قصيدة مدح لا تعجبنى

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٨ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

ترددت فى نشر هذه الرسالة ، ثم قررت نشرها كماهى شاكرا لكاتبها ومُعاتبا له فى نفس الوقت .  

 قال أكرمه الله جل وعلا :

أنا متابع لكل ما تكتب ، وأقتبس من كتاباتك فى ندواتى ولا أشير الي إسمك وأتجاهله ، وأرجو أن تعذرنى ، فحين أتجاهل إسمك ليس غمطا لحقك ولكن خوفا من إنصراف القارىء والسامع بسبب الخوف الهائل الذى يُحدثه ذكر إسمك ، والنفور منك والرغبة المسبقة للقارىء والسامع لرفض أى كلام منسوب لك . وهذه هى القضية الأولى التى أطرحها معك . هذا العداء الشديد لك والرفض المسبق والمطلق لكل ما تقول . لأجل هذا كثيرا أعرض بعض أفكارك دون ذكر إسمك ، والعجيب أننى أنال الاعجاب الذى لا أستحقه ، فأنت صاحب الرأى ، ولكن طالما جاءت غير منسوبة لك فهى رائعة . فى أحد المرات تحدثت فى ندوة عن ( الروح فى القرآن ) وأنه جبريل وليس النفس ، وقلت مقالك كاملا المنشور فى موقع ( اهل القرآن ) على انه من صميم أفكارى ، وتتابعت عبارات المديح ونظرات الاعجاب . وكان ضميرى يؤلمنى وأنا أقتنص ما هو حقا لك . وبررت لنفسى بأن المهم نشر التنوير بغض النظر عن قائله . وزاد من إحترامى لك دعوتك كل من يريد أن ينشر آراءك وينسبها لنفسه . وهذا مع كرم أخلاقك يدل على ذكاء ، وهو أن هذا هو أسرع طريق لنشر أفكارك ، وأن تتخطى هذا العداء الأحمق لشخصك والذى نتج عن سنوات طوال من إغتيال شخصيتك معنويا وتصويرك فى صورة شيطان مريد . ولقد نجحوا فى هذا ، ولكن يمكن تخطى هذا بنشر أفكارك عن طريق ( وكلاء ) آخرين . وفى النهاية فأنت المنبع ، والانترنت يحفظ  لك حق السبق بلا جدال .

القضية الثانية مرتبطة بما سبق ، وهى لماذا يكرهونك الى هذا الحد ؟ هم فى قرارة أنفسهم لا يجادلون فى مقدرتك العلمية ولا فى ثباتك على مبدئك  وتضحياتك من أجل رأيك ، وهذا ما تبين لى من الجدال معهم. بل قلت لبعضهم إنك لو أردت أن تصبح من الشيوخ الميليونيرات لفعلت ، فالمهارة فى البحث والمقدرة العلمية يمكن توظيفها فى الحق أو الباطل ، وكان بإمكانك توظيفها فى الباطل وتتفوق على بقية الشيوخ الجهلة ، بل وتتفوق على الشيخ الشعراوى نفسه ، ولكنك إخترت طريق الاصلاح وتتحمل الأذى . حين قلت هذا سكتوا ولم يردوا . والواضح إن عجزهم عن الرد هو سبب كراهيتهم الحادة لك  .

بل إن بعض المتأثرين بأفكارك والمرددين لها يخشون من الاشارة اليك ، ففى كل القضايا والموضوعات التى تتناول تجديد الفكر الاسلامى ونقد البخارى والتراث وفضح السلفية والاخوان وإصلاح الأزهر يتجاهلونك عمدا ، مع إنك أول من فجّر هذه القضايا ، ولا يزال رائدا فى مجالها ، وكل من أتى ويأتى بعدك هم مثلى ( عالة على علمك ) . وأنا أعترف بفضلك وهم لا يعترفون ، بل قرآت للمستشار أحمد عبده ماهر الذى كان يكتب فى موقع ( اهل القرآن ) هجوما بذيئا عليك ، ولا أعرف إن كنت قد قرأته أم لا . وهناك الدكتور المشتهرى الذى أعلم أنه كان تلميذا لك أصبح يتبرأ منك ومن الانتساب الى أهل القرآن وفى نفس الوقت يزعم أنه استاذك وأنك تأثرت به . بل الكاتب الراحل جمال البنا والذى أعرف علاقتك به ، وانك الذى قدمته للإعلام وألحقته بمركز ابن خلدون وجعلته من أعمدة رواق ابن خلدون ـ أخذ يهاجمك بعد هجرتك لأمريكا ، وحين كنت تنشر مقالاتك على الانترنت زعم أنك آويت الى الظل و هجرت الكتابة . بل قرأت  له كتابا عن الموقف من السُّنّة ، وتكلم فيه عن فلان وفلان وتعمد أن يتجاهلك وانت المشهور بلقب ( منكر السّنة ) . وقرأت معظم مؤلفاته ، ورأيت أنه ينقل آراءك ويصيغها باسلوب صحفى مختلف عن أسلوبك الأصولى . وربما يكون هذا سبب إنتشاره ، بالاضافة الى أنه وقف موقفا وسطا لم يقل بالغاء السنة والأحاديث مطلقا وركز هجومه على الفقه ، مع ان الفقه يقوم على أحاديث . وبهذا حاز على شهرة ، وسار على طريقته آخرون يقولون بعض الأحاديث وينكرون معظمها ، وينالون التصفيق والاعجاب والأموال ، وينجون من الاضطهاد .. هؤلاء يفزعهم أن تتواجد على الساحة فى القنوات الفضائية . ولو ظهرت وقدمت برنامجا واحدا لسحقتهم جميعا ، فمعك عصا موسى التى تكشف حبالهم وسحرهم .

القضية الثالثة مرتبطة بما سبق . لماذا تنفرد وحدك سيدى بهذا العقوق والتجاهل وكراهية الأغلبية من المتدينين ؟ ولماذا يوضع إسمك دائما على رأس قائمة المغضوب عليهم ؟ السبب يا سيدى أنك ايضا تنفرد بالريادة . أنت تسبق عصرك بعشر سنين على الأقل ، والذى يسبق عصره محكوم عليه بأن يكرهه عصره ، وقد لا ينال الإنصاف إلا بمجىء عصر تنويرى يعطيك حقك . هذا هو عصر نجوم السلفية الذين يقولون المضحكات كالحوينى والعريفى و والبرهامى ، وحتى من هو ضدهم سياسيا مثل المفتى السابق على جمعة فهو لايختلف عنهم فى ترديد الخرافات . هذا هو عصرهم وليس عصرك يا سيدى . وهؤلاء أيضا يرون العمى ولا يرونك متحدثا فى قناة فضائية لأنك ستسحقهم سحقا .

هناك رواد كثيرون أراك تشيد بهم كالامام محمد عبده . واسمح لى أن أقول لك إن كل ما قدمه محمد عبده من أجتهاد ( نوعى ) لا يتعدى ما قيل من قبل فى عصر الاجتهاد العلمى فى العصر العباسى الأول . قوله عن ( أحاديث الآحاد إنها كل الأحاديث المكتوبة فى التراث وقيامها على الشك وعدم اليقين وإنعدام الحديث المتواتر أو أنه حديث واحد فقط أو عدة أحاديث قليلة )  قالها أئمة من قبل . وهجومه على التصوف سبقه كثيرون . هو كما قلت سيادتك إنفرد فى ( تفسيره ) بانكار الشفاعة وإنكار علم النبى بالغيب ، هذا هو مجمل ريادته . ولم يترك بعده سوى عدد قليل من الكتب والرسائل الصغيرة . أما أنت يا سيدى فقد قلت آلاف الأفكار الجديدة والتى لم يسبقك اليها أحد ، وكتبت فى هذا كما تقول آلاف الفتاوى والمقالات والأبحاث والكتب . وأنت تردد هذا ، وبعضهم يعتبر ذلك منك غرورا . وتقرير الحقائق الملموسة المنشورة على الملأ ليست من الغرور فى شىء ، هى فقط تسجيل لحقائق من مفكر يسبق عصره ويعانى بسبب ذلك .

بعض من يقرأ لك لأول مرة يقول ما قاله لك الأخ رشيد المغربى مقدم برنامج ( سؤال جرىء ) إنك تأتى بدين جديد ـ بسبب أن كل ما تقوله لم يقله أحد من قبلك فى تاريخ المسلمين من 14 قرنا .  أنت بالطبع لم تخترع دينا جديدا ، بل تستشهد فى كل ما تقول بالقرآن ، إنك تعيد تقديم الاسلام الدين المهجور من خلال القرآن الذى إتخذه المحمديون مهجورا ، ولأن المحمديين عاشوا قرونا طويلة متمسكين بأديانهم الأرضية من تشيع وتصوف وسنة فقد أصبح إجتهادك فى تجلية حقائق الاسلام وسط زبالة التراث كأنك تخترع دينا جديدا . وأذكر أن كاتبا فى جريدة الشعب هاجمك بقسوه ، وقد اتهمك أنك فى المستقبل ستدعى النبوة ، ويهاجمك بسبب هذا الزعم الغيبى ..وأنا أرى هذا الكاتب معذورا لأنك صفعته بحقيقة مؤلمة ، وهى أن دينه المتوارث يخالف الاسلام . وبالتالى فهو بين أمرين ، إما أن يوافقك وإما أن يهاجمك . وقد إختار أن يهاجمك ، فلما لم يجد فيك عيبا زعم أنك فى المستقبل ستدعى النبوة .

واسمح لى أن أخالفك سيدى فيما قلته فى برنامج ( سؤال جرىء ) للأخ رشيد المغربى بأنك تبنى على ما قاله المعتزلة فى العصور الوسطى ثم الامام محمد عبده فى العصر الحديث . أخالفك فى كلامك عن المعتزلة . هم دخلوا على القرآن الكريم برأى مسبق هو إخضاع القرآن لمنهجهم العقلى المتاُثر بالفلسفة الاغريقية ، وقاموا بتأويل الآيات القرآنية التى تخالف منهجهم . وأنت الذى قلت هذا فى بحث التأويل . ولهذا ليست للمعتزلة إضافات حقيقية فى التعريف بالاسلام . أنت سيدى الذى قدمت التعريف بالاسلام من خلال منهجك فى فهم القرآن الكريم من خلال مصطلحاته ومن خلال سياقاته الموضعية والعامة ، وبدون أن تنتقى ، وبدون أن تدخل عليه برأى مسبق  تفرضه على القرآن . بهذا المنهج فقط إنفتحت أمامك وأمامنا الهداية القرآنية ، وتوالت إكتشافاتك لروائع الاسلام ، فبدا الأمر كما لو أنك تخترع دينا جديدا . وعلى قدر هذه الريادة غير المسبوقة فى التاريخ الفكرى للمسلمين تدفع الثمن فى عصر العريفى و الحوينى وآل الشيخ و على جمعة والبرهامى ..

أكتب اليك سيدى هذا الكلام مقدمة لرجاء ، هو أن تتفرغ لنشر ما لم يتم نشره من مؤلفاتك لتكون متاحة للجميع فى حياتك . وهذا يتطلب ألّا تنشغل بالرد على أى تعليق على مقالاتك . أرجو مخلصا أن تلغى خانة التعليقات على مقالاتك فى موقع أهل القرآن أسوة بما تفعله فى موقع ( الحوار المتمدن ) ومن حق من يريد الاستفهام عن شىء ما أن يرسل اليك بالفتوى على بريدك الاليكترونى أو على الموقع . إننى أتطلع بشوق شديد الى الكتاب التالى بعد كتاب المعارضة السعودية ، وقلت إنه عن رسالتك العلمية عن التصوف المملوكى . وكتبت أن لديك الكثير غيرها مما ينتظر المراجعة والاستكمال قبل النشر . ارجو ألا تضيّع وقتك . وكفى ما أضاعه المتطفلون على موقع ( اهل القرآن ) حين جرّوك الى مهاترات .

سيدى فى النهاية .. لقد قابلتك مرتين ، إحداهما فى رواق مركز ابن خلدون ، أنا كنت وقتها مدرسا مساعدا فى الجامعة ، وجئت خصيصا لأراك ،وتبادلت معك وقتها حديثا قصيرا ، والأخرى فى مؤتمر لتأبين الراحل فرج فودة فى مسرح السلام ، وكنت أنت الذى تقوم بتقديم المتحدثين . وبعد انتهاء الاحتفال تكلمت معك أثناء الخروج وكنت فى رفقة الشاعر سمير عبد الباقى الذى توفى منذ شهور . طبعا لا تتذكرنى وسط آلاف من كان يستمع اليك فى الثمانينيات والتسعينيات فى المساجد وقاعات الندوات . وكانت أياما عظيمة قبل أن يتصدر الغوغاء الصفوف فى غيابك . غيابك أصابنا بإحباط شديد ، ونتمنى عودتك لبلدك مصر ، وتلامذتك الذين كانوا شبابا مثلى فى الثمانينيات والتسعينيات تبوءوا مراكز فكرية محترمة ، وأنت الشخص الوحيد الذى غيّر مجرى حياتنا الفكرية وأنقذنا من السلفية أو الالحاد وجعلنا نحب الاسلام ونتذوق روعة القرآن ونتعجب من عصيان الصحابة للرسول عليه السلام . لا تشغل نفسك بمن هو أنا .. فقط إستمر فى إجتهادك فنحن فى أمسّ الحاجة اليه .) انتهى

التعليق

1 ـ مع الشكر الجزيل للكاتب وأُسلوبه البليغ فقد كنت أتمنى أن يقول لى إسمه ومنصبه . لم يفعل هذا ، أى إنه ببساطة جعل نفسه ضمن الخائفين من ذكر إسمى ، أو الخائفين من الاتهام بأنهم ضمن ( اهل القرآن ) .

2 ــ أشكر له نقل بعض أفكارى ( الهينة ) مثل ( الروح هو جبريل ) ولكن هل يستطيع أن ينقل الأفكار الصعبة الاسلامية مثل ( شهادة الاسلام واحدة فقط ) و(لا يصح تفضيل النبى الخاتم على الأنبياء السابقين وأن ذلك وقوع فى الشرك وتدخل فى عمل الرحمن جل وعلا الذى يملك وحده محاسبة الأنبياء ). وهناك موضوعات تاريخية قُرآنية مُرعبة مثل كفر صحابة الفتوحات كأبى بكر وعمر وعثمان وخالد وعمرو ، وسائر ما جاء فى كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) . أعرف صعوبة أن يتبنى هذا أى شخص فى ندوة فى ظل الوضع الحالى فى مصر . ولكن من الممكن الدعوة للرد على أقوال ( احمد صبحى منصور ) الذى يقول كذا وكذا ويخالف المعلوم من الدين بالضرورة وما أجمعت عليه الأمّة . وتحت هذه اللأفتة يتولى أحدهم عرض أفكارى ويقوم الجميع بالرد ، ولو فى مظاهرة تنادى بإعدامى .!

3 ـ أفهم من خطابك وعُلوّ أسلوبك فى الكتابة أنك استاذ جامعى وكاتب مرموق . الا يمكنك أن تتوسط لنشر بعض مقالاتى فى الاعلام المصرى و دعوة الشيوخ لمناقشتها على أن هذا من صميم عملهم ؟

4 ـ تدعونى للعودة الى مصر . وأنا أتوق لهذا فعلا . ولكن هل يستطيع الخائف من ذكر إسمه فى هذا الخطاب أن يقف الى جانبى لو حدثت لى محنة فى مصر ؟ من الممكن أن أعود الى مصر لو بادر المثقفون فيها الى نشر كتاباتى ودعوا الى مناقشتها ، وخلقوا مناخا ملائما يساعد فى تخفيف العداء السائد ضدى ، والدعوة الى التعرف بى ، بعد مناقشة الاتهامات المزعومة التى تترك الفكر وتٌمسك بشخص المفكر تُوسعه شتما وسبا وتحقيرا .

5 ــ مع جزيل الشكر للكاتب فإننى لا أحفل بالمديح . أتمنى أن يكون البديل عملا جادا فى الدعوة الى مواجهة السلفية الوهابية السنية من داخل الاسلام ، والحث على عودة القائمين بالاضلاح لبلادهم عودة كريمة يباشرون فيها عملهم الاصلاحى بلا خوف من قانون إزدراء الأديان ،وبلا خوف من مطاردة  الأمن الوطنى ( أمن الدولة سابقا ) .  

اجمالي القراءات 9778