البابوية
نشأة البابوية

عبدالوهاب سنان النواري في الخميس ٢٧ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

قائمة المحتويات:

1-   المقدمة.

2-   التمهيد: تطور الفكر الديني الروماني.

3-   الفصل الأول: المسيح عيسى بن مريم.

4-   المبحث الأول: المسيح من خلال القرآن الكريم.

5-   المبحث الثاني: المسيح من خلال المصادر التاريخية.

6-   الفصل الثاني: المسيحية في أوربا.

7-   المبحث الأول: اضطهاد المسيحيين.

8-   المبحث الثاني: تنظيم الكنيسة على أسس مدنية.

9-   الخلاصة.

10-                     قائمة المصادر والمراجع.

                     

 

 

 

 

 

 

 

 

المقدمة:

   الحمد لله القائل: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد : 27] نحمده ونستعينه - سبحانه وتعالى - ونثني عليه وحده لا شريك له؛؛؛

   لا يمكن للباحث في التاريخ الأوروبي أن يغفل دور الكنيسة في بناء العصور الوسطى, فمن أهم مميزات العصور الوسطى الأوربية الديانة المسيحية التي جاءت كرد فعل للتاريخ القديم وديانته الوثنية التي تدعو إلى الحرية والانطلاق بحكم تعدد الآلهة. إذ كانت تدعوا إلى التمتع بالحياة في شتى صورها ومظاهرها. وجاءت المسيحية لتقول: أن الحياة الدنيا عبارة عن مطية زائلة إلى الدار الثانية, دار الخلد والنعيم المقيم, وأنه يجب على الفرد أن يعيش على الصلاة والتبتل والتقشف وأن يبتعد عن مباهج الحياة وملذاتها, وعلى هذا نرى أن الديانة المسيحية قد صبغت الحياة والفكر في القرون الوسطى بصبغة خالصة تركت أثرها في مختلف نواحي النظام والحضارة. ذلك أن النظرة المحدودة الضيقة للأمور في نطاق هذا الدين وفلسفته والكنيسة اللاتينية وتعاليمها, والتي كان الفرد أسيرها مئات السنين, جعلت الناس يغطون في نوم عميق وجعلتهم لا يفكرون في استنباط قوانين الطبيعة وأماتت فيهم الأصالة وروح الخلق والإبداع.

   وغير خاف أن هذا العصر يعتبر في الغرب اللاتيني عصر تسلط الكنيسة الرومانية اللاتينية على الشعب ومقدراته وعلى إرادته وتفكيره وعلى حياته الخاصة والعامة, واعتبار كل من يخرج على أوامرها ونواهيها مهرطقاً يقع عليه أشد العقاب, كما ارتبطت العصور الوسطى بفكرة أن العالم المسيحي الغربي كان عبارة عن وحدة كبرى في مجموعة يحكمه الإمبراطور من الناحية الزمنية والبابا من الناحية الروحية. وهذه الوحدة لها كنيسة واحدة متغلغلة في كيان الأمم والشعوب والطبقات وهي كنيسة روما الكاثوليكية,ولها لغة رسمية واحدة وهي اللغة اللاتينية, ولها عاصمة روحية واحدة وهي روما.

   ومن هذا المنطلق فقد آثرت على نفسي اختياري هذا الجانب المهم من تاريخ أوروبا في العصور الوسطى, مجالاً للبحث, تحت عنوان(نشأة البابوية) وذلك لدراسته دراسة تاريخية تحليلية. يشتمل هذا البحث على: تمهيد وفصلين, كل فصل منها يحتوي على مبحثين, وينتهي البحث بالخلاصة. وقد جاء التمهيد بعنوان: تطور الفكر الديني الروماني؛ حيث يوضح لنا الجانب العاطفي الديني في الإمبراطورية الرومانية الوثنية, هذه العبادة التي جعلت العالم الروماني يشعر بنوع من الفراغ أو الجدب الروحي, مما دفعهم إلى الاتجاه نحو الفلسفة والتأثر بالديانات والفلسفة الإغريقية, والتطلع إلى كنوز الشرق الروحية وعباداته المختلفة, والتي كان على رئسها المسيحية, والتي لم تسلم ولم تبق على صفائها حيث تعرضت للتحريف والتبديل فأثمرت ثماراً أو محاصيل أخرى. ويدور الفصل الأول حول: المسيح عيسى بن مريم (ع) حيث يوضح لنا المبحث الأول: القصص الحق وذلك من خلال ما ذكره الله عزوجل في القرآن الكريم عن عبده ورسوله عيسى بن مريم. أما المبحث الثاني فيتناول سيرة المسيح من خلال ما ورد في المصادر التاريخية, حيث يوضح لنا نشأة المسيح والظروف المحيطة به وسبب كفر اليهود برسالته والعمل على قتله وما يتعلق بالإنجيل من أخبار أيضاً.

   وجاء الفصل الثاني تحت عنوان: المسيحية في أوروبا, حيث يوضح لنا المبحث الأول: ما أصاب المسيحيون من اضطهاد, ويوضح لنا أيضاً أسباب هذا الاضطهاد ودوافعه, كما يوضح النتائج السيئة لهذا العنف الذي تعرض له المسيحيون, ويوضح أيضاً النتائج العكسية التي خدمت المسيحية. أما المبحث الثاني: فيوضح لنا ويفصل النشأة للبابوية وكيف استطاعت الكنيسة أن تنظم نفسها تنظيما أداريا على أسس مدنية, حتى أصبحت دولة داخل الدولة, وحتى أصبحت القوة الروحية التي تضاهي القوة القيصرية. ويختم الباحث بحثه بخلاصة لأهم النتائج التي يمكن استنباطها من هذه الدراسة.

                             هذا ومن الله التوفيق                     

    

التمهيد-تطور الفكر الديني الروماني:

 

   لقد سادت العدالة والحرية في ظل النظام الحكومي العاقل الذي حرص الأباطرة الصالحون على إقامته ونشرة في كافة ربوع الإمبراطورية الرومانية أبان القرن الثاني الميلادي, وتحقق للمواطنين حقوق ومزايا لم تكن في الحسبان, وساد الأمان والطمأنينة وشعر الناس لأول مرة برعاية الدولة لهم. ومن خلال تأمين الحدود من خطر البرابرة المهاجمين عاش رعايا الإمبراطورية الرومانية في هدوء بال وسلامة حال, لا يقلقهم شيء على الإطلاق مادمت الحكومة تشغل بالها بمسئوليتها الكاملة في رعاية مواطنيها اجتماعياً وثقافياً. وإزاء هذا وجد الناس وقتا ليفكروا في الجانب العاطفي الديني, وفي الروح والخلود, ووجدوا تحت أمرتهم كنوز الشرق الروحانية وعباداته المختلفة التي تشفي عطشهم النفساني والروحي.[1]

   كانت حينذاك الإمبراطورية الرومانية كلها تسعد بالوثنية وتقدم القرابين للآلهة - وكان الكهنة خلال هذا المناخ هم المستفيدون بهذه القرابين, وكان الشعب يبذل الغالي والنفيس من أجل غسل الخطايا ورفع الذنوب والخلاص من كل ما ارتكبوه من آثام.[2] ولكن مع الوقت أخذ العالم الروماني يشعر بنوع من الفراغ أو الجدب الروحي, فالرومان أنفسهم بدءوا ينظرون إلى عبادة الدولة الرسمية وتقديس الأباطرة, على أنها أمور شكلية, مما دفع المثقفين منهم بوجه خاص إلى الاستخفاف بالعقائد الدينية - سواء كانت يونانية أو رومانية - ومن ثم أخذ بعضهم يتجه نحو الآراء التي نادى بها الرواقيون,[3] حيث تمسكت الطبقات العليا المثقفة بالرواقية وذلك بما تنطوي عليه من الأخلاق والأيمان بكل الآلهة, كما اعتقدت في وجوب اتخاذ التصوف الأفلاطوني وكذلك الأفلاطونية الحديثة والغنوصية, وهكذا صار للفيلسوف منزلة سامية بين الناس باعتباره ناصحاً روحياً وشافياً للآلام النفسية, وصارت مهمته تشبه مهمة رجال الدين.[4]

   ولكن حتى هذه التعاليم الرواقية أخذت هي الأخرى تبدو تدريجيا أضعف من أن تشبع الحاجة الروحية للمثقفين نظراً لما امتازت به من تطرف في الجمود والمنطق فضلاً عن بعدها عن الآفاق السماوية.[5] ومن الجدير ذكره أنه وفي خلال فترة أتساع الإمبراطورية الرومانية تغلغلت التأثيرات الأغريقية في الديانة الرومانية, وسلك هذا التغلغل الطريقين المألوفين من قبل وهما: تشبيه الآلهة الرومانية بالآلهة الأغريقية المتماثلة في الخصائص, والأغتراف من الأساطير الدينية الأغريقية وأصبح الرومان يعترفون رسمياً بمجموعة من الآلهة والتي تماثل الآلهة الأغريقية ألأثنتي عشرة التي كانت تؤلف مجمع آلهة أولومبوس. وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي أن الآلهة الرومانية غير المجسدة اتخذت أشكالاً آدمية مثل الآلهة الأغريقية, مما أدى إلى كثرة الطلب على إنتاج تماثيل للآلهة الرومانية على غرار تماثيل الآلهة الإغريقية. وكذلك بدأ الرومان ينشئوا رسمياً أعياداً دينية جديدة وبعض المذاهب الدينية الجديدة أيضاً .[6]

   وبالتدريج ازدادت الأعياد الدينية الرسمية وازدادت كذلك مظاهر البهجة التي كانت تتخللها, وقد استغلت الطبقة الحاكمة هذه المظاهر لكسب رضا وعرفان الطبقات الدنيا. وكان من أبرز أمثلة العبادات الجديدة التي دخلت الديانة الرومانية الرسمية عبادة الأم الكبرى قوبلي, وتم نقل الحجر الأسود - الذي كان يعتقد أنه موئل هذه الآلهة - من معبد الأم الكبرى في بسينوس بآسيا الصغرى إلى روما. ومع ذلك كله فان السياسة العامة للطبقة الحاكمة الرومانية اتجهت نحو الحد من طغيان التأثيرات الأجنبية على العبادة الرومانية. [7]

   أما عن كنوز الشرق الروحانية وعباداته المختلفة التي تشفي عطشهم النفساني والروحي, فقد وجد الرومان ثلاث عبادات تشبع متطلباتهم في الفردية والخلود وهي: المسيحية, وعبادة الربة المصرية ايزيس, وعبادة الرب الشرقي مثراس والذي كانت تقوم عليه الديانة المثرية باعتباره رب النور والنار, وهو رب فارسي الأصل انتشرت عبادته في مقاطعات الإمبراطورية الرومانية الشرقية, حيث كانوا يعتقدون انه سيشفع لهم في يوم القيامة أمام رب النور الأكبر.[8]

   أما عبادة الربة المصرية ايزيس شقيقة لاوزوريس وأمُا للطفل حورس وهو ثالوث معروف. ويجب أن نعترف أن عبادة ايزيس ومثرا قد أثرتا في المرحلة المبكرة لظهور المسيحية خاصة من ناحية الشعائر والممارسة, وبينما كانت العبادتان الوثنيتان السابقتا الذكر تنتشران بين المثقفين والجنود, كانت المسيحية تنتشر بسرعة بين الفقراء المعوزين والمظلومين الذين يطلبون الخلاص من هذا العالم الظالم على يد ابن الرب - حسب زعمهم - خاصة بين رعايا الإمبراطورية في الولايات الشرقية.[9]

   ويمكن تقدير العناصر الرئيسية قبل المسيحية بأربعة عناصر: العنصر الأول: وهو الفلسفة التي تحتوي على قدر عظيم من دروس الأخلاق, ولكنها في جوهرها دروس أكاديمية, فضلاً عن قصورها عن الوصول إلى مستوى الرجل العادي. أما العنصر الثاني: فهو دين الدولة الذي تظاهر به الرجل العادي بوصفه أمرا رتيباً روتينياً. ولكن هذا الدين لم يعمد قط إلى تدريس الأخلاق أو حتى التظاهر بذلك, إذ كان دينا رسميا بحتا فحسب. والعنصر الثالث: هو العبادات المختلفة وبخاصة تلك التي من أصل شرقي. والعنصر الأخير: هو اليهودية, وهي قوية في إيمانها بالوحدانية وفي نفورها من عبادة الأصنام, كما أنها قوية في تضامن شعبها اجتماعيا, وإن كانت تتميز بضيق الأفق والتعصب. ذلك أنها كانت تتخيل الله عزوجل -يهوه- على أنه إله قبلي صديق لبني إسرائيل فحسب وأنه يكره من ليس من أصل يهودي. ولقد اتحدت هذه الخيوط الأربعة في الديانة المسيحية.[10]

   وهكذا اتجه الدين الجديد إلى استيعاب الكثير من أفضل عناصر الفكر السابقة, ولكن ثمة ما هو أكثر من الاستيعاب, إذ وجد تآلف حقيقي بينها. وكان أن صهرت هذه الشعلة الحية تلك الأسلاك التي كانت منفصلة عن بعضها وحولتها إلى سلك واحد. فهذه العقيدة الجديدة قد أثرت فيها الآراء القديمة, فأخذت عنها بعض نواحي ضعفها فانحدر الفكر من مستواه الرفيع إلى مستوى العامة, فتعين على الفكر أن يتنازل عن عليائه لينتصر. لذلك عمد الفكر الرفيع إلى التوفيق إلى حد ما بينه وبين الآراء الفجة والمغرضة. فعن الوثنية أخذت المسيحية عادة  عبادة الصور التي كان يمقتها الآباء الأقدمون. ومن العبادات الدينية انتقل إليها حماس لم يكن دائما متفقا مع الأخلاق. وأما عن اليهودية فقد انتقل إليها تعصب لا سبيل معه إلى التسامح.[11]

   وقد دخلت الكثير من الفلسفات عن طريق الحواري بولس الذي كان يوجه دعوته لليهود والوثنيين أيضاً, فاختلطت الفلسفة مع الدين, وصارت الكثير من المصطلحات المسيحية مصطلحات فلسفية, ودخل مع عبادة الله الواحد آلهة كثيرة, ومن هنا نشأت فكرة أن المسيح إله, ثم قيل أنه ابن الله (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً) وظهرت خرافات كثيرة منها أن المسيح خرج من قبره وصار يذهب للشباب ويكلمهم ويقول لهم: أنا ابن الله.[12]

   وواقع الأمر أن شيئا من المبالغة في بعض ما جاء في الإنجيل المحرف, وفي التقاليد الموروثة عن اليهود أو المأخوذة عن ديانات أخرى, وكذلك تحت وطأة شيء من قسوة الاضطهاد وسوء الحالة النفسية - بادرت المسيحية إلى ابتداع مذهب غريب في النبوات المتعلقة بنهاية العالم. فقد استقر الفكر المسيحي الوسيط على افتراض أن آخر لحظة في حياة الإنسان هي التي تحدد مصيره إما إلى حياة أبدية ناعمة تفوق كل وصف, أو إلى عذاب مقيم يجاوز كل تصور.[13] وكان العلماء ورجال الدين والفلسفة والعلوم المختلفة الذين يعرفون الكثير عن الأديان وفلسفاتها وما تدعو إليه يغلفون الديانة الجديدة بالعلمانية, وأصبحت الديانة الجديدة مجالاً للفلسفة أو الهرطقة, من كثرة النقاش حول الإيمان وقوانينه الإله.[14]

   وفي عام 324م اعتنق إمبراطور روما (قسطنطين) المسيحية بعد دراسته للفلسفة والأديان والإلهة, لكنه أدخل مع المسيحية الفلسفات وعبادته السابقة والإلهة. ويعزو بعض الباحثين معظم التحريف الذي حدث للمسيحية إلى زمن قسطنطين. [15]  أما روح المسيحية فقد كانت مفعمة بالحب, بالحب الخالص, الحب الباذل, الحب الذي يستهين بكل شيء ويتخطى كل الصعاب, ويصبر على الأزمات, وقد قدم المسيحيون أرواحهم نماذج للحب والبذل والإيمان, ومحبة كل البشر حتى الأعداء, وقمة المحبة ما جاء في إنجيل متى الإصحاح 5 - الآية 44: (أحبوا أعداءكم, باركوا لاعنيكم, أحسنوا إلى مبغضيكم, وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم فمن لم يعرف المحبة لا يعرف الله ).[16] 

    وتتلخص المسيحية في الإيمان بالأب الذي هو الله و الابن المسيح والروح القدس الذي عن طريقه أنجب الله المسيح من مريم العذراء. وأن الهدف من قدوم المسيح إلى العالم هو خلاصه. وقد جاء لخاصته أي (بني إسرائيل) ولكن خاصته لم تقبله, فصلبوه ولكنه قام في اليوم الثالث وخرج من القبر وصعد إلى السماء عند أبيه حيث يجلس عن يمينه ولن يعود المسيح إلى الأرض إلا قبل قيام الساعة حيث يقود الفقراء والمظلومين إلى المملكة السماوية التي سوف يحققها لهم. ووضعت المسيحية شروطا للدخول فيها مثل: التعميد والغفران أو التوبة ثم الإيمان بقيامة المسيح وبيوم القيامة. هذا من ناحية العقيدة أما من ناحية الواقع فإن المسيحية تقوم على التراث اليهودي والشريعة الموسوية. لكن دعوة المسيح خرجت من نطاق التخصص الضيق التي تتسم به اليهودية إلى العالمية وفي ذلك تأثر بالرواقية ما من شك. ولم تكن الأفكار العالمية هي وحدها التي ساعدت على انتشار المسيحية وسط ربوع العالم المسكوني, بل لأن المسيحية تشربت بالأفكار الأغريقية واستخدمت اللغة الأغريقية العامة.[17]

   بحق لقد كانت المسيحية الغرسة التي نمت في أرض أنبتت محاصيل أخرى, وهذا ما سيتبين لنا أكثر في الفصلين القادمين حيث سنحاول توضيح الرؤية من خلال القرآن الكريم وأيضاً من خلال المصادر التاريخية.

 

 

 

 

 

 

 

 

                       الفصل الأول-المسيح عيسى ابن مريم:

                       المبحث الأول: المسيح من خلال القرآن الكريم.

المبحث الثاني: المسيح من خلال المصادر التاريخية.

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول-المسيح من خلال القرآن الكريم:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ(87)} [البقرة]

{ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ(253)} [البقرة]

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) } [آل عمران]

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) } [آل عمران]

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران]

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء]

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)} [النساء]

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (17)} [المائدة : 17]

{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} [المائدة]

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)} [المائدة]

{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) } [المائدة]

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة]

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)} [مريم]

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)} [الأنبياء]

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)} [المؤمنون]

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)} [الزخرف]

{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) } [الزخرف]

{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)} [الحديد]

{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)} [الصف]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)} [الصف]

{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)} [التحريم]    

صدق الله العظيم

المبحث الثاني-المسيح من خلال المصادر التاريخية:

 

   ولُدت السيدة مريم عليها السلام, في عام 15ق.م, وتربت في القدس في كنف نبي الله زكريا عليه السلام, الذي كان نبياً من أنبياء بني إسرائيل في تلك الفترة زمن هيرود. ثم بعد ذلك بخمسة عشر عام كان ميلاد المسيح عليه السلام, وقبل مولده بثلاثة شهور ولد النبي يحيى عليه السلام, الذي اشتهر بين اليهود أكثر من المسيح, لأنه كان ابن نبيهم زكريا, فتبنوه, واشتهر باسم (يوحنا المعمداني), لأنه كان يأخذهم إلى نهر الأردن فيغسلهم به تطهيراً لذنوبهم.[18]

   بمعجزة إلهية ولد عيسى عليه السلام, ورغم المعجزة فقد كان اليهود في بادئ الأمر ينظرون إليه نظرة شك, ويتهمون أمه بالزنا, ويقولون في حقها بهتاناً وافتراء عظيماً, ولما كبر عيسى عليه السلام, دعاهم إلى الله, وظهرت على يديه المعجزات, فما كان منهم إلا أن اتهموه بالسحر, ومع كفرهم واستكبارهم بدأ الصراع الشديد بينه وبينهم, لقد أرسل الله عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل بالإضافة إلى زكريا ويحيى, فقد كان الله عزوجل يبعث إليهم عدة أنبياء في الوقت نفسه, وكان هؤلاء الرسل الثلاثة: زكريا ويحيى وعيسى, يحاولون أن يعيدوا اليهود للدين الحق, وأن يبعدوهم عن الانحرافات التي هم عليها, ولكنهم ظلوا على انحرافهم وغيهم.[19]

   ولسنا نعرف اليوم الذي ولد فيه السيد المسيح بالتحديد, فهناك آراء مختلفة في هذا الموضوع, فالبعض يحدده باليوم التاسع عشر من إبريل وبعضهم بالعاشر من مايو, وبعضهم بالسابع عشر من نوفمبر. وكان المسيحيون الشرقيون يحتفلون بمولد المسيح في اليوم السادس من شهر يناير منذ القرن الثاني بعد الميلاد. وفي عام 354م احتفلت بعض الكنائس الغربية ومنها كنيسة رومة بذكرى مولد المسيح في اليوم الخامس والعشرين من نوفمبر, وكان هذا التاريخ قد عد خطأ يوم الانقلاب الشتائي الذي تبدأ الأيام بعده تطول, وكان قبل هذا يحتفل فيه بعيد مثراس, أي مولد الشمس التي لاتقهر.[20]

   استمسكت الكنائس الشرقية وقتا ما باليوم السادس من يناير, واتهمت أخواتها الغربية بالوثنية وبعبادة الشمس, ولكن لم يكد يختتم القرن الرابع حتى اتخذ اليوم الخامس والعشرون من ديسمبر عيداً للميلاد في الشرق. والذي نعرفه أن الكنائس الشرقية لا تزال تحتفل بعيد الميلاد في اليوم السادس من يناير.[21]

   ويذكر لنا ول ديورانت, قول متى ولوقا:أن المسيح كان في بيت لحم, القائمة على بعد خمسة أميال جنوبي أورشليم, ثم يقولون: أن أسرته انتقلت منها إلى الناصرة في الجليل, أما مرقس فلا يذكر بيت لحم, ولايذكر المسيح إلا باسم (يسوع الناصري), وقد سمي بالاسم العادي المزلوف (يسوع) ومعناه (معين يهوه), ويبدو أنه كان ينتسب إلى أسرة كبيرة, وأن تعاليمه القوية أدهشت جيرانه, ولا يذكر بولس ويوحنا شيئاً عن مولده من عذراء, وأما متى ولوقا اللذان يذكرانه فيرجعان نسب يسوع إلى داوود (ع) عن طريق يوسف (ع), بسلاسل أنساب متعارضة, ولا يذكر أصحاب الأناجيل إلا القليل الذي لا يغني عن شباب المسيح.[22] 

   وكان يسوع ذا عقل يقظ طلعة, والشاب متى بلغ الثانية عشرة من عمره في بلاد الشرق أوشك أن يبلغ سن النضوج. لكنه لم يتعلم تعليما منظماً وشاهد ذلك أن جيرته كانوا يتساءلون: كيف يستطيع هذا الرجل أن يقرأ وهو لم يذهب قط إلى المدرسة, كان يسوع يتردد على المجمع الديني, ويستمع إلى تلاوة الكتاب المقدس, ويبدو عليه السرور حين يسمعه. وقد انطبعت في ذاكرته الأقوال الواردة في أسفار الأنبياء والمزامير بنوع خاص, وكان الهواء الذي يتنفسه مشحونا بالحماسة الدينية.[23]

   وقد بُشر اليهود في العهد القديم (التوراة) بظهور المسيح ليخلصهم مما هم فيه من ضلال.. وفعلاً انتظروه وتوقعوا مجيئه.. وتنباء اليهود بقدوم المسيح ووصفوه بسلوكه الهادئ المتواضع وبكل صفاته (لا يصيح ولا يصرخ ولا يسمع في الشارع صوته) ومع ذلك تربصوا به, ولا غرو في ذلك فهم كما وصفهم القرآن الكريم - قتلة الأنبياء.. قد أعمت أعينهم روح التمرد والكبرياء التي كانت تعتمل في داخل قلوبهم وفي صدورهم واستمروا في عنجهيتهم يصمون الآذان عن سماع كلام السيد المسيح ومواعظه.. إذ كانوا يعتدّون بأصلهم بأنهم من ذرية نبي الله إبراهيم عليه السلام, وأنهم شعب الله المختار فكيف ينصاعون لبشر أيا كان.[24]

   عندما بُعث المسيح كان اليهود يعيشون حالة من الشتات في كل ولايات الإمبراطورية الرومانية, وقد نظر اليهود إلى ماضيهم فألفوا أنفسهم وقد تعرضوا لتاريخ طويل من الإذلال والشتات, ومن ثم تولد لدى اليهود كبير أمل أن إلههم لابد وأن يخلصهم يوما ما من هذه التبعية السياسية للسيد الأجنبي. وكان التفكير السائد - حسبما جاء خصيصا في نبوءات أنبياء بني إسرائيل - أن الوسيلة الوحيدة لذلك هو أن يرسل يهوه مسيحا لهذا الغرض, يخرجهم من الظلمات إلى النور ويعيد لهم على الأرض مملكة داوود وسليمان, ويحقق لهم عهداً جديداً من السلام والرخاء, ومن القوة والعظمة, وينهي بقوته وإلى الأبد حالات الحزن والقنوط والتبعية والاذلال, وأن يهوه لابد وأن يعيد إلى شعبه ميراثه الصحيح ووضعه المرموق.[25]

   غير إن اليهود أصيبوا بخيبة أمل بالغة عندما جاءهم المسيح يزين لهم ملكوت السماوات, ويعدهم وعدا حسنا في الدار الآخرة, وأدرك رجال السطوة والنفوذ فيهم أن مكانتهم إلى نهاية, وأن نفوذهم لا محالة ضائع. ومن ثم كفروا بالمسيح وبما جاءهم به, ونالوا منه ومن دعوته وأتباعه, وراحوا يؤلبون عليهم جميعا شعب الرومان والحكومة. وبذلك لقي المسيحيون من اليهود كبير عنت.[26]

   وبالرغم من أن يسوع كان يؤكد تعلقه بالناموس اليهودي لأنه لم يأت ليلغي بل ليتمم, فان (أحبار الناموس) الذين كانوا يجلسون في المحكمة اليهودية العليا ثاروا لهذا التبشير الذي يجعل محبة الله والإخاء بين الناس فوق الناموس. فما وسعهم إلا أن أثاروا السلطات الرومانية التي رأت في تبشيره تحريضاً يمكن أن ينقلب إلى حركة ثورية. وما كان من الحاكم بيلاطس البنطي إلا أن أخذ بما طلبته المحكمة العليا وصلب عيسى (ع) ونال بذلك الجزاء الشائن, الذي يلقاه العبيد واللصوص, على رابية الجلجلة التي تقوم عليها اليوم كنيسة القيامة في شمال القدس.[27]

   لقد كانت اليهودية دينا صارما فيه كثير من القيود والعقوبات التي فرضها الله جل وعلا على اليهود بسبب ظلمهم وعنادهم وكفرهم, وكانوا يعانون منها, فجاء عيسى عليه السلام وجعل يلغي بعض هذه العقوبات والقيود, فتضايق منه الكهنة اليهود بسبب ذلك, وحسدوه على مكانته التي وصل إليها في قلوب الناس, وقد خطف الأضواء منهم, واستجلب اهتمام الناس به دونهم, وأثار غيظ قلوبهم إتباع اليهود له, فبدؤوا يتآمرون على قتله عليه السلام. كان عيسى عليه السلام قد بلغ من العمر 33سنة, وكان حقد كهنة اليهود عليه قد بلغ مبلغاً عظيماً, فما كان منهم إلا أن أصدروا قراراً بجلبه للمحاكمة, تمهيداً للحكم عليه بالإعدام, ووافقهم على ذلك (بطليموس) الحاكم الروماني, فطلبوا منه إصدار أمر بالقبض عليه, فأرسل (بطليموس) جنوده الرومان يبحثون عنه في كل مكان.[28]

   وهنا تكثر القصص والروايات, ويكثر الخلط والتغيير, ولكننا نورد الرواية المسيحية أولاً وكذلك ما ورد من روايات بني إسرائيل, وخلاصة الرواية أن الله سبحانه وتعالى رفع إليه عيسى عليه السلام بعد أن طلب المسيح من حوارييه أن يقدم أحدهم نفسه فداء له, فتقدم لهذه المهمة شاب صغير وافق أن يضحي بنفسه من أجله, فقلب الله سبحانه وتعالى شكل هذا الشاب إلى شكل عيسى عليه السلام أمام أعينهم في معجزة لم يروا مثلها من قبل, فأسروا هذا الشاب ولكنهم كانوا غير متأكدين من أنه المطلوب لديهم, وكان آخرون منهم يعرفون أنه ليس المسيح, وآخرون يدعون بخلاف ذلك, ولكنهم في النهاية أخذوه ووضعوا عليه تاجاً من الشوك, ثم اقتادوه إلى المحاكمة, وبدأ اليهود يحاكمونه, ولكونه كان حوارياً لعيسى عليه السلام, فقد كان بارعاً في رد أجوبتهم ودحض مزاعمهم, فلم يقدروا عليه, ولكنهم مع ذلك أصدروا قراراً بقتله وصلبه, فحملوه الصليب, وكان هذا الصليب ثقيلاً جداً, فحمله وسار به في طريق معروف حتى اليوم, ويسمى عند المسيحيين (طريق الآلام), فأخذوه في هذا الطريق وكانت له فيه أربع عشرة وقفة في أماكن مختلفة يرتاح بها من شدة التعب, وهم يعرفون هذه الأماكن إلى اليوم, ويعتبرونها أماكن مقدسة وقد بنوا في كل واحد منها رمزاً مقدساً, وعندما يحتفلون بعيد الفصح في شهر إبريل يعيدون هذا المشهد بالكامل, ويأتون بأحدهم يلبسونه تاج الشوك ويحملونه الصليب, ويقفون عند هذه الأماكن الأربع عشرة لتقديسها. إلى أن يصلوا إلى المكان الأخير الذي صلبوا فيه شبيه المسيح.[29]

   لم يترك المسيح أي أثر مكتوب, فتلامذته هم الذين كتبوا الأناجيل بعد انقضاء بضعة عقود على موت المسيح, توجه المسيح إلى عامة الناس: إلى الفلاحين والرعاة والحرفيين...الخ. وقد اختار أسلوب الحكاية الرمزية لإيصال رسالته إلى بسطاء الناس, ودعا إلى تنقية القلوب وإلى حب القريب, ومزج بين حب الآخرين وحب الله. الله الذي أطلق عليه أسم الأب, محرراً صورته من قناع الحقد والغضب الذي كان قد فرضه التدين اليهودي. ولم يميز المسيح بين قوم وقوم ولا بين أمة وأخرى. وسكان أنطاكية من الوثنيين هم الذين أطلقوا أسم (المسيحيين) على أنصار المسيح والمؤمنين برسالته, فظل هذا الاسم يطلق عليهم حتى أيامنا هذه.[30] 

   أما الأناجيل التي وصلت إلينا وهي أربعة أناجيل فهي البقية الباقية من عدد أكبر منها كثيراً, واللفظ الدال على الإنجيل gospel(وهو في اللغة الإنجليزية القديمة godspelأي أخبار طيبة) ترجمة للفظ اليوناني euangelionوالذي يبدأ به إنجيل مرقس ومعناه (أخبار سارة) وهي أن المسيح قد جاء, وأن ملكوت الله قريبة المنال. وأناجيل متى, ومرقس, ولوقا, يمكن الإحاطة بها بنظرة واحدة: ذلك بأن محتوياتها وحوادثها يمكن ترتيبها

في أعمدة متوازية والنظر إليها كلها مجتمعة, وقد كتبت كلها باللغة اليونانية الدارجة, وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث. أما النسخ الأصلية فيبدو أنها كتبت بين عامي60-120م, ثم تعرضت بعد كتابتها على مدى قرنيين من الزمان لأخطاء في النقل, ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها.[31]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني -المسيحية في أوربا:

             المبحث الأول: اضطهاد المسيحيين.

                          المبحث الثاني: تنظيم الكنيسة على أسس مدنية.

 

 

 

                           

 

 

المبحث الأول -اضطهاد المسيحيين:

   بعد ما فعله اليهود بالمسيح عليه السلام, قاموا باضطهاد أنصار المسيح اضطهاداً عظيماً حتى اختفى هؤلاء الحواريون وهربوا من القدس, ولجأ بعضهم إلى روما, ومن الذين هربوا الحواري (بطرس) الذي هرب إلى روما, وهناك بدأ يؤسس الجماعات المسيحية السرية, وكان يركز في دعوته على اليهود الموجودين في روما وما حولها, ومن حواريي المسيح أيضاً رجل يدعى (بولس) وكان يدعو للمسيحية, ولكنه لم يهتم باليهود فقط بل كان يوجه دعوته أيضاً إلى الوثنيين, وعندما اكتشف الإمبراطور (نيرون) حاكم روما هذه الحركات السرية بدأ بالبحث عنها, وتمكن من القبض على (بطرس) و(بولس), ثم أمر بإعدامهما ولكن أتباعهم استمروا على دعوتهم متأثرين بما كان موجوداً في روما من تماثيل وغيرها, وأضافوا عليها فصنعوا تمثالاًً للمسيح, وصنعوا آخر لمريم, ونشأت تدريجياً عبادة الأصنام.[32]

   في أول الأمر اعتقد الإمبراطور ورجاله أن هذا الدين ماهو إلا نحلة أو مذهب جديد من مذاهب اليهود المنتشرين في أنحاء الإمبراطورية, ولكن سرعان ما ظهر أن الدين الجديد يكشف اليهود وما حرفوه من شريعة موسى وأيضاً يعريها من ماديتها. [33] وقد كان الأباطرة ينظرون إلى هذه الطائفة (المسيحية) بعين ملؤها الشك والارتياب, ونتيجة لهذه النظرة التي أحيط بها المسيحيون راحوا يلتقون خفية ويعقدون اجتماعاتهم في سرية, مما زاد الطين بلة, وأوقع بهم تحت دعوى الاتهام بأنهم جماعة سياسية خطيرة يخشى بأسها على سلامة الدولة, خاصة وأن قيام هيئة دينية تجمعهم منفصلة عن الدولة كان يعد شيئاً غريباً تماماً عن الفكر الروماني عندئذ. [34]  

   أما المجتمع الروماني فكانت نظرته إلى المسيحية تختلف باختلاف الطبقة التي ينتمي إليها هذا البعض أو ذاك, هذا بالإضافة إلى موقف السلطات ذاتها, فالطبقة المترفة كانت تعتقد أن المسيحية تهدد كيانها بما تحمله من تعاليم تدعو إلى المساواة والأخذ بيد الفقراء, والتصدق بالأموال وعدم اكتنازها, واحتقار الحياة الدنيا وملذاتها, وهي مظاهر لم يألفها الرومان في تلك العصور. ومن ثم اتهمت هذه الطبقة المسيحية بأنها تعمل على تبديد الثروات التي جمعوها بطرق مشروعة أو غير مشروعة, وراحوا ينظرون إليها بعين الشك والارتياب.[35]   

   بدأت المسيحية ديانة توحيدية, ولم تكن ترضى بحل وسط يمكن استخدامه مع الديانات المتعددة الآلهة في الإمبراطورية الرومانية أو غيرها, بل يجب في - نظرها - إلا يكون هناك تسامح مطلقا لا معها ولا مع إتباعها, وبناء على هذا المعتقد عزل المسيحيون أنفسهم عن المجتمع وأنشطته المختلفة, فلا هم يشتركون في حفلاته وندواته العامة, ولا هم يختلطون بالرومان ويندمجون فيهم. وقد كانت هذه المحاولة لإقامة مجتمع من الأخيار بين الأخوة, والدفاع العنيف عن حياة التبتل, تجري في تيار مخالف تماما لم كانت عليه الحال في تلك الفترة. ولما كان قد حرم على المسيحي أن يتزوج بغير مسيحية, وعلى المسيحية إلا تقترن بغير مسيحي, اتهم المسيحيون بأنهم بذلك يبذرون الشقاق في المجتمع, واتهم الدين المسيحي بأنه يعمل على تشتيت الأسر وخراب البيوت, ومما أكد هذا الاتهام أيضا أن حماس المسيحيين في تلك الآونة كان يدفع الواحد منهم, تبعا للتعاليم المسيحية إلى أن يهجر عائلته وأرضه في سبيل إيمانه, وأن يشترك في وحدة مع جماعته المسيحية الجديدة.[36]  

   واتهم المسيحيون بالتعالي والتكبر على بقية أفراد المجتمع لأنهم كانوا يصنعون الصعوبات في وجه تناول الطعام خارج دورهم, وكان إظهار الشماتة من جانب المسيحيين إذا ما حل بالإمبراطورية مكروه, وما أذاعوه من تنبؤات صريحة عن الكوارث والمحن التي تنتظر الإمبراطورية كل ذلك أوحى إلى الرومان بانطباع معين عن خطر متوقع من وراء هذه الطائفة. وبهذا السلوك أدرك جموع الرومان أنهم إزاء جماعة منعزلة تأبى الاشتراك في الحياة العامة بل وتزدريها وترفض الانخراط فيها, ولا تؤدي أي خدمة للمجتمع الذي تعيش فيه, ومن ثم كان سخط الرومان ومعارضتها للدين الجديد أشد من سخط الأباطرة أنفسهم في بادئ الأمر. [37]

   والجدير بالذكر أن المسيحيين كانوا يؤكدون بأنهم رعايا الإمبراطورية الرومانية, أمناء على عهدها, ويحترمون السلطات القائمة. ولقد قال السيد المسيح حسب زعمهم: (ملكوتي ليس في هذا العالم) وأوصى بقوله: (أوفوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله). وذهب القديس بولس إلى ابعد من ذلك فكان يعلم (لا سلطة إلا من الرب) وأن (من يعارض السلطة يقاوم النظام الذي اقره الرب). ومع هذا فأن المسيحية بطبيعتها لا يمكن أن تبدو إلا خطرة بل وفاضحة للسلطة الإمبراطورية. فقد رفض المسيحيون القيام بالحركات الطقسية الميكانيكية التي كان يقوم بها الآخرون, كحرق البخور أمام تماثيل الآلهة الرومانية ورفض تضحية الضحايا على مذابح المعابد, وأكثر من ذلك رفضهم إجلال عبادة الإمبراطور وروما. وقد فسرت هذه الأعمال منهم  تقويضاً لقواعد الوحدة الإمبراطورية وتمرداً على النظم السائدة. ولذا حذفوا من المجتمع الروماني واعتبروا خطراً عاما على سلامة الدولة وحاق بهم الاضطهاد من كل جانب.[38]

   لقد أعتبر المسيحيون مواطنين أشراراً, وذلك بفعل مكائد ودسائس اليهود - وأيضاً عنصراً خطراً ضد المجتمع, ليس فقط لأنهم كانوا يترفعون عن ممارسة شعائر الديانة الرسمية, ولا يشتركون في عبادة روما المؤلهة, أو الروح الحارسة للإمبراطورية ولا لأنهم لم يقدسوا صور الأباطرة, ولكن تضامنهم وخلوتهم وقت التعبد كانا يوحيان بأنهم جماعة سرية, وهكذا كال لهم اليهود اتهامات من بينها ممارسة أبشع العادات كالزواج المحرم والشعائر المخلة بالآداب و إهراق الدماء, وتقديم دماء الأطفال وغيرهم قرباناً للآلهة طبقا للطقوس الخاصة بهم.[39]  

   وهكذا تكاتفت الظروف ضد المسيحيين بتصفيتهم جسديا بالقتل والذبح والحرق وبالوسائل المختلفة وبتركهم منفردين مع الحيوانات المفترسة لتسلية أهالي روما والمدن الكبرى, في هذا نتصور المسرح غاصا بالجماهير المنتظرة بشغف لهذه التسلية الهمجية المتعطشة للدماء, وحفنة من المسيحيين واقفة في وسط الملعب, وفي المقابل أسد متحفز أو نمر ضار أو مجموعة من الذئاب الجائعة, أو الكلاب البرية المسعورة, وتطلق هذه الحيوانات من أقفاصها وسط تهليل المتفرجين المتعطشين للدماء, ويبدأ الصراع بين هؤلاء المسيحيين العزل من أي سلاح إلا من سلاح الأيمان ضد هذه الحيوانات المسعورة الجائعة.. وفي النهاية يسقط البشر, وقد فتكت بهم الحيوانات, يالها من نهاية مأساوية بكل معاني البؤس والشقاء والعذاب والأيمان وأيضاً الحب لقاتليهم.[40]

   ومع هذا كله كان المسيحيون يتقبلون الموت بصدور منشرحة وثغور باسمة, حتى أنه عندما كان يصدر الحكم على واحد منهم بالإعدام كان الأخرون يندفعون من كل صوب مزدحمين في المحكمة أمام القاضي معترفين له بأنهم مسيحيون غير مبالين بما يلحق بهم من عذاب مريع واضطهاد شنيع, بل كانوا يجاهرون بكل جرأة وشجاعة بديانتهم الحقيقية التي تعلم بوجود إله واحد عظيم خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها, ومن العجيب الغريب أنه عندما كان يصدر الحكم النهائي بموتهم كانوا يقابلون هذا الحكم بفرح وتهليل حتى أنهم يترنمون ويرتلون أغاني الحمد والشكر لله الذي أهلهم لأن يموتوا لأجله, وكانوا يظلون يفرحون ويطربون إلى آخر نسمة في حياتهم عندما تفارق أنفاسهم أجسادهم.[41]

   وفي عام 311م أدرك الإمبراطور جاليريانوس عدم جدوى عمليات الاضطهاد بل أنها أتت بالنتيجة العكسية, إذ ازدادت الكنيسة قوة وسرت في المسيحيين (شهوة الاستشهاد) والإصرار على العقيدة. فقرر وقف المذابح البشرية ضدهم لعدم جدواها ولأنها خلقت عوامل خراب في أجزاء الإمبراطورية وأدت إلى تعطيل مصادر الإيراد من زراعة وصناعة وتدهورت الحالة الاجتماعية وانتشرت المجاعات. فأصدر قرار التسامح الديني والذي بمقتضاه سمح للمسيحيين بممارسة شعائرهم وفتح كنائسهم في كل أرجاء الإمبراطورية بشرط أن يذكر الإمبراطور والإمبراطورية في الصلوات بالخير وبالدعاء بالنجاح.[42]

 

 

   وأخيراً يئس الأباطرة من حلم استئصال المسيحية واضطروا إلى وقف المذابح البشرية لعدم جدواها ولأنها خلقت الخراب وأدت إلى أضعاف الإنتاج الزراعي ونقص اليد العاملة وتدهور الاقتصاد في كثير من أجزاء الإمبراطورية. فاعترفوا بالأمر الواقع وأعادوا للمسيحيين حرية العبادة. ثم رأى قسطنطين أنه من الأفضل أن يكسب المسيحيين إلى جانبه لأنهم بمرور الزمن أصبحوا نسبة لا يستهان بها فاعتنق المسيحية وانتهى على يديه عهود الاضطهاد. ولما وجد البيروقراطيون والإقطاعيون وأصحاب المصالح أن الأباطرة أصبحوا مسيحيين تحولوا من الوثنية إلى المسيحية حفاظاً على استمرار مراكزهم وثرواتهم ووضعهم المميز.[43]

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني - تنظيم الكنيسة على أسس مدنية:

   لاذ المسيحيون بالصحاري والفيافي واحتموا بالمقابر المهجورة وبالمغارات هروباً من صنوف العذاب وألوان الهوان, وكانوا يتجمعون ويمارسون تعاليم الدين الجديد في الخفاء, وانتشرت العبادة المسيحية تحت الأرض, فكان البطاركة والشمامسة يقومون بالتدريس والتبشير في المناطق النائية المعزولة والبعيدة عن أعين الرومان وجنود القيصر, واستمرت المسيحية تنتشر هكذا سراً طيلة ثلاثة قرون بعيداً عن متناول الأيدي الطويلة لجنود الرومان, وبدأ هذا الهروب أفراداً ثم تحول إلى جماعات صغيرة, وبدأ في نهاية القرن الثالث يأخذ شكل الظاهرة المتكررة, ومع الوقت أصبح نمطا في العبادة والتنسك, وكانت هذه الجماعات تختار بالطبع أماكن مناسبة, فعندما يحطون رحالهم في مكان يختارونه طبقا لوفرة سبل الحياة, كوفرة المياه الجوفية المناسبة, وكان لكل جماعة منهم دليل على دراية بالصحراء ودروبها واستطلاع النجوم ومعرفة الاتجاهات.[44]

   وبعد ذلك أقاموا الأديرة, فكانت هذه الأديرة مراكز للإشعاع الديني, ومقرا للعبادة وهكذا بدأت بذرة الرهبنة, بطريقة بدائية, على الفطرة, وكانت هذه المراكز الدينية أو هذه الأديرة متقاربة, وأحيانا كثيرة كانت الأديرة متباعدة متناثرة في الصحراوات, وأياً كان الأمر من قرب الأديرة أو بعدها عن بعضها البعض أو كونه نائية وبعيدة عن الوادي والعمران؛ فإنها تعد مدارس وحلقات درس, حيث يتم تلقين التلاميذ الجدد من المسيحيين الدروس, وكانت هذه الحلقات تحفها الريبة والحذر وتحيط بها الشكوك وينتاب مرتاديها الخوف والرعب والفزع.[45]

   وإزاء هذا الخطر نشأ اتحاد بين الجماعات المسيحية المبكرة دقيق التنظيم يوحد ما بينها, إذ بدأ سلك الكهنوت المسيحي في الظهور وبدأت الكنائس المستقلة والمتنافسة في الاتحاد فيما بينها والالتزام بنظام دقيق فمثلاً كان يقود شعب الكنيسة أو القداس شيوخ الكنيسة أو القسس الذين كانوا بدورهم يخضعون لسلطة الأسقف, وكان الاساقفة بدورهم ملتزمين بسلطة كرسي (المطران) وكان كل مطران يشرف على منطقة جغرافية يحكمها من داخل مدينة كبيرة تعتبر مقر المطرانية الاقليمية.[46]

   كان أول نشأة الرهبنة في مصر على هيئة حركة توحيدية قام بها كثير من المتوحدين الذين عاشوا في الصحراء الشرقية. ثم انتقل نظام الرهبنة بعد ذلك إلى ما يعرف بحركة الحياة الاجتماعية أو الحياة الاشتراكية. وكان ذلك على يد عدد من آباء الكنيسة الأول. فأصبح الرهبان يعيشون داخل حيطان دير واحد, وكانوا يأكلون معاً ويدرسون معاً ويشتغلون لكسب الرزق. وأهم مبادئهم أن يعيشوا فقراء متبتلين يكرسون حياتهم في خدمة الله وطاعة رؤسائهم. وقد ساعد على سرعة انتشار الرهبنة أمور عديدة. منها الحماس الديني الذي صاحب انتشار المسيحية. وكذلك حالة الفوضى والاضطرابات التي سادت العالم بسبب غزوات البرابرة. وكذلك قيام الحروب المستمرة, كذلك ما صاحب ظهور المسيحية من اضطهادات عنيفة لحقت بأفرادها.[47]

   كان المسيحيون يرتلون المزامير وآيات الإنجيل, ويرسمون علامة الصليب على صدورهم, فالصليب عنوان هذا الدين الجديد ورمزه وعنوان التلمذة المسيحية وسر قوتها وجوهر مجدها. هكذا صار الصليب شرطاً أساسيا للتلمذة للرب, وفي هذا يقول إنجيل متى الإصحاح16 الآية24: (إن أراد أحد أن يأتي ورائي, فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني). ولكنه كان من الطبيعي أن تختلف الممارسات من مجموعة إلى أخرى, حيث كانت تصاحبهم ظروف القهر التي يلاقونها, وحياة العذاب التي يعيشونها. ولهذا فعندما ظهر الدين الجديد من تحت الأرض ومن الكهوف والمغارات المهجورة ظهر بأشكال مختلفة وتفسيرات متباينة وممارسات عديدة.[48]

   ونتيجة لتحول عدد من الأغنياء إلى المسيحية, شيدت الكنائس الفخمة في كثير من المدن, وكانت فترات السلام التي تمر على الكنيسة فرصة كبيرة كي تستكمل فيها بناءها وتنظيمها الداخلي, وأصبح التقليد العملي أن يجتمع أساقفة كل إقليم أو ولاية في عاصمتها بصورة منتظمة, كما كان لأسقف العاصمة أو المطران سلطات معينة على المناطق التابعة لمطرانيته, وأخذ التنظيم الكنسي يميل إلى تشكيل نفسه على أسس مدنية, فأصبحت المدينة التي يقيم فيها نائب الحاكم المركز الطبيعي للاجتماعات الكبرى, وحصل أسقفها على سلطات واسعة في دائرة اختصاصه, فقد اعترف بقرطاجا كعاصمة دينية لافريقية, وأنطاكية للشرق عدا مصر حيث تبوأت الإسكندرية مركزا مرموقاً.[49]

   وما أن اقترب منتصف القرن الثالث الميلادي حتى كانت الكنيسة الرومانية قد ازدهرت, وأصبح لها شعب يشمل كل الطبقات وكل الحرف, ووجدت الديانة الجديدة صدى أقوى بين الطبقات الدنيا والوسطى في المدن الرومانية, وكان قادة العقيدة الجديدة من رجالات الفكر والأدب, ونلاحظ أن الكنيسة في هذا القرن غيرت سياستها المبكرة الخاصة بمملكة الله المعزولة عن الواقع وبدأت تشارك وتلعب دورا في المجتمع. كما أن أعداد المسيحيين تزايدت لدرجة راحت تقلق بال الدولة, وتشكلت الجماعات المسيحية تحت قيادة الأساقفة, مكونة كيانا مستقلا داخل الدولة.[50]

   وأخيراً رأى قسطنطين الكبير أنه عاجز عن سحق الكنيسة, فآثر التحالف معها. وأصبحت الكنيسة الجديدة هي كنيسة الدولة. وقد غدت الكنيسة بعد أن كانت مضطهدة تستجدي الرحمة, هيئة قوية, وقد بلغت مرحلة النضج والقوة قبل انحلال الإمبراطورية, وكان تنظيمها وملابسها, وحتى بعض طقوسها متمشية على نسق ما كان متبعا في الإمبراطورية نفسها. وحينما أكتسح البرابرة في أثناء غزواتهم الحكام والقضاة الرومان كانوا يستبقون - عادة -الأسقف في أسقفيته والقس في مذبحة. حيث كان من المتعذر القضاء على السلطات الأسقفية والكهنوتية نظراً لتماسكها الشديد وقوتها الروحية.[51]

   وهكذا اتخذت الكنيسة قالب الإمبراطورية, ويمكن القول بأنه في حوالي عام700م, كانت الكنيسة الرومانية هي كل ما تبقى من الإمبراطورية الرومانية, ذلك أن أسقف روما وصل تدريجيا وبمضي الزمن إلى مركز رئاسي, واعترف به بصفة قاطعة تقريبا على كافة الأساقفة الآخرين.[52] ومما ساعد الكنيسة على تحقيق ذلك أنها حذت حذو الإمبراطورية الرومانية في تنظيماتها حتى صار الأساقفة يضطلعون بعبء التنظيم الإداري في أقاليم الإمبراطورية فضلا عن نهوضهم بمهام التنظيم الكنسي. وقد ظهر على رأس الكنيسة عندئذ خمسة بطارقة في روما والقسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس والإسكندرية وهؤلاء يمكن تشبيههم بكبار الرؤساء الإداريين في الإمبراطورية الرومانية. وكان يتبعه كل واحد من هؤلاء البطارقة مجموعة من رؤساء الأساقفة الذين يشمل نفوذ الواحد منهم عدة أسقفيات, ثم الأساقفة الذين يشرف كل منهم على شئون كرسيه الأسقفي ويتبع كل واحد منهم عدة أبرشيات, وأخيراً يأتي قس الأبرشية في القرية. وهكذا ظهر سلك كهنوتي متدرج يشبه إلى حد كبير سلم الوظائف الإدارية في الإمبراطورية الرومانية.[53]

   على أن التيار الذي انساقت فيه الكنيسة, ومحاكاتها لنظم الحكومة الإمبراطورية تطلب قيام شخصية عظيمة على رأسها كما كان للإمبراطورية إمبراطور يتزعمها. وسرعان ما وجدت الكنيسة الغربية ضالتها في شخص أسقف روما الذي تحول كرسيه إلى بابوية لها السيادة العليا على الكنيسة في مختلف بلدان العالم الغربي. وليس من العسير علينا أن نكشف عن العوامل التي هيأت لأسقف روما هذه الأهمية والزعامة على غيرها من أسقفيات الغرب. ذلك أنه من المعروف أن أهمية الأسقف تتناسب عادة والأهمية السياسية والاقتصادية للمدنية التي يقوم فيها كرسيه الأسقفي. فكان لا يمكن لأي مدينة أن ترقى إلى مكانة روما ذات الماضي العريق والشهرة الواسعة والصيت الذائع. لهذا ليس من الغريب أن يتمتع أسقف روما بمكانة خاصة مستمدة من أهمية مدينته, حتى استغل أساقفة روما هذه الأهمية والمكانة في تحقيق نوع من السمو أو الزعامة على بقية أسقفيات الغرب هذا مع ملاحظة أن أساقفة روما لم يتمكنوا من تحقيق هذه السيادة بسهولة, إذ تعرضوا لكثير من ألوان المعارضة والمقاومة من بقية أساقفة الغرب لاسيما أساقفة قرطاجة.[54]

   ويكفي روما فخراً أنها ارتبطت ارتباطا أبديا بذكرى القديس بطرس الذي اتخذ منه المسيح صخرة بنا عليها كنيسته - حسب زعمهم - وإذا كان بطرس - بحكم هذا التشريف - يعتبر زعيم الحواريين ومقدم الرسل, فإن خلفاءه - أساقفة روما - أحق الناس بأن يرثوا زعامة العالم المسيحي, على أن تذرع أساقفة روما بهذه الحجج والأسانيد شيء ومحاولة فرض سيطرتهم على العالم المسيحي شيء آخر. وهنا نشير إلى وجود عوامل أخرى ثانوية ساعدت على تحقيق سيادة البابوية, منها ازدياد الالتجاء إلى أساقفة روما لاستئناف الأحكام القضائية التي أصدرتها المجامع الإقليمية أو صغار الأساقفة, مما جعل أسقف روما يبدو بمثابة الحكم الأكبر والسيد الأعلى. ومن هذه العوامل أيضاَ عظم ثروة أسقفية روما وتعاقب عدد من ذوي الشخصيات القوية على كرسيها الأسقفي مثل ليو الأول وجريجوري الأول, هذا فضلا عن سقوط الإمبراطورية في الغرب سنة476م ترك البابا وحيدا لا ينافسه سيد سياسي في الغرب, في الوقت الذي كان بعيداً عن سلطان إمبراطور القسطنطينية ونفوذه في الشرق. وهكذا سارت الأمور حتى تحققت للبابوية سيادتها الفعلية في صورة عملية عالمية على عهد البابا جريجوري الأول أو العظيم (590-604) الذي دانت لنفوذه الكنيسة الغربية بأكملها. [55]

   وهكذا فإن المسيحية حافظت على وحدة روما وتطويرها وإعطائها حجماً روحياً ضمن بقائها بالرغم من الكوارث السياسية التي لولا ذلك, لأدت إلى زوالها ونسيانها, وفي أوروبا القرون الوسطى والحديثة, عاشت روما, والفضل الأكبر في ذلك يعود إلى الكنيسة التي هي بدورها مدينة لروما لأنها استطاعت أن تضم إليها الشعوب التي احتوتها الإمبراطورية.[56]

   أن تقدم أسقف روما - الذي دعي منذ نهاية القرن الرابع باسم البابا - على باقي الأساقفة مما جعله يتمتع بميزة التفوق على أنداده دون أن يكون له الحق في إمرة الآخرين مباشرة, هذا التقدم الذي جعله على قمة الهرم الكنسي ينشأ عن أنه لا يمكن تحديد عقيدة بمعزل عنه أو بغير موافقته, وأن كل إعلان عقائدي يتعلق بالإيمان يجب أن يضعه هو أو أن ينال قبوله,

وعندما حدثت, في تلك العصور خلافات لاهوتية خطيرة أدت إلى جدل بين اليونان واللاتين, أعطاه موقعه هذا أهمية كبيرة, لاسيما وأن أحداً لم يشك في أهليته الحاسمة في الأمور؛ وأتاحت له هذه الأهلية أن يدعي حق السلطة القضائية على مستوى شمولي في القضايا الدينية.[57]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة:

   انتشرت الفلسفات والآراء الإغريقية وتعددت الديانات والآلهة في العالم الروماني نتيجة جمود الوثنية التي كانت الدين الرسمي للدولة؛ حيث أنها لم تشبع الجانب العاطفي الديني لمواطنيها. فتغلغلت التأثيرات الإغريقية وانتشرت الأساطير والتماثيل وكان للعبادات والديانات الشرقية عطش نفساني من قبل كثير من الرومان. وعندما وصلت المسيحية إلى أوربا تآلفت وانصهرت مع ما كان سائداً من فلسفات وديانات فقد أثرت فيها الآراء القديمة إلى حداً كبير. فدخل مع عبادة الله الواحد آلهة كثيرة, ونشأت فكرة أن المسيح إله. وتم تحريف الإنجيل وابتدعت المذاهب العديدة الغربية في المسيحية؛ لقد كانت المسيحية الغرسة التي نمت في أرض أنبتت محاصيل أخرى.

   وقد سطر لنا القرآن الكريم القصص الحق عن حقيقة ما حدث, وعن ما أدخله أهل الكتاب من أكاذيب وبدع حول المسيح, موضحا لنا أن المسيح عبد من عباد الله آتاه الله الكتاب والحكمة وجعله نبيا إلى بني إسرائيل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام أما كتب العهد الجديد وكتب التاريخ فقد تضاربت أخبارها, وتناقلت الكثير من الأباطيل والأكاذيب والأساطير, وفي نفس الوقت لم تخلوا هذه المصادر من الحقائق التاريخية.

   وقد كفر اليهود بالمسيح واضطهدوه واضطهدوا أنصاره, مما دفع ببعض الحواريين إلى اللجؤ إلى روما. وقد كان الأباطرة والرومان ينظرون إلى المسيحيين نظرة شك وريبة, وقد كان المسيحيون أنفسهم سبب مباشر في ما حدث لهم من اضطهاد نتيجة هذه النظرة, فتعرض المسيحيون لأبشع أنواع التعذيب والقتل. إلا أنهم صمدوا وصبروا لما أصابهم. وفي الأخير يأس الأباطرة من حلم استئصال المسيحيين بعد أن انتشرت في العالم الروماني, فأضطر الأباطرة إلى وقف المذابح لعدم جدواها واعترفوا بالأمر الواقع وتحالفوا مع المسيحية ثم اعتنقوها.

   وقد كان هذا الاضطهاد سببا رئيسياً في انتشار الجماعات المسيحية السرية التي قامت ببناء الأديرة. ونشأ اتحاد دقيق التنظيم ومبكر بين هذه الجماعات, وظهر السلك الكهنوتي, وأصبح للكنيسة شعبها, وشيدت الكنائس الضخمة, وأخذ التنظيم الكنسي يتشكل على أسس مدنية, وبدأت الكنيسة تلعب دورا هاما في المجتمع بقيادة الأساقفة, مكونة كيانا مستقلا داخل الدولة. وقد بلغت الكنيسة مرحلة النضج والقوة قبل انحلال الإمبراطورية, مما أهلها بأن تتخذ قالب الإمبراطورية بعد انحلالها, وأصبح لكرسي أسقف روما السيادة الروحية العليا على الغرب وكان يجلس على هذا الكرسي البابا وهو أسقف روما.   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع:

1-   القرآن الكريم.

2-   إبراهيم نصحي, تاريخ الرومان - الجزء الأول- منذ أقدم العصور حتى عام 133ق.م, مكتبة الأنجلو المصرية, مصر,د.ت.

3-   بيار غريمال وآخرون, موسوعة تاريخ أوروبا العام - 1 - أوروبا من العصور القديمة وحتى بداية القرن الرابع عشر, ترجمة: الهاشم أنطوان, منشورات عويدات, بيروت, 1995.

4-   جوزيف نسيم يوسف, تاريخ العصور الوسطى الأوروبية وحضارتها, ط/2, دار النهضة العربية, بيروت, 1987.

5-   حسين كفافى, المسيحية والإسلام في مصر, مكتبة الأسرة, مصر, 2001.

6-   سعيد عبد الفتاح عاشور, أوربا العصور الوسطى - الجزء الأول - التاريخ السياسي, ط/8, مكتبة الأنجلو, القاهرة,1997.

7-   سيد أحمد علي الناصري, تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسي والحضاري, ط/2, دار النهضة العربية, القاهرة, 1991.

8-   طارق السويدان, فلسطين التاريخ المصور, ط/6, الإبداع الفكري, الكويت, 2005.

9-   الطاهر عمري, محاضرات في التاريخ الأوربي الوسيط, موقع على الإنترنت nofeehost.com.

10-                     عبد العزيز جمال الدين, تاريخ مصر من بدايات القرن الأول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع - الجزء الأول: من مارمرقس حتى البطرك 38 بنيامين الأول622/661م, مكتبة مدبولي, القاهرة, 2006.

11-                     عبد الوهاب الكيالي, موسوعة السياسة, ج6, ط/3, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, 1990.

12-                     كولتون, عالم العصور الوسطى في النظم والحضارة, ترجمة: جوزيف نسيم يوسف, دار المعارف, الإسكندرية, 1964.

13-                     نور الدين حاطوم, تاريخ العصور الوسيط في أوربة - الجزء الأول - من أواخر العصر الروماني إلى القرن الثاني عشر, دار الفكر, دمشق,1982.

14-                     ول ديورانت, قصة الحضارة - قيصر والمسيح, ج6, ترجمة: محمد بدران, مكتبة الأسرة, مصر, 2001.

 

 

 

 

 

 

تم بحمد الله جل وعلا



[1]
- سيد أحمد علي الناصري, تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسية والحضارية, ط/2, دار النهضة العربية, القاهرة, 1991. ص: 302

[2]- حسين كفافي, المسيحية والإسلام في مصر, مكتبة الأسرة, مصر, 2001. ص: 24

[3]- سعيد عبد الفتاح عاشور, أوروبا العصور الوسطى ـ الجزء الأول ـ التاريخ السياسي, ط/8, مكتبة الأنجلو, القاهرة, 1997, ص: 49

[4]- الطاهر عمري, محاضرات في التاريخ الأوروبي الوسيط, موقع على الانترنت nofeehost.com

[5]- سعيد عبد الفتاح عاشور, مرجع سابق, ص: 49

[6]- إبراهيم نصحي, تاريخ الرومان ـ الجزء الأول ـ منذ أقدم العصور حتى عام 133 ق.م, مكتبة الأنجلو المصرية, مصر, د.ت. ص: 25

[7]- نفس المرجع, ص: 26

[8]- سيد أحمد علي الناصري, مرجع سابق, ص: 302

[9]- نفس المرجع, ص:303

[10]- كولتون, عالم العصور الوسطى في النظم والحضارة, ترجمة : جوزيف نسيم يوسف, دار المعارف, الإسكندرية, 1964. ص:12

[11]- كولتون مرجع سابق, ص: 13

[12]- طارق السويدان, فلسطين التاريخ المصور, ط/6 , الإبداع الفكري, الكويت, 2005. ص: 65

[13]- كولتون, مرجع سابق, ص:26

[14]- حسين كفافي, مرجع سابق, ص: 50

[15]- طارق السويدان, مرجع سابق, ص: 69

[16]- حسين كفافي, مرجع سابق, ص: 33

[17]- سيد أحمد علي الناصري, مرجع سابق, ص: 491

 

[18]- طارق السويدان, مرجع سابق, ص: 59

[19]- نفس المرجع, ص: 60

[20]- ول ديورانت,قصة الحضارة - قيصر والمسيح, ج6, ترجمة: محمد بدران, مكتبة الأسرة, مصر,2001. ص: 212

[21]- نفس المرجع, ص: 213

[22]- نفس المرجع, ص: 214

[23]- نفس المرجع, ص: 215

[24]- حسين كفافي, مرجع سابق, ص: 26

[25]- عبد العزيز جمال الدين, تاريخ مصر من بدايات القرن الأول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع - الجزء الأول : من مارقس حتى البطرك 38 بنيامين الأول 622/661م, مكتبة مدبولي, القاهرة, 2006. ص: 178

[26]- نفس المرجع, ص: 179

[27]- نور الدين حاطوم, تاريخ العصر الوسيط في أوربة - الجزء الأول - من أواخر العصر الروماني إلى القرن الثاني عشر, دار الفكر, دمشق, 1982. ص: 62

[28]- طارق السويدان, مرجع سابق, ص: 62

[29]- طارق السويدان, مرجع سابق, ص: 63

[30]- عبدالوهاب الكيالي, موسوعة السياسة, ج6, ط/3, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت,1990. ص: 181

[31]- ول ديوانت, مرجع سابق, ص: 206

[32]- طارق السويدان, مرجع سابق, ص: 64

[33]- حسين كفافي, مرجع سابق, ص: 25

[34]- عبد العزيز جمال الدين, مرجع سابق, ص: 184

[35]- عبد العزيز جمال الدين, مرجع سابق, ص: 180

[36]- نفس المرجع, ص: 181

[37]- نفس المرجع, ص: 182

[38]- نور الدين حاطوم, مرجع سابق, ص: 68

[39]- حسين كفافى, مرجع سابق, ص : 27

[40]- حسين كفافى, مرجع سابق, ص: 37

[41]- نفس المرجع, ص: 40

[42]- سعيد احمد علي الناصري, مرجع سابق, ص: 432

[43]- سعيد احمد علي الناصري, مرجع سابق, ص: 493

[44]- حسين كفافي, مرجع سابق, ص: 47

[45]- نفس المرجع, ص: 48

[46]- سيد احمد علي الناصري, مرجع سابق, ص: 304

[47]- جوزيف نسيم يوسف, تاريخ العصور الوسطى الأوروبية وحضارتها, ط/2, دار النهضة العربية, بيروت,1987. ص: 153

[48]- حسين كفافي, مرجع سابق,ص: 79،53

[49]- عبد العزيز جمال الدين, مرجع سابق, ص: 193

 - [50]سيد احمد علي الناصري, مرجع سابق,ص: 386

[51]- كولتون, مرجع سابق, ص: 15

[52]- كولتون, مرجع سابق, ص: 8

[53]- سعيد عبد الفتاح عاشور, مرجع سابق,ص: 65

[54]- نفس المرجع, ص: 68

[55]- سعيد عبد الفتاح عاشور, مرجع سابق,ص: 71

[56]- بيار غريمال وآخرون, موسوعة تاريخ أوروبا العام -1- أوروبا من العصور القديمة وحتى بداية القرن الرابع عشر, ترجمة : الهاشم أنطوان, منشورات عويدات, بيروت,1995. ص: 228

[57]- بيار غريمال وآخرون, مرجع سابق, ص: 259

اجمالي القراءات 13598