوح إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ وعالم الملائكة، وباب مفتوح إلى الحواس الخمسة المتمسكة بعالم الملك والشهادة ، وعالم الشهادة والملك أيضاً يحاكي عالم الملكوت نوعاً من المحاكاة، فأما انفتاح باب القلب إلى الاقتباس من الحواس فلا يخفى عليك ، وإما انفتاح بابه الداخل  إلى عالم الملكوت ومطالعة اللوح المحفوظ فتعلمه علماً يقيناً بالتأمل من عجائب الرؤيا واطلاع القلب في النوم على ما سيكون المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس من جهة الحواس، وإنما ينفتح ذلك الباب  لمن انفرد بذكر الله تعالى )[2]. ويقصد بهم الصوفية ، فهو القائل (إن البحث عن الأسرار الإلهية لم يستقل بها إلا الأنبياء والأولياء)[3]. وعن الحسنات والسيئات والعفو والتقوى يقول الغزالي ( وهذا كله قد انكشف لأرباب القلوب انكشافاً أوضح من المشاهدة بالبصر)[4] . وأسند الغزالي علم الغيب لأولياء الصوفية كالخراز والشبلي وغيرهما[5] . وكما أمر الله جل وعلا المؤمنين بالإيمان بالغيب طالب الغزالي الناس بالإيمان بغيب الأولياء وعلمهم اللدني كما سبق في مبحث الإيمان بالأولياء . ونقل اليافعي عن الغزالي وغيرهم علم أشياخ الصوفية الأوائل بالغيب بل وأسنده إلى صوفية مجهولين [6].

2 ـ وفي العصر المملوكي – حيث ازدهار التصوف – أصبح  علم الغيب أو الكشف – سمة لازمة للصوفي ، ويوصف بها الولي بحكم العادة. يقول الشعراني ببساطة (من كُشف حجابه من العارفين علم أحوال أهل الجنة علما لا شك فيه، لخروجه عن حجاب بشريته )[7] . أي أنه يعترف بأن الصوفي خرج عن بشريته – أي أصبح إلهاً – وعرف الغيب الذي لا يعرفه البشر العاديون .وقد كان بعض الصوفية يتحرج من إدعاء الغيب الذي أورده الله تعالى في سورة لقمان :( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان 34) على أساس أنها من خصائص الحق تعالى ، وقد حاول الشعراني خرق هذه القاعدة الصوفية المعتدلة بحجة أن النبي عليه السلام ربما أعطي علمها .وهذا كذب فالنبى لا يعلم الغيب . يقول الشعراني ( وقيل أن النبي أعطي علمها وأًمر بكتمها فإن صح ذلك جاز أن يكون لورثته من بعده ) [8]. ولم يقل لنا الشعرانى من قال هذا ، أى إنه هو القائل، والورثة هم الصوفية طبعاً ، ويستمر الشعرانى فى إفتراءاته :( وزعم بعض العارفين أن في الآية اضماراً للاستثناء فيطلع من اختصه)[9]. وعلى ذلك عرف الشاذلي أنه سيموت في حميثرا واستعد لذلك[10].

3 ــ  ومن دواعي ادعاء الكشف عند الصوفية ذلك الإنكار عليهم الذي لازمهم ، فالصوفي  يحس أو ينتظر بادرة الإنكار عليه التي قد تظهر على وجه المنكر أو تشي بها حركاته فيسارع الصوفي بإخبار المنكر بما دار في عقله ، فيقتنع صاحبنا بأن الصوفية على حق في معرفتهم الغيب وينسى حقائق القرآن الكريم. وتردد ذلك كثيراً في الأقاصيص الصوفية ، واتخذ منه الصوفية تكأة للادعاء بالاطلاع على مكنون الصدور والتحذير من الإنكار القلبي عليهم منذ بداية التصوف ، فيقول أحمد ابن الحواري ت230 ( احذر أيها المريد أن تجالس أحداً من الفقراء جواسيس القلوب، وربما دخلوا قلبك وخرجوا، فعرفوا ما فيه وأنت لا تعلم )[11]. وقد اتخذ العصر المملوكي من هذه الشهرة الصوفية بمعرفة السرائر حجة أخرى تضاف إلى رصيدهم في التعالي على الفقهاء السنيين ، وفي نفس الوقت يتحاشون بها الإنكار عليهم ، يقول الخواص الصوفي الأمي (عليكم بحفظ لسانكم مع علماء الشريعة، وعليكم بحفظ قلوبكم مع الأولياء)[12]. ويقول أفضل الدين الشعراني الأخ الأكبر لعبد الوهاب الشعرانى : (عليكم بحفظ لسانكم مع أهل الشرع فإنهم بوابون لحضرة الأسماء والصفات، وعليكم بحفظ قلوبكم من الإنكار على أحد من الأولياء فإنهم بوابون لحضرة الذات، وإياكم الانتقاد على عقائد الأولياء)[13]. أي أن العلماء مجالهم الظاهر أما الأولياء فهم أرباب القلوب ولا مجال للإنكار على عقائدهم..

