عقل راشد في مواجهة أصوليات متحجرة

لطفية سعيد في الأربعاء ١٠ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد ، قرطبي أندلسي نشأ في بيت للقانون  ، حديثنا اليوم عن عقل أجاد دراسة المتناقضات ، وناغم بينهما في ألفة عقلية نادرة الوجود .. أحتفى واحتفل به الغرب ، كرهه ، وكفره الشرق ، متمثلا في الأصولية الإسلامية السنية والصوفية  .. له آراء في النص الديني وفي التأويل  ، باختصار هو الفيلسوف والطبيب والقاضي والفلكي والفزيائي : ابن رشد  ، فقد اغتاله الشرق فكريا فكرمه  الغرب ولازال ... بل وصل اهتمامهم به غايته في اقتطاعه من العالم الإسلامي جملة وتفصيلا ..  فهذا المستشرق البلجيكي( برميكا ) في مؤتمر في القاهرة سنة  1994، بعنوان ( ابن رشد والتنوير ) ينفي المستشرق البلجيكي  أية علاقة لفكر ابن رشد بالعالم الإسلامي ...  ولم يكلف أحد من الفلاسفة العرب أو المصريين نفسه في أن يرد ببحث  ليثبت عكس ذلك ، فلسان حالهم يقول :  وهو كذلك ، ليس لابن رشد علاقة بالعالم الإسلامي   ... أرأيتم أمة تكره ثرواتها الفكرية والإبداعية مثل أمتنا العربية والإسلامية هذه ... ما سبب هذا الموقف المعادي لابن رشد ؟ مالذي اقترفه ابن رشد من ذنوب عظيمة جعلت المعاصرين له ، بل والمتأخرين  وابناء المتأخرين حتى أحفادهم  (ذرية بعضها من بعض ) تقدم له الكره على الحب والكفر على التصديق والضيق عن الصديق فقط ، لأنه اشتغل بالفلسفة  ،واستخدم  عقله وأعلى من قدراته العقلية..  فلهذا حظي بالكراهية المقدسة من الفكر الأشعري و أخيه في الرضاعة  الفكر الحنبلي  أيضا ، والتصوف  باختصار الدين السني بكل أقسامه  وما استوعبه من تصوف  فسمى التصوف السني  ... فقد ثارت عليه كل هذه الجماهير المجمعة ،لخروجه عن الإجماع، وإعمال عقله في النص الديني إلى معنى باطن غير ظاهر فيما يسمى بالتأويل .. إذ قال ابن رشد مقولته المشهورة  ( لا إجماع  مع  التاويل  ) فكفره الجمهور لاتباعه التأويل وعدم أخذه بالظاهر  فقال : ( لا تكفير مع التأويل ) ، وكانت من عباراته التي كرهها المجتمعون على غياب العقل منه ( من رفع الأسباب رفع العقل ) وابن رشد يقصد بالأسباب العقل ،  إذن وضح الفارق الفكري بينه وبين معارضيه ، وإن كان لكلا الفربقين تلامذة وأتباع ،  لكن الاتجاه النقلي في الغالب ما تكون له القدرة على البطش بخصمه والحكم بتكفيره وردته فلماذا ... لأنه من أولوياته الحريص عليها : التقرب من أصحاب النفوذ و السلطة والسلاطين والحكام  ... يمشي في ركابهم ويستمد منهم القوة والهيمنة والجبروت،  مما يفسر الغياب المتعمد لمؤلفات الاتجاه العقلي وقلة الحديث عنهم فابن رشد على مكانته وتفرده في كل تلك العلوم  لم يحظ ببعض الاهتمام الذي حظى به الغزالي مثلا ، فقد يجمعون مؤلفاته وإبدعاته في سطرين على تعجل  ، ونفس الحال مع أبي حنيفة فلا نكاد نذكره  إلا عند عقد القران  (الزواج ) عندما يقول من يقوم بالعقد : على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان فقط ... فقد اختصروا كل فكره وآرائه في هذه الكلمات البسيطة  ,,, ومحمد عبده  لم يحظ بأكثر من سطرين في أي كتاب يتم ذكره فيه يقولون عنه  إنه مصلح  ومجدد لكن  لا ذكر  لهذا الإصلاح والتجديد مطلقا  مطلقا .. و الخلاصة تعتيم متعمد ، كما يحظى بهذا التعتيم أيضا الدكتور أحمد صبحي منصور ، فقد يسرقون أفكاره لضرورة سياسية ما ، وقد يشيرون لمن تتلمذ على فكره .. وكأنه موجد هذا الفكر ،  لكنهم  مطلقا لا يشيرون إليه ، مع سبق الإصرار والتربص ..  وهذا بالطبع يفسر قلة أتباعهم  بصفة عامة ، من ابن رشد ، و أبي حنيفة والمعتزلة وكل مدارس العقل وصولا للقرآنيين ... ولنرى كيف وصف الله سبحانه الأكثرية في القرآن ، لتعرف الفارق بوضوح ..

لكن وإن كان هذا هو ما يناله ابن رشد من المشرق ومن الفكر المتطرف الكاره للعقل ، المعلي لللإجماع مهما كان موضوعه ، المؤيد للسلطان مهما كان ظلمه ..

فهل حظيت أفكار ابن رشد بدعم دول المغرب العربي ؟ الإجابة وبكل أسف ،  لا لم يحدث تأثيره الفكري في دول المغرب العربي أيضا ، ما سبب ذلك إذن  ؟ السبب أن هذه الدول استشرى فيها أيضا فكر الغزالي ، فقد تشبعت بفكره في القرن الحادي عشر وقد قام الغزالي بكل ماعليه من واجب وزيادة ..عندما كفر في مقدمة كتابه ( تهافت الفلاسفة ) كل من يعمل بالفلسفة وحكم بأنهم ملاحدة وكفار ..حاول ابن رشد منع هذا التأثير الغزالي على دول المغرب العربي في القرن الثاني عشر ،  بتأليف ثلاث كتب للرد على الغزالي :  (المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ) ،وهاجم فيه الغزالي ،  وكتاب  بعنوان  (تهافت التهافت ) ألفه خصيصا للرد على الغزالي ، وكتاب ثالث بعنوان : ( مناهج الأدلة في عقائد الملة ) ، ولكنه لم ينجح في استقطاب عقولهم ، وترك تاثير الغزالي لأن هذه المنطقة تولت تكفير الفلاسفة أبضا لأن عقولهم كانت مستقطبة  أصلا ، وباللغات المتاحة لدي الان أوجز ردة  فعلهم  فيما قام به ابن رشد من ردود  :

(الصيف ضيّعتِ اللبن، أو(وِيُّوفِينْ وَلْيَطِّيفْ أََدِبْرَسْ وَلْيَتِّيفْ)أو( It’s  too  late) فقد تأخر الوقت العقلي ، والزمني لهم أيضا ، ليصلو إلى المحطة العقلية لإخوانهم في دول المشرق العربي وهكذا تتحق عناصر الوحدة ...

الأصولية الثانية التي كرهت ابن رشد وفكره :

  وإذا كان هذا هو ما وجده  فكر ابن رشد من دول العالم الإسلامي بقسميه ، واجماعهما على رفضه  ...لكن ما سبب كراهية الكنيسة لابن رشد أيضا .. لللإجابة على هذاالسؤال اسمحوا لي  أن أعود وإياكم  الى نهاية القرن الثاني عشر قبل نهايته بسنتين ، وعندما توفى ابن رشد بعد  نكبته التي أوجزها في :  أنه  تعرض لشائعات من حاشية المنصور ، وعلى إثرها صدر الحكم بردته ونفيه إلى( قرية اليسانة ) التي يسكنها كثرة من اليهود  ، وكان طبيعيا أن تظهر  شائعات أخرى مكملة لسيناريو الظلم السني ، تقول أن ابن رشد  من أسرة يهودية  .. وأن تحراق  مؤلفاته بأمر من الخليفة المنصور كمزايدة منه ودليل على حبه المبالغ فيه وحرصه على الإجماع  .ورأي الجمهور ..  فبعد وفاة ابن رشد ،  ولأن آراءه مؤثرة  وقوية ،  فقد احتاج إليها  (فردريك الثاني) في أوربا في حربه ضد  رجال الدين (الكنيسة )  فقد أشارت عليه حاشيته أن يستعين  بآراء بعض الفلاسفة  لتقوي من موقفه ، وتدعمه ضد رجال الكنيسة  فنصحه المحيطون به بالاستعانة بآراء ابن رشد ، فليس هناك أفضل منها ، فأصدر (فردريك الثاني  ) أمره بترجمة مؤلفاته إلى العبرية،  وقد قام بهذه الترجمة اليهود ، وإلى اللاتينية وقد قام بها المسيحيون ، وبدأت هذه المؤلفات المترجمة  تأخذ طريقها للاحتفاء والاحتفال بها من قبل الفلاسفة في جامعات فرنسا وإيطاليا  ، وقد أطلقت عليها  (الرشدية اللاتينية )  وهذا الرشدية قد قوبلت بالرفض الشديد من الكنيسة طبعا ،  وقد بذلوا جهودا ضخمة في مقاومة هذه الرشدية اللاتينية ما بين طعن مباشر لرائد الرشدية اللاتينة من قبل سكرتيره ، وتكليف من يقوم بالرد الفكري على اين رشد وأفكاره  من قبل السلطة الدينية  مثل :  البرت الأكبر ،  وتوما الأكويني ،  فكتبوا ضد ابن رشد ، كما نجد أيضا تأثيرا لابن رشد على  جاليليو في محاكمته  عندما كان يدافع عن نفسه  ، وهذا يعني شدة تأثير اين رشد في حركة التنوير الأوربية ،  ولكننا نظل في صمت وفي صبرمتعمدين عن اللحاق بركب الحضارة بل عن مجرد فهمها .. فهل ندرك الآن حجم ما وقعنا فيه من خطأ وخطر عندما تخلينا عن العقل والعلم والمعرفة في مقابل الجهل والتخلف  والجمود ؟  فأمتنا الوحيدة التي تقول:  إن قمة تطورها  يكمن في رجوعها للخلف   ... وهذا التعبير ليس من تأليفي ،  فقد سمعته كثيرا وهو يجري على الألسنة مجرى الحكمة  ويقال بكل فخرواعتزاز

 المصادر : بعض القراءات 

بعض الحوارات ،  للدكتور مراد وهبة

اجمالي القراءات 10375