ج1 ب2 ف 3 : الولى الصوفى ــ بزعمهم ــ لا يأكل ولا ينام ولا يختلط بالبشر وكلامه مقدس كأنه قرآن

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٥ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى

 الولي الصوفي لا يأكل ولا ينام ولا يختلط بالبشر ، وكلامه مقدس كأنه قرآن :

 1- الأكل والشرب والنوم ضروريات بشرية.. وليس من صفات الخالق تعالى أن يأكل ( قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ.. الأنعام 14). وليس له أن ينام (..لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ.. البقرة 255), وزاد الصوفية على ذلك العزلة عن البشر واجتنابهم طالما يطمحون للسمو فوق البشرية إلى الأُلوهية..

وقد جعل الغزالي من صفات الولي : السهر والجوع والصمت والخلوة ليشابه الله أو على حد قوله ( ليسمع نداء الحق ويشاهد جلال الحضرة الربوبية )[1].ويقول عن قلة النوم (إذا كان النوم بقدر الضرورة يكون سبب المكاشفة بالأسرار ) يقصد العلم الإلهي اللدني. وعن الجوع يقول (مقصود المريد إصلاح قلبه ليشاهد ربه ويصلح لقربه .. أما الجوع فإنه ينقص دم القلب ويبيضه وفي بياضه نوره، ويذيب شحم الفؤاد وفى ذوبانه رقته، ورقته مفتاح المكاشفة)، ويقول عن الخلوة ( فائدتها دفع الشواغل وضبط السمع والبصر .. ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال الحضرة الربوبية)[2] . وهدفه ( الاستئناس بمناجاة الله تعالى، والاشتغال باستكشاف أسرار الله تعالى في أمر الدنيا والآخرة وملكوت السموات والأرض، فإن ذلك يستدعى فراغاً )[3]. ولم يجد الغزالي دليلاً قرآنياً فاستدل بأقوال الصوفية ومنها ( من طوي لله أربعين يوماً ظهرت له قدرة من الملكوت ، أي كُوشف بِبْعض الأسرار الإلهية)[4] .

 وفي العصر المملوكي طبقت تعاليم الغزالي فيما يخص الاعتقاد فيمن يدعي العزلة وعدم الأكل والشرب  مدة طويلة أو يشتهر عنه ذلك ، فقيل مثلاً في ترجمة أبي على حسين الصوفي 891 أنه ( مكث بخلوة في غيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب  وباب الخلوة مسدود ليس له إلا طاقة يدخل منها الهواء، ثم خرج بعدها وأظهر الكرامات والخوارق )[5]. أي أنه بعد أن تخلص من (الحجاب) البشري (الكثيف) خرج للبشر إلاها بمؤهلات إلاهية وخوراق وتصريف في ملك الله تعالى ..

 

 2- وصار تقليداً صوفياً أن يدعى الشيخ أو يشتهر عنه أنه امتنع عن الأكل والشرب أو النوم أو هما معاً مدة طويلة من الزمن قد تصل إلى أشهر وسنوات تبعاً لكمية الكذب التي تفيض بها الأسطورة .. فمعلوم أن طاقة البشر في الامتناع عن ضرورات الأكل والشرب والنوم محدودة بزمن معين،ومعلوم – أيضاً – أن الصوفية بشر يسري عليهم ما يسري على البشر من خضوع لقوانين الله تعالى في خلقه. وبهذا فإننا نحكم على تلك الروايات – قبل سردها - بأنها كاذبة لمناقضتها لقوانين البشر وتحملهم . وقد قيل عن ابن خفيف أنه ( ظل أربعين يوماً بلا طعام ولا شراب)[6] . و(ابن خفيف)  هذا أمره (خفيف) فقد كان في بداية التصوف ولا يتحمل عصره أكذوبة أكثر من هذه .وبمرور الزمن وانتشار التصوف وازدياد نفوذه ازدادت الأكاذيب وإزدادت بها مدة الجوع فقيل عن ابن عمر التباعي ( ت702 ) أنه ( كان يمكث الأشهر لا يأكل ولا يشرب . وفي السنة التي توفى فيها أقام سبعة أشهر ما ذاق فيها طعاماً)[7]. وواضح أن هذه الأسطورة سبكها سدنة ضريحه بعد موته حتى يتضخم تأليهه ويتكاثر زوار ضريحه . وجاء القرن التاسع فعد من كرامات ابن عرب الصوفي ( ت 830) أنه ( أقام أكثر من عشرين سنة لا يشرب الماء أصلاً)[8]. .