4 ــ  وتسابق الأولياء الصوفية في دعوى مختلف الغيوب ، فأفضل الدين الشعراني السالف الذكر كان يقول( بواطن هذه الخلائق كالبللور الصافي أرى ما في بواطنهم كما أرى ما في ظواهرهم )[14].  أي أنه ينظر من مرتبته الإلهية إلى (بواطن هذه الخلائق) وهى (كالبللور الصافي) لا تخفى عليه، ومثله محمد الخضري وإن زاد عليه في نظرته للأرض جميعاً والخلائق معها يقول (الأرض بين يديّ كالإناء الذي آكل منه وأجساد الخلق كالقوارير أرى ما في بواطنهم )[15].   وإذا كان بعضهم قد تحرج من إدعاء الغيب الذي ورد في سورة لقمان فإن ( على وفا ) خرق هذه القاعدة وادعى أن الله كان يطلعه على ما في الأرحام أو على حسب تعبيره ( ما من نطفة توضع في رحم بيد ملك مخلقة أو غير مخلقة إلا وقد أطلعني الله عليها)[16]. ويلاحظ أنه استخدم أسلوب القصر المستخدم في قصر الغيب على الله تعالى في الآيات القرآنية، ثم أفاد العموم بتنكير (نطفة) و(رحم) فكل نطفة توضع في كل رحم (سواء كان بشراً أو حيواناً) لابد أن يطلع الشيخ على وفا عليها .. !!  . ويقول المتبولي( لا تنزل قطرة من السماء ولا يطلع نبت من الأرض إلا علمت به، وعزة ربى هذا أمر أعطيته وأنا طفل)[17].فهنا تجديد قال به المتبولي في دعواه، وهو معرفته الشاملة بكل قطرة مطر وكل نبتة شجر.. وإن ذلك العلم الإلهي قد حظي به مذ كان طفلاً يتبول على نفسه.. !!.  وقد تفوق على المتبولي صوفي آخر من الفقراء الطيارين (رواد الفضاء) يقول (أعطاني الله أنه لا يسقط حيوان من بطن أمه من جن أو إنس ووحش وطير وغيرها، ولا تخرج ورقة من نبات الأرض إلا ويعلمني بذلك قبل ظهوره .. وعزة ربى قد أعطاني الله هذا وأنا دون البلوغ )[18].وإذا كان ذلك دون البلوغ فكيف به وقد خط شاربه؟؟ وكيف وصل تحكمه وعلمه في ملك الله بعد أن بلغ من الكبر عتيا؟؟

 وسبق المرسي الجميع حين ارتفع فوق الأولياء يقول (والله الذي لا إله إلا هو ما من ولى لله كان أو هو كائن إلا وقد أطلعني الله عليه ..)[19].

  5- وكانت المبالغة الطابع السائد في وصف ولاية الصوفي بعد موته، وحينئذ ينال من العلم بالغيوب أعلى الدرجات. فقيل عن أبي السعود بن أبي العشائر( حدّث بإيضاح أحوال الملكوت، وأسماء الملك، وأحوال الآخرة، وتفاوت المنازل والدرجات، وأوزان الرجال، ومراتبهم من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، يذكر له الرجل في المغرب أو في مطلع الشمس فيذكر صورته ووزنه، وما من شيء طرق الأسماع خبره ولا من الغيوب إلا والشيخ أبو السعود يوضح كيف اطلع، وإنه في كل صباح يطلع على أرواح الخلائق، وأنه له نوبة كاسات تضرب له في الأرض وفى كل سماء وعلى العرش )[20].   فماذا بقى لله تعالى في الأرض والسماء والعرش والخلق وعلم الغيب !! ؟؟. .وواضح أن الصوفية السابقين يزاحمون الله تعالى في وصفه لذاته بقوله جل وعلا : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) الأنعام 59) .( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِي (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) الرعد )( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) سبأ ).

  6- بيد أن المبالغة في تضخيم مقدرة الولي على معرفة الغيب أوقعت الصوفية أحياناً فيما يستوجب السخرية ، ونقصد سخرية القارئ اليوم لا في العصر المملوكي حيث كان يُنظر بالتقديس إلى الولي الصوفي ومبالغاته مهما تضخمت ، فقيل مثلاً أن الفرغل كان يخبر بالمغيبات ويقول (والله لولا لسان الشريعة لأخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم )[21]. فالفرغل يحتج بحجة الشريعة حتى لا يثبت عليه الجهل بالغيب حين يخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون فيحكموا على كذبه وادعائه .ثم أين الشريعة واحترامه لها حين يدعي لنفسه علم الغيب؟ ثم أين هو من الشريعة وقد كان جاهلاً لا يقرأ القرآن [22].

