من هم المؤلفة قلوبهم؟

سامح عسكر في السبت ٠١ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

هؤلاء هم أحد المصارف الثمانية المستحقة للزكاة ...الوارد ذكرهم في قوله تعالى.." إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"..(التوبة :60 )

الشيوخ قالوا أنهم المسلمين الجدد لترغيبهم في الإسلام أو من يُرجى إسلامهم من الكفار أو اتقاء شرهم وتجنيب الدعوة خطرهم ولو كانوا من الأغنياء..

يعني بالبلدي...هي رشوة عيني عينك 

أن تخرج الزكاة للرشوة..!

وأن تخرج أيضاً للأغنياء..!

لا تستعجب ...الشيوخ هم الذين قالوا ذلك، وتقريباً كدا فيه شبه اتفاق على هذا التعريف، لدرجة أن البخاري شارك في هذه الحفلة التي تتهم الله جل وعلا بتشريعه للرشوة..

المشكلة أن الشيوخ لم ينتبهوا إلى سياق الآيات التي سبقت هذه الآية، فالسياق يؤكد لمز المنافقين للرسول أنه لم يكن لهم حظ من الصدقات.

قال تعالى.." "ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ، لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ،ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ، ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون"..(التوبة56:59 )

السياق يقول أن المنافقون ساخطون على النبي على استثنائهم من الصدقات..

طب السؤال هل النبي يعلم هؤلاء المنافقين؟

الإجابة قطعاً لا ، لأن النفاق هو عمل قلبي لا يطلع عليه إلا الله ، بينما الرسول هو بشر لا يعلمهم..

ويؤكد ذلك قوله تعالى.." وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم "..(التوبة :101 )

إذن لو كانت.."المؤلفة قلوبهم"..يعني رشوة من يُرجى إسلامهم أومن يُتقى شرهم أو المسلمين الجدد ...فلماذا غضب المنافقون حول النبي لحرمانهم من الصدقات؟..مع العلم أن النبي لا يعلمهم أنهم منافقين..ولكن الله هو الذي أنبأه بخبرهم وحذره منهم وإن لم يُسمّهم له.

وتفسير الآيات يقول بوضوح أن النبي استثنى هؤلاء المنافقين لأنهم لم يكونوا يستحقون الزكاة، فهم ليسوا من أبواب الصرف الثمانية.

وعليه يسقط تعريف الشيوخ أنهم المسلمين الجدد أو من كانوا يُرجى إسلامهم أو يُتقى شرهم، وإلا لاتقى النبي شرهم أو أقدم على رشوتهم ليُصبحوا عوناً له..

طبعاً هذا البحث في القرآن يكرهه الشيوخ

لأنه ببساطة يفضح جهلهم وكذبهم على الرسول، وكالعادة أؤكد أن لا تعميم، فكثير من الشيوخ يبحثون في الدين ولا يُسلّمون للموروث، لكن نقصد منهم من تعصّب للموروث ونشره ودافع عنه حمية جاهلية، أو من انتفع منه وكانت له تجارة..

المشكلة أنهم يعترفون بالرشوة

والمشكلة الأكبر أنهم قالوا بنسخ هذا الحكم، أي لم يعد سهم المؤلفة قلوبهم موجود...

قال الثعلبي في تفسيره.." أما المؤلفة قلوبهم فليس اليوم، وقال الشعبي: إنه لم يبق في الناس اليوم من الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلمّا ولي أبو بكر انقطعت الرشى، وهذا تأويل أهل القرآن، يدل عليه حديث عمر بن الخطاب حين جاءه عيينة بن حصين، فقال الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إن الإسلام أجلّ من أن يرشى عليه، أي ليس اليوم مؤلّفة"..(تفسير الثعلبي 5/60)

تأمل لفظ الثعلبي.."الرشى".

وهذا رد على من يبرر ذلك التفسير منهم، أو يأوله ويحرفه عن معناه الوارد في معرض التعريف.

لا تستغرب بعد ذلك من داعش ولجوئها لرشوة كل من تراه خطراً عليها ، فحسب تفسير الشيوخ للمؤلفة قلوبهم جاز رشوة أي شخص –ولو كان عسكرياً- في سبيل نُصرة دولتهم، وهي تبرع في ذلك جدا. .

في تقديري أن المؤلفة قلوبهم جاءت من الجذر.."التأليف والألفة والتآلف"..وهذا المعنى قد يصح لمن عانى من مصائب وأهوال فتتآلف قلوبهم على مصيبة واحدة، ويكونون في حُكم المُصاب.

وهذا يعني أن من فقد بيته أو ماله أو عياله هو في حكم ذلك المُصاب، وإن لم يكن فقيراً أو مسكيناً من أصله، فكثير من الناس حالتهم ميسورة ، ولكن إذا فقدوا بيتاً أو مالاً نُكّست قلوبهم وأصبحوا في وضع اجتماعي واقتصادي يُرثى له، لكن الناس لا تنظر إليهم نظرة المساكين والفقراء فيتركوهم ويشتد عوزهم، وبالتالي يدخلون في صنف المؤلفة قلوبهم على الشدائد.

هذا ينطبق على المسلمين وغير المسلمين، فاللفظ عام لا يمكن حصره في دين أو طائفة أو حزب.

وهذا يعني أن المسيحي أو اليهودي أو الملحد الذي تعرض لأزمة مالية أو اجتماعية أو نفسية هو من المؤلفة قلوبهم ،يجب على وليّ الأمر والدولة أن يُعطيه من الصدقات.

ويبقى تعيين من يستحق مما لا يستحق حسب رؤية أهل الحكمة والقائمين على الأمر، فلا يستوى المليونير الذي خسر أرباحاً –مثلاً- مع من فقد بيته أو خسر تجارته وانحط ماله وأمره بين الناس..

لكن في كل الأحوال، لا أدع أن هذا هو التفسير الصحيح للمؤلفة قلوبهم، لكن على الأقل فالتفسير الذي أشاعه الشيوخ هو تفسير أقل ما يُقال عنه أنه ساذج وهمجي وفي قمة السفالة، حيث يتهمون الله إجازته الرشوة تحت عنوان الصدقة، بل ويُجيزون أن تخرج هذه الرشوة للأغنياء حتى يأمن المسلمون مكرهم..!

اجمالي القراءات 135668