   4- وعن النوم قيل في الإحياء أن الحريري ( مكث سنة بلا نوم ولا كلام)[9]. وأن ابن عياش مكث أربعين عاماً (لا يضع جنبه على فراش)[10]. أما في العصر المملوكي فقد تفاوتت الأرقام تفاوتاً عجيباً .. فيقال عن على ِالكازروني 960 أنه (ربما مكث الخمسة شهور أو أكثر لا يضع جنبه الأرض لا ليلاً ولا نهاراً)[11]. وقد سأل الشعراني شيخه الخواص عن قوله تعالى (لا تأخذه سنة ولا نوم ) هل خلع الله  هذه الصفة على أحد من عباده المقربين فأجاب ( نعم عيسى بن نجم الذي مكث سبعة عشر عاماً لم يغمض له جفن في ليل أو نهار )[12]. وقيل عن سلمان الحانوتي ( مكث نحو سبعة وثلاثين سنة لا يضع جنبه الأرض كما أخبر بذلك ..)[13]. وطبعاً أخبر بذلك فصدقوه .وابن المؤذن ( مكث أربعين سنة لا يضع جنبه على الأرض بالليل)[14]. وطبعا لا يضع جنبه الأرض بالنهار أيضاً .. أما علي العياشي فقد ( مكث نحو نيف وسبعين سنة لا يضع جنبه الأرض إلا من مرض شديد)[15]. وذلك المرض الشديد استثناء لطيف حتى نصدق أن إنساناً يظل أكثر من سبعين عاماً بلا نوم .ويمكن أن تقول أن الشيخ خلف من أصحاب البدو حطم كل تلك الأرقام القياسية فقد كان (لا يضع جنبه الأرض ليلاً ولا نهاراً طيلة حياته)[16] .

5 ــ وبعضهم جمع بين الجوع والسهر والعطش أو اثنين منها فقد قيل لأبي يزيد البسطامي ( حدثنا عن مشاهدتك من الله تعالى ، فصاح ، ثم قال : ويلكم .! لا يصح لكم أن تعلموا ذلك،) لا بد أن يصيح فيرتعبوا منه ويستعدون لتصديق أكاذيبه .! ( .. قيل فحدثنا بأشد مجاهدتك لنفسك فقال : وهذا أيضاً لا يجوز أن أطلعكم عليه ، قيل فحدثنا عن رياضة نفسك في بدايتك ، فقال : نعم، دعوت نفسي إلى الله فجمحت عليّ فعزمت عليها ألا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لي بذلك [17]. ) فالبسطامي في بدايته ترك الماء والنوم سنة ، فكيف به بعد أن وصل..؟؟

وقال اليافعي عن أحد أصحابه ( وله إلى تاريخ تأليف هذا الكتاب خمسة عشرة سنة لم يضع جنبه الأرض، ويمكث أياماً عديدة لا يأكل فيها شيئاً)[18].. وذكر في مناقب البدوي أنه كان يطوي أربعين يوماً لا يتناول طعاماً ولا شراباً وفي أكثر أوقاته يكون شاخصاً ببصره إلى السماء[19]. وعيسى بن نجم البرلسي قال المرصفي عنه أنه مكث سبعة عشر سنة ( لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ، وهو على وضوء واحد)[20]. أي لا يتغوط ولا يتبول .. فماذا بقى للبشرية فيه ؟؟

  تقديس كلام الولي الصوفيكأنه قرآن  

عومل كلامه معاملة القرآن .. يقول الشعراني عن شيخه الخواص ، وكان أُمّيّا لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ القرآن الكريم : ( لا يمكنني استحضار جميع ما سمعته منه من العلوم والمعارف لكثرة نسياني وضعف جناني، فمن سمع من إخواننا شيئاً من أجوبة الشيخ فليكتبه بلفظ الشيخ خاصة ،ولا يتصرف في عبارته فإنه لا مرقى إلى فهم كلامه إلا من السلم الذي صعد منه الشيخ ، وأنّى لأمثالنا ذلك ، وأسأل الله أن يحفظ لساني وقلبي عن الزيغ عن مراده)[21]. ويقول ( فإذا علمت أن الجواب لا يدرك إلا ذوقاً  ذكرت جوابه بلفظه ، من غير شرح لمعناه،  نظير الحروف أول سور القرآن )[22]. ويقول حسن شمة عن رموز الدسوقي في رسائله (ويمكن أن تكون سريانية وكل حرف منها يدل على أسماء على نمط فواتح السور )[23].



[1]
- إحياء جـ3/65 :66

[2] إحياء جـ3/ 65: 66 .

[3] إحياء جـ2/ 201: 202 .

[4] - إحياء جـ 3 / 78 .

[5] - شذرات الذهب جـ 7 / 350 .

[6] - روض الرياحين 58 .

[7] -  النبهاني كرامات الأولياء جـ 1 / 137 .

[8] - الضوء اللامع جـ 1/ 201

[9] - إحياء جـ4 / 350 .

[10] -  إحياء جـ4 / 35.

[11] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ 2/ 163 .

[12] - الجواهر والدرر 140 , 141 ، 142 .

[13] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2 / 169 .

[14] - الشعراني صحبة الأخيار 136 .

[15] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2 / 169 .

[16] عبد الصمد. الجواهر السنية  28 .

[17] - إحياء جـ4 /304 .

[18] - روض الرياحين 179.

[19] - الجواهر السنية 6، 7 ,  10 .

[20] - الشعراني : تنبيه المغترين 130 .

[21] - الشعراني . درر الغواص 3 .

[22] - الشعراني درر الغواص 2 .

[23] - مسرة العينين مخطوط ورقة 74 ب .

اجمالي القراءات 7475