 وذكر في مناقب البدوي أن هلال مئذنته ينبئ بالأخبار فنقل عن الشعراني أنه قال (ومما رأيته أني كنت جالساً على سطح المقام (مقام البدوي) وقت الزوال فرأيت هلال قبة سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه يدور يزعق كالحجر العظيم من حجارة المعصرة الذي ليس تحته حب , فدار نحو ثلاث دورات, ثم جاء الخبر بنصرة السلطان سليمان بن سليم من آل عثمان على أهل رودس في ذلك الوقت , وكذلك ما سمعنا تابوته يفرقع ويزعق إلا ويحدث في المملكة أمر  ) [23].أي أن الصوفية توسعوا في إسناد علم الغيب فجعلوا قطع الحديد والحجر تنبئ بالغيب طالما أقيمت على رفات ولي صوفي. ويقول الشعراني في ترجمة أحمد الزاهد أنه رأى اسمه في أهل النار , وبعد ثلاثين سنة حول اسمه في السعداء [24]..فكيف يكون ولياً يعلم الغيب وهو من أهل النار ؟

 وحفلت ترجمة الشعراني للمجاذيب بطرائف من علمهم الغيبي , ومن ذلك أن أحدهم أعطى التمييز بين الأشقياء والسعداء في هذه الدار [25].أو(أن الله أطلع شعبان المجذوب على ما يقع في كل سنة من رؤية هلالها, فكان إذا رأى الهلال عرف جميع ما فيه مكتوبا ًعلى العباد. وكان إذا طلع على موت البهائم يلبس صبيحة تلك الليلة جلد البهائم ،أو تسخير الجمال لجهة السلطنة يلبس الشال الليف فيقع الأمر كما نوه به)[26].ومعنى ذلك أن عصر الشعراني كان يتحسس علم المستقبل من ملاحظة المجاذيب المعتقدين بأعمالهم البالية وخرقهم الممزقة ..!!

7 ـــ ووصل ادعاؤهم إلى الإطلاع على ما فى  ( اللوح المحفوظ).. يقول الشعراني: ( نهاية كشف الولي أن يطلع على ما كتب في اللوح المحفوظ)[27]. وزعم ذلك كثير من الأولياء، فعبد الرحيم القنائي( نظر في اللوح المحفوظ)[28]. وكان شمس الدين الحنفي يقول لمن يسأله ( لو سألتني شيئاً لم يكن عندي أجبتك من اللوح المحفوظ)[29].وكان إسماعيل الإمبابى(يخبر أنه يرى اللوح المحفوظ، ويقول يقع كذا وكذا لفلان)[30]. ويقول الشعراني عن شيخه الخواص(كان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات، فكان إذا قال قولاً لابد أن يقع على الصفة التي قال . وكنت أرسل له الناس يشاورونه عن أحوالهم فما كان قط يحوجهم إلى كلام ، بل كان يخبر الشخص بواقعته التي أتى لأجلها قبل أن يتكلم )[31]. وفي طبقات الشرنوبي أن عبد القادر الجيلاني اطلع على اللوح المحفوظ ومثله في ذلك الرفاعي ، وفيها الزعم بأن الدسوقي قال عن نفسه ( وتكلمت بما في اللوح المحفوظ وأنا ابن شهر..) (وقرأت جميع ما في اللوح المحفوظ وأنا ابن خمس سنين)[32]. فكيف يكون (اللوح المحفوظ) محفوظاً إذا اطلع عليه أطفال الصوفية ..؟؟ وما وجه تسميته بالمحفوظ ووصفه بالحفظ إذا كان مباحاً لكل صوفي أو لطفل يتبول على نفسه؟!!



[1]
- الرسالة القشيرية 31.

[2] - إحياء جـ3/ 18 .

[3] - إحياء جـ1 / 27 .

[4] - إحياء جـ 4/ 27 .

[5] - إحياء جـ2/ 259 . جـ3 / 21. 58 .

[6] - روض الرياحين: 57، 58 ، 59 ، 60 ، 64 .

[7] - درر الغواص 11 ,

[8] - لطائف المنن 429 . 430 .

[9] - لطائف المنن 429 ، 430 .

[10] - الإلمام للنويري مخطوط جـ 2 / 79 .

[11] - الشعراني  قواعد الصوفية جـ 1/ 158 .

[12] - درر الغواص 81 .

[13] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ 2 / 158 .

[14] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ 2 / 158 .

[15] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ 2/ 158 .

[16] - مناقب الوفائية . مخطوط 43.

[17] - الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 237ب، 339 .

[18] - الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 237 ب،239 .

[19] لطائف المنن 95 .

[20] - ابن الزيات.. الكواكب السارة فى ترتيب الزيارة 316: 317 .

[21]- مناقب الفرغل مخطوط 3.

[22] -الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/96

[23] - عبد الصمد الأحمدي..الجواهر السنية 76.

[24] الطبقات الكبرى جـ2/75.

[25] الطبقات الكبرى جـ1/135.

[26] الطبقات الكبرى جـ2/167 .

[27] الجواهر والدرر195 .

[28] مناقب عبد الرحيم القنائى 15 مخطوط .

[29] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/89 .

[30] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/ 160 .

[31] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/ 135 .

[32] - طبقات الشرنوبي مخطوط 3 ، 4 , 7 ، 8.

اجمالي القراءات 12338