حركة ابن تيمية الحنبلى ضد أتباع ابن عربى فى القرن الثامن
ج1 ب1 ف 3 : سبب محاكمة ابن تيمية

آحمد صبحي منصور في السبت ١٣ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية  من خلال الصراع السنى الصوفى                  

 الفصل الثالث: (وحدة الوجود وصراع الفقهاء مع الصوفية من أتباع ابن عربي في القرنين السابع والثامن الهجريين)

حركة ابن تيمية الحنبلى ضد أتباع ابن عربى فى القرن الثامن

     سبب محاكمة ابن تيمية فى الشام ومصر

 

1 ـ ويقول المؤرخ بيبرس الداودار تحت عنوان ( ذكر السبب الموجب لهذه الفتن المذكورة ) يعلل السبب الحقيقي في اعتقاله : ( أحضر بعض أصحاب ابن تيمية له ( كتاب )  فصوص الحكم لابن عربي ، فرأى فيه الشيخ مسائل تخالف اعتقاده ، فشرع في لعن ابن العربي وسب أصحابه ممن يعتقد اعتقاده ، ثم اعتكف الشيخ (ابن تيمية ) في شهر رمضان وصنف نقيضه وسماه (النصوص على الفصوص ) ، وبين فيه الخطأ الذي ذكره بن عربي .. وبلغه أن شيخ الشيوخ كريم الدين شيخ خانقاة سعيد السعداء بالقاهرة له اشتغال بمصنفات ابن عربي وأنه يعظمه تعظيماً كبيراً ، وكذلك الشيخ نصر المنبجي(ت719 )، ثم إن الشيخ صنف كتابين فيهما إنكار كثير على تأليف ابن العربي ولعنه فيهما مصرحاً ولعن من يقول بقوله ، وسير الكتاب الواحد للشيخ نصر المنبجي والشيخ كريم الدين ، فلما وقف عليه الشيخ نصر تألم ،وكانت له منزلته عند ركن الدين بيبرس (الجاشنكير المتحكم في السلطنة ) الذي لا يقوم ولا يقعد إلا به ، وكان سائر الحكام من القضاة والأمراء وأرباب المناصب يترددون عند الشيخ نصر لأجل منزلته عند بيبرس الجاشنكير ، فحضر عنده القاضي ابن مخلوف المالكي عقيب وقوف نصر على كتاب ابن تيمية ، فأوقفه على الكتاب المذكور، فقال له القاضي: أوقف الأمير ركن الدين بيبرس عليه وقرر ما أحببت وأنا معك كيف شئت ، وألزم الأمير ركن الدين بطلبه إلى الديار المصرية ونسأله عن عقيدته فقد بلغني أنه أفسد عقول جماعة كبيرة ،وهو يقول بالتجسيم ، وعندنا من اعتقد هذا الاعتقاد كفر ووجب قتله .. فلما حضر الأمير ركن الدين ( بيبرس الجاشنكير ) عند الشيخ نصر ( المنبجى ) على عادته أجرى له ذكر ابن تيمية وأمر عقيدته ، وأنه أفسد عقول جماعة كبيرة ، ومن جملتهم نائب الشام وأكبر الأمراء الشاميين ، والمصلحة تقتضي طلبه إلى الأبواب العالية ، ويطلب منه عقيدته وتقرأ على العلماء بالديار المصرية من المذاهب الأربعة ، فإن وافقوه وإلا يستتيبوه ويرجعوه ليرجع على مذهبه واعتقاده ساير من لعب بعقله من الناس ،ثم ذكر له ذنوباً آخر ، حتى حرّض بيبرس على طلبه )[1] .

2 ــ أي صار لعقيدة وحدة الوجود النفوذ والسيادة في مطلع القرن الثامن ممثلة في تسلط نصر المنبجي على كبير السلطة المملوكية (بيبرس الجاشنكير) والأمراء المماليك والقضاة السنيين غير الحنابلة الذين لا يشاركون الحنابلة رأيهم فى ( التجسيم للإله ) ،( وكان سائر الحكام من القضاة والأمراء أرباب المناصب يترددون عند الشيخ نصر لأجل منزلته عند بيبرس الجاشنكير ) وزين القاضي ابن مخلوف لنصر المنبجي استحضار ابن تيمية لمصر حيث يتمكن من قتله متهما بالكفر .. واعتبرا معاً أن دعوة ابن تيمية ضد العقيدة الصوفية بمثابة (إفساد لعقول جماعة كبيرة ) .. وأثار نصر المنبجي خوف بيبرس الجاشنكير من ابن تيمية ، منها أنه ضم إليه (نائب الشام )(وأكبر الأمراء )، بمعنى أن إبن تيمية يستطيع السيطرة على والى الشام ( نائب السلطان فى الشام فيستقل بحكم الشام . وذكر له ذنوبا آخر حتى حرص بيبرس على طلبه ..

3 ــ وكان ابن تيمية قد تعرض لمحاكمة في الشام من أعوان الصوفية اتخذ صورة الخلاف الفقهي ( وانفصل الأمر بينهم على أنه أشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ) ومع أن العقائد كانت فحوى الخلاف وأساسه ، إلا أنهم تجاهلوا ذلك تحرجاً من إعلان عقيدة الصوفية ، حتى لا تتعرض لتفنيد ابن تيمية ومناقشته ، لذا ( سألوه في مواضع خارجاً عن العقيدة ) ..وكان موقف المماليك في الشام معتدلاً ، فاعتقل النائب المملوكي (من أكثر من الكلام من الطائفتين وهدد من تكلم في العقائد ليخمد الفتنة ).. ثم وردت من مصر موافقة على مذهب ابن تيمية ، ثم حدث الانقلاب وحملوا ابن تيمية إلى مصر ، وذلك بعد أن وصل لنصر المنبجي كتاب ابن تيمية في لعن ابن عربي وأتباعه .. وأخبر البريد ( أن الطلب على ابن تيمية حثيث ، وأن القاضي ابن مخلوف قد قام في الأمر قياماً عظيماً ،وأن بيبرس الجاشنكير معه في الأمر ) .

4 ــ واستمر تجاهل الصوفية في مصر لموضوع العقيدة أثناء محاكمة ابن تيمية فاشتطوا في منع ابن تيمية  من شرح عقيدته (.. فأراد ابن تيمية أن يذكر عقيدته في فصل طويل ، فقالوا له : يا شيخ الذي بتقوله معلوم ولا حاجة للإطالة )، بل منعوه في ذلك المجلس الذي عقد لمحاكمته – من مجرد تحميد الله والبدء في الكلام .. وكان التحامل واضحاً على ابن تيمية تنفيذاً للمخطط الذي وضعه ابن مخلوف وباركه نصر المنبجي ووافق عليه بيبرس الجاشنكير .. وانتهى الأمر بحكم القاضى ابن مخلوف باعتقال ابن تيمية ، ثم لم يكتف بذلك فسعى لدى بيبرس الجاشنكير  حتى منع الأمراء من الاتصال به ، وما زال به حتى حبسه في الجُب ، وهدد أتباعه من الحنابلة بالقتل إذا أنكروا على عقائد الصوفية الاتحادية ..

5 ــ وأشاع الصوفية بين الناس أن خلافهم مع ابن تيمية فقهي لا يتطرق إلى العقائد حتى أن المؤرخين اللاحقين لهذه الفترة صدقوا هذه الفرية فقال المقريزي ( حبس ابن تيمية بسبب مسألة الطلاق )[2] ، وأنه أفرج عنه ( وشرط عليه إلا يفتي بمسألة الطلاق )[3]. ونقل ذلك عن المقريزي المؤرخ ابن العماد الحنبلي في القرن الحادي عشر وردد ذلك بمعناه [4].

6 ــ واضطهد أتباع ابن تيمية وهو في المعتقل (جرت فتن للحنابلة بمدينة بلبيس ثم انتقل الحال للقاهرة وحصل لبعض الحنابلة – (أتباع ابن تيمية ) أهانة ، وأعتقل منهم جماعة ، وجرت فتن عظيمة بين الأشاعرة والحنابلة بالشام ( الأشاعرة وقتها هم السنيون المعارضون للحنابلة فى بعض المعتقدات كالتجسيم والاستواء على العرش )، وكان النائب غائباً للصيد فلما حضر أمر بإصلاح ذات البين ، وأقر كل طائفة على حالها، وجرى في القاهرة أيضاً على الحنابلة أمور شنيعة وألزموهم بالرجوع عن العقيدة ، وجرى عليهم كل مكروه ) [5] .

7 ـ  ولا ريب أن جهل القضاة – مع تسليمهم للتصوف وخضوعهم للصوفية والحكام – أدى إلى تباعد بين ابن تيمية وبقية الفقهاء في مصر ، مع أنهم جميعا من أشياخ الفقه أو يجب أن يكونوا كذلك . وقد اعترف خصمه القاضى كمال الدين الزملكاني بأن ابن تيمية ( اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها )[6]. وقال ابن الوردي عنه ( أعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا يحتملها عقول أبناء زماننا ولا علومهم )[7]. وعقائد الاتحاد ووحدة الوجود كانت أبرز المسائل الكبار التي لم يتحملها خصوم ابن تيمية من الفقهاء .  وفي تاريخ ابن أيبك الداودار إشارات كثيرة تنم عن جهل القضاة مع مزيد من التعصب ، يقول مثلاً ( وكان بعد قيام ابن تيمية قد تكلم ابن جماعة في القرآن وعقيدة الشافعي ، فقيل لقاضي القضاة الحنفي ما تقول ؟ قال : كذا ، فقيل لشرف الدين قاضي القضاة الحنبلي : ما تقول ؟ فتلجلج ، فقال له شمس الدين المالكي قم جدد إسلامك وإلا ألحقوك بابن التيمية .. فخجل فلقنه القاضي بدر الدين بن جماعة القول فقال مثل قوله )[8].ويقول ( وكان القاضي شرف الدين الحنبلي قليل البضاعة في العلم ولم يدر ما يجيب به ) [9].

8 ـ ومن أمثال هؤلاء الفقهاء ننتظر منهم الحقد على ابن تيمية لأنه يذكرهم  بقصورهم العلمي والعقلي حتى أن الأمير سلار ( شريك بيبرس في الحكم ) جمع القضاة الأربعة وكبار الفقهاء ( وتكلم معهم في إخراج ابن تيمية فوافقوا على أن يشترط عليه أمور ويلزم بالرجوع عن العقيدة ، فأرسلوا إليه من يحضره ليتكلموا معه في ذلك ، فلم يجب إلى الحضور ، وتكرر إليه الرسول ست دفعات وهو مصمم على عدم الحضور ، وطال عليهم المجلس فانصرفوا على غير شيء ) [10]. أي أن ابن تيمية من ناحيته كان يعاملهم باحتقار ، حتى وهو في السجن .



[1]
ابن أيبك الداوداري  : سيرة الناصر143 .

[2] السلوك 2 / 1 / 185   ،  215 .

[3] السلوك 2 / 1 / 185   ،  215  .

[4]. شذرات الذهب جـ 6 / 73 .

[5] سيرة الناصر 145

[6] تاريخ ابن الوردي جـ 2 / 288   ، 289 .

[7] تاريخ ابن الوردي جـ 2 / 288   ، 289

[8] سيرة الناصر 138 .

[9] سيرة الناصر 145 .

[10] سيرة الناصر 146.

اجمالي القراءات 14214