ج1 ب1 ف 2 : ابن الفارض قرين ابن عربي في مصر

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٩ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية  من خلال الصراع السنى الصوفى                  

 الفصل الثانى : ( المرحلة الثانية للعقيدة الصوفية  من بعد الغزالي ( 505 ) إلى ابن عربي ت 638 هـ )

ابن الفارض ت 632 : قرين ابن عربي في مصر

ابن عربي هو آخر فلاسفة التصوف الكبار ، وبموته انتهى التصوف النظري الفلسفي وبدأ عصر التصوف الطرقي العملي .. وقد مات ابن عربي في دمشق سنة 638 أي قبل أن يبدأ العصر المملوكي بعشر سنوات .. إلا أن نحلته استمر تأثيرها خلال هذا العصر الذي استمر نحو ثلاثة قرون ، بل ولا تزال ذيول هذا العصر المملوكي تشكل بعض حياتنا الدينية حتى الآن .. وقد شهد أصفياء ابن عربي وكبار تلاميذه بداية العصر المملوكي .. وأبرزهم " عبد الحق بن سبعين " المتوقي بمكة سنة 667 عن خمس وخمسين عاماً ، في رواية الشعراني [1]. أو عام 669 عن خمسين عاماً في رواية المقريزي [2].

وعُرف " القونوى" بأنه صاحب ابن عربي ، وقد ألف على طريقته مجلداً في تفسير الفاتحة ( وكان مبتلي بالإنكار عليه ) ، وتوفي بقونوية سنة 672 وأوصى بأن يدفن إلى جانب شيخه فلم يتفق له ذلك [3].

وقد وفد إلى مصر من تلاميذ ابن عربي : " عفيف الدين التلمساني " ت 690 ( وهو من عظماء الطائفة القائلين بالوحدة المطلقة ، وقد اثني عليه " ابن سبعين " وفضله على شيخه القونوي) ، وقد نزل " التلمساني " بخانقاة " سعيد السعداء الشهيرة " وولد له فيها ابنه الشاعر " محمد شمس الدين " المعروف بالشاب الظريف [4].

ابن الفارض في مصر :

ولم تكن مصر بحاجة إلى معرفة عقيدة وحدة الوجود ، فقد عاش فيها ( سلطان العاشقين ) عند الصوفية ، ونعني به عمر بن الفارض ، أشهر شعراء الاتحاد ووحدة الوجود ، وقد توفي سنة 632 .. ويقول في شعره الاتحادي وفيه يدعي الألوهية :

       فبي دارت الأفلاك فأعجب لقطبها ال         محيط بها والقطب مركز نقطتي

       ومنـي لـو قامـت بمـيت لطـيفة          لردت إليـه نفـسه وأعـيدت

       ولا تحـسبن الأمر عـني خارجـاً            فما سار إلا داخل في عبوديتي

       فلا  حيّ إلا عـن حيـاتي حـياته            وطوع مرادي كل نفس مريدة

       ولولاي لم يوجـد وجود ولم يكـن            شهود ولـم تعـهد عهود بذمة

       ولا قـائل إلا بلفظـي محــدث             ولا نـاظر إلا بنـاظر مقلتي

ثم يزعم أن الله يتحد به حتى تصير الذاتان ذاتاً واحدة فيقول : 

              ولا منصت إلا بسمعي أي سامـع        ولا بـاطش إلا بأزلي وشـدتي

             ولا نـاطق غيري ولا نـاظر ولا         سميع سوائي من جميع الخليقة

            وهأنـا أبـدي في اتحـادي مبدئي         وأنهي انتهائي في تواضع رفعتي

            جلت في تجليها الوجـود لناظري           ففـي كل مـرئي أراهـا برؤية

            وأشهدت غيبي أو بـدت فوجدتني          هنـالك إيـاها بجـلوة خـلوتي

            فوصفي- إذ لم تدع باثنين– وصفها         وهيئتها – إذ واحد نحن- هيئتي

           فإن دعيت كنـت المجيب وإن أكن          منادىٌ أجابت من دعائي ولبـت

           وإن نطقت كنت المناجي كـذاك إن          قصصتُ حديثا إنما هي قصـت

           فقـد رفعت تـاء المخاطب بينـنا          وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي

وزعم أن الذات الإلهية تصلي له ..

          ولا غرو أن صلى الأنام إلىٌ  أن         ثوت بفؤادي وهي قبله قبلتي

          لـها صلـواتي بالمقـام أقيمـها        وأشهد فيها أنـها لي صـلت

           كلانا مصل واحـد ساجد إلـى         حقيقة بالجمع في كـل سجـدة

          وما كان لي صلى سواي ولم تكن        صلاتي لغيري في أدا كل ركعة [5]

وقد حكم علماء العصر المملوكي السنيون بتكفير ابن الفارض ، ففي القرن السابع – وعصر ابن الفارض- حكم بتكفيره عز الدين بن عبد السلام ، وابن الصلاح الشافعي ، وقطب الدين العسقلاني، وقام ابن حمدان الحنبلي يشرح التائية وبيٌن كفره وزندقته فيها بيتاً بيتاً ، ومثله أبو على السكوني ، وابن الحاجب ، ثم ابن دقيق العيد ، وابن بنت الأعز ، وابن جماعة ، وعيسى الزواوي ، والسعد الحارثي ، وأبو حيان ، وابن النقاش ، وشمس الدين الموصلي ، وتقي الدين السبكي ، والزين الكتاني ، وابن تيمية .. وممن يليهم الأدفوي، والسفاقسي ، وابن أبي حجلة ، والذهبي ، وابن كثير .. وممن يليهم في القرن الثامن ، العيزري، والبلقيني ، وعلاء الدين البخاري .وفي القرن التاسع ابن حجر ، والعيني ، والبساطي ، وابن الأهدل ، وشهد بهذا النقل عنهم نحو عشرين كتاباً من مصنفاتهم ومصنفات غيرهم من العلماء ، وهي شرح التائية لابن حمدان وديباجة ابن الفارض ولحن العوام لابن خليل ، وتفسير ابن حيان ، والفرقان لابن تيمية ، وكتاب ابن أبي حجلة ، والميزان ولسانه لابن حجر ، والتاريخ لابن كثير ، وناصحة الموحدين للعلاء البخاري ، والفتاوى المالكية للعراقي ، وتاريخ العيني ، وشرح التائية للبسطامي ، وكشف الغطاء لابن الأهدل ، ثم تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد للبقاعي [6].

 هؤلاء الفقهاء أنكروا على ابن الفارض وتائيته ، إلا أن جل إنكارهم أنصب على ابن عربي زعيم القائلين بوحدة الوجود .. وعلى أنهم لم يفرقوا بين عقيدتي الاتحاد أو وحدة الوجود .. إذ أن العصر المملوكي لم يشهد صوفياً على مثال ابن عربي في تنظيره وتقعيده لفلسفة وحدة الوجود ، بل أهتم اللاحقون بدراسة كتبه أو الترويج لها أو الإنكار عليها وتبين أوجه خروجها عن الإسلام ..

وسنعرض لأتباع ابن عربي في العصر المملوكي بترتيب القرون ، مع استعراض الصراع الذي دار بينهم وبين الفقهاء من خلال مصادر التاريخ المملوكي ..



[1]
الطبقات الكبرى جـ1 / 177 .

[2] السلوك جـ 1/2/ 597 .

[3] الشعراني ، الطبقات الكبرى جـ1/ 177 .

[4] الوافي بالوفيات جـ3/ 130 ، فوات الوفيات جـ1/ 364 ، شذرات الذهب جـ5/ 412 .

[5] ديوان ابن الفارض : التائية الكبرى ص 29 ، وما بعدها : مكتبة القاهرة 1979 .

[6] تحذير العباد من أهل العناد للبقاعي 214 : 216 تحقيق عبد الرحمن الوكيل ..

اجمالي القراءات 10654