التوبة ودورها في حل المشاكل
التوبة النصوح سر انفراج الأزمات!!

نسيم بسالم في الإثنين ١٧ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

وجدتُه مهمُومًا مغمُومًا، وهُو لا يزال في ريعان شبابِه، وزهرَة عُمُرِه؛ فقُلت له: مالي أراكَ أخي الحبيب مُطرقًا واجمًا، كئيبًا حزينًا؟! ما خطبُك؟!
فأجابني: لقَد ضاقَت عليَّ الدُّنيا بما رحُبَت، وأصبحت أرى كُلَّ شيْءٍ أسودًا قاتمًا أمام ناظري، وكُلَّما تقدَّمتُ خُطوَة إلا وجدتُ عراقيل لا تُحصَى، وغدا كُلُّ شيء عسيرًا مُتأزِّمًا، لا أدري ما الحَل وما المَخرج؟!
لاينتُه ولاطفتُه وحاولتُ التَّهديء من روعِه، والتَّخفيف مِن أحمالِه؛ ثُمَّ قُلت له أثناء الحَديث: اصدُقني يا صاحبي العَزيز: هَل تعلمُ من نفسِك معاصٍ وذُنوبًا لا زلت مُصرًّا عليها؟! لَم تتُب إلى الله مِنها؟!
فقال: أصدُقك القَول: نعَم!! هُنالك معاصٍ أعملُها في الخفاء أستلذُّها وأهواها؛ وبعضُها أدمنُ عليها، ولستُ أفكِّر في الإقلاع مِنها، وأنت تعلمُ حالَة شباب العَصر!!
فقُلت لَه: اعلَم أخي الحبيب أنَّ أوَّل شُروط انفراج هُمومِك، وانجلاء غُمومِك، وتيسُّر أحوالِك، وانفكاك عُقدِك، بإذن الله تعالى؛ هُو صدقُك مَع الله، ورُجوعِك إليه رجُوعًا تامًّا، والتَّوبة من كافَّة ذنُوبك توبَة نصُوحًا! فما كان الله ليلتفت إليك وأنت عَنه مُعرض مُدبر! وما كانَ الله ليقليك ويهجرُك وأنت تدعُوه وتبكي على أعتابه باللَّيل وبالنَّهار؟! ولا يغرُّنَّك شبابُك؛ فقَد ترحلُ غدًا أو بعد غد وتصير عظامًا نخرَة تَحت الجنادِل، فكيف يكُون مصيرُك، وبِم تُجيب ربَّك؟!
واصلتُ الحديث معه فقُلت له: هُنالك دَور للتَّخطيط والمشُورة واتِّخاذ الأسباب الماديَّة في الخُروج من أزماتِك نَعم؛ ولَكن اعلَم وبلِّغ عنِّي كُلَّ مَن تعلمُه على شاكلتِك؛ أنَّ أوَّل سبب للخُروج من الأزَمات، وتفريج الكُربات؛ هُو الصَّفاء والنَّقاء مَع الله قلبًا وقالبا، رُوحًا وجسدًا، وُجدانًا وسُلوكًا؛ وبدُون ذَلك فهيهات أن يجد المرءُ بصيصَ أملٍ في حياتِه إلا القلاقِل والمشاكِل عافانا الله جميعًا مِنها!!
أليس نبيُّ الله يُونس كان موعُودًا بالمُكوث في بَطن الحُوت إلى يَوم البعث والنُّشور، لَولا أنَّه كان من المُسبِّحين المُعترفين بما فرَّطُو في جَنب الله؟! ألم يُحرَم أبُونا آدَم عليه السَّلام قبله من جنَّة الخُلد ومُلكٍ لا يبلى بسبب عصيانِه وأكله من الشَّجرة؟!
على هذا النمُوذج فقِس، وتوكَّل على الله، وصلِّ له بضع ركعات خاشعات، وارجع إليه رُجوع الأوَّابين؛ فسترى خُيوط النُّور تنبلج شيئا فشيئًا، مُتحررا من ظُلماتك السَّالفَة، حتَّى تعيش بعدَها في نُور الله وكنفِه الغامر بالرَّحمات والبَركات!!
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) [الطلاق : 3].

اجمالي القراءات 9131