تكامل دائرة الفشل

كمال غبريال في الأربعاء ١٤ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً


الفارق بين حياة شعوبنا، وبين حياة شعوب العالم الغربي، هو ذات الفارق بين نوعية من يطلقون هم عليهم لقب "علماء"، وبين من نطلق نحن عليهم نفس اللقب. نعرف أن النخبة، سواء الثقافية أو العلمية، أو هؤلاء الذين يحتلون المواقع العليا في المؤسسات الحكومية والأهلية، هؤلاء هم من يعتبرون قاطرة شعوبهم. وهم دوماً وبالدرجة الثانية بعد الحكام، المعرضون للنقد والجلد، إذا ما تمخضت مسيرة الشعوب عن فشل كبير أو كارثة. هناك أيضاً الميراث أو التراث الثقافي المستوطن، والذي يسارع البعض بالإشارة إليه، إذا ما رصدنا فشلاً مستديماً، يتسبب فيه التمسك وإحياء هذا التراث. ومع كل هذا، سواء كان بعده أو قبله، هناك الإشارة إلى تأثير الحالة الاقتصادية، سواء على وعي الناس أو سلوكياتهم وتوجهاتهم.
لاشك أن اتهام النخبة، وعلى رأسها الحكام، ومعها التراث المستوطن، والذي يرضعه أطفالنا مع حليب الأم، وكذا الجانب الاقتصادي، الذي يجعل الشعوب رهينة "لقمة العيش"، له ما يبرره. بل ويكون توجيه أصابع الاتهام إلى كل هذا، بداية الطريق نحو تحديد مواطن القصور والخلل، التي هي الخطوة الأولية باتجاه العلاج لحالة التردي الراهنة، في سائر منطقة الشرق الأوسط.
مع الأسف الوضع في مجتمعاتنا، بل وفي سائر المجتمعات الإنسانية، ليس بهذه الصورة البسيطة خطية الاتجاه. أي بافتراض أن هناك عاملاً أو عوامل، تلعب دور العِلَّة أو السبب، وتؤدي إلى معلولات أو نتائج محددة، بحيث نستطيع من خلال التأثير المباشر على تلك العوامل، أن نغير كما نشاء في المعلولات والنتائج. فلو وضعنا أصبعنا على الصفوة لوماً، لن يغني هذا عن التساؤل ومساءلة المجتمع الذي أنجب هذه الصفوة، ووفر لها البيئة التي نشأت فيها، وتشبعت بقيمها ومثلها وعاداتها وتقاليدها وسلوكياتها. أي أن دور النخبة "كفاعل"، لا ينبغي أن يلهينا عن أنها أيضاً "مفعول بها"، أو بالأصح هي صنيعة المجتمع الذي أفرزها، وأتاح لها هي تحديداً، وليس نوعيات أخرى سواها، أن تبرز وتلعب دوراً محورياً في حياته. فما اعتدنا أن ننسبه للصفوة باختلاف مواقعها، من فساد وانتهازية ونفاق، هل أتت بهذه الصفات عن طريق الاستيراد من الخارج، أم هي البيئة الاجتماعية التي أورثتها هذه الصفات؟!!
نفس هذا يقال على الحكام، سواء كانوا طغاة أم عدول. فهؤلاء أيضاً هم نتاج مجتمعاتهم. ومن يختط منهم خط الاستبداد مثلاً، يفعل ذلك في الحقيقية لأنه ارتأى أن هذا هو الأسلوب الأمثل لحكم الشعب الذي تمكن من السيادة عليه. فلا أظن أن الملكية البريطانية قد اختارت وضعيتها، لمجرد رغبتها في أن تكون مجرد ديكور تقليدي احتفالي. كما يمكن أن نجازف بالقول، أن صدام حسين لم يختر طريقة حكمه اعتباطاً، أو فقط لأنه وحش في صورة بشر. لكن لأنه أيضاً بالإضافة إلى صفاته الطبيعية هذه، بل وبناء على هذه الصفات تحديداً، تمكن من حكم الشعب العراقي، الذي تبدد الآن، لمجرد تنفسه هواء الحرية والديموقراطية.
إذا انتقلنا إلى تأثير العامل الاقتصادي في صياغة وعي الشعوب سلباً وإيجاباً، من الغفلة أن نتناسى أو نتجاهل، أن المستوى الاقتصادي الذي تعيش فيه الشعوب، لم يأت في الأغلب الأعم كالمن والسلوى من السماء، أو لم تتفجر به الأرض، كما في الحالة الاستثنائية للدول البترولية. الشعوب بجهدها وعلمها هي التي تصنع واقعها الاقتصادي، كما تصنع سائر مقومات حياتها.
نفس هذا يقال على التراث الثقافي والعادات والتقاليد، فأولاً هي من صنع الأجيال الماضية أو أجداد الشعوب، وثانياً الشعوب والأجيال الراهنة مسؤولة عن الإبقاء على ما لا ينبغي الإبقاء عليه من ماضيها وقيمه ومفاهيه، علاوة على مسئوليتها عن إنتاج فكر جديد يناسب العصر، وليس الانحياز والتشبث بما هو عتيق وغير صالح.
العلاقة إذن بين الأسباب والنتائج في موضوعنا هذا ليست علاقة خطية، بل هي على شكل دائرة تكاملية، تلعب فيها العناصر دوري "السبب" و"النتيجة" معاً. الشعب الفاشل ينتج نخبة وحكاماً أردياء، ويرزح في حالة اقتصادية متدنية، ويولي عليه أو يسمح بتولية حكام طغاة أردياء، ويتشبث بأسوأ ما في تراثه من قيم ومفاهيم، ليعود كل هذا ليلعب دور "السبب"، فتزاد الحالة تدهوراً، وهكذا دواليك.
السؤال الآن هو كيف نكسر هذه الدائرة التكاملية الجهنمية، لنخرج نحن شعوب هذه المنطقة، مما نرزح في منذ قرون يصعب حصرها؟!!
kghobrial@yahoo.com

 
  المصدر ايلاف  
اجمالي القراءات 